وزارة الداخلية ومبنى مجلسي الشعب والشورى تحت قبضة الثوار
في تطور نوعي ولافت للاحتجاجات التي تعيشها مصر منذ أسبوعين، تخلى المتظاهرون عن إستراتيجيتهم السابقة والمتمثلة في التجمع في ميدان التحرير ورفع الشعارات التي تطالب برحيل الرئيس حسني مبارك، وتوجهوا لمحاصرة المؤسسات الحيوية في البلاد.
محاصرة مبنى الحكومة
وقام عشرات الآلاف من المتظاهرين بمحاصرة كل من مجلسي الشعب والشورى، وأقاموا سياجا بشريا أحاط بمقر رئاسة الحكومة ومبنى وزارة الداخلية، ووصل الأمر حد منع رئيس الحكومة أحمد شفيق من الدخول إلى مكتبه، وهم يرددون هتافات تطالب برحيل الرئيس حسني مبارك واستقالة الحكومة.
ونقلت قناة الجزيرة الفضائية عن أحد الصحفيين قوله إن ضابطا من الجيش حاول التوسط لدى المتظاهرين من أجل السماح للوزير الأول أحمد شفيق، بدخول مبنى الحكومة لإدارة دواليب الدولة وتصريف شؤون المصريين، غير أن المحتجين لم يأبهوا لكلام الضابط، الذي لم يجد من بد سوى قطع مفاوضاته وإبلاغ الرجل الأول في الحكومة بفشل محاولاته، وهو ما دفعه للمغادرة، كما تمت محاصرة مبنى وزارة الصحة ومنع الوزير من الالتحاق بمكتبه.
المظاهرة الأضخم منذ بداية الثورة
وقال صحفيون غربيون ومنهم مراسل القناة البريطانية "بي بي سي" إن مظاهرة الثلاثاء تعتبر الأضخم من نوعها منذ اندلاع شرارة الانتفاضة الشعبية في مصر قبل أسبوعين، كما قال مراسل قناة العربية من مصر، إنه حاول الدخول إلى ميدان التحرير، غير أنه لم يستطع بسبب حالة "الاكتظاظ الشديدة"، التي طبعت مظاهرة الأمس، الأمر الذي دفعه إلى العودة لمكتبه في أحد الطوابق العليا بعمارة مطلة على ميدان التحرير، للتعليق على التظاهرة..
وأضاف الصحفي أن ميدان التحرير امتلأ عن آخره، الأمر الذي دفع بالآلاف من المتظاهرين إلى اللجوء إلى الشوارع والجسور القريبة من الميدان.
أساتذة الجامعات يلتحقون بميدان التحرير
وبعد القضاة والمحامين وعلماء وطلبة الأزهر وكهنة الأقباط، جاء الدور هذه المرة على أساتذة الجامعات، الذين نظموا مسيرة إحتجاجية ضد النظام وطالبوا برحيل رأسه، حسني مبارك وبتنفيذ مطالب المتظاهرين. وتحركت المسيرة من نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة حتى مستشفى القصر العيني، ثم شارع القصر العينى إلى ميدان التحرير، ليكون بذلك مختلف فئات الشعب المصري قد التحقت بثورة 25 جانفي، التي قال قادتها إنهم لن يعودوا إلى بيوتهم، إلا بعد أن تتحقق كافة مطالبهم، المتمثلة في إسقاط مبارك.
"حموت هنا لو مبارك ممشيش"
ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن متظاهرين قولهم إن مظاهرة الثلاثاء تعتبر أول اتصال لهم بالثورة، وقالت عفاف ناجد، البالغة من العمر 71 سنة: "أنا أول مرة آجي (آتي) هنا النهاردة، لان الحكومة دي فاشلة ومبارك مازال يجتمع مع نفس الوجوه القبيحة... هو لا يصدق أن اللعبة انتهت. هو رجل عنيد جدا. وأيضا الإعلام الحكومي بيكذب علينا".
وقال متظاهر آخر يدعى سيد غريب: "ليس لدي أمل كبير في الحوار، لأننا فقدنا الثقة في هؤلاء الناس، على مدى 30 سنة، أعطونا وعودا لم ينفذوها. على مدى 30 سنة وهم يقومون بتزييف إرادة الناس"، وأضافت "الانتخابات الأخيرة كانت مزورة 100 في المائة".
ونقلت الوكالة ذاتها عن جابر يوسف حسين وهو سائق يعمل في السياحة (52 عاما) من مدينة أسوان.. "كل يوم العدد بيزيد ووعي الناس بيزيد. وربنا كل يوم بيكشف مبارك"، وتابع "حموت هنا لو مبارك ممشيش". ورفع حسين لافتة كتب عليها "الحوار يطيل حياة النظام ويمنحه قُبلة الحياة. لا حوار حتى يرحل مبارك".
"تنازلات الحكومة مجرد خدعة"
ولم تشفع وعود الرئيس المصري بعدم متابعة قواد ثورة 25 جانفي، والسماح لهم بالتظاهر بكل حرية، ولا قرار الحكومة بزيادة رواتب عمال القطاع العام بنسبة 15 بالمائة، في شق صف المتظاهرين، بل زادتهم إصرارا على تحقيق مطالبهم، واعتبروا هذه التنازلات التي وصفوها بالبسيطة والمخادعة، محاولة لربح الوقت واللعب على عامل الزمن بغرض التأثير على معنويات المتظاهرين.
التفكك يطال رجالات الإعلام
ومع اشتداد الخناق على مبارك ونظامه، بدأ التفكك يدب إلى صفوفه، ومن أبرز ما طفى على السطح بهذا الخصوص، الاتهامات والاتهامات المضادة التي نشبت بين أنس الفقي وزير الإعلام، ومصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى، وذلك على خلفية استقالة مصطفى الفقي من الحزب الوطني الحاكم.
واتهم الوزير، نائب الشورى، بأن مواقف مصطفي الفقي "متذبذبة، فعندما كان في الحزب كان مؤازراً لسياساته وتعليماته دائماً.. أما فى الأزمة الأخيرة فقد فوجئنا بالفقى معارضاً لسياسات الحزب وحكومته"، فيما برر النائب قراره بأنه وجد نفسه "يحمل أوزارا" لم يكن طرفاً فيها، فضلاً عن أنه لم "يكن له وضع بارز في الحزب الذي تحول إلى مؤسسة شبه حكومية"، بحسب ما أوردته صحيفة اليوم السابع.
كما أقدم عمال صحيفة "روز اليوسف"، المعروفة بوقوفها إلى جانب السلطة، على طرد رئيس مجلس إدارة الصحيفة ومنع رئيس تحريرها من الدخول إلى مكتبيهما، فيما منع أعضاء نقابة الصحفيين نقيبهم من الدخول إلى مقر النقابة، بينما كان يحاول الالتحاق بصفوف الصحافيين الداعمين للثورة.
"هيومن رايتس ووتش": مصر تخفي حقيقة القتلى
وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش إنها تأكدت من أن نحو 300 شخص قتلوا إلى حد الآن في احتجاجات مصر، لكن من المرجح أن يكون العدد النهائي أعلى من ذلك بكثير. وأضافت المنظمة أن بفضل اطلاعها على السجلات الطبية في عدة مشرحات في القاهرة والإسكندرية والسويس توصلت إلى أن 297 شخص على الأقل قتلوا.
وأكدت المنظمة الحقوقية أن معظم القتلى قضوا رميا بالرصاص على يد الشرطة خلال يومين من العنف في نهاية الشهر الماضي. وقالت منسقة منظمة هيومان رايتس ووتش في القاهرة في تصريحات نقلتها وكالة اسوشيتد بريس إن المنظمة توصلت إلى هذا العدد بعد قيامها بزيارات لسبعة مستشفيات في القاهرة والإسكندرية والسويس تحدثت خلالها إلى أطباء.
وذكرت المنظمة أن عدد القتلى بلغ 232 في القاهرة و52 في الإسكندرية و13 في السويس. وأشارت المنظمة إلى أن السلطات الصحية في مصر تحاول إخفاء الحقيقة عن حجم الخسائر. وذكرت متحدثة باسم المنظمة أن المستشفيات تعرضت لضغوط لتقليص عدد القتلى خشية أن يؤدي إعلان الرقم الحقيقي للضحايا إلى تأجيج المظاهرات.
ويكيليكس: إسرائيل وأمريكا تفضلان عمر سليمان
من جهة أخرى، كشفت برقيات مسربة من سفارتي أمريكا بالقاهرة وتل أبيب عن التعاون الوثيق بين عمر سليمان نائب الرئيس المصري، والحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، والاهتمام الشديد لهما بالخلفاء المحتملين للرئيس مبارك "الذي تقدم في السن كثيرا".
ولخصت البرقية التي تعود لـ 29 أوت 2008 محادثات بين وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك وقادة مصريين بمدينة الاسكندرية الساحلية المصرية، حيث نقلت "طلب إسرائيل من سفارتها بالقاهرة تحليلا عن سيناريوهات خلافة الحكم في مصر، لكن لاشك أن إسرائيل ترتاح أكثر لاحتمال تولي عمر سليمان السلطة"، كما نقلت عن دافيد هاحام أحد مستشاري باراك قوله إن الوفد الإسرائيلي: "صدم بسبب مظهر مبارك المتقدم في العمر وطريقة كلامه المتثاقلة".
وأضافت البرقية "أشار هاحام إلى أن الإسرائيليين يعتقدون أن سليمان يرجح أن يصبح الرئيس الانتقالي على الأقل إذا توفي مبارك أو أصبح غير قادر على العمل"، و"أفاض هاحام في الثناء على سليمان وأشار إلى أن الخط الساخن المفتوح بين وزارة الدفاع الإسرائيلية وجهاز الاستخبارات العامة المصرية أصبح الآن يستخدم بشكل يومي". وأوضحت البرقية أن باراك أثنى علنا على جهود مصر لوقف تهريب الأسلحة إلى مقاتلين في قطاع غزة.