مابين مطلع الشهر الجاري والخامس والعشرين منه قتل في العراق أكثر من مائة جندي أميركي باعتراف المصادر الرسمية للجيش الأميركي , ولا أحد يعرف عدد الجرحى من هذا الجيش بسبب تكتم هذه المصادر على أعداد الجرحى في المعارك وكذلك على الخسائر المادية في العتاد للحفاظ على معنويات الجيش الآخذة في الانهيار برغم حالة التفاؤل التي يصطنعها الرئيس الأميركي جورج بوش عبر تكرار وعوده بالنصر الآتي خلافاً لاجماع الرأي في أميركا من قبل المفكرين السياسيين والاستراتيجيين على أن إدارة المحافظين الجدد خسرت الحرب على العراق وهي تخسر المزيد فيها كل يوم.
والمفارقة في هذه الخسارة التي تعد الأكبر خلال أقل من شهر منذ احتلال العراق في آذار ,2003 أنها تأتي في أعقاب إعلان البيت الأبيض عن استراتيجية جديدة تم بحثها بين الرئيس بوش وكبار جنرالات جيشه للحفاظ على تفوق قواته في العراق على خصومها, مايعني أن العلة ليست في عديد القوات وأساليب التكتيك العسكري المتبع, ولافي نوعية الأسلحة المستخدمة التي تعدالأحدث والأشد فتكاً وتدميراً في العالم, بل إنها في السياسة الخاطئة والمفترية التي قادت أميركا إلى مأزق يفوق بنتائجه الكارثية على أميركا والشعب العراقي مأزق الحرب الفيتنامية طبقاً لاعتراف مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية السابقة في إدارة الرئيس بيل كلينتون.
وهذه المفارقة مع مقاربة الحرب في العراق للحرب في فيتنام بشهادة بوش نفسه قبل أيام, تعني شيئاً واحداً هو أن للسياسة الخاطئة والحمقاء دوماً عاقبتها الوخيمة, وأن وقف تداعيات هذه السياسة وتفادي عواقبها المؤلمة على واضعيها والقوة المنفذة لها ممثلة بالجيش الأميركي, أمران لايتحققان إلا بالتخلي عن هذه السياسة وانتهاج سياسة بديلة منها تقوم على نقض الأولى والاقرار بأنها سياسة أضرت بصورة أميركا في العالم وهزت مكانتها الأخلاقية وألحقت بها هزيمة سياسية واستراتيجية وعسكرية إزاء عجزها عن تحقيق أهداف الحرب على العراق, ونتيجة لخسائر جيشها الكبيرة والفضائح الأخلاقية التي مارستها في العراق وكان منها مجازر حديثةوالفلوجة وغيرهما وتعذيب معتقلي أبو غريب وقتل 650 ألف مدني عراقي, عدا فضائح الأكاذيب التي أريد بها تبرير الحرب على العراق.
وما قاله مؤخراً دونالد رامسفيلد من أن حل الأزمة العراقية لايتم بالقوة العسكرية, يصب في خانة الاعتراف بخطأ سياسة القوة والحروب الاستباقية والفوضى الخلاقة وإعادة هيكلة الشرق الأوسط بما يلائم المصالح الأميركية والإسرائيلية,ويؤكد حقيقة أن المخرج الوحيد من مأزق الحرب على العراق ونتائجه المدمرة لمصالح أميركا وهيبتها وسمعتها الأخلاقية يكمن فقط في العودة عن السياسة المغامرة والعمل على محو ماترتب عليها من نتائج مأساوية, وأولها إنهاء احتلال العراق بوصفه نتيجة ومقدمة معاً, نتيجة للسياسة الخاطئة ومقدمة لحرب دمرت العراق وأزهقت أرواح مئات الآلاف من أبنائه, وتلحق بالجيش الأميركي الخسائر الفادحة كل يوم بالأوراح والعتاد والأموال.