يحيل مفهوم المشروع على منهجية جديدة قائمة أساسا على التشارك والتواصل والتدبير والتخطيط والانفتاح ويحيل في المجال التربوي على أنواع مختلفة من المشاريع والتي تتضمن المشروع البيداغوجي، المشروع التربوي، ومشروع المؤسسة. ومن ثمة تتنوع مجالات العمل بهذه المنهجية تبعا لتعدد أنواعها وأهدافها وطرائق إعدادها . كما لهذا المفهوم امتدادات في مجالات معرفية ومهنية مختلفة.
ويشكل المشروع الشخصي للتلميذ حلقة تفاعل مجموعة من الأبعاد النفسية والتربوية والاجتماعية وتفاعل جهود عدة متدخلين ، إذ بالإضافة إلى التلميذ محور العملية التعليمية يبرز دور الفاعلين التربويين و الأسرة . ويعتبر بناؤه عملية معقدة قابلة للتطوير بشكل مستمر حيث يخول لعملية التوجيه التربوي مهام أساسية باعتبارها عملية مستمرة تهتم بالسهر على إعداد وتنفيذ المشروع الشخصي للتلميذ في نطاق التكوين والاندماج الاجتماعي والمهني للتلاميذ ، وذلك حسب نظام التربوي و وفق الطموحات التلميذ و قدراته وذلك بالمراقبة المستمرة للتلميذ وقياس تقدمه انطلاقا من حوار مستمر بين الفريق التربوي وأولياء التلميذ ، في إطار منهجية تسعى إلى تطوير كفاءاته وترسيخ تكافؤ الفرص . تبعا لهذه العناصر فإن التوجيه التربوي نطاق تفاعل مجموعة أنظمة من المتمثلات، خاصة تمثل الذات ، تمثل العالم المهني وتمثل أنساق .
وظهر اهتمام بمفهوم المشروع الشخصي للتلميذ و دراسة أبعاده، بعد بروز نظرية البراجماتية Pragmatisme التي تهتم بالجانب النفعي في التربية و من روادها جون ديوي J-Dewey الذّي يرى أنّ «العقل متولد من التجربة الحسية و يخضع في الوقت نفسه لمعيار التجربة الداخلية ، و أعظم الأشياء نفعا بالنسبة لهم ليس الغداء و التنفّس و الحركة فحسب ، و إنما أعظم الأشياء نفعا هي سلامة التفكير و عدم الوقوع في التناقض ، و لا قيمة لأية معرفة لا تمكن لحلّ المشاكل التي يصادفها الفرد في المجتمع . ويؤكد ديوي على إشراك المتعلم في بناء الأهداف التربوية ، إذ يرى أنّ سبب إخفاق التربية التقليدية هو تهميش المتعلم و اعتباره أداة لجمع المعارف فبالنسبة لديوي فالتربية هي الحياة و ليس الإعداد لها ، و على المدرسة أن تستخدم مواقف الحياة الحقيقية و ليس اعتماد الدراسات الأكاديمية النظرية .
فالهدف الرئيسي للفلسفة البرجماتية هو تعليم المتعلم كيف يتعلم ، كيف يستغل معارفه في حل مشاكله اليومية و يطّور قدرته على التكيف مع المحيط الاجتماعي ، فالتربية وسيلة للكشف عن الحقائق و ليست وسيلةلتعليم .
هذا ما أثر نقاش واسع في الحقل التربوي حول وظائف المدرسة وعلاقتها بالمحيط وحول قضايا إصلاح البرامج والمناهج وتطوير طرائق التدريس انطلاقا من مرجعيات تجعل من المدرسة فضاء للخلق والإبداع وتنمية الكفاءات موازاة لإدماج ثقافة حقوق الإنسان وحقوق الطفل بصفة خاصة والسعي إلى تحقيق الديمقراطية في الحياة المدرسية .
ومن هذه الأسس انبثقت فلسفة المشروع الشخصي للتلميذ والتي تتناغم مع التدريس المتمركز حول المتعلم و استراتيجة التجاوب مع رغبات و ميولات المتعلمين والارتقاء بجودة التعليم والتطور الحاصل في مواصفات الكفاءة في ظل تطور متطلبات سوق الشغل التي أضحت تتجه أكثر فأكثر نحو التشدد انطلاقا من تحديات العولمة والتطورات الهائلة في مجال التكنولوجيا وتقنيات الإعلام والتواصل . و تسعى هذه الدراسة الوقوف عند مفهوم المشروع الشخصي للتلميذ وأبعاده والجوانب التربوية التي تؤطره.
أولا - الـمفهــــوم والأبعــــــاد
يتأسس مفهوم المشروع الشخصي للتلميذ على بعد جديد للعملية التعليمية يرتكز على الخلق والإبداع ويجعل من المتعلم محور نشاطها وذلك في إطار منظور تربوي جديد تتجدد في إطاره البرامج والمناهج والطرائق التربوية وتتجدد وظائف المدرسة وعلاقاتها بالمحيط بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية . مما يكسب الحياة المدرسية غنى وحيوية ويصبح الهدف الأساس تنمية الكفاءات وتربية المتعلم على الاختيار وتحديد مشروع شخصي عبر تنمية القدرة على التحليل والتركيب والملاحظة والاستنتاج والتقويم والإشراك والتفاعل مع المحيط. يمكن هذا المفهوم الجديد للعملية التربوية من تعزيز ركائز مدرسة وترسخ المساواة وتكافؤ الفرص وتهيئ المتعلم لاكتشاف وتطوير مواهبه وتمكينه مع حظوظ وفرص التعبير عن الذات والطموحات والتفاعل مع الآخرين في إطار من التضامن والحوار البناء والاحترام المتبادل والإيمان بالإختلاف . كما يمكن للمتعلم من المشاركة والحرية والإحساس بالمسؤولية، في هذا النطاق تحمل الحياة المدرسة زخما جديدا متجددا يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف:
التشبع بقيم المواطنة والقدرة على التحول إلى فاعل حقيقي في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاندماج فيها .
تنمية كفاءات تمكن من رؤيا نقدية تستحضر الآني والمستقبلي .
ربط الجسور مع تراث الأمة الحضاري والثقافي والتشبع بالقيم الأصيلة والانفتاح في نفس الآن على تطورات العصر الفكرية والتكنولوجية والعلمية والمعرفية .
الوعي بحيوية المجال البيئي وتنمية ثرواته .
القدرة على استثمار المعلومة وتوظيفها ومساءلة الفكرة والفرضية والقدرة على تطويرها وبلورتها بحس نقدي وقدرات تواصلية بناءة.
فما مضمون وأبعاد المشروع الشخصي للتلميذ ،...
وما هي الإستراتيجية التربوية الضرورية لإعداده،...
وكيف يتم تدبير عملية الإعداد هذه ، وكيف يمكن تأطير التلميذ ومساعدته على إعداد مشروعه الشخصي ؟ وما هي
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي