الاسرة الصغيرة تكون وحدة المجتمعات الكبيرة
عبد الرزاق الكرم
عند تفتت هذه المجتمعات الكبيرة جدا ، فسوف تصل الى وحدتها الاساسية الاولى ، تلك هي الاسرة الصغيرة ، وما الاسرة الا وحدة المجتمع الصغير ، وفي الأصل هي مجتمع صغير ، وعلى صغرها تتمثل ما تكون عليه المصالح والاعمال والعواطف والمحبة في المجتمعات الكبيرة . بعيدا عن العزلة والكراهية والضوضاء …
وهنا لا بد أن تكون الاسرة مصلحة وعاطفة متبادلة أما المصلحة اصبحت تمثل في تقسيم العمل ومتطلبات العيش بين الرجل الزوج وبين المرأة الزوجة ، وهما مصلحتان لا تنسجمان في اغلب الاحيان ، شأن المصالح ، ولكن العاطفة الزوجية المنسجمة ، تكون على اهبة الاستعداد من التآلف فيما بينهم داخل الاسرة ، وهذا يوضح دور الحب الصافي بين انسجام الزوجين وان حبهما الاول ساد الرفاهية وانتج اطفال صغار يسعدون بهم ويملئون فظائهم بالسعادة ولكن يفتر الحب الاول بين الزوجين ، وتنشأ بعده صداقة ومحبة أشد وثاقة من الحب الاول وابقى ، وهنا الصداقة أصبحت تجاذب القلوب بالود والفرح والرقة والمتعة بينهما ، وهم في الاسرةالصغيرة التي فيها تقلبات الدهر ولكن فيه التراحم والتعاطف ، والزوجة الوفية القنوعة تلبي نداء ربها بعمل الخير لهذه الاسرة واذا ضاقت فيها الدنيا وتدهورت الاحوال ، فأنها تخرج من الدنيا ، فتضيق ايضا بزوجها الدنيا بما رحبت ويظل الدهر يبكيها ، والدمع عصير العاطفة وهي اشد نقاء وأتم طهرا …
ولكن المجتمع الانساني يتألف من الآلاف الاسر الصغيرة ، وتتنوع الاسر في مسيرة الحياة ، قسما منهم يعمل في الوظائف العامة والقسم الآخر في الصناعة والزراعة واخرى في دوائر قوى الامن مثل الجيش او الشرطة واسر تعمل في المهن من طب وهندسة وتدريس واسر في الخدمات وفي صنوف اخرى …
الله سبحانه وتعالى رزق الحياة لهذه الاسر في هذه الدنيا الف الف سبيل يسلكه من الناس الى الرزق الآلاف من صنوف البشر التي خلقها سبحانه وتعالى في هذه الحياة الكريمة ، ولكل اسرة وصنف من الاسر مصالح مشتركة وهذه المصالح اذ هي هكذا تعددت وتنوعت ، واذا هي هكذا اختلفت لا بد لها من تشابك ومن تعارض ، لا للذي فيها من هذه المصالح المتشابكة المتعارضة لتوقفت عجلات الحياة ، وهلك جميع الناس لهذا أتخذ جميع الناس كل الطرق والسبل لتفادي هذه الكوارث ، ومن ذلك كانت القوانين التي تحدد كل شئ واجبا وحقا ملزما به للنهوض بتطبيق المصالح … فمثلا رجل المرور كيف يعمل على تفادي الزحام في تقاطعات الطرق ، وكيف تفادي الصدام بواسطة اضاءة المصباح الاخضر بفتح طريقا الى جانب المصباح الاحمر بسد طريقا آخر ، واذا تعطلت هذه المصابيح عن العمل كيف يكون سالك الطريق أن يمضي في طريقه ، فلا يستطيع من ذلك الا اختلاط الحابل بالنابل ، والنتيجة توقفت حركة المرور توقفا تاما من بعد حركة وسير الطريق الى ان يتدخل رجل المرور فيصلح من النظام ما تأخر ، وفي معترك الحياة بين مختلف الناس الف الف تشابك وتصادم لعل تشابك المصالح وتعارضها في مفارق الطرق بالمدن من اهونها عاقبة ، ولكن اذا لم تكن هناك عواطف ومحبة بين الناس بين بعض وبعض من حب واحترام وتقدير وود يدفع الى التسامح والتراحم ، يدعو صاحبه الى التنازل عن بعض حقه لأجل اخيه الانسان ، او ما ظنه ، حقا في سبيل الوئام وافشاء السلام على المحبة بين اهل الوطن الواحد فالمصير الواحد يحتم على ابناء البلد او الاقليم الواحد التعاون والتناصر والتراحم في سيل حياتهم وهي واجبة على ذلك ، ولكن من طبيعة المجتمعات الاصلية الانسانية ان تنشأ بها أسواء اخرى لا تتصل بهذا وذاك التشابك والتعارض المختلف أشياء لا يكاد المرء ينسبها احد لأحد مثلا من ذلك الفقر ، ومثلا من ذلك المرض …
فمصلحتي تقضي بأن لا انظر ولا أتأثر ولا انظر الى فقير شاهدته ملقى على الارض خشية ان ينقص بالاحسان والعرفان مالي (( المال )) فمصلحتي هنا تقضي بأن لا انظر الى مريض آخر ، وان اتركه في داره خلفي حتى رأيته يسقط وساقط في الطريق ، ولكن لا افعل ذلك ، غابت المصلحة ولكن ايقظ الضمير وحضرت العاطفة ، وحضرت وحدها خالصة بالمحبة والاخوة والغيرة ، فتمتد يدي الى أخي الفقير أجود بما اجود من كرم ومال ، واسرع فأعين ساقط البيت والمستشفى والطريق والمريض حتى تحمله رجلاه ويشفى …
كل هذا وما كسبت من عملي ولا دينارا ولكنها راحة وحلت بضميري بعد ذلك حلة المودة والمحبة والعاطفة والتراحم والرحمة حب مستتر بالحنان وعطف جميل نادر ينشأ في الخليقة طبعا والحب عاطفة مؤسسة في خليقة الانسان فذلك هو الحب الذي يقع بين الرجل والمرأة وسنته الطبيعة لغاية ما ، ولكن الطرفين الرجل والمرأة كليهما يتحابا غصبا ، ان الغاية التي حددتها الطبيعة من الحب فلا تكاد تظهر في الصورة أبدا ، وما الغاية فأنتاج حاله الذراري ثم ساعدت على نشئه النسل الحادث ، والام منشئة ، واما دور الرجل فهو الا كاسب ، والام تحب وتربي وتعطف على اولادها ، وهي لا تدري لماذا لانها متطبعة بحكم الطبع ، والغاية التي نصبتها لها الطبيعة من حيث اتصال الحياة على هذه الارض ، وهنا جاء حب الام شئ في الخلائق جميعا منتشر ن حتى الحيوانات الاخرى مثل ( البقرة ، والطيور ، والحيوانات البرية ) كلها تراعي وتربي اطفالها عن حب وتدافع عنهم حتى الموت ، وهي لا تفقه من سر الطبيعة واهدافها في اتصال الحياة شيئا …
والحب هنا يخرج من معدته الاولى ، في الاسرة الواحدة الى سائر الاسر ويشيع : وفي المجتمعات الاخرى يشيع الا ان تتنازعه المصالح ، والمصالح وراءها قوة المنطق تدافعها ، والحب وراء قوة الطبع تدفعه الحب يكون والسماء صافية ، أما الرحمة فتكون في حدوث الكوارث وفي حالات الفقر والعوز والمرض وفي سوء الاحوال وفجائع الاقدار …
ودليلي واضح على ان الرحمة طبع لدى جميع الناس الغيارى ودليلا آخر على ان الرحمة طبع … فمثلا لو كنت جالسا في مطعم ومرّ بك جائعا ونظر اليك وانت تتناول الطعام فماذا يكون ردك ، توقف على تناول الطعام ولم تستطع ان تسيغه الا اذا انت اشركت هذا الفقير الجائع في بعضه ومن اجل هذا ترى البخلاء يحمون انفسهم من مطالب الرحمة بأختفاء عند الطعام في الحجرات والمنازل وذوي الضمائر يحميهم من حكم الطبع أختفاء في الحجرات فالمعدة لا تستمري للطعام المستطاب وحولها أمعدة خواء .
ولا بد من الاشارة الى ان الصداقة عاطفة تدخل في صنوف الحب الهادئ المستنير ، ومن امثلة الشعوب الاصيلة ، ان الرفيق قبل الطريق والحياة طريق وطريق ورفيقها الصديق ، ان التلاحم يؤسسه الحب ويدفعه الود فصحبة الصديق للصديق شئ عظيم …
ان الانسان مخلوق حسن اجتماعي بطبعه ، وهو ما خلق ليعيش معزولا ، وأخبث شئ وجده الانسان هو العزلة ، والعزلة تقاسيها في اماكن مختلفة ، ان الانسان له لسان فلا بد ان يتكلم ، وله اذن فلا بد ان تسمع ، وبه حاجات لا تقضي الا بالحديث بين الصديق والصديق ، واكثر من وجدت من الناس ضيقا بعزلتهم ارباب التقاعد ، لا سيما من بعد عمل كثيف شاغل والقربة البسيطة هي اقل المجتمعات ضيقا بأهلها ، من حيث اعتزال وعزلة ، كلهم يعرف بعضهم بعضا ، وكلهم يلقي بعضهم بعضا ، وكلامهم واحد واحاديثم واحدة مسلية والمصالح متقاربة ، نموه ونضجه العقلي في سبيل الوصول الى اسرة سعيدة متماسكة تمكن كل فرد من افرادها من تحقيق ذاته وتحقيق اهدافه واهداف الاسرة وتدعيم العلاقات الانسانية السليمة بين افرادها ، وهنا اصبحت الاسرة جماعة كغيرها من الجماعات سواء كانت جماعات عمل او غيرها ، فالاسرة تعتبر جماعة بمعنى الكلمة ويطلق عليها البعض جماعة اساسية لظروفها الخاصة وطبيعة العلاقا بين افرادها وما يعطي الاسرة صفة الجماعة ما يأتي : وجود هدف مشترك يجمع افراد الاسرة الواحدة ، فأفراد الاسرة يتعاونون وصولا الى اسرة سعيدة واضحة يحقق كل فرد فيها اهدافه لجميع الاسرة الوصول بالسعادة والكفاية الى جميع افرادج الاسرة ويتم التنسيق والتعاون بينهم بجهود مشتركة حتى لا تتعارض او تتضارب ، ولكل فرد من الاسرة له دور يؤديه ويعتبر امرا اساسيا بالنسبة لاية جماعة ، فمثلا الدور الرئيس للآب هو رب الاسرة الصغيرة وهو كاسب العيش السعيد ، وقد تشاركه في ذلك الام اذا كانت تعمل ، وقسم من الابناء يعملون والامن له دوره الذي يؤديه في الاسرة ، فليس مطلوبا منه ان يؤدي دورا سواء ، كأن يكون طالبا ، وهنا عليه يؤدي دوره كطالب مستذكرا دروسه باذلا كل جهد من اجل تحقيق النجاح الدراسي وتحقيق اهدافه … وهذا يؤدي الى تفاعل متمر وقائم بين افراد هذه الجماعة في كل وقت من اوقات اليوم ، والاسرة الصغيرة التي يسودها جو من الديمقراطية عادة ما يزدهر فيها الاتصال وتنتقل الى المدينة فتجد جميع الناس فيها تقاسمت فيهم المهن ، وتوزعت شيعا مختلفة ، وتبقى الاسرة في العمارة الكبيرة الى جانب الاسرة الاخرى ولا تكاد تدري احداها ما اسم جاره القريب منه ، وتمضي الايام والاشهر والسنون ولا تتبدل هذه المعزلة … الا بتنظيم المدن وجعلها عامل الصحبة والصحابة في تدبير شؤونها عند تخطيطها وذلك بجمع اهل المهن الواحدة في ارجاء من المدينة الواحدة ، وتزول العزلة التي صنعتها الحضارة الحاضرة …
واليوم بوجودك بين الناس ، تسمعهم وتشاركهم افراحهم واحزانهم وتحس انك واحد منهم وتتحدث معهم وهم يسمعونك ويساعدونك بكل شئ وهذه الحالة تكون بعيدة كل البعد عن العزلة التي صنعتها الحضارة الحاضرة ، ولكن اليوم تلاحظ الصحبة والمودة والاخوة والتلاحم مطلوب وبحاجة اليه في هذه الحياة الحاضرة: وعلى كل فرد في الاسرة الصغيرة ان يحس في ظل الديمقراطية ، بقيمته وبقيمة رأيه وفكره ، ويمكنه ان يشارك بهذا الرأي والفكر في مختلف شؤون الاسرة ، وفي حدود ما يسمح به مستواه …
ولهذا اود أنصح الآباء انفسهم على حسن الانصات والاقبال الى كل ما يقوله الابناء ، وان يتدربوا على فن التحدث مع هؤلاء الابناء ومناقشتهم واستخدام الاسلوب الامثل والمضمون الذي يناسبهم ويتفق مع ظروفهم ومرحلة النمو التي يعيشونها حتى يصبحوا اكثر اقناعا لهؤلاء الابناء واكثر قدرا على التأثير فيهم وجعلهم الابناء واكثر قدرا على التأثير فيهم وجعلهم اسرة سعيدة ناجحة ، بوحدتها وتماسكها وتلاحمها وجعلها وحدة المجتمعات الكبيرة المتطورة