عد نظام التعليم في كوريا الجنوبية أحد أفضل النظم التربوية والتعليمية في العالم، ويعرف عن الكوريين أنهم يولون التعليم اهتمامًا عظيمًا كوسيلة لتحقيق الذات والتقدم الاجتماعي، حيث إنهم الأعلى في معدَّل الالتحاق الإجمالي بالتعليم العالي على مستوى العالم بمعدل 103% وهو مقياس يشي بالمكانة البارزة التي يتبوَّؤها التعليم في كوريا الجنوبية حتى أصبح للمتعلمين دور رئيس في نمو كوريا الاقتصادي السريع الذي حققته في العقود الثلاثة الماضية.
تتويجًا لجهودها المضنية والدؤوبة في مجال التعليم، حصدت كوريا الجنوبية، فتقدمت بجدارة إلى المركز الأول لعام 2014 وفق تقرير بيرسون الذي تصدره شركة بيرسون البريطانية للتعليم والنشر عن أفضل نظام تعليمي في العالم في المهارات المعرفية والتحصيل العلمي، وتلتها اليابان ثم سنغافورة وهونج كونج، بعد أن كانت ثانيًا بعد فنلندا في التصنيف ذاته لعام 2012.
كما جاءت كوريا في المرتبة الأولى من بين 34 دولة عضوًا في المنظمة في مجال الرياضيات، واحتلت المرتبتين الأولى والثانية في القراءة، والمراتب الثانية والثالثة والرابعة في العلوم، وذلك طبقًا للبرنامج الدولي لتقييم الطلبة الذي نظمته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوائل هذا العام.
وسلطت شركة بيرسون، في تقريرها الذي أصدرته مؤخراً، الضوء على أفضل النظم التعليمية في العالم, مشيرة إلى تقدم دول شرق آسيا على بقية الدول في التعليم، بينما حلت فنلندا، التي كانت الأولى في هذا المجال قبل عامين، في المرتبة الخامسة، وتلتها بريطانيا، فيما جاءت ألمانيا في المركز الثاني عشر، ثم روسيا والولايات المتحدة.
وأوضح التقرير أن نجاح هذه الدول يؤكد أهمية وجود أهداف واضحة لنظام التعليم وتعزيز ثقافة المسؤولية بين الأطراف المعنية في ذلك, كما يكشف كيف أن إكساب الطلبة مهارات متعددة في التعليم له علاقة بالتطور الحضاري، خصوصًا في المجال الاقتصادي، مشددًا على أن التعليم الفعال يتطلب بيئة داعمة له، ونطاقًا واسعًا من المهتمين، سواء من إدارة المؤسسة التعليمية والمعلمين وأولياء أمور الطلبة؛ الأمر الذي يؤدي إلى رفع مستوى دوافع الطلبة نحو التعليم بشكل فعال.
وطرح التقرير سبل الاستفادة القصوى من الاستثمار في تكنولوجيا التعليم، وهو يعمل على تقيم طرق التعليم الرقمي الإبداعية في أنظمة التعليم عبر العالم, ويصنّف التقرير تكنولوجيا التعليم ضمن ثلاثة معايير هي فعالية طرق التعليم, وقدرتها على إحداث تغيير جذري في نظام التعليم, ومدى سهولة الوصول واستخدام هذه التكنولوجيا من قِبل جميع الأطراف المسؤولة عن التعليم.
وأشار مايكل باربر كبير المستشارين التربويين في شركة بيرسون البريطانية التي نشرت التقرير إلى استمرار ارتفاع عدد الدول الآسيوية بما فيها كوريا وسنغافورة وهونج كونج، التي تجمع بين أنظمة التعليم والثقافة الفعالة التي تعطي قيمة للجهد أكثر من المهارة الموروثة.
وكشف باربر أن نجاح الدول الآسيوية تعليميًا يؤكد أهمية وجود أهداف واضحة لنظام التعليم وتعزيز ثقافة المسؤولية بين الأطراف المعنية في ذلك، لافتًا إلى أن الاعتقاد السائد في ثقافات شعوب آسيا أن المجهود هو الذي يحقق النتائج، وأنك لو حاولت أكثر وعملت بجد أكبر فستتمكن من إنجاز معايير أعلى.
من جهة أخرى، حذر باربر من أنه حتى الدول التي سجلت أعلى أداء في تصنيف منحنى التعليم، مازالت تركز على الاستعداد للامتحانات، وبعيدة عن توفير التعليم الذي يضمن إعداد كل طالب لأن يكون مواطنًا واسع المعرفة بما يجري حوله وصالحًا للعمل في القرن الحادي والعشرين.
وتوصلت الدراسة التي أعدها القائمون على تصنيف بيرسون إلى نتيجة مفادها أن الإنفاق على التعليم عامل مهم، ولكنه ليس بنفس أهمية أن تكون هناك ثقافة داعمة للتعلم، موضحة أن الإنفاق على التعليم هو إجراء سهل، ولكن الإجراء الأصعب هو نظرة المجتمع للتعليم والتي يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا جدًا.
وأشارت الدراسة إلى أربع نقاط أساسية في تدريس الأطفال: أولاها أن التعليم الجيد في الدول المتقدمة يكمن في استثمار مهارات الطلبة من المراحل الابتدائية، والثانية أهمية استغلال المهارات من أجل المحافظة عليها وإلا فأنها ستفنى، أما الثالثة فهي أن الدول يجب أن تأخذ عملية التدريس للطلبة بمسؤولية وجدية من أجل تعزيز المهارات خوفًا من أن تفقد، والرابعة أن التكنولوجيا يجب أن تسهم بطريقة مفيدة في العملية التعليمية، ولكنها ليست الحل لكل شيء.
من جهة أخرى، شددت الدراسة على أهمية تعزيز المهارات بما يسهم في النمو الاقتصادي للبلد حيث تشير نتائج هذه الدراسات إلى أن معدل الوقت الذي يقضيه الطلبة في الفصول الدراسية وكفاءة العاملين في المجال التعليمي مرتبطان جدًا، وخصوصًا في العقدين الماضيين.
ومنذ تقرير بيرسون لعام 2012 الذي ناقش أهمية تعزيز مهارات المعلمين ومنحهم المكانة الاجتماعية من المهنيين، فإن عددًا من برامج الاختبار الدولية الكبرى PIRLS, TIMSS and PISA أصدرت نتائج جديدة أصبح لها تأثير في المؤشر العالمي للمهارات المعرفية والتحصيل العلمي، حيث قارن التصنيف النتائج بين 39 دولة وهونج كونج في تصنيفين هما المهارات المعرفية ومخرجات التعليم.
وتعتبر الميزة الأكثر لفتًا للانتباه في هذه النتائج أن دول شرق آسيا تمثل الأداء القوي دائمًا، وتأتي في مقدمة مؤشر قياسات التعليم، وذلك وفقًا لتحليل 2014 الذي أشار إلى أن كوريا الجنوبية تحتل المركز الأول ومن ثم اليابان وسنغافورة وهونج كونغ, وينعكس ذلك في اختبارات TIMSS وPISA التي تهيمن فيها هذه الدول على معظم التصنيفات, حيث يتميز أداؤها من خلال ثقافة المجتمع القوي المخصصة للتعليم، والتي تأخذ بعين الاعتبار عددًا من الأهداف التي تخدم التعليم.
أما البلدان النامية وفقا لهذا التصنيف، فتحتل النصف السفلي من المؤشر مع إندونيسيا التي تحتل المرتبة الأخيرة من 40 دولة يغطيها المؤشر تسبقها المكسيك والبرازيل، لذا يتجه التركيز الحالي على البلدان النامية نحو تهيئة تدريس فعال بما يعطيهم استقلالية للقيام بهذه المهمة، وإيجاد طرق جديدة للانخراط في تعليم الكبار، في المقابل سجلت الدول المتقدمة مثل إسرائيل نقاطًا متقدمة في امتحانات PISA وخصوصًا في مجال الرياضيات و العلوم.
والأمر الأكثر إيجابية هو أن عدد الدول التي تشترك في نظام اختبار TIMSS وPISA في تزايد مما يعطي نوعًا من الشفافية والدقة في عمليات المقارنة الدولية وتشير الإحصاءات العالمية إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الدول المختلفة من أجل السعي لتحسين مستوى التعليم.
والجدير بالذكر أن تقرير مؤسسة بيرسون يعتمد على ما تم تجميعه من البيانات والتقارير الوطنية والاختبارات الدولية لقياس المهارات الإدراكية في مجال الرياضيات والعلوم ومعرفة القراءة والكتابة، إضافة إلى التحصيل التعليمي وإجراءات تتعلق بنظم التعليم والوضع التعليمي في هذه الدول مثل عدد الأشخاص في المرحلة الجامعية ومكانة المعلم والحوافز التي تقدم له.
ويؤكد القائمون على المؤسسة الدولية، أن هذا التصنيف يهدف إلى تقديم رؤية متعددة الجوانب للإنجازات التعليمية، وخلق قاعدة بيانات يمكن تحديثها بمرور الوقت بناء على الاختبارات الدولية والتقارير والإجراءات التي تتبعها نظم التعليم في العالم، وذلك ضمن مشروع تطلق عليه مؤسسة بيرسون اسم «منحنى التعلم».
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي