الحمدلله الذي جعل في النوم راحة للأجسام وصحة للأبدان ونعمة منه وفضل على كل إنسان ،جاعل من الرؤى مبشرات لأهل الإيمان ؛والصلاة والسلام على من تنام عيناه ولا ينام قلبه ؛خير من رأى الرؤى وخير من فسرها وعبرها محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار ؛ وبعد :
فإن الناس اشتغلوا بالمنامات والأحلام في هذا الزمان بشكل مبالغ فيه فصار بعض المسلمين يعيش حياته وفق ما يرى في منامه ؛فتحطمت آمالهم وأحلاهم بسبب مناماتهم وأحلامهم .
فقد يترك أحدهم طلب العلم ؛لأنه رأى في منامه ما يدل على أنه لن يفلح في هذا الطريق ،وقد يهجر أحدهم صديقه لأنه رأى في المنام ما يدل على أنه يريد أن يلحق به الضرر .
وأنا لا أنكر الرؤيا وهي جزء من النبوة وأعلم وأومن بما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لم يبق من النبوة إلا المبشرات،قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة )رواه البخاري .
لكني أريد فيما يلي أن أبعث أملاً يثمر عملاً ؛فلا يبقى المسلم مكتوف اليدين بسبب أحلام وأوهام لم يتبين حقيقتها ولم يسأل عنها المختصين في شأنها ؛فتراه مهموماً محزوناً ،وإذا سئل عن ذلك قال رأيت رؤيا !فأقول وما يدريك أنها رؤيا فقد تكون تحزين من الشيطان أو حديث نفس .
اعلم وفقك الله لطاعته أن عدونا إبليس قد توعدنا بما حكاه الله عنه في قوله {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)} [الأعراف : 16 - 17]
فهو أقسم أن يستخدم في سبيل صدنا عن سبيل الله كل الوسائل والأساليب ومن هذه الوسائل التي يحاول بها إبليس إلحاق الضرر بنا محاولة التسلط علينا حال النوم بتخويفنا وإدخال الحزن على قلوبنا ببعض ما نراه في منامنا مع غفلة الكثير منا عن هذه الوسيلة .
وإدخال الحزن على قلوب المؤمنين مقصد من مقاصد الشيطان ؛قال تعالى : {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)} [المجادلة : 10]
و العجيب أنه جاء النص في الحديث على محاولة الشيطان إيذاء المسلم ولو معنوياً في نومه ومعه هذا غفلنا أو تغافلنا عن ذلك .
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة )) رواه ابن ماجه في سننه وصححه الألباني.
فالحديث واضح في تقسيم ما يراه الإنسان في المنام ومن ذلك رؤيا (تحزين من الشيطان ).
قال البغوي رحمه الله في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها)0
فاحتمال أن يكون ما تراه في منامك رؤيا واحد من ثلاثة فقط !فهناك احتمالين آخرين فقد يكون ما رأيته تحزين من الشيطان أو حديث نفس وذلك حسب ما يتضح للمعبر الصادق الناصح من ملابسات في الرؤيا وأحداث قد تكون وقعت لك قبل النوم أو كنت تفكر فيها ؛وكما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ربما يرى الشخص رؤيا فنفسرها له بتفسير ويرى آخر نفس الرؤيا فنفسرها له بتفسير آخر غير الأول ؛وذلك لأن هذا رأى ما يليق به وهذا رأى ما يليق به ،أو لأن الحال تقتضي أن تفسر هذه الرؤيا بهذا التفسير ).
وبالرغم مما ذكرت فإنك تجد من المسلمين اليوم أعداداً لا حصر لها قد يترك أحدهم عملاً أو مشروعاً أو زوجة من أجل أنه رأى في منامه شيئاً أفزعه وأخافه فرجع إلى كتب تفسير الأحلام أو بعض المواقع غير المتخصصة الموجودة على شبكة الانترنت وبعض الأشخاص غير المعروفين فأخافه التأويل وأفزعه التعبير فترك ما عزم على فعله وفعل ما عزم على تركه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من المهم ألا نعتمد على ما يوجد في بعض الكتب ؛ككتاب تفسير الأحلام المنسوب لابن سيرين ،وما أشبهها ،فإن ذلك خطأ ،وذلك لأن الرؤيا تختلف بحسب الرائي وبحسب الزمان وبحسب المكان وبحسب الأحوال ).
وأيضاً فإن الشيطان يحاول أن يتلاعب بالمسلم في منامه ؛ فعن جابر رضي الله عنه قال :جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :يارسول الله !رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددت على أثره ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك ).[center]