تمهيد :
تشغل قضية تجويد التعليم بال المصلحين في مختلف بلاد العالم ، ذلك لأن عمليات التجويد تسهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في حل كثير من المشكلات التي يعاني منها المجتمع .
وقد أصبحت هذه القضية في العصر الحديث قضية عالمية ، وتحولت إلي موضوع سياسي يدخل في دائرة الاهتمامات اليومية لكبار المسئولين والمختصين وجميع فئات المجتمع كما أصبح الفكر السائد في كثير من المجتمعات المتقدمة والنامية يدور حول حقيقة مفادها أن نظم التعليم القائمة لم تعد صالحة لحاضر ومستقبل المجتمع ، وأن مشكلات التعليم يجب أن توضع في مقدمة المشكلات التي يجب أن تدرس ويبحث لها عن حلول جذرية ذلك أن التعليم قد يصبح في حد ذاته مشكلة من مشكلات التخلف إذا لم تكثف الجهود لتطويره وتجويده ويصبح في حد ذاته مشكلة من مشكلات التخلف إذا لم تكثف الجهود لتطويره وتجويده ويصبح الإنسان بالتالي عيئاً علي نفسه وعلي المجتمع الذي يعيش فيه .
إن تجويد التعليم يعني الانتقال من مستوي الحد الأدني إلي مستوي الإتقان والتميز ، ومن تكريس الماضي إلي التطلع إلي المستقبل الذي سنواجهه ، وهي عملية شمولية لاتقتصر علي عنصر واحد أو عناصر مختارة من العملية التعليمية بل تمتد لتشمل جميع العناصر التي فيها تعليم التفكير .
ويعد تعليم التفكير من أبرز الأهداف التي تسعي بعض المجتمعات لتحقيقه في مؤسساتنا التعليمية حيث كثفت الجهود وسخرت الإمكانات وأعدت البرامج الهادفة ليصبح الطلاب أكثر استعداداً للتكيف مع ظروف الحياة المحيطة بهم والتعامل مع المشكلات والصعوبات التي تواجههم .
غير أن الواقع في مؤسساتنا التعليمية غير ذلك ، فنتائج البحوث العلمية تشير إلي شيوع استخدام الأساليب التقليدية في تلقين المعلومات والاهتمام بحفظها وقياس وتقييم مستوي تحصيل الطلاب فيها بأسئلة تقيس القدرة علي استرجاعها بدلاً من قياس القدرة علي التفكير والتغير الحاصل في السلوك ، وقد أدي ذلك إلي تخريج أعداد هائلة من الطلاب تتجلي خبراتهم بصورة أساسية في استدعاء وتذكر المعلومات بدلاً من استخدام تلك المعلومات في اتخاذ قرارات سليمة ، وقد ثبت زيف الافتراض القائل بأن استخدام الأساليب التقليدية كفيل بتنمية مهارات التفكير لدي المتعلمين علي اختلاف مستوياتهم وأدركت الدول المتقدمة هذه الحقيقة وحملت نظمها التعليمية مسئولية التطوير والتجويد .
إن الهدف من التعليم لايقتصر علي التعرف علي الحقائق المجردة وحفظها بل يتعدي ذلك إلي هدف أعلي وهو زيادة القدرة علي الفهم والتطبيق وإتقان عمليات التحليل والاستنتاج وتمكين الطلاب من اكتساب مهارات عقلية تساعدهم علي تنظيم وتخزين المعلومات وابتكار الطرق المؤدية إلي استعادتها بسرعة ودقة ، والتفكير بأسلوب علمي منظم يساعد علي القيام بعمليات القياس وإدراك العلاقات وغيرها من العمليات العقلية .
إن التفكير السوي حق مشروع ومطلب ملح لكل إنسان ، وإن الدعوة إلي تربية وتعليم التفكير في المدارس هي دعوة وطنية وضرورة ملحة لاتحتمل الـتأجيل ، والضرورة تدعو إلي تجويد نظامنا التعليمي وفق متطلبات الحاضر والمستقبل والتخلص من كثير من الأساليب التقليدية التي لم تثبت جدواها 2حتي يصبح الفرد قادراً علي الفهم والتحليل والاستنتاج والتطبيق ومستعداً لمتابعة مايستجد في عالم المعرفة من أجل الإلمام بها وإتقان استخدامها والسيطرة عليها .
وتشير المعلومات إلي أن تعليم التفكير له جذور قديمة في تاريخ البشرية فالأديان السماوية تحث علي التأمل والتدبر والتفكير . والقرآن الكريم زاخر بألفاظ وردت بصيغ عديدة تدل علي العقل والتفكير مثل : تتفكرون ، تعقلون ، تبصرون ، يفقهون يتفكرون ، العالمون ، أوتوا العلم ، أوتوا الألباب ، وغيرها .
كما وردت آيات عديدة تحث علي التفكير منها قوله تعالي :
" كذلك يبين الله لكم الآيات لغلكم تتفكرون " ( 219 ) ، ( 266 ) سورة البقرة .
" وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " ( 21 ) سورة الحشر .
" وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم ولعلهم يتفكرون " (49) سورة النحل ." أو لم يتفكروا في أنفسهم ماخلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا الحق "
( 8 ) .سورة الروم
" ويتفكرون في السماوات والأرض " (191 ) سورة آل عمران .
بهذه الآيات وغيرها تقرر واجب الaتفكير في الإسلام وتبين منها أن العقل الذي يخاطبه الإسلام هو ذلك الذي يدرك الحقائق ويميز الأمور ويوازن بين الأضداد .
مفهوم التفكير :
يعد التفكير من أبرز الصفات التي تسموا بالإنسان عن غيره من مخلوقات الله تعالي وهو من الحاجات المهمة التي لاتستقيم حياة الإنسان بدونها ، وحيث أن الإنسان يحتاج إلي التفكير في جميع مراحل عمره لتدبير شؤون حياته ، فإن الضرورة تدعوا إلي حسن تعليمه في كافة المراحل التعليمية .
وقد وردت تعريفات عديدة للتفكير منها مايشير إلي انه " سلسلة من النشاطات العقلية غير المرئية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس بحثاً عن معني في الموقف أو الخبرة .
ومن العلماء من يري " أن التفكير مفهوم افتراضي يشير غلي عملية داخلية تعزي إلي نشاط ذهني معرفي تفاعلي انتقائي قصدي موجه نحو مسألة ما ، أو اتخاذ قرار معين ، أو إشباع رغبة في العلم ، أو إيجاد معني أو إجابة عن سؤال معين ويتطور التفكير لدي الفرد تبعاً لظروفه البيئية المحيطة .
ومن التعريفين السابقين يتضح أن التفكير مفهوم مجرد ، لأن النشاطات التي يقوم بها دماغ الإنسان عند التفكير غير مرئية وغير ملموسة ، وما يشاهده الإنسان عند ملاحظة إنسان آخر يمارس التفكير ماهى إلا نواتج فعل التفكير سواء أكانت حركية أو مكتوبة أو منطوقة .
كما أن التفكير عملية ذهنية نشطة ومتواصلة يقوم بها الإنسان مادام عقله سليماً ، وعلي وجه الخصوص حين يتعرض لمشكلة أو حين يرغب في تحقيق مكسب ويتأثر كل ذلك بثقافة الإنسان وخبراته ومحيطه الذي يعيش فيه .
خصائص التفكير :
سبقت الإشارة إلي أن التفكير عملية معقدة ، ومستوي التعقيد فيها يعتمد بصورة أساسية علي مستوي الصعوبة أو التجريد في المثير أو المهمة المطلوبة ، فعندما يسأل المرء عن اسمه مثلاً أو عن رقم هاتفه فإنه يجيب بسرعة دون أن يشعر بالحاجة إلي بذل جهد عقلي ، ولكن إذا طلب من نفس الإنسان أن يقدم تصوراً لمجتمع بدون مدارس ، فإنه بلاشك سيجد نفسه أمام مهمة صعبة تتطلب بذل نشاط عقلي أكثر تعقيداً .
واستناداً إلي ذلك فقد ميز الباحثون بين مستويين للتفكير هما :
1- تفكير من مستوي أدني أو أساسي : ويتضمن مهارات عديدة منها اكتساب المعرفة وتذكرها والملاحظة والمقارنة والتصنيف ،وهي مهارات يجب علي المرء إتقانها قبل أن يصبح قادراً علي مواجهة مستويات التفكير المركب بصورة فعالة .
2- تفكير من مستوي أعلي أو مركب : يتفق المختصون علي جود خمسة أنواع من التفكير المركب هي التفكير الناقد ، التفكير الإبداعي ، حل المشكلات اتخاذ القرار والتفكير فوق المعرفي ، ويشتمل كل واحد من هذه الأنواع علي عدد من مهارات التفكير التي تميزه عن غيره .
ويتميز التفكير المركب بأنه يتضمن حلولاً متعددة ، وإصدار حكم في النهاية بالإضافة إلي أنه لايمكن تحديد خط السير فيه بصورة وافية بمعزل عن عملية تحليل المشكلة .
وعلي الرغم من تباين نظريات علم النفس المعرفي في تحديد مراحل تطور التفكير فإن العمليات العقلية عند الإنسان تتطور بصورة منتظمة ومتسارعة ، وتتأثر بعوامل عديدة وتزداد تعقيداً وتشابكاً مع التقدم في مستوي النضج والتعلم .
وتشير المعلومات إلي أن الكمال في التفكير عند الإنسان أمر بعيد المنال وإلي ايجاد حل لكل مشكلة واتخاذ القرار الصائب في كل أمر غي ممكن .
أهمية تعليم التفكير :
تشهد بدايات القرن الحادي والعشرين أحداثاً ومتغيرات متسارعة تجري وسط تحولات جذرية في مجالات الحياة المختلفة ، تلك التغيرات تفرض علينا اعتبار العملية التعليمية عملية لايحدها زمان ولامكان ، وتستمر مع الإنسان كحاجة ضرورية لتسهيل تكيفه مع المستجدات في بيئته ، ومن هنا رفعت شعارات التعليم الطالب ( كيف يتعلم ) ( كيف يفكر ) ( كيف يعيش ) . واكتسبت تلك الشعارات أهمية خاصة لأنها تحمل مدلولات مستقبلية غاية في الأهمية .
ويسهل علي الإنسان في هذا العصر أن يحصل علي المعرفة بوسائل متعددة ومن مصادر مختلفة ، ولكن ليس من السهل عليه توظيف تلك المعرفة لتحقيق أهدافه دون تدريب رفيه وتفكير سليم ، أنه التفكير الذي وصغه ( دي بونو ) أحد أبرز علماء التفكير بأنه استخدام المعرفة لتحقيق هدف لايمكن الوصول إليه مباشرة .
وهو أيضاً كما عبر عنه المربي المعروف " جون ديوي " بالأداة القادرة علي التغلب علي الصعوبات وقهرها فإذا استطاعت المؤسسات التعليمية أن تعلم النفكير لطلابها وتدربهم علي اكتساب مهاراته فإنه سيكون بمقدورهم التغلب علي المشكلات التي ستواجههم في مستقبل حياتهم .
ويعد التفكير من حاجات الإنسان الأساسية وله علاقة بالمجتمع حيث يتعين علي الإنسان أن يفكر ويتخذ قرارات سليمة تمكنه من التكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه ومن هنا يعتقد أن قرار تعليم التفكير يعد قراراً سياسياً فالمجتمعات المتقدمة تغرس في أبنائها صفة الثقة بالنفس والاعتماد عليها ، وتؤهلهم لاتخاذ قرارات سليمة وتمنحهم الفرصة الكافية للنظر فيها لذلك فإن حسن إدارة شؤون المجتمع تتطلب إعداد جيل من المفكرين الذين يحسنون تصريف أمور الأفراد علي أسس قوية من الوعي والفهم .
وتبدو أهمية تعليم التفكير في النقاط الآتية :
1- يجعل تعليم التفكير المواقف الصفية أكثر حيوية ومشاركة الطلاب فيها أكثر فاعلية وفهمهم لما تقدم إليهم أكثر عمقاً فتزداد ثقتهم بأنفسهم في مواجهة ظروف الحياة المتغيرة من حولهم .
2- يساعد الطلاب علي البحث عن المعلومات وتصنيفها واستخدامها في التعامل الواعي مع ظروف الحياة المتغيرة المحيطة بهم .
3- يمكن الطلاب من اكتساب مهارات عديدة وتنمية اتجاهات مرغوبة وبالتالي معرفة ماذا يفعلون وكيف ولماذا .
4- يساعد الطلاب علي ربط معلوماتهم بشكل أفضل ويمكنهم من رفع كفاءاتهم التفكيرية في تصريف أمورهم علي أسس قوية من الوعي والفهم .
5- يساعد الطلاب علي ممارسة السلوك السوي حيث أن كثيراً من أسباب الانحراف تعود إلي ممارسة السلوك دون تفكير سليم ، مما يؤثر علي فرص نجاحهم الدراسي وعلي حياتهم اليومية
6- يؤدي في النهاية إلي إعداد أجيال من المفكرين المبدعين القادرين علي مواجهة تحديات المستقبل .
متطلبات تعليم التفكير :
لاجدال في القول بأن نجاح تعليم التفكير يتوقف علي مدي توفر مجموعة من المتطلبات ، أهمها مايلي :
أولاً : المعلم : يتفق المربون علي أن المعلم هو المفتاح الرئيس لنجاح العملية التعليمية بأكملها ، فهو الذي يوفر المناخ الذي يقوي ثقة المتعلم بنفسه أويدمرها .
يقوي روح الإبداع فيه أويقتله ، يثير التفكير الناقد أو يحبطه ، ويفتح المجال للتحصيل الدراسي أو يغلقه .
ولقد كان السؤال حول أهمية المعلم مثار اهتمام ودراسة دائماً في مختلف بلاد العالم ، حيث عقدت مؤتمرات وندوات علمية وقدمت أوراق بحثية ورسائل جامعية حول المعلم وصفاته وأهميته وبرامج إعداده وتأهيله وتدريبه وأدواره المتجددة ، وما يهمنا في هذه الورقة يقتصر علي دور المعلم في تعليم التفكير .
لقد أجريت دراسة مسحية في مجال تعليم الموهوبين وتبين من نتائجها " أن المعلم يحتل المركز الأول من حيث الأهمية بين خمسة عشر عاملاً أساسياً ذكرت من قبل الخبراء العاملين في مجال تعليم التفكير "
ويبدأ دور المعلم في تعليم التفكير بالاستماع إلي طلابه والتعرف علي أفكارهم وتشجيعهم علي المناقشة والتعبير عن أرائهم ومناقشة وجهات نظرهم مع زملائهم مع القيام بدور نشط في الموقف التعليمي ،وفي كل ذلك يحرص المعلم علي منح وقت كاف طالب للتفكير والتأمل في حل المشكلات .
وعلي المعلم أن يعمل علي تنمية ثقة الطلاب بأنفسهم وعلي اختيار أنشطة تفكيرية تنسجم مع مستوي قدراتهم ، وألا يتردد في الاعتراف بأي خطأ يرتكبه أو التصريح بأنه ليملك إجابة فورية لسؤال ما ، في الوقت الذي لايتواني فيه عن التنويه بقيمة الأفكار التي يطرحها الطلاب .
ويشير المختصون إلي مجموعة من الممارسات التي ينبغي أن يحرص عليها المعلمون ليوفروا لطلابهم بيئة صفية تساعد علي التفكير وهذه الممارسات هي :
1- أن يطرح المعلم أسئلة محددة تقود إلي إجابات واضحة .
2- أن يستخدم ألفاظاً محددة في أي تواصل مكتوب أو منطوق مع طلابه .
3- أن يحرص علي توجيه طلابه والتعقيب علي إجاباتهم عندما يستخدمون ألفاظاً غبر دقيقة أو محددة .
4- أن يستخدم عبارات مرتبطة بمهارات التفكير وعملياته كأن يطرح أسئلة تقود إلي المناقشة وحل المشكلات واتخاذ القرارات .
5- أن يتجنب استخدام ألفاظ النقد والتجريح في ردوده علي الإجابات الخاطئة أو الناقصة .
6- أن يحترم مبادرات المتعلم ويقدر أفكاره ويستخدم أساليب التعزيز المناسبة وبخاصة مع المترددين أو الخجولين أو متدني الدافعية وذلك بهدف تنمية مستوي الدافعية وذلك بهدف تنمية مستوي الدافعية للتعلم .
7- أن يهيئ فرصاً عديدة للطلاب لكي يفكروا بصوت عال لشرح أفكارهم وحل مشكلاتهم .
8- أن يتجنب السلوكيات المعيقة للتفكير أو التي تحول دون مزيد من التعمق في المعالجة المعرفية للمهمات المطروحة علي الطلاب .
9- أن يحسن الظن بالمتعلم ويتوقع منه أن يتفوق مما يشكل حافزاً له علي العمل .
10- أن يمنح الطلاب حرية كاملة لاختيار النشاط الذي يفضلون ممارسته .
11- أن يصغي باهتمام إلي أفكار الطلاب وإجاباتهم وتعليقاتهم ويعززها بالألفاظ الملائمة ، ولا يسمح بمقاطعة المتحدث ، وإنما يعطي لكل فرد حقه في التعبير عن رأيه بحرية .
12- إلا يتردد في الإفصاح عن عدم معرفته الإجابة عن سؤال أمام طلابه .
13- أن يعطي المتعلم فترة زمنية كافية للتفكير قبل مطالبته بالإجابة عن سؤال بهدف توفير بيئة ملائمة للتفكير التأملي .
ثانياً : البيئة المدرسية :
لاجدال في القول بأن تعليم التفكير يتأثر بمكونات البيئة المدرسية المتمثلة في الأهداف التعليمية ، ومصادر التعليم والتعلم بالمدرسة ، وجمعيات النشاط المتوافرة بها بالإضافة إلي العلاقات المدرسية ، والأساليب المستخدمة في تقييم نتاجات التعلم بها .
وفيما يلي عرض موجز لهذه المكونات وأهميتها في تعليم التفكير:
1 – الأهداف التعليمية: يتطلب الأداء المثمر لأي عمل من الأعمال تحديد أهداف ذلك العمل واختيار الوسائل والطرائق المؤدية إلي تحقيق تلك الأهداف .
ولما كان تعليم التفكير عملية مخططة ومقصودة فإن الأهداف تأتي في المرحلة الأولي من بناء المحتوي الدراسي ، فهي ضرورية لرسم السياسة التعليمية حيث أنها تعتبر الدليل الذي يتم في ضوئه اختيار مفردات المقررات الدراسية ، وطرائق ووسائل التدريس واقتراح أوجه النشاط المختلفة وأدوات التقويم المناسبة ، كما أن الأهداف تعد بمثابة المؤشر الذي يواجه المعلم في عمله والدليل الذي يهتدي به المتعلم في عملية تعليمه وتعلمه .
ولما كانت المدرسة مسئولة إلي حد كبير علي تعليم التفكير فإن من واجبها إتاحة الفرص لمناقشة الأهداف التعليمية من أجل التوصل إلي قاعدة مشتركة ينطلق منها الجميع لتحقيق أهداف واضحة يتصدرها هدف تنمية التفكير والإبداع.
2 – مصادر التعليم والتعلم : يتطلب تعليم التفكير بيئة مدرسية غنية بمصادر التعليم والتعلم والمتمثلة في أدوات تعليمية وتجهيزات معملية ومخبريه ومكتبة غنية بكتب مرجعية وروايات متخصصة وأشرطة مسموعة ومرئية بالإضافة إلي وسائل نقل للقيام بزيارات ورحلات ميدانية وغير ذلك مما يمكن أن يدرج في قائمة مصادر التعليم والتعلم أو مايمكن أن يسمي بالبنية التحتية لتعليم التفكير .
ويعد نقص هذه الإمكانات أو عدم وجودها أصلاً في كثير من المدارس عائقاً يخمد حماس المعلمين في تعليم التفكير . إذ كيف يمكن اكتشاف طالب لديه استعداد للتفوق في الحاسوب والبرمجة مثلاً إن لم تكن لديه فرصة لقضاء ساعات كافية للتعامل مع الحاسوب وبرامجه بإشراف معلم مؤهل ، وكيف يمكن اكتشاف ورعاية طالب آخر لديه استعداد لإجراء تجارب معملية أو القيام بدراسات ميدانية أو عروض عملية إن لم تعمل المدرسة علي توفير المصادر المطلوبة ، وهكذا يبدو أن توافر المصادر بالمدرسة أو نقصها أو عدم وجودها أصلاً يؤثر بطريقة او بأخرى علي تعليم وتنمية التفكير .
3 – جمعيات النشاط: يفصد بالنشاط في التعليم مايقوم به من الطلاب من عمل حر منظم وموجه داخل الفصل وخارجه ، ويتولي المشرفون علي العملية التعليمية توجيه ذلك النشاط بما يؤدي إلي تحقيق الأهداف المنشودة .
وفي مجال تعليم التفكير يعد النشاط وسيلة هامة لاكتساب الخبرة المباشرة التي لايمكن اكتسابها عن طريق المعلومات النظرية ، كما يعد النشاط عاملاً أساسياً لتحقيق النمو الشامل للإنسان وعن طريقه يتمكن من تحقيق رغباته وإشباع حاجاته نحو العمل وحب الاستطلاع والكشف عن حقائق الأشياء هذا بالإضافة إلي أن ممارسة النشاط تكسب الطلاب عدداً من المهارات الفكرية والاتجاهات السليمة .
وتتميز المدرسة التي تنمي التفكير بوجود جمعيات مختلفة يمارس الطلاب فيها أنشطة فكرية متعددة ، فهناك الجمعية الثقافية والعلمية والجمعية الفنية والموسيقية والجمعية الرياضية والجمعية الاجتماعية وغيرها من الجمعيات التي تتفرع منها جمعيات أخري عديدة تضم الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور وغيرهم من المهتمين بالتعليم في المجتمع .
4 – العلاقات المدرسية : تعد العلاقات المدرسية من المتطلبات الأساسية لنجاح تعليم التفكير حيث أن إقبال الطلاب علي ممارسة الأنشطة المختلفة أو إعراضهم عنها لايحدث صدفة ، وإنما يرجع إلي عدد من العوامل المتداخلة والتي منها نوعية العلاقة القائمة بينهم وبين معلميهم ، فعندما يهتم المعلم بطلابه ويساعدهم علي حل مشكلاتهم ويعمل علي تهيئة كافة الظروف الملائمة لنموهم بعيداً عن القسوة والتهديد فإنه بذلك يعاملهم معاملة إنسانية ويؤثر فيهم تأثيراً إيجابياً ويدفعهم إلي المزيد من التعلم .
وتمتد العلاقات الإنسانية لتشمل تلك العلاقات المتبادلة بين المعلمين والإداريين وأولياء الأمور وجميع العاملين بالمدرسة ، ويترتب عليها إما الإقبال علي التعليم وممارسة أنشطة التفكير أو النفور من المدرسة والبعد عن المشاركة في أي نشاط التعليم وممارسة أنشطة التفكير أو النفور من المدرسة والبعد عن المشاركة في أي نشاط كما يترتب عليها إما ترسيخ مفاهيم الأمن والحرية والتقبل ، أو مشاعر الخوف والرفض والإحباط .
5 – أساليب التقييم : سبق القول بأن مؤسساتنا التعليمية تلجأ إلي استخدام الأسلوب التقليدي في قياس مستوي تحصيل الطلاب عن طريق الامتحانات التي تقيس في معظمها معلومات في المستوي الأدني للتفكير ، أي في مستوي التذكر والحفظ والاسترجاع بدلاً من قياس القدرة علي التفكير والتغير الحاصل في السلوك .
وعندما تحتكم المدرسة لدرجات الامتحانات التقليدية في تقييم مستوي تحصيل الطلاب ، فإنها تمارس في الحقيقة سلوكاً يحمل في طياته تناقضاَ واضحاً لابد من معالجته حتى تنتقل إلي مرحلة متقدمة في تقدير الإبداع ورعايته ، وقد يكون المخرج من ذلك هو إدخال أساليب جديدة للتقييم مثل التقييم الذاتي وتقييم زملاء الفصل ، والبطاقة التراكمية وغيرها .ولاشك أن هذه الأساليب ستدفع الطلاب إلي مزيد من المشاركة في أنشطة تعليم التفكير .
تهيئة الطلاب لممارسة أنشطة التفكير :
يتفق معظم المربين علي أن التفكير هدف عام من أهداف التعليم ، وأن علي المدارس أن تبذل كل ماتستطيع من جهد لتوفير الفرصة لممارسته ، ولكن كيف السبيل إلي ذلك ؟ وما أنواع الأنشطة التي تؤكد علي التفكير ؟
وللإجابة أقول أنه من الأهمية بمكان أن يهيئ المعلم طلابه قبل قيامهم بعمل مكثف في أنشطة التفكير ، فقيل أن يتوقع منهم تنفيذ أنشطة تتطلب تصنيف بيانات مثلاً يجب أن يهيئهم بإتاحة خبرات تساعدهم علي فهم مالذي يتطلبه التصنيف .
إن أنشطة التفكير متعددة ومتنوعة فمنها المقارنة والتخليص والملاحظة والتصنيف والتخيل والنقد والتفسير والبحث عن المسلمات وفرض الفروض وتصميم المشروعات وجمع البيانات واتخاذ القرارات وغيرها ، ويمكن ممارسة هذه الأنشطة في جميع المواد الدراسية وفي مختلف المراحل التعليمية وذلك وفقاً لقدرات المتعلمين والإمكانات المتاحة ، فتعليم بعض المهارات الأساسية كالقراءة والكتابة في المرحلة الابتدائية مثلاً ليس لمجرد التدريب العضوي علي النطق السليم وزيادة الحصيلة الغوية فقط ، بل يتعدي ذلك إلي تدريب المتعلم علي التفكير أثناء القراءة والربط بين الحروف والكلمات والتمييز بينهما ، كما أن الهدف من مهارة الكتابة كإحدي المهارات الأساسية ليس لمجرد التدريب اليدوي علي حسن الخط أو الكتابة بصورة صحيحة إملائياً ونحوياً فقط ، بل يتعدي ذلك إلي مرحلة أعمق وهي تدريب المتعلم علي ممارسة التفكير أثناء الكتابة .
وتجدر الإشارة هنا إلي أنشطة التفكير تختلف عن التمارين المدرسية الأخرى من حيث :
- أن أنشطة التفكير مفتوحة النهاية ، بمعني أنه لاتوجد إجابة واحدة صحيحة نبحث عنها ، بل إجابات عديدة مقبولة ومناسبة .
- أن كل نشاط يتطلب تدريب وظيفة عقلية عليا كالملاحظة أو المقارنة أو غيرها.
- إن أنشطة التفكير تؤكد علي توليد الطلاب للأفكار بدلاً من تذكر المعلومات واسترجاع فكر الآخرين .
وعند ممارسة أنشطة التفكير يجب علي المعلم أن يضع في اعتباره مايلي :
1 – عن التفكير عملية ذهنية معقدة يمكن تعليمها لكل الأفراد وفي كل المستويات العمرية ، إلا أن البدء بذلك في السنوات الأولي من حياة الإنسان أكثر جدوى وأعمق أثراً .
2 – يجب أن تتعاون المدرسة مع الأسرة في مجال تنمية التفكير بأنماطه المختلفة ، ذلك أن كثير من سلبيات التفكير لدي الناشئة سببها الرئيسي هو أسلوب الاتصال في الأسرة .
3- إن تنمية التفكير العلمي عملية معقدة تستلزم عدم التوقف لمجرد حصول الطلبة علي حل لمشكلة ما ، إذ لابد من التفكير في حلول أخري دائماً .
4 – إن كل الخبرات الأسرية والمدرسية يمكن تسخيرها لخدمة أنشطة التفكير وتنميته لدي الطلاب .
5 – إن طرائق التعليم التقليدية والقائمة علي نماذج الاتصال المحدود لاتناسب أنشطة التفكير وتنميته لدي الطلاب .
6- إن مشاركة الطلاب الفعلية في المواقف التعليمية أكثر فاعلية في تمكينهم من اكتساب مهارات التفكير .
وفي جميع الأحوال علي المعلم أن يشجع طلابه علي عدم الوقوع أثناء تفكيرهم في بعض الأخطاء والتي منها:
- التحيز أو النظرية الجزئية: وهو الخطأ الرئيسي في التفكير، حيث ينظر الطالب إلي جزء من الموقف فحسب ويقيم حجته علي أساس ذلك
- الحكم الأولي: وهو خطأ يقع عادة في كل مستويات التفكير، حيث يقوم من يفكر بإصدار حكم أولي كان يقبله أو يرفضه، وسيستخدم بعد ذلك مهاراته الفكرية وقواه المنطقية لدعم الحكم الأولي.
- التمركز حول الذات : حيث يري الطالب الموقف بدلالة تأثيره عليه شخصياً .
مداخل وطرائق تعليم التفكير : لقد أصبح من وظيفة المدرسة في العصر الحديث أن تعني بتعليم الأفراد كيف يفكرون وتدربهم علي اكتساب مهارات التفكير حتى يستطيعوا أن يشقوا طريقهم في الحياة بنجاح ، وإذا أسلمنا بأهمية التفكير وضرورته لكل الأفراد ، فكيف السبيل غلي تعليمه ؟ وللإجابة أقول أنه من الممكن تعليم التفكير في المؤسسات التعليمية من خلال مدخلين أساسين هما :
1 – المدخل الاندماجي : وينص علي أن تعليم التفكير يمكن أم يكون من خلال تدريس مختلف الدراسية ، وقد استند أنصار هذا المدخل في رأيهم علي النظرة التكاملية للمنهج المدرسي واقترحوا عدداً من البرامج نمن أشهرها : برنامج تنشيط تفكير الأطفال من خلال المنهاج ، وبرنامج رتشارد باول لإعادة صياغة الخطط التعليمية .
ويعد هذا المدخل أكثر مرونة واستخداماً وملائمة لتلاميذ التعليم الأساسي حيث يمكنهم من اكتساب مهارات عديدة تساعدهم علي فهم وتحليل وتطبيق معلوماتهم.
وعلي الرغم من أن هذا المدخل لايحتاج إلي إدخال تعديلات جوهرية علي الخطة الدراسية إلا أنه يتطلب تنسيقاً دقيقاً وجهداً كبيراً في انتقاء المحتوي التعليمي بشكل يسهم بفاعلية في تنمية تفكير الطلاب .
2 – المدخل المستقبل : ويعتقد أنصاره أن التفكير يمكن أن يكون مادة دراسية مستقلة تقدم للطلاب في مراحل التعليم المختلفة ، وعلي الرغم من أن ذلك يعد ظاهرة معاصرة جاءت نتيجة للتقدم العلمي وما صاحبه من تغيرات عديدة فإن هذا المدخل يعد أقل انتشاراً واستخداماً من المدخل السابق ، وقد اجتهد المختصون في تقديم برامج عديدة منها : مساق تعليم التفكير ، تسريع البناء المعرفي من خلال تعليم العلوم ، برنامج كورت ، للمربي المعروف دي بونو الذي يعد من أبرز علماء التفكير المدافعين بقوة عن متهجية تعليم التفكير مستنداً في ذلك إلي نتائج الدراسات والتطبيقات التي أجريت علي برنامجه في كثير من دول العالم في مجالات التعليم والإدارة والصناعة .
أما عن طرائق التعليم فيمكن القول أن البحث العلمي لم ينته إلي نتيجة واضحة تحدد أي الطرائق أفضل من غيرها ، بمعني انه لاتوجد طريقة مثلي لتعليم التفكير فقد تكون طريقة ما فاعلة وناجحة في موقف تعليمي محدد وغير فاعلة في موقف آخر ، وما يتلائم منها مع قدرات معلم ماقد لايتلائم مع قدرات معلم آخر وما يمكن استخدامه منها بأدوات وأجهزة ومعدات وفيرة يختلف عما يستخدم منها بإمكانات محدودة ، بالإضافة إلي الفروق الفردية بين الطلاب في الإدراك والتذكر والتخيل والتفكير .
ومع ذلك يمكن القول أن تعليم التفكير يمكن أن يكون فاعلاً باستخدام الطرائق الحديثة مثل حل المشكلات ، وتنفيذ المشروعات والتعلم بالاكتشاف ، ولعب الأدوار والعصف الذهني وغير ذلك من الطرائق التي بنيت علي نظريات معروفة بصدقها وثباتها في مجال التطبيق .
وتجدر الإشارة هنا إلي جهود العالم الكبير جان بياجيه الذي أمضي نصف قرن من الزمان في دراسة أسس التفكير عند الأطفال ، وتوصل إلي نظريته التي تعد من أحسن ماقدم للتعليم حول نمو التفكير المنطقي عند الإنسان وجاءت النتائج التي توصل إليها مساعدة لطريقة تفكير العلماء حول السبل التي يستخدمها الأطفال في تفكيرهم واكتشافاً جديداً لعالم من العقل ماكان الناس يعرفونه حق المعرفة .
لقد وجه بياجيه انتقاداً شديداً للطرائق التقليدية في التعليم حيث يقف المتعلم موقفاً سلبياً يستمع إلي المعلومات التي تقدم إليه ولا يشارك فيها ولكنه في الوقت نفسه لم يغفل أهمية استخدام طرائق التعليم الشفوية في عملية بناء التفكير فالتفاعل اللفظي حسب اعتقاده يؤدي إلي نقل المعرفة ، ولكنها تظل غير كافية إذا اقتصر التعليم حسب اعتقاده يؤدي إلي نقل المعرفة ، ولكنها تظل غير كافية إذا اقتصر التعليم عليها ولم يساهم المتعلم بنشاط فعلي فيها . وتتلخص طريقة بياجيه في تعليم التفكير في تقديم الدرس علي شكل مجموعة من الأعمال يقوم بها المتعلم ليعلم نفسه بنفسه ، وفي أثناء العمل يثير المعلم لديه مشكلة تحيره وتحفزه علي السؤال ، تتاح له فرصة لمعالجة المشكلة وحلها فيواجهه المعلم بعد ذلك بنواحي القصور في معالجته إن وجدت ، وهنا تبدو براعة المعلم في قدرته علي اختيار المشكلة وترتيب المواجهة بحيث تتناسب مع القدرات العقلية للمتعلم وتحت إشراف المعلم تدور مناقشة بين المتعامين لفحص جوانب المشكلة وطريقة حلها ن فالوصول إلي الحل المناسب يثير دوافعهم ويحفزهم لمزيد من التعلم .
التوصيات:
في نهاية هذه الورقة يمكن تقديم التوصيات الآتية :
1 – إعادة النظر في الأهداف التعليمية لتشمل عبارات محددة واضحة تؤكد علي تمكين الطلاب من اكتساب مهارات التفكير .
2- مراجعة المقررات الدراسية وتضمينها فقرات وأسئلة تحفز الطلاب علي التفكير بدلاً من الحفظ والاسترجاع.
3- العمل علي تطوير برامج إعداد المعلمين وتنفيذ دورات وورش عمل للمعلمين أثناء الخدمة لتمكينهم من اكتساب مهارات تعليم التفكير.
4- تدريب المعلمين علي أساليب التعرف علي الطلاب الموهوبين والمبدعين ووضع البرامج الكفيلة برعايتهم وتنمية مواهبهم.
5- العمل علي تجاوز الأساليب التقليدية في التعليم وتدريب المتعلمين علي ممارسة مهارات التفكير وصولاً إلي الإبداع في القول والعمل.
6 – توفير الأدوات والأجهزة والمعدات وغيرها من العوامل المساعدة علي تنفيذ أنشطة التفكير.
7 – تكثيف وتنشيط التعاون بين المدرسة والبيت والمؤسسات الثقافية والاجتماعية بهدف تحقيق برامج تعليم التفكير.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي