بسم الله الرحمن الرحيم
مازالت العملية التربوية في عالمنا العربي إلى اليوم تخطو خطواتها المتواضعة لتواكب التقدم العلمي والتكنولوجي، وتصاحب متغيرات الحياة، ومتطلبات المجتمع، ومازالت الكلاسيكية القديمة -التي أكل عليها الدهر وشرب- تتسلّل إلى حداثتنا المصطنعة؛ لتؤكد لنا أنها رابضة وقابعة في جحورنا لم يزحزحها تزاحمنا في ركب العولمة، ولم يثنها صبغ زجاجنا من الخارج بألوانٍ زاهية ليخبئ خلفه رجعية علمية وفكرية تقف عاجزة تبحث عن التجديد، وطرْق أبواب التغيير الإيجابي..
حول أساليب التربية الحديثة، ومدى مقدرة المجتمعات العربية على تخطي عائق الرتابة التربوية في عالمنا العربي كان لنا هذا اللقاء مع سعادة الأستاذ/ إبراهيم بن ناصر الصقير، مدير مدرسة سعد بن أبي وقاص بالرياض، والحائز على درع التميُّز الإداري لأربع سنوات متتالية من وزارة التربية والتعليم كأفضل إدارة مدرسية..
*كيف تقيّمون الواقع التربوي في مجتمعاتنا العربية اليوم؟ وهل ترون بأننا حققنا تقدُّماً في هذا المجال؟ وما هي معوّقات تطوير الأداء التربوي؟
إن الواقع التربوي في مجتمعاتنا العربية اليوم يحتاج لبحوث ودراسات متعمقة لتقويم هذا الواقع الذي يختلف من منطقة لأخرى، وإن كنت أعتقد بأننا نسير في دائرة واحدة مغلقة.
والواقع يقول بأننا لم نحقّق أي تقدم في هذا المجال، بل قابعون في أماكننا، والركب قد ابتعد كثيراً عنا.
والمعوقات كثيرة جداً، لا يمكن حصرها في هذا اللقاء؛ فالشخص العادي يدرك ذلك ويعايشه، ويتمنى إزالته. فما بالك بالتربويين ومعاناتهم وهم أصحاب الشأن؟!
*بين (التربية والتعليم) نقف دائماً أمام طرفي معادلة يفترض أن كلا منهما يكمّل الآخر، ولكن ألا ترون بأن العملية التربوية تشكو قدراً كبيراً من التهميش من قبل الإدارات المدرسية؟ على عاتق من يقع خطأ هذا الخلل؟ على الإدارة المدرسية أم الثقافة الاجتماعية؟
سؤال هامّ جداً... وإن كنت أختلف معك بأن العملية التربوية تشكو قدراً كبيراً من التهميش، بل قل: إنّ العملية التربوية والتعليمية كلتيهما تشكوان من التهميش.
والأطراف كلها مسؤولة عن ذلك، وليست الإدارة المدرسية وحدها.
بل إني أدعو للتميّز والتطور والتجديد والتحديث بتبني منهج الإبداع في المدارس، والمبنية على إنتاج يتصف بالحداثة والأصالة مع الالتزام بمنهج تربوي قوي أساسه الدين الإسلامي، مشفوعاً بدعوة للانفتاح على معارف العالم مع الحفاظ على التراث والقيم المجتمعية النبيلة0
ولكن يبقى الدعاء، والتمني شيء والواقع شيء آخر.
وبحكم عملي كمدير لمدرسة ابتدائية منذ (22) عاماً، فإنني أسأل نفسي وزملائي بنفس المهنة: ما الذي قدمه لنا قسم الإدارة المدرسية لتطوير وتقويم أداء المديرين القائمين على رأس الهرم المدرسي؟
لا شيء، لقاءات تفتقد للجديّة، ورش عمل عقيمة، ورقيّات ونماذج كثيرة جداً تحوّلك لآلة كاتبة، وهذا هو حالنا.
إن القيام بمهام ومسؤوليات وواجبات إدارات المدارس تكليف ومشقة وعناء وتعب ومواجهة وقلق يتوجب على القائمين والمشرفين عليها تشجيع كل الكفاءات المتميزة وشكرهم؛ فهم لا يريدون مجداً يتحدثون عنه إنما يريدون دفعة معنوية، ولمسة حانية وإشعارهم بأنّهم إخوة لهم وشركاء معهم، يعملون بروح الفريق الواحد المتجانس المتحاب.
والسؤال الأهم: كيف يتم إعداد مدير المدرسة واختياره؟
أقول لك - وللأسف الشديد -: لا يوجد هذا الإجراء في أجندة قسم الإدارة المدرسية بل إن اختيار مدير المدرسة يعتمد على مقابلة شخصية، وورقة تحتوي على تزكيات من فلان وعلان. ومن خلال ذلك يمكنك تقويم حال مدارسنا.
*كيف يمكن لنا كمجتمعات عربية أن نستفيد من تجارب الآخرين في المضمار التربوي؟ وإلى أي مدى يمكن الاستفادة من وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة في تحقيق تقدم تربوي ملموس؟
إن العالم أصبح قرية صغيرة في ظل هذا التفجر المعرفي والتقني، والاستفادة من تجارب الآخرين أصبح أمراً مهماً للغاية، بل إن تقدمنا مرتبط بنقل تجارب الآخرين وتطبيقها وتوفير كل السبل لنجاحها؛ وذلك بمسايرة الأوضاع العصرية والتطورات التقنية، محاولين فهم العالم الذي نعيش فيه، مستفيدين من كل ما يمكن أن يضعه العصر بين أيدينا من معارف ووسائل لتطوير العمل، وتحسين الإمكانات وتنمية كفايات العاملين فيها؛ لأداء رسالتها وتحقيق أهدافها على أفضل وجه ممكن. وتبقى النواحي المالية عاملاً هاماً لنجاح ذلك.
أما الاستفادة من وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة فهو مطلب ملح لكل مدارسنا، والجميع ينادي به، ويتمنى أن يشاهد ذلك في القريب العاجل.
*من خلال تجربتكم في المجال التربوي ما عناصر النجاح لأي إدارة مدرسيّة في تقديم خدمات نموذجيّة لطلابها؟
بداية نقول: أن هناك عزوفاً من إدارات المدارس، وأصبحت ظاهرة نعايشها.
ونجاح أي إدارة مدرسية يعتمد على عدة عوامل، ومنها:
1- تجديد الدماء في قسم الإدارة المدرسية، وتدوير المناصب والمسؤوليات، وتعدّد الخبرات، لا أن يكون الموقع الإشرافي ملكاً خاصاً، وحقاً مكتسباً لا يمكن انتزاعه.
2- بناء قسم الإدارة المدرسية وفق مفهوم حديث و أفكار تطويرية متقدمة تدعم الجيل الجديد من مديري المدارس؛ ليمارسوا مسؤولية الإشراف وفق أسس علمية.
3- ترغيب العاملين في المجال التربوي والتعليمي بإدارات المدارس وذلك من خلال منح الثقة كاملة، وعدم تجزئتها ومنحهم صلاحيات كاملة، والأهم منحهم ميزة دون غيرهم بزيادة رواتبهم وفق نسبة مئوية معينة، أو إعطائهم مكافأة مالية فصلية.
4- اختيار مديري المدارس وفق أسس علمية وعملية تعتمد بالأساس على إعدادهم من خلال دورات تدريبية مكثفة، وملازمتهم لمديرين متميّزين لا تقل عن فصل دراسي كامل.
5- اعتماد ميزانيات مالية تسلم لمديري المدارس في بداية كل عام دراسي كي يستطيعوا قيادة مدارسهم بشكل ناجح ومثمر.
6- تأمين الاحتياجات المدرسية لكل مديري المدارس قبل بدء أي عام دراسي (مدرسين مناهج وسائل تعليمية آلات تصوير مقاعد الطلاب تجهيزات مكتبية... الخ).
7- أهمية المبنى المدرسي المناسب وإعداد المعلم الكفء الجاد، والنظر في كثافة الطلاب في الفصول الدراسيّة أمور مهمة في نجاح إدارات المدارس.
*مع بداية موسم الاختبارات الفصلية للطلاب والطالبات، ما هي أبرز ملحوظاتكم على هذه الفترة؟
حقيقة يغلب على هذه المرحلة تحديداً مفاهيم خاطئة لدى الطلاب وأسرهم للأسف، فإن حالة شدّ الأعصاب، والاستنفار السلبي، يؤدي إلى نوع من الإرباك، والتشويش على عقل الطالب، وبالتالي فإن اندفاع العقل في اتجاه الاستعداد لأداء الامتحانات سينعكس أثره سلباً على العملية الأهم في هذه المرحلة، وهي عملية المراجعة والاستذكار..
ومن المفاهيم الخاطئة لدى بعض الطلاب وأولياء أمورهم أن فترة الامتحانات هي فترة المذاكرة والحفظ، وهذا خطأ فإن فترة الاختبارات يفترض أنها فترة استرجاع هادئ لِما تمّ حفظه من قبل الطالب طيلة الفترة الدراسية، وتعميقه من خلال المراجعة..