يروي العائدون الجدد من ليبيا فترات الرعب التي مرت عليهم في طرابلس ومصراتة، حيث عايشوا مشاهد هيتشكوكية صنعتها كتائب القذافي والمرتزقة، كانت أبرزها تلك التي قام فيها أحد الأفارقة بقتل طفل وأكل قلبه أمام مرأى الجميع على طريقة أكلة اللحوم.
* العائدون ينحدرون من ولاية سطيف ويتعلق الأمر بـ 5 شبان تتراوح أعمارهم بين 26 و31 سنة يشتغلون بليبيا منذ عدة سنوات، لكن بعد اشتعال لهيب الثورة تغيرت الأمور بشكل فظيع.
* فحسب عبد الحق لشرم، المنحدر من بلدية صالح باي، وعربي خليل، من سطيف، واللذين كانا يقيمان بمصراتة، فإن الوضع فاق المشاهد السينمائية حيث اضطرا رفقة عدد من الجزائريين إلى الاختباء داخل شقة لمدة 15 عشر يوما، وكان ذلك في عمارة تعرضت للقصف من طرف كتائب القذافي، وقد تسببت إحدى القذائف في إبادة عائلة سودانية بكاملها تقطن في نفس العمارة.
* ويقول عبد الحق إن "القتل بمصراتة يتم بطريقة عشوائية فكنا ننتظر سقوط القذائف على رؤوسنا في أي لحظة، ومشاهد التقتيل تتكرر في مختلف الأحياء السكنية، أما أبشع صورة فكانت لمرتزق إفريقي يقال إنه من نيجيريا، والذي قتل طفلا عمره 8 سنوات ومزق جسده ليقوم بعدها باستخراج قلبه وأكله أمام مرأى الجميع، فكان الدم يسيل من فمه على طريقة أفلام الرعب".
* ويروي محدثنا أن هؤلاء المرتزقة الأفارقة دخلوا ليبيا كالوحوش ويتم نقلهم داخل صهاريج النفط في ظروف لا يحتملها البشر وحتى تصرفاتهم لا علاقة لها بالأدميين.
* وأمام التصعيد الذي شهدته المنطقة كان على عبد الحق وأصدقائه الجزائريين الثمانية البقاء داخل الشقة وعدم الخروج إلا خفية من أجل اقتناء المؤونة فكانوا يتناولون الأرز والمقرونة طيلة تلك الفترة. ويقول عبد الحق إنه كان يقوم بتحضير "الكسرة" بنفسه وظل محبوسا في غرفة واحدة رفقة أصدقائه لمدة 15 يوما. وبأن منزلهم تعرض لعدة هجمات، وكان هدفا لطلقات نارية، فالموت كان يحاصرهم من كل مكان، خاصة وأن كتائب القذافي لا تفرق بين الجزائري والتونسي والمصري.
* و يضيف خليل : "لما علمنا بأن الدولة الجزائرية خصصت طائرات لإجلاء أفراد الجالية بليبيا تحركنا باتجاه طرابلس لكننا قبل ذلك عشنا جحيما من نوع آخر فالمسافة بين مصراتة وطرابلس تقدر بحوالي 200 كلم كنا نقطعها في السابق خلال ساعتين لكن هذه المرة لم نصل إلى العاصمة إلا بعد مرور 14 ساعة، حيث كنا نتعرض في كل مرة للتفتيش من طرف العسكر وتم الاستيلاء على أموالنا وممتلكاتنا وحتى هواتفنا النقالة، كما تعرضنا لوابل من الشتائم والإهانات..ولم نتمكن من بلوغ القنصلية الجزائرية إلا بشق الأنفس وكان علينا انتظار موعد الطائرة لمدة 5 أيام اضطررنا لقضائها ببهو القنصلية، حيث بلغ عددنا حوالي 180 شخص بالإضافة إلى حوالي 70 عائلة مرت كلها بظروف صعبة، وأرغمنا على افتراش الكارطون في الوقت الذي كنا نتناول في الغداء كسكروط جبن وهي نفس الوجبة التي تقدم لنا في العشاء".
* وفيما يخص فارس وهشام وسليم المنحدرين من بلدية عين ولمان، جنوب سطيف، فكانوا يعملون في ورشة للميكانيك بمدينة سيرت، وهي المدينة التي كانت تحت الحصار، وحسب محدثينا فإن أصعب ليلة قضوها كانت تلك التي فوجئوا بها لملثمين يقتحمون منزلهم فطلبوا منهم أن يتبعوهم إلى مركز أمني للتحقيق معهم وهناك طلبوا منهم أن يحملوا السلاح ويحاربوا إلى جانب كتائب القذافي مقابل مبلغ مالي يقدر بـ 25 ألف دولار، وهو الأمر الذي رفضه الجزائريون الثلاثة ولم يتمكنوا من الخروج من هذه الورطة إلا بعد تدخل صاحب الشقة التي استأجروها، وهو عقيد في الجيش، الذي أنقذهم وطلب منهم مغادرة مدينة سيرت لأنها لم تعد آمنة.
* وبعد هذه الحادثة قرر أبناء سطيف الرحيل فاتصلوا بالقنصلية ووزارة الخارجية بالجزائر لكنهم لم يجدوا آذانا صاغية، فاضطروا للتنقل بمفردهم إلى طرابلس رفقة أحد الليبيين بعدما دفعوا له قيمة مالية مبالغ فيها، ولم يتمكنوا من الوصول إلى طرابلس إلا بعد التعرض لمختلف أشكال الإهانات، وفي كل مرة يتم توقيف سيارتهم فيجدون "الكلاش" فوق رؤوسهم، ولا يعبرون نقاط التفتيش إلا بعد معاناة كبيرة مع الاستيلاء على كل ممتلكاتهم، فبلغوا القنصلية وهم لا يملكون عقدا على نقد، وتركوا وراءهم ورشة كاملة للميكانيك تضم مختلف التجهيزات وهم الآن بسطيف لكنهم من فئة البطالين.
*
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي