الجهل العاطفي الجماعي يجعل الناس يشعرون بسعادة أقل
إذا كنت تحضر حفلات ولقاءات مع أصدقائك وتشعر أنك أتعس منهم، فلا تأخذ الأمر على محمل الجد، إذ إن ما يبدونه في حفلة هنا أو هناك لا يعكس حقيقة حالاتهم النفسية ومدى سعادتهم. فهون على نفسك ولا تبتئس، فلست وحدك من لديه خصاص وعوز في الشعور بالسعادة. هذا ما كشفته دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة ستانفورد ونُشرت في مجلة “الشخصية والنفسية الاجتماعية”.
ويقول الباحثون في هذه الدراسة “ينخدع الكثير من الناس بمظاهر سعادة أقرانهم وأصدقائهم وأنماط حياتهم، ويحسبون دوماً أن غيرهم ينعمون في فيوض السعادة والبهجة، هذا في الوقت الذي يتغافلون فيه عن تمظهرات الجوانب السلبية في حياة الآخرين. وهكذا يظنون أنهم أتعس الناس وأن مشاكلهم هي الأعوص، وتجدهم يُحملون مشكلةً عارضةً تمر بهم حجماً أكثر بكثير من حجمها الحقيقي. وحقيقة الأمر أن غالبية الناس يميلون إلى كتمان مشاعرهم وعواطفهم السلبية بشكل شعوري أو لا شعوري، بينما يحرصون على إظهار مشاعرهم الإيجابية.
ويسترسل الباحثون في القول إن من أسباب ذلك أن الناس يكونون أكثر سعادةً وبهجةً عندما يوجدون صحبة أصدقاء أو رفاق. فكل شخص لا يرى حالة الحزن والملل وسُرعة الغضب التي تُخيم على الشخص في وحدته. كما أن الإنسان يميل بطبعه إلى كبح مشاعره ومكنوناته السلبية عندما يكون مُحاطاً بآخرين، وذلك مُراعاةً للأعراف الاجتماعية السائدة التي تعتبر ذلك غير لائق.
ويضيف الباحثون إن هذا الجهل العاطفي الجماعي يجعل الناس يشعرون بسعادة أقل. وقد بُنيت نتائج هذه الدراسة على بحث دكتوراه للباحث النفساني ألكسندر جوردن. وأورد جوردن في بحثه أن بعض أصدقائه يشعرون بالاستياء والحزن بعدما يقرؤون أخبار أصدقائهم على المنتدى الاجتماعي “فيسبوك”.
وأضاف “هم يشعرون بالإحباط والسخط عن نمط حياتهم عندما يتابعون أخبار الآخرين، لا سيما حينما يجدونهم يرفلون في نعيم كامل ويقضون تجارب ممتعة”. ويمضي مستطرداً “أتساءل ما إذا كان هؤلاء الناس يُصدقون فعلاً ذلك الوهم المفيد أن الآخرين أسعد منهم وأن حياتهم أكثر بهجةً وإمتاعاً”!.
ويشير جوردن في هذه الدراسة أيضاً إلى أن ميل الناس إلى التقليل من أحزان الآخرين ومباعث قلقهم هو ما يُفسر نظراتهم المأساوية إلى أنفسهم وعدم رضاهم عن حيواتهم، وتحويلهم كل تجربة مُسلية يمر بها أحدهم إلى سوط عاطفي يجلد به نفسه. وإذا كان التأفف أو الصُراخ بصوت عال يحدث في الأفلام والقصص والكتب، فإنه غير لائق في واقع التجمعات البشرية والحفلات، فهذه الأخيرة مناسبات يسعى الجميع فيها إلى إظهار أجمل ما فيه ولديه، وإخفاء جميع شحناته السلبية والعاطفية قدر المستطاع.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي