يعدّ موضوع الإدارة الصفيّة من المواضيع التربوية التي تتطلب تحديثاً مستمراً بهدف ملائمة العصر التقني الذي نمرّ به، إذ لم تَعُد طريقة الشرح والطبشورة (التّعليم التقليدي) وحدها كافية لنقل أفكار العصر وتقنياته إلى أذهان الطلبة، فلا بدّ من إبداع طرق أكثر معاصرة للوصول إلى طالب متميّز أكاديمياً وثقافياً ومهنياً، من خلال توفير بيئة تعليمية تعلميّة تشمل مجالات متنوعة منها: بيئة التّعليم والتعلّم وبيئة الطالب، من خلال نشر ثقافة مدرسية جديدة تحتوي على قيم وسلوكات إيجابية منها الاحترام المتبادل، والإلتزام، وإحترام الوقت، والأمانة، والصدق، والتعاون وغيرها من القيم التي تشكّل بيئة تعلميّة تعليميّة جديدة، ومن هنا فإن دور المجتمع المدرسي مهم في البيئة التعلمية، الذي يعتمد على دور المعلّم داخل الغرفة الصفيّة من تطبيق إستراتيجيات تدريس حديثة، وتطبيق أنشطة صفيّة تسهم في نمو وتطوّر شخصية الطالب، وزيادة فرص ممارسته للحياة في المدرسة، ونجاحه في الحياة العامة وتحقيق المستقبل الآمن، حيث أن الغرفة الصفّيّة تشبه المجتمع الكبير، فلها نظامها الإجتماعي، وثقافتها الصفيّة، ومعاييرها وتوقعاتها، نتيجة طبيعة المنطقة الجغرافية والسكانية التي ترافقها.
تعدّدت مفاهيم الإدارة الصفيّة في البيئة التّعليمية التعلّمية، حيث ذكر الأستاذ رمزي هارون (الإدراة الصفّيّة، رمزي هارون، 2003) مجموعة من المفاهيم ومنها: مجموعة من الممارسات المنهجية واللامنهجية التي يؤدّيها المعلّم داخل الغرفة الصفّيّة، وهي علم له أسسه وقواعده، وفي الوقت ذاته هي فن تطبيق هذا العلم، أو هي مجموعة من الأنشطة التي يسعى المعلّم من خلالها توفير جو صفّي فاعل تسوده العلاقات الإيجابية بين المعلّم والطالب وبين الطلبة أنفسهم داخل الغرفة الصفّيّة، و تعرف الإدارة الصفّيّة بمجموعة من العمليات والمواقف التّعليمية التعلمية التي يتم فيها التفاعل ما بين الطالب والتدريسي، والطالب والمنهاج، والطالب وزميله الطالب الآخر وتوجيهها لتحقيق الأهداف الموضوعة، وهناك من يعرفها على أنها مجموعة من الأنشطة والعلاقات الإنسانية التي تساعد على إيجاد جو تعليمي وإجتماعي فعال، كما تعرف أيضا بالطريقة التي ينظم بها التدريسي عمله داخل الصف، ويسير بمقتضاها بغية الوصول إلى الأهداف التربوية التي يبتغيها من الحصة. حيث يختلف العلماء على تعريف الإدارة الصفّيّة، ويقدم كل منهم التعريف الخاص به. ويعتبر التباين بتعريف الإدارة الصفّيّة أمرا طبيعياً وذلك لان كل باحث وعالم ينطلق من نظريته التربوية ونفسية مختلفة. مثلا يركز (كانتر1990) في نموذجه على التّعليمات والقواعد السلوكية، كما نلاحظ تركيزه على استخدام المعلّمين للتعزيز والعقاب. نستنتج إذن أنه من أنصار النظرية السلوكية في علم النفس. أما (كوروين وميندلر) فيركز على أهمية تحقيق الانضباط الصفي وتعاون الطلبة مع المعلّم عبر تعزيز شروط الطلبة بالكفاءة والقيمة، وعبر رفع دافعتيهم وتوفير فرص النجاح لهم، ومنها نلاحظ أن هناك نظريات ومفاهيم عدة للإدارة الصفّيّة حسب النظرية المتبعة.
ومن هنا يمكن تحديد أهمية الإدارة الصفيّة من خلال إستخدام إستراتيجيات التدريس الحديثة، التي تؤثّر على الصحة النّفسية والجسدية للطلبة، وتراعي إهتماماتهم، وتوفّر بيئة تعلمية متطورة ومواكبة لمتطلبات العصر. (الإدراة الصفّيّة، رمزي هارون، 2003)
دور المعلّم في الإدارة الصفّيّة: حيث تحدّث عربيات عن الإدارة الصفّيّة بأنّها ذات أهمية خاصة في العمليّة التعلميّة التّعليمية لأنها تسعى إلى توفير وتهيئة جميع الأجواء والمتطلبات النّفسية والإجتماعية، ومنها يتوجب على المعلّم توفير مناخ تعليمي فاعل، وبيئة آمنة وراعية للطلبة، ورفع المستوى التحصيلي العلمي والمعرفي للطلبة، ومراعاة النمو المتكامل للطلبة.
القواعد التي يتوجب على المعلّم الفعال الإلتزام بها: ومن خلال البحث ذكر الدكتور محمد الترتوري بأنّ من أهم القواعد التي ينبغي على المعلّم الإلتزام بها داخل الغرفة الصفّيّة ليحقق تعليماً فاعلاً للطلبة كما ذكر الدكتور محمد عوض الترتوري في كتابه أدوار المعلّم في التّعليم الفعال هو الإلتزام في الوقت عندما يضبط المعلّم موعد حضوره للصف الدراسي ويعدّ للدرس مقدماً قبل حضور الطلبة فإنه يبتعد عن حدوث المشكلات الصفيّة، كما أن ضبط الوقت في نهاية الحصة لا يقل أهمية عن بدايته، والإستعداد الجيّد من الأمور المهمة للمعلم هي إعداد الدرس والتخطيط الجيد له، والتأكّد من توفّر جميع الأدوات والمواد اللازمة والتقنيات، ونبرة الصوت المعلّم والتي تختلف مستوياتها حسب طبيعة المادة الدراسية والغرفة الصفّيّة نفسها، مثلاً تختلف نبرة صوت المعلّم في المسرح المدرسي عنها في الغرفة الصفّيّة أو في المكتبة المدرسية وهكذا.
ولا ننسى هنا بأنّ صوت المعلّم ينقل ما فيه من أحاسيس ومشاعر وإنفعالات وتعابير، بالإضافة إلى أن يكون المعلّم واعياً ما يحدث داخل الغرفة الصفّيّة، إنّ المعلّم الجيّد هو الذي يعطي إنطباعاً للطّلبة بأنه يرى كل ما يجوب من حوله ويتحرك بين المقاعد، ويتواصل بصرياً ويستخدم لغة الإشارة.
ونشير هنا إلى تفهّم المعلّم لما يحدث داخل الغرفة الصفّيّة ومعرفته بالأسباب الكامنة وراء بعض السلوكات غير المرغوبة عند الطلبة، وإستخدام الأسلوب الأمثل لهذه السلوكات، ومن المهم مراعاة إهتمامات الطلبة بأن يقوم المعلّم بالإنتباه لجميع الطلبة ولا يقتصر على البعض، ومن هنا يجب على المعلّم إستخدام أنماط التعليم، وتطبيق إستراتيجيات حديثة في التدريس، و من الأدوار المهمّة داخل الغرفة الصفّيّة التعامل مع المواقف والأزمات حيث أن التعامل الإيجابي مع الطلبة داخل الغرفة الصفيّة يؤثر بشكل إيجابي على الطلبة، مثلاً يتعامل بهدوء حين يقوم أحد الطلبة بكسر مزهرية داخل الغرفة الصفّيّة، ويمكن حدوث إصابة للطالب حيث يقوم المعلّم بإرساله إلى الطبيب مباشرة.
ومن هنا يجب على المعلّم التوجّه نحو حل المشكلات التي تحدث داخل الغرفة الصفّيّة، مثلاً يمكن للطالب أن ينسى كتابه أو أحد أدواته، وهذا يشكل للطالب إحباطاً شديداً، ويؤثر على استيعابه أثناء الدرس ويمكن أن يؤثر الطالب على زملائه، فعلى المعلّم اتخاذ الإجراء المناسب و إشراك الطالب مع آخر وجلوسه قريباً من السبورة، لذا يتوجب على المعلّم حل المشكلات التي تحدث داخل الغرفة الصفّيّة، وعلى المعلّم أن يفعل ما يقوم فمكانة المعلّم عند الطلبة في تنفيذ ما يقول ويَعِد الطلبة به، والأفضل أن يبرر ما لا يعمله لهم أو أن يوفر البديل. ولا بد من توفر الخبرة الكافية من خلال التنمية المهاريّة لدى المعلّم من خلال البرامج التدريبية الخاصة في الإدارة الصفّية والتعلّم التعاوني واستراتيجيات التدريس الحديثة وإدارة سلوك الطلبة والتعلم الاجتماعي الإنفعالي وغيرها للوصول إلى بيئة تعلمية أفضل.
(أدوار المعلّم في التّعليم الفعال، د.محمد عوض الترتوري،عمان الاردن،2007) (إدارة الصفوف وتنظيم بيئة التّعليم عربيات، بشير محمد2007)
مهمات المعلّم في ضوء الإدارة الصفّيّة الفعالة التي تؤدي إلى تعلم نشط:
ومن خلال النموذج السابق، يرى الباحثون أنه لا بد من توفير بيئة تعلمية تعليمية بتوفر الخبرات وعملية التخطيط والمتابعة وضبط الجودة وتوفير التفاعل اللفظي وإثارة الدافعية والملاحظة والتقويم وحفظ النظام والاستثمار الامثل للبيئة المادية. (ابو نمرة، محمد، 2001، إدارة الصفوف وتنضيمها) وحسب الدراسات نلاحظ بأن هذا النموذج هو محاور الإدارة الصفّيّة الفاعلة والتعلم النشط كما ذكره الدكتور رمزي هارون (الإدارة الصفّيّة،رمزي هارون، 2003)
مصادر المشكلات الصفّيّة داخل المدرسة:
من خلال عملية البحث تبين بأنه يمكن تقسيم مصادر المشكلات الصفّيّة إلى مصدرين رئيسين، حيث ذكر الجاسر في المشكلات المدرسية (الجاسر ،(2001 بأن هناك مصادر داخلية للمدرسة والبيئة التعلمية ومنها المعلّم، حيث يُعدّ المعلّم من المصادر الأساسية لحل العديد من المشكلات التي تحدث داخل وخارج الغرفة الصفّيّة، كما أنّه يعتبر سبباً في بروز العديد من المشكلات السلوكية غير المرغوبة، نظرًا لقيامه ببعض التصرفات من التعامل السلبي مع الطلبة أو الزملاء مثلاً بالسخرية والإستهزاء، وإعطاء المهمات الصفّيّة غير المناسبة لقدرات الطلبة والمرحلة الدراسية، ويمكن للمعلم أن يصدر التهديدات دون تنفيذها والتحدث بسرعة وعصبية، ولا ننسى أن هناك تناقضات حسب مزاجية المعلّم التي تظهر على سلوكه أثناء الحصة الصفّيّة، ومنها أيضاً عقاب الطلبة داخل الغرفة الصفّيّة بشكل كامل يظهر سلوك غير مرغوب من قبل بعض الطلبة، كما أن هناك جلوس الطلبة على المقاعد لفترات طويلة يؤدي لصدور سلوكات سلبية، والسماح للطلبة الإجابة دون إستئذان. (الجاسر، 2001 )
ومما سبق يأتي دور المعلّم في تجنب التصرفات غير المرغوبة حتى يستطيع ضبط الصف أثناء العمليّة التّعليمية التعلمية وذلك من أجل تحقيق الأهداف للمنهج الدراسي داخل الغرفة الصفّيّة.
يعتبر الطالب أحد المدخلات والمخرجات للعملية التعلمية، ومنها تبرز العديد من السلوكات غير المرغوبة للطلبة داخل الغرفة الصفّيّة، كالقيام بتخريب الممتلكات، وتخريب الملصقات، والمشاغبة وغيرها، وتأخذ هذه السلوكيات أنماطاً مختلفة، منها سلوكيات لجذب الانتباه، سواء كانت واضحة وبطريقة غير سليمة كضرب الزملاء، أو ضمنية كإهمال الطالب لإتمام واجبه، والتظاهر بعدم الفهم.
وسلوكيات يبحث من خلالها الطالب عن السلطة والقوة وذلك إما بالمجادلة ورفض الأوامر والتوجيهات والتمرد وهذا بحث عن السلطة بطريقة ضمنية، وسلوكيات إنتقامية: وذلك حينما يشعر المعلّم بأنه قد أوذي من سلوك الطالب المشاغب، وأيضاً سلوكيات يظهر فيها الطالب عدم الكفاءة أو القدرة فيصاب بالفشل وعدم القدرة على إتمام أي عمل يطلب منه ويشعر المعلّم بأنه لا حول له ولا قوة.
حيث تعتبر الإدارة المدرسية عاملاً مهماً في إدارة شؤون المدرسة، من أجل بلوغ الأهداف المنشودة التي وضعتها وزارة التربية والتّعليم، كما وأنها تعتبر مصدراً ملفتاً في إثارة بعض المشكلات الصفّيّة لعدة أسباب منها عدم وضوح التّعليمات المدرسية التي تقع على عاتق المجتمع المدرسي كاملاً، وعدم توافر بدائل للسلوك، فقد يطلب من الطلبة عدم إلقاء بقايا الطعام على الأرض أو عدم الركض والتزاحم في أثناء الخروج من الصفوف دون توفير بدائل لهذا السلوك، فالمدارس تبين للطلبة ما يجب أن يفعلوه ولكنهم نادراً ما يعلمونهم بدائل لهذه السلوكيات مفترضين بأنهم يعرفون كيفية التصرف بشكل مناسب وينسى المربون أن ذلك يحتاج إلى مهارة وتدريب كي يتعلموا ما يجب أن يفعلوه، إستخدام تعليمات وقوانين غير فاعلة، وعدم مشاركة الأهل بفاعلية في نشاطات المدرسة أو اطلاعهم على إنجازات أبنائهم، وعدم وجود برامج وقائية تحد من المشكلات قبل وقوعها. وعدم الإستماع إلى شكاوي الطلبة أو الإلتقاء بهم من وقت لآخر، وعدم إشراك الطلبة في القرارات ذات الصلة بهم بشكل مباشر، وإدارة المدرسة متسامحة جداً أو متعسفة جدًا. (عصفور، 1998)
الطلبة هم العنصر الأهم في العمليّة التّعليمية، وكذلك البيئة المادية، والتي تشكل الإطار الذي يتم فيه التعلم وقد خضع هذا البعد من أبعاد العمليّة التّعليمية للكثير من الدراسات التي تدخل ضمن قياس وتقويم أداء المعلّم، ولا يتطلب تنظيم بيئة التعلم الكثير من الجهد أو التكلفة ولكن يحتاج إلى فهم طبيعة المتعلمين واحتياجاتهم النفسية والاجتماعية وأساليبهم في العمل، بالإضافة إلى حسن التخطيط بحيث يتم إستغلال كل جزء وركن من أركان الغرفة دون زحمها بأشياء لا ضرورة لها، وتوزيع الأثاث والتجهيزات والوسائل التّعليمية بما يتناسب مع طبيعة الأنشطة والخبرات التّعليمية، ويسمح بتنقل الطلبة بسهولة بين الأركان المختلفة. (الناشف وشفشق،2000 )
كما أن للأنشطة الصفّيّة التي تتيح للطلبة المواقف الأساسية لإكسابهم المهارات المطلوبة، ومن المشكلات التي تتعلق بها إضطراب التوقعات في كونها عالية جداً أو منخفضة لدى الطلبة، وصعوبة اللغة التي يستخدمها المعلّم وكثرة المهمات والوظائف أو قلتها مع ضعف الإثارة فيها والتي يحددها المعلّم لطلبته، وتكرار الأنشطة التّعليمية، وعدم ملائمة الأنشطة التّعليمية لمستوى الطلبة. (قطامي ويوسف قطامي،2001)
كما إن عدم فهم الطلبة للمادة الدراسية، وعدم إدراك الأهداف الأساسية من دراستها وأهميتها بالنسبة لهم حاليًا ولحياتهم المستقبلية وعدم رغبة الطلبة في متابعة المعلّم تدفع البعض منهم إلى الحديث مع غيرهم أو الإلتفاف أو القيام بحركات تثير الضحك في الصف، كما أن نشطات التعلم الطويلة والمملة التي لا تلبي حاجات الطلاب وقدراتهم تعمل عل تدني دافعية الطلاب للتعلم ويشعر الطلاب في هذا الجو بالضّجر الأمر الذي يسهم في إيجاد طلاب مشاكسين. (العاجز، 2007)،(الجاسر 2007)
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي