واقعنا إلى أين؟
في البدء كانت الكلمة وخط القلم بداية الصراع بين الإخوة وزهقت الروح دون ذنب وسال الدم ليرسم مآلات الوجود الإنساني وتأزم الوضع النفسي حين شعر القاتل بالذنب وتناسل الإنسان وتوسعت البشر واستقر التنازع وسادت الغلبة وأصبحت المعيار الذي يحدد البقاء هي رحلة الإنسان نحو تأكيد أحقية من يسيطر ويتحكم وجاءت الأديان لتتموضع كموجه لسلوكه واجه الأنبياء والرسل معارضة شديدة لطبيعة البشر لعدم الإنقباد لبعضهم البعض وتمسكهم بثقافات تمجد الطبيعة وانتشرت عبادة ظواهرها كالشمس والقمر وغيرها من الظواهر الطبيعية وسادت الأسطورة واستمر الصراع إلى مرحلة تجلي اللوغوس في العصر اليوناني والصراع لم ينهيه العلم بل دخل في تطاحن مع رجال الكنيسة في القرون الوسطى وتعطل العلم بحجج كثيرة منها تعارضه مع قدسية الروح والطبيعة البشرية وإضطهاد العلماء لتدخل البشرية في حروب طاحنة من أجل التوسع والإستعمار واستغلال خيرات الشعوب الضعيفة التي لا تملك القوة العسكرية وتهاوت القيم واستعبد الأحرار وانقسم العالم إلى قوة استعمارية وأخرى مدمرة منهوبة ومشلولة فكريا واقتصاديا إلى أن تبلور الفكر التحريري وتمكنت من تحقيق إستقلالها بتضحيات جسام ثم انقسمت البشرية إلى قطبين واحد اشتراكي والآخر رأسمالي انخرطت الشعوب المتحررة معظمها في المعسكر الإشتراكي وطبقت نظريات لا تتناسب مع طبيعة التفكير مما جعلها متخلفة أمام قطاع رأسمالي برجماتي فأصبحت فريسة سهلة أمام أطماع العالم الذي تمكن من تصنيع آلات الدمار وضاعت القيم والأخلاق ولم تستطع الدول المتخلفة التحكم في سياساتها وفرضت عليها شروط الإنبطاح والتبعية وضعفها وعجزها عن تلبية إحتياجات شعوبها وقايضت ما تملك من خيرات باطنية بغذائها وملبسها وأجهزة لتسيير منشآتها الصناعية ووسائل نقلها أصبحت مستهلكة فقط دون أن تشارك في البناء الحضاري وتستمر التبعية حتى في توفير الأدمغة والباحثين واليد العاملة الرخيسة لتعمل كرها في دواليب الحضارة الغربية وانتهت الجغرافيا فوق أراضيها أمام زحف الدول المتقدمة وهي توزع منتجاتها دون عوائق الحدود وجاءت العولمة لتفرض الرضوخ التام لهذه الشعوب وهي تستمر في واقع مر فقدت فيه الإنسانية كرامتها ولا تملك حق الدفاع عن أراضيها أو قيمها وساد قانون الغاب رغم وجود منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان أمام هذا الواقع الجديد الذي فرض على البشرية يتساءل الإنسان عن إنسانيته وعن قيمه وهل يستمر هذا الوضع بهذا الشكل في ظل ثقافة الإنبطاح وغياب الإبتكار والموجه ونحن نملك كل مقومات النهوض كأمة بكثافة سكانية هائلة ورصيد ثوري وثروة باطنية تتحكم فيها قلة وتبعثرها يمينا وشمالا دون روية ولا تفكير صحيح أمة فقدت الأمل في النهوض واقع يستدعي قراءة جديدة وبناء جيل يعي مصالحه بهدوء وحكمة وعقل بناء يتحرر من عبودية ثانية سقط فيها ذنبه أنه ولد في أوطان لا تدرك الحاضر جيدا ولا تحاول صناعة المستقبل وتغفل إدراك ما يحاك ضدها سواء من الآخر أو من داخل الذات مما يتطلب العمل في صمت هو أنجع الطرق دون فوضى عارمة.
بقلمي : البشير سلطاني
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي