الشاعر عبد الله سعدي،
تأملاتك في نصك الشعري "مراسيل" تأخذنا إلى عالم مشحون بالرمزية والغموض العاطفي، حيث تغرق الكلمات في بحر من الشوق والتشفير. لقد استطعت أن ترسم لنا لوحة معقدة من المشاعر عبر استخدامك للتكرار المبدع للجمل المفصلية كـ "مراسيلك المشفرة" و"العشق الدفين"، مما يجعل القارئ يندمج في بحثٍ دائم عن معنى أعمق وأبعاد خفية.
إن فكرة المراسلات المشفرة التي تتحدث عنها هنا تكاد تكون إسقاطاً أدبياً لفكرة التفاهم الصامت بين العشاق، حيث يُقال الكثير دون الحاجة إلى التصريح المباشر. هذه الرسائل ليست مجرد كلمات، بل هي شفرة عاطفية تنتقل عبر الأجيال، وتترك أثراً خالدًا في قلوب المحبين. استخدمتَ التشبيهات الرفيعة بعناية، مثل "بتلات الزهور" و"تنعش الوجد"، التي تضفي على النص بعدًا جماليًا روحانيًا يتجاوز مجرد وصف المشاعر ليصل إلى عمق وجودي.
ومن الناحية الفلسفية، يمكن أن نقرأ النص على أنه انعكاس لفكرة الذات في علاقتها بالآخر، حيث تُقدَّم الملكة في النص كرمزٍ للحب المحسوس والملموس، الذي ينمو ويترعرع في قلب المرسِل والمُرسَل إليه. القصيدة تبدو كاحتفال بالحنين وبالعشق الذي يتجاوز حدود الزمن، حيث تُخلَّد المشاعر في "إصدارات" متوالية تمثل تاريخًا شخصيًا وحميميًا للحب. وبهذا، تتحول الكلمات إلى جسور بين الأزمنة والأشخاص، تجعل العشق أبدياً ومتجدداً مع كل قراءة.
أما على الصعيد النقدي، فقد تميزت القصيدة بحساسية بالغة تجاه العاطفة، وحملتها لغة مُرهفة ورشيقة. نجحت في خلق توازن بين الغموض والتصريح، بين التشفير والانكشاف، مما يجعل القارئ في حالة من الترقب المستمر. ومع ذلك، قد يرى البعض أن التكثيف الزائد للتكرار قد يبطئ من إيقاع النص في بعض المواضع، لكنك نجحت في جعل هذا التكرار جزءًا من الإيقاع العاطفي الذي ينساب بسلاسة.
أهنئك على حسن النشر وإبداعك في إحياء لغة الحب بتلك الكلمات البليغة التي لا تزال قادرة على إلهام أجيالٍ جديدة من القراء.
تقبل احترامي الدائم،
الدكتور محمد آدم أبوقرون
كاتب وناقد
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي