تشكل المرأة اللوحة الجميلة لأي مجتمع قادر على التأقلم مع نمط الحياة المدنية التي لا عوائق فيها بين المرأة والرجل على مستوى العمل والتعليم وممارسة المهن المختلفة، بحيث تصنع من نفسها كياناً مستقلاً قادراً على مواجهة ظروف الحياة الصعبة أيام المحن والشدائد، وترتدي ثوب الاستقلال عن الرجل إن جار الزمان عليها، بحيث تكون قادرة على التخلص من النمطية المفروضة عليها في مجتمعنا الذكوري وتعتمد على ذاتها بعيداً عن الوصاية والرقابة المجتمعية المعيقة لاندماجها في المجتمع.
وتعتبر محافظة الحسكة ( شمال شرق سورية ) إحدى المحافظات السورية التي لم تتخلص فيها المرأة بعد من الحالة النمطية المفروضة عليها من قبل المجتمع، وأيضاً التي فرضتها هي ذاتها على نفسها، وأغلبية النسوة مازلن يعشنّ حياة بسيطة داخل المنزل، وبعضهن لم تسنح لهن الفرصة لمجرد رؤية المدينة فقط، بعضهن لم تسمح لهن الظروف المعيشية والاجتماعية من تغير نمط حياتهن، فبقين أسرى داخل المنازل ليس لهن عمل إلا الطبخ والنفخ والجلي وتربية الأطفال، وهذه الشريحة ترغب في تغيير النمط المعاش، أما الشريحة الثانية فهي لا ترغب بتغيير هذا النمط وقد تأقلمت معه، ونذرت حياتها في الأعمال المنزلية وخدمة أطفالها فقط.
حيث لا تحبذ " أم عادل " تغيير نمط حياتها القائم على ( ست بيت ) فقط تقول: أصبح عمري ( 61 ) سنة ومنذ السنة الأولى من زواجي وطموحي ينحصر في تربية أطفالي وخدمتهم واللعب مع أحفادي ولم أكن أطمح في تغيير حياتي لأنني أشعر بأنني ولدت لهذه المهمة، بينما تجد السيدة " فريال " 30 سنة بأنها أدخلت إلى جحيم حقيقي بعد الزواج فقد كانت طالبة جامعية حين تزوجت ولم تستطع إكمال دراستها بسبب إنجاب الأطفال، وهي حاليا متفرغة لتربية أطفالها فقط، وتطمح إلى تغيير نمط حياتها وتكمل دراستها الجامعية لتقوم بتحقيق طموحها بأن تكون مهندسة معمارية.
تقول الآنسة ريم عليان ( مرشدة نفسية ) أنه من بين الصور النمطية والقوالب والأحكام الجاهزة ضد المرأة في محافظة الحسكة، أنها "قاصرة" و"ناقصة عقل"، أي أنها غير قادرة على الإبداع والابتكار والإنجاز، لأنها ترهن نفسها لخدمة المنزل فقط وذلك بسبب الموروث الاجتماعي المتخلف والنظرة الدونية للمرأة، ومن يعتقد أن الفوارق البيولوجية ترجح كفة الرجل على المرأة، فهو مخطئ تماما لا بل متجني على المرأة ومكانتها ولكن الحقيقة التي يجب أن نعترف بها هو عدم إعطاء المرأة فرصتها الكاملة لتبدع في مختلف المجالات، وتضيف الآنسة ( عليان ): إن المرأة نصف المجتمع، وكذلك نصف الطاقة البشرية، إن لم تصبح شريكاً أساسياً في عملية البناء والتنمية لا نكون أمام مجتمع قادر على التطور والإبداع ودعت ( عليان ) الجهات المعنية ووسائل الإعلام المحلية إلى الاهتمام أكثر بموضوع المرأة لتغيير الصورة النمطية للمرأة في محافظة الحسكة بشكل خاص.
لم تدرك المرأة في الجزيرة السورية بقيمتها وأهميتها وقدرتها على كسب الاحترام في كافة ميادين العمل، وحصرت حياتها بنمط معيشي واحد وبقالب جاهز ومرسوم لها من قبل المجتمع، وفي ظل التطور الحاصل على كافة المستويات تستطيع أن تتمرد المرأة الجزراوية على واقعها وتمارس قناعاتها، وتدخل باب الحياة من أوسعها، فالحسكة كغيرها من المحافظات السورية ما زالت تهمل المرأة، ولا تعطيها الفرصة الحقيقية لإثبات ذاتها، وخاصة إذا عُلمنا أن من يعطي المرأة دورها ومكانتها فهي ستكون قادرة على الإبداع حتما، والعبرة فيما أنجزته عدة نسوة على كافة الأصعدة مثل سترة الأمان التي يستخدمها رجال الشرطة اخترعت من قبل الأميركية ستفني كولك في عام 1966، وأيضاً ماسحة زجاج السيارات فقيمتها عظيمة في حفظ أرواح الآلاف من مستقلي السيارات سواء سواقها أو ركابها العاديين. بالإضافة إلى ما يذهب مصادفة ضحية تلك الحوادث الناجمة عن سوء الأحوال الجوية مثل غزارة الأمطار وتساقط الثلوج والضباب وغيرها، وقد كان للنساء عامة ولميري اندرسن شرف ابتكار هذا الإبداع الجميل في عام 1903. وكذلك اختراع حفاظات الأطفال فهي من إبداع السيدة ماريون دونوفان عام 1950.كما سجلت نسمث غراهام اسمها بأحرف من ذهب حينما أبدعت مصحح أخطاء الكتابة الطباعية عام 1956
صحيح أن العادات والتقاليد المتبعة في محافظة الحسكة تؤدي إلى تكريس الحالة النمطية للمرأة، ولكن يجب علينا الاعتراف أيضاً بأن ضعف عمل الجمعيات الأهلية وبخاصة النسوية منها أدت أيضا إلى تكريس هذه الحالة فهذه الجمعيات لا تقوم بدورها على أكمل وجه، ويكون التواصل بين الحركة النسائية والقاعدة الشعبية التي تمثلها ضعيفة جداً، ويتسم عمل هذه الجمعيات بالبيروقراطية ، ويتلخص عملها في رفع التوصيات والمذكرات إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فقط.
مجلة الثرى- العدد 227 تاريخ 4-4-2010 السنة السادسة
يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر