الكاتب:
عبد العالي رزاقي
تمر الذكرى المئوية الأولى لميلاد جامعة الجزائر والكل يتساءل: كيف يمكن الفصل بين الجامعة الفرنسية في الجزائر (1909 - 1962)، وبين جامعة الجزائر؟ وأي مستقبل لجامعة في بلد ليست له استراتيجية في البحث العلمي، أو تكوين أجيال المستقبل.
المنظومة التربوية منهارة والبكالوريا لم تعد تحمل المعاني التي كانت لها في السابق حتى صارت تمثل لدى البعض »هواية« في جمعها بحيث أنني تعرفت مؤخرا على طالب له ست شهادات بكالوريا وهو في السنة الرابعة جامعية.
هل يمكن تحرير الطالب والأستاذ؟
لا يرى الطالب في الأستاذ سوى (علامة)، ولا يرى الأستاذ في الجامعة سوى ساعات إضافية أو منحة في العام بألف أوروبا.
فالطالب الذي كانت تقدر وجبة غذائه قبل بضع سنوات بـ 120 دينار، ما يزال يتمسك بالرقم نفسه دون مضمون وهو (دينار واحد وعشرين) سنتيما، وهما من مفردات العملة المنقرضة، والموظف في الجامعة يأكل كذلك وجبة (بدينار واحد وأربعين سنتيما) بالرغم من أن التذكرة المكتوب فيها هذا السعر تكلف الوزارةَ طباعتُها (دينارا ونصفا)، بالنسبة لتذاكر الطلبة ودينارين بالنسبة لتذاكر الموظفين في الجامعة، وهي أقل بأربعة أضعاف من سعر الدخول إلى "مرحاض الجامعة" على حد تعبير أحد الصحافيين، وما يدفع شهريا للنقل يسمح بشراء نصف عدد الحافلات التي يستخدمها الطلبة، فلماذا لا تعطى منحة النقل والأكل للطلبة ونترك للقطاع الخاص التنافس على تحسين الوجبات والنقل ونحرر الخدمات الجامعية من "الصفقات المشبوهة" ونعيد الاعتبار للطالب الجامعي حتى يشعر بالمسؤولية التي ربما تدفع به إلى تغيير النظرة إلى الأستاذ كعلامة فقط، وإلى رفض "الدينار الرمزي" الذي كان شعار "النهب" في الجزائر وما يزال.
وبالمقابل على الوزارة تحرير الأستاذ بإعطائه راتبا قريبا من رواتب أساتذة دول الجوار حتى لا يصير منهكا بالساعات الإضافية، وشحاذا لدى الجامعات العربية والأجنبية لقاء "رسالة استقبال" أو ختم تقرير ما يسمى بالتربص.
أنا لا أفهم كيف أن الجامعة لا تشتري كتب الأساتذة الذين يدرسون فيها وتشتري كتبا لغيرهم؟
إذا أردنا أن تحتفل بالذكرى المئوية للجامعة فعلينا بطبع "الإنتاج الجامعي" والتكفل به ماديا.
صحيح أن الضغوط الأجنبية على الجامعات الجزائرية جعلت بعض الأساتذة من حملة الجنسية الفرنسية يحاولون "ابتزازها" بمشاريع وهمية بعد فشلهم في الجامعات الفرنسية والدخول عبر الجامعات الجزائرية إلى "التمويل الأوروبي" لمشاريع التكوين لبلدان الجنوب، لكن أين هي الأبحاث الجامعية الجزائرية؟
التكوين للمهن الحرة والتكوين للبطالة!
فرضت "جامعة الجزائر" في عهد الاحتلال (1909 - 1962) على من يلتحق بها من الطلبة الجزائريين الالتحاق بالتخصصات الجامعية ذات العلاقة بالمهن الحرة كالطب والتجارة، ومنعتهم من البحث العلمي والالتحاق بالشعب ذات العلاقة بالتفكير والإبداع والسياسة، فظهر صيادلة وأطباء أمثال بن يوسف بن خدة الذي تحمل جامعة الجزائر اسمه، وأمثال يوسف الخطيب الذي قاد الولاية الرابعة، ومع ذلك، ففي الجامعة ولدت الرياضة بأسماء فرنسية وجزائرية فالروائي ألبير كامي كان حارس مرمى، وشيبان وحداج عبد المجيد وهما ما يزالان على قيد الحياة كانا من أبرز رياضييها، فمن فريق R.U.A (سريع جامعة الجزائر) عام 1919 إلى فريق (RIJA) رائد اتحاد جامعة الجزائري، واليوم لماذا اختفت هذه الظاهرة وعوضت بـ (لجان المساندة) والجامعة التي كان على رأسها مفكر مثل مالك بن نبي عام 1966 صار على رأسها أستاذ بشهادة ليسانس عام (1970 - 1980) وأذكر أنه أثناء تكريم الراحل هواري بومدين "لكميل سونغ" كان رئيسها معوقا في قراءته للترحيب أمام بومدين، وعندما عاتب الرئيس بومدين أحد الأساتذة لانحطاط اللغة العربية رد عليه هذا الأستاذ "أنت الذي عينته" ولهذا تمت تنحيته مباشرة بعد رحيل الرئيس.
ولا أعتقد أن هناك أستاذا من أساتذة الجامعة في عهده كان مسموحا له بلقائه لغاية رحيله.
ولأن الفكر صار غير مرغوب فيه في الجامعة بسبب غياب الاستراتيجية فقد أضرب طلبة الطب وكادوا أن يأخذوا سنة بيضاء لولا تدخل الدكتور الطاهر حجار ليقول بأن المشكلة في وزارة الصحة وليس في الجامعة، وجاء القرار السياسي بعد ذلك. وهو يؤكد مدى استخفاف السلطة بالتعليم العالي.
والجامعة التي غنت فيها المطربة الفرنسية الكبيرة (إيديت بياف) صارت بعيدة عن الفكر والإبداع، والتحقت بـ (الواقع السياسي) بحيث أن اللجنة المتساوية الأعضاء قاطعها المرشحون فيها ولم يصوتوا حتى على أنفسهم.
إننا في حاجة إلى معرفة واقع الجامعة الجزائرية حتى يدرك الطلبة بأنها كانت توحد المغرب العربي، ففيها درس لحبيب بورقيبة وإدريس ڤيڤة من تونس، وفيها كان علال الفاسي من المغرب، ومنها تخرج رؤساء الحكومات المؤقتة وهما فرحات عباس وبن يوسف بن خدة.
وفيها ظهرت موجة الشعر الحر والقصائد الحميمية وكانت منبرا للفكر العربي، فمتى تعطى للجامعة حريتها في التفكير والإبداع. مأساة الجزائر أن كل مؤسساتها تسيست حتى إذا اشتهر اسم داخلها تكون نهايته مثل نهاية أمين الزاوي، وهو من إنتاجها لعام 1977.
وعندما يتدخل الوزراء لوضع صورهم في "جينيريك" بعض الحصص التلفزيونية، أو يتدخلون لعدم السماح بظهور هذا الأستاذ أو ذاك الكاتب فمن الطبيعي أن يصير الأستاذ منشغلا بأرشيف فرنسا ناسيا أرشفيها في الجزائر، ويصير الطالب منشغلا بالعلامة ناسيا الدروس، وتصير الجامعة لا تنتج فكرا وإنما "هياكل" تبحث عمن يملأها بالكراسي والطلبة والأساتذة والإدارة.
وللحديث بقايا هموم أخرى