السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
التفكر في حقيقة الفقر إلى الله
التفكر في حقيقة الفقر إلى الله تعالى مجال عظيم من مجالات التفكر بل إنه مفتاح العبودية ، يقول الله تعالى:يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) سورة فاطر ، ففقرنا إلى الله فقر ذاتي لا تغيره العوارض و هو يشمل جوانب الحياة ، و مهما ادعى المدعون بقدرتهم على الاستغناء عنه سبحانه ، لا بد أن تأتيهم لحظات يشعرون فيها بمدى ضعفهم و فقرهم إليه ، و إن عادوا إلى ضلالهم بعد ذلك ، يقول جل جلاله:"هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " سورة يونس
و يقول جل جلاله: { وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرّ فِي الْبَحْر ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَان كَفُورًا } سورة الاسراء
إننا بحاجة إلى حفظه و رعايته ، و توالي إمداده لنا بأسباب الصحة و العافية بعدد أنفاسنا ، و الذي يشك في ذلك عليه أن يسأل نفسه : ماذا لو نقص الهواء المحيط به؟ و ماذا لو فقد الماء أو الغذاء؟ هذا في جانب الصحة و العافية ، أما في جانب دوام حفظ الأمن و الستر ، فلو تفكرنا في الأسباب لتي تجعلنا نفقد هذه النعمة ، من حدوث زلازل و براكين ، و فيضانات و صواعق ، و حرائق و جرائم ، لأدركنا مدى حاجتنا إليه سبحانه و إلى أمنه و ستره.
يقول جل جلاله:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } سورة الأنعام
إذا هي عناية الله لنا ، و إن حدث و أصابنا شيء مما نصت عليه الآية ، فإنه يلون لنا الآيات التي تدعونا للرجوع إليه سبحانه بالتوبة الصالحة ، يقول جل جلاله: { ولنذيقنهم مِنَ الْعَذَاب الْأَدْنَى دُون الْعَذَاب الْأَكْبَر لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} سورة السجدة
فالعذاب الأدنى هو ما يتعرض له الإنسان من أنواع الضر( ضر عذاب) في حياته الدنيا حتى يرجع إلى الله قبل أن يقع عليه العذاب الأكبر يوم القيامة .. و هنالك نوع آخر من الضر هو ضر الرحمة كالذي أصاب سيدنا أيوب .."وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين* فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكري للعابدين" سورة الأنبياء
لقد وقع الضر ( ضر رحمة) على سيدنا أيوب كي يزداد شكرا لله من خلال صبره ، و يزداد يقينا أن الله هو الكاشف وحده ، و عندما صبر كشف الله عنه ضره { إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب} سورة ص
أما في جانب الهداية فالفقر إليه أشد ، فجميعنا لو ترك لنفسه ما ثبت لحظه ، و يكون الضلال و الفسق و الإجرام أقرب إليه من شراك نعله"وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ " سورة النور
فلا طاعة لأحد بنفسه ، و إلحاحها و طلباتها الدائمة بالحصول على الشهوات و لولا فضل الله علينا و رحمته لكنا في ضلال مبين ، هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى فإن دخول الإيمان في قلوبنا نعمة عظمى منه وحده سبحانه و تعالى ، يقول جل جلاله: "وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ" سورة الاعراف
مع هذا الفضل العظيم فإن الثبات على الحق ، و عدم زيغ القلب إلى الهوى فضل كبير منه سبحانه و تعالى ، لا يستطيع أحد من البشر مهما كان إيمانه أن يدعيه لنفسه ، و لو للحظه واحدة.
إن دوام التفكر في هذا المجال من شأنه أن يرسخ الفقر إليه سبحانه و تعالى في اذهاننا ، فندرك المعنى الحقيقي للذكر : لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
منقول للفائدة بإذن المولى تعالى من كتاب " عبرات في محراب التوبة مع قصص واقعية بدموع التائبين" للأخت ميمونة بنت حميد بن عبدالله الجامعية
"اللهم اجعل ما نقلته حجة لي يوم ألقاك و لا تجعله حجة عليّ"
اللــــــــــهم آمـــيــــــــــن
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي