اجتمع المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل ليناقش عملياته بقطاع غزة، واحتدم النقاش بين أعضائه حول أسباب الفشل في عدم قدرة سلاح الجو في وقف الصواريخ والقذائف تجاه المدن الإسرائيلية، وأجمع المشاركون على تحميل شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال المسئولية عن ذلك، وبدأ الحديث حول ضرورة العملية البرية من أجل وقف تلك الصواريخ وحماية العمق الإسرائيلي، وهذا تحدي كبير لبنيامين نتانياهو الذي يخشى سيناريو فشل العملية وبذلك سيتحمل المسئولية الكاملة عن هذا الفشل، ويخشى من استثمار خصومه السياسيين ذلك للقضاء على مستقبله السياسي، ففي إسرائيل صراع خفي بين قطبي حزب الليكود بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه موشي يعالون، ومن هنا بدأت إرهاصات هزيمة إسرائيل تطل برأسها، وهذا ما عكسه الجدل المحتدم حول جدوى العملية البرية، التي يرى فيها بعض الصهاينة بأنها الطريق الوحيد نحو وقف إطلاق الصواريخ والقضاء على المقاومة، ومع مرور الساعات أخذ هذا الجدل منحى آخر، بحيث بدأت تعلو الأصوات من أطراف إسرائيلية وازنة في الائتلاف الحكومي حول الخشية من العملية البرية، وربما أهم هذه التحولات تراجع وزير الخارجية الصهيوني افيغدور ليبرمان عن تأييده للعملية البرية.
هناك أسباب تدفع إسرائيل للخشية من جدوى العملية البرية أهمها: 1- صلابة الجبهة الداخلية الفلسطينية مقابل هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية. 2- مفاجآت المقاومة المتكررة، والتي استطاعت خلط الأوراق لدى القيادة الصهيونية ودفعها نحو التفكير بشكل أكثر عمقاً في جدوى العملية البرية. ولعل عملية الكوماندوز البحري لكتائب القسام التي استهدفت قاعدة زكيم البحرية، وتفجير الجيب العسكري بصاروخ الكورنيت من أكثر المفاجآت التي كان لها الأثر في البحث في جدوى الاجتياح البري لقطاع غزة. 3- حجم الخسائر المتوقع حدوثها في الطرفين، وهذا يطرح تساؤل عند أروقة صناعة القرار الصهيوني: هل تحتمل إسرائيل مقتل أو أسر عشرات من جنودها..؟ وهل تستطيع تقدير الموقف الدولي والإقليمي في مدى تحمله سقوط آلاف الشهداء الفلسطيني..؟ 4- في حال نجحت العملية البرية فهل تستطيع إسرائيل تحمل مسئولية ما يقارب مليوني فلسطيني في شتى المجالات. 5- موقع قطاع غزة في الفكر الصهيوني السياسي والاستراتيجي والتوراتي، وهنا أذكر بأن اسحق رابين صرح بأنه يتمنى أن يصحو من نومه ويرى قطاع غزة وقد ابتلعه البحر، أما بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الحالي ومؤلف كتاب مكان تحت الشمس، يقول في كتابه: يوجد منطقة واحدة مكتظة بالسكان العرب، وتعتبر أقل حيوية من الناحية الإستراتيجية هي قطاع غزة، فتعداد سكانها يقارب سكان الضفة الغربية، بينما مساحتها 6% من مساحة الضفة الغربية. خلاصة القول: إن إسرائيل تستخدم ورقة الاجتياح البري للضغط على الأطراف الإقليمية والدولية للتدخل والضغط على فصائل المقاومة للقبول بالتهدئة، بالإضافة إلى ترهيب الجبهة الداخلية الفلسطينية، وبذلك قد تندرج نلك التصريحات في سياق الحرب النفسية، فإسرائيل مأزومة أكثر من أي وقت مضى، وربما عكس نتانياهو في مؤتمره الصحفي اليوم تلك الأزمة، حيث بات واضحاً على وجهه ولغة جسده حجم المأزق الذي وقع فيه بسبب حماقاته، وبات يرى مستقبله السياسي أكثر سواداً من أي وقت مضى، والفضل في ذلك يعود إلى الإبداع الفلسطيني الذي رسمته فصائل المقاومة الفلسطينية من خلال تطوير قدراتها الصاروخية والدفاعية، وأيضاً صمود الشعب الفلسطيني وصلابة جبهته الداخلية.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي