الابتكار بين الأمس واليوم وغداً
إن التطوّر عبر تاريخنا الطويل إنما كان في جوهره تطور الابتكار نفسه، فمع الإنسان الأول كان هناك الابتكار في الحصول على الملبس الذي يقي من البرد، وإلى الكهف الذي يقي من المطر والثلج، وإلى الحجر المسنن الذي يساعد على مواجهة الحيوانات المفترسة. التطور في التاريخ هو مسيرة الابتكارات مهما كانت صغيرة أو كبيرة، وهذا ما تعبر عنه موجات تطور المجتمعات الخمس (انظر الشكل رقم 1). ففي البدء كان المجتمع البدائي الذي أعقبه المجتمع الزراعي الذي تطور مع اكتشاف الزراعة ومع استقرار الإنسان في الأرض الزراعية. كما ظهرت الثورة الصناعية مع إبتكار المحرك البخاري، وفي كل هذا التطور كان هناك تزايد في الكفاءة والخبرة في إنجاز الأعمال وكذلك القدرة على الابتكار. واليوم فإن الاقتصاد قائم على المعرفة، والمعرفة الإلكترونية قائمة على الإنترنت، ففي البدء كان الحاسوب منذ الخمسينات، ومن ثم الإنترنت منذ منتصف التسعينات، والموجة الخلوية cellular wave بعد ذلك.
لقد تحدث موريس (Morris) عن التطور الحالي للإبتكار بالاشارة إلى فترتين(1):
الأولى: الفترة ما بين (1920 – 1980) ارتفع مؤشر داو جونز لمتوسط الصناعة من أقل من (100) نقطة إلى (1000) نقطة.
وخلال هذه الفترة فإن القيمة السوقية المرتبطة بالأصول الثابتة (العقارات، والمصانع، والآلات، والمخزونات، والنقد) كانت تمثل ما بين (95 – 98 ٪) من قيمة الأصول الكلية.
الثانية: فترة ما بعد الثمانينات: وفي تلك الفترة بقت القيمة السوقية المرتبطة بالأصول الثابتة لمؤشر داو جونز على حالها، ولكن ثمة قيمة أخرى ازدادت بشكل جذري، وهي القيمة السوقية للأصول الحسية الغير الملموسة مثل الأفكار والاختراعات والبرامج (الشكل رقم 2).
فالأصول الصلبة أصبحت أقل أهمية في قرارات الاستثمار، بينما العوامل الناعمة اللاملموسة مثل المعرفة، والعلامة التجارية، والخبرة التسويقية، والملكية والابتكار أصبحت الأكثر أهمية. والسؤال لماذا هذا التحول؟ الجواب ببساطة هو أن العوائد التي تحققها الصناعة والماديات أصبحت أقل بكثير من العوائد المتحققة من رأس المال الفكري والأصول اللاملموسة. وإن مقاييس مثل العائد على المعرفة ROIN والعائد على الابتكار ROK. والقيمة غير الملموسة المحسوبة(2)، أخذت تستخدم باهتمام أكبر من المقاييس التقليدية مثل العائد على الاستثمار (ROI) المادي أو العائد على الملكية (ROE) المادية و العائد على الأصول (ROA).