الإسلام، مثله مثل اليهودية، والمسيحية، يُرجع تراثه الى النبي ابراهيم [عليه السلام]، والمسلمون يعتبرون اليهود والمسيحيين أبناء عم كونهم «أصحاب كتاب». كما أن الإسلام هو دين توحيدي بشكل قوي، ينظر الى موسى والمسيح [عليه السلام] على أنهما رسولان يوصلان رسالة الله إلى البشرية، ويتمتع الإسلام بأخلاق العدل والمساواة للجميع. والإيمان بالإسلام هو أمر بسيط، كما هو منصوص عليه بوضوح في«الشهادة»، القول الأقرب للإيمان بعقيدة الإسلام: «أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله». إن النطق بهذه الشهادة مرة واحدة، بإيمان راسخ، يجعل المرء مسلما، وأن السير على طريق الإسلام يعني أن ينظم المرء حياته كلها على أساس هذا الإيمان.
رغم هذه القرابة، يبقى الإسلام العقيدة الدينية الوحيدة التي يحمل عنها العديد من الأمريكيين أكثر ما يكون من الآراء السلبية النمطية الإرهاب المتطرف، جهاد القتل بالسيف، واضطهاد المرأة. في أمريكا يشعر المجتمع الإسلامي أن كثيراً من الأمريكيين يسيئون فهمه، وأن وسائل الإعلام تفتري عليه كثيراً، وأنه معرض باستمرار لمضايقات وضيعة.
لقد شكل انبعاث الإيمان بالعقيدة الإسلامية، وبروز الإسلام المقاتل في جميع أنحاء العالم الصورة الذهنية العامة عن إسلام يسيطر عليه أكثر المعبرين عنه تطرفاً. لذلك ليس غريباً أن نجد المسلمين الأمريكيين يضعون الثقافة العامة والمعلومات في أعلى سُلّم أولوياتهم، وقيادات المجتمع الإسلامي يقضون ساعات لا حصر لها وهم يشرحون ويفسرون الإسلام لجيرانهم من غير المسلمين.
الدكتور أشرف من المجتمع المسلم في بوسطن عبر عن ذلك بدقة فيما كان يشجع المسلمين في صباح عيد الفطر في 1995، قائلا: «يمر المسلمون في أمريكا بفترة مثيرة للانتباه. فرغم أن عددنا آخذ بالتزايد إلا أن وضعنا كمسلمين في المجتمع الأمريكي لم يتحسن في الواقع. نحن نتحمل المسؤولية والخطأ خطأنا. إننا لم نعلم الناس عن الإسلام. حيث أنه يتوجب علينا أن نعلم إخواننا وأخواتنا من غير المسلمين عن الإسلام. الأطفال ينشأون كأطفال أمريكيين لا يعرفون إلا القليل عن الإسلام. لقد أخذ هذا المركز على عاتقه مسؤولية تثقيف غير المسلمين بإعطائهم معلومات عن الدين الإسلامي. اعتبروا أنفسكم سفراء الإسلام في هذه البلاد».
الإسلام هو العقيدة الدينية التي يساء فهمها أكثر من أي عقيدة دينية أخرى. ولعل ما يثير السخرية هنا أن الإسلام هو عقيدة أقرب لا هوتياً وتاريخياً الى اليهودية والمسيحية من عقائد الشرق، الأمر الذي يجب أن يجعله أسهل للفهم. برغم كل شيء، يضم عالم القرآن شخصيات إبراهيم وموسى [عليه السلام] والمسيح [عليه السلام] ومريم، كما أن الرؤيا النبوية الخاصة بالعدل التي تدوّى في الكتب المقدسة تجد صداها أيضاً في القرآن. ولكن المسلمين يرون أن طريق الإسلام هو الطريق الذي يصحح، ويُكمل، وينجز فهم اليهودية والمسيحية للوحي الإلهي. من هنا، يمكن أن يكون قرب الإسلام من المسيحية واليهودية هو بحد ذاته مصدراً للتوتر. يوجد هنا في البنية الداخلية للإسلام تسليم كبير بأن النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] هو خاتم الأنبياء والإسلام هو خاتم الأديان.
إن سوء فهم الإسلام هو جديد في الغرب. فالعالم الإسلامي القوي اخترق وهدد البلدان التي كانت في القرون الوسطى تشل العالم الأوربي المسيحي، من إسبانيا وإيطاليا الي دول البلقان. والمواجهة المباشرة والعنيفة بين المسيحية والإسلام لم تحصل فقط في سنوات الحروب الصليبية وفي الأرض المقدسة البعيدة جداً، بل حصلت أيضا على أرض أوربا نفسها. طوّر الأوربيون على مدى قرون من الزمن لغة منمقة اتسمت بالعدائية تجاه العالم الإسلامي، وعملت على تشويه سمعته. لذلك، لم يترجم القرآن الى اللغة اللاتينية إلا في القرن الثاني عشر، وفي القرن السادس عشر أمر البابا بإحراق أول قرآن منشور باللغة العربية. في ذلك القرن نفسه، أعلن لوثر موافقته على ترجمة القرآن ولكن الهدف كان في المقام الأول كي يستطيع الناس أن يروا الأكاذيب الكثيرة التي فيه. حملت نسخة من القرن السابع عشر، مترجمة من الفرنسية الى الانجليزية، العنوان الفرعي التالي: الكتاب الذي ترجم حديثاً الى الانجليزية من أجل إرضاء كل الذين يرغبون في تصفح الأباطيل التركية. وهناك كتاب يعود الى عام 1884 حول الإسلام كان عنوانه «سلسلة الأخطاء». على الجانب الاسلامي، نجد أن الموروث العدائي المقرون بالمسيحية هو موروث ضخم. فمن الحملات الصليبية الى الحروب الاستعمارية، يتحدث المسلمون في الشرق الأوسط عن المسيحية بلغة تصفها بالقوة المتسلطة والمستغلة و العدوانية. كما أن هناك قدرا كبيرا من سوء الفهم عند كلا الطرفين.
كان موروث الخوف من الإسلام بكل تأكيد سائداً في الوقت الذي انعقد فيه برلمان الأديان العالمي في شيكاغو في 1893. فالخليفة العثماني في تركيا لم يُرسل مندوبين الى البرلمان، وكان المتحدث المسلم الوحيد أمريكيا اسمه محمد رسل الكسندر وَبْ، وهو ابن رئيس مؤسسة صحفية في الجزء الشمالي من نيويورك. كان قد درس في مدرسة وكلية خاصتين وعمل كصحفي قبل أن يتم تعيينه كقنصل عام لأمريكا في الفلبين. هناك تعرّف على الإسلام لأول مرة واعتنق الإسلام. وقد ساعدته خلفيته على أن يدرك تماما عدم الثقة التي يكنّها معظم الأمريكيين للعقيدة التي آمن بها حديثاً.«أنا واحد من الأمريكيين. لقد حملت لسنوات عديدة الأفكار الخاطئة نفسها التي يحملها آلاف الأمريكيين اليوم»، قال وب أمام البرلمان في 1893 متحدثاً عن الأفكار المقولبة المكونة عن الإسلام، وعن الجهل به.
تزايدت هذه الأفكار الخاطئة على مدى التاريخ، لقد أثر التاريخ المضلل في فكرتك عن الإسلام. كما أثر في فكرتي عنه، وعندما بدأت، قبل 10 سنوات، بدراسة الديانات الشرقية، وضعت الإسلام جانبا لأنه بمجمله فاسد لا يستحق الدراسة أو البحث. ولكن عندما بدأت أتعمق بالدراسة، لمعرفة حقيقة الإسلام، ولمعرفة ما هو وماذا كانت تعاليم نبي الجزيرة العربية، غيّرت معتقدي بكل واقعية، وأنا فخور لأن أعلن اليوم أنني مسلم. (4)
كان التحول الى الإسلام يعتبر خطوة راديكالية بالنسبة إلى أمريكي يعيش في القرن التاسع عشر. لأن الصورة الذهنية التي كانت سائدة عن الإسلام بأنه دين السيف، وهي نفسها الصورة الذهنية السائدة حاليا: الفارس يجوب الصحراء سيفه المرفوع، وهوية العربي أو المسلم مدموجة بصورة ذهنية واحدة وهي العنف. لقد تعرض وب لهذه المسألة فقط: «أنا لم أرجع الى الولايات المتحدة لأجعلكم جميعا مسلمين غصبا عنكم... أنا لا أنوي أخذ السيف بيد والقرآن باليد الأخرى وأجول في العالم وأقوم بقتل كل من لا يشهد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله».
بالرغم من الأفكار النمطية، عبر وب عن إيمانه الراسخ بأن المعرفة الحقيقية بالإسلام ستسود. وختم حديثه بتحد هام:«أنا عندي ثقة بالعقل الأمريكي، بالذكاء الأمريكي، وبحب الأمريكي للعدل والإنصاف، وسأتحدى أي رجل ذكي أن يفهم الإسلام لا أن يحبه». هذا تحد يستمر المسلمون في أمريكا بإطلاقه: انظر الى الإسلام، لا كما تلقيته من خلال وسائل الإعلام، ولكن كما هو في الواقع. لأنك إذا نظرت إليه بعيون المسلمين المؤمنين، فإنك لن تستطيع أن تحتفظ بالصور الذهنية السلبية المكونة لديك عنه.
أنشأ الجيل الأول من المسلمين اللبنانيين والسوريين في 1952 الاتحاد العام للجمعيات الإسلامية. وكان الغرض الأساسي للاتحاد العام للجمعيات هو «العمل معاً والتوحد من أجل مقاومة الدعاية المغرض والكذابة الموجهة ضدهم، ومن أجل تقديم صورة حقيقية وخالصة عن المسلم الحقيقي للرأي العام الأمريكي». وإذا كان مؤسسو الاتحاد العام للجمعيات الإسلامية يعتقدون أن مسألة تثقيف غير المسلمين كانت صعبة في خمسينيات القرن العشرين، فهي في بعض النواحي اليوم لاتزال أصعب حتى من ذلك الوقت، وكل واحدة من هذه الجمعيات، بطريقة أو بأخرى، تقوم بمهمة تصحيح المعلومات الخاطئة المعطاة عن الإسلام.
يعبر المسلمون اليوم، مثلما عبر محمد وب في 1893، عن إيمانهم العميق أن الإسلام واضح ويخاطب عقول الناس لدرجة تجعل مهمتهم الرئيسية تُختصر في إعطاء معلومات صحيحة عنه. وباقي الأمور تتبع ذلك. وينشر معهد المعلومات والدراسات الإسلامية، الموجود قرب المركز الكبير للجماعة الاسلامية، عشرات الكراسات والكتيّبات، ويقوم بتوزيع أكثر من 3.5 مليون نسخة مجاناً. وقد كرس الشخصان اللذان أسساه، وهما الدكتور أمير علي وزوجته ماري الأمريكية من أصل أوربي التي اعتنقت الإسلام، نفسيهما للعمل على تصحيح المعلومات الخاطئة المضللة التي يحملها الناس عن الإسلام، وذلك بتوفير معلومات صحيحة يمكن الحصول عليها بطريقة سهلة. وهما يديران خطا للمعلومات «الإسلام بالتلفون»، هو عبارة عن خدمة بريدية صوتية تعمل بوساطة الكمبيوتر للرد على الأسئلة المتعلقة بالإسلام. وفي لوس أنجلوس، يقوم المركز الإسلامي لجنوب كاليفورنيا بنشاط خاص به يتعلق بنشر كراسات تُعرِّف بالإسلام. وقد طُبعت كراسته الأولى التي تحمل عنوان: ما هو الإسلام؟ باللغة الإسبانية، نظراً لازدياد عدد الأمريكيين من ذوي الأصول الإسبانية الذين يريدون أن يعرفوا عن الإسلام، أو الذين اعتنقوا الإسلام. والكراسة تشرح الأركان الخمسة للإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، الصلاة خمس مرات في اليوم، وفريضة الزكاة، وصوم رمضان، والحج الى مكة. وتجيب عن الأسئلة التي كثيراً ما تُطرح عن الإسلام: كيف يُعامل الإسلام المرأة؟ ما هو الجهاد؟ من هو النبي محمد [صلى الله عليه وسلم]؟
هناك نشاطات كثيرة تتمحور حول تثقيف الأمريكيين ثقافة خاصة بالإسلام. وقد تكون أكثر هذه النشاطات تركيزاً على ذلك هي تلك التي تتعلق بأسبوع التوعية بالإسلام الذي يقام في جميع أرجاء الدولة تحت إشراف رابطة الطلبة المسلمين. وينظم أكثر من 100 طالب جامعي من المنتسبين الى الرابطة برنامجاً على مدى أسبوع كي يحفزوا الوعي والفهم للإسلام بين زملائهم الطلبة. «أنا أفكر، إذن، أنا مسلم» كان شعار أسبوع التوعية بالإسلام الذي أقيم عام 2000 في جامعة ستانفورد. وقد شملت فعاليات الأسبوع عشرات المتكلمين، وصلاة يوم الجمعة في ساحة ستانفورد البيضاوية الشكل. وهنا في هارفرد، نصبت الجمعية الاسلامية مكبرات الصوت على درج المكتبة، ورفع طالب في السنة الأولى الجامعية الأذان للصلاة في ساحة هارفرد.
كانت أول تجربة لي بأسبوع التوعية بشأن الإسلام في جامعة بوسطن في 1994، وحين وصلت أول فعالية مسائية من الأسبوع لفتت انتباهي مباشرة طاولات العرض الموضوعة في الخارج، والمكدّسة بالكراسات والأشرطة المسجلة التي تهدف الى مساعدة غير المسلمين على فهم وجهات نظر الإسلام. وتتناول الكراسات مواضيع مثل التعريف بالإسلام، هل المسيح [عليه السلام]، هو حقا الله؟ حقوق الإنسان في الإسلام؟ النظام الأخلاقي في الإسلام، كيف أصبحت مسلما؟ وهو كتاب من تأليف كات ستيفنز [يوسف إسلام]، الذي شكّل اعتناقه للإسلام صوتاً مشهوراً في العالم الإسلامي للغرب. تأثرت بالطاقة الفعالة لما نسميه نحن المنهجيون الوصول الى الناس. جمعت بعض الكُرّاسات وجلست على مقعد في قاعة الاجتماعات، كان المسرح مملوءا باليافطات التي كتبت عليها آيات قرآنية قصيرة: «لا إكراه في الدين» [البقرة: 256]، و (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) [النحل: 90]
قام طالب من كلية الحقوق وقدم النشاط بكلمة قال فيها، «لسوء الحظ، أن معظم الأمريكيين غير المسلمين لا يفهمون الإسلام إطلاقاً، لذلك، فإننا نقوم في جميع أنحاء البلاد في هذا الأسبوع بوضع برامج تساعد الناس على فهم الإسلام من مصادر إسلامية، وليس فقط من المصادر التي يقرأونها بالصحف». ما لفت نظري عندما نظرت حولي أن معظم الناس الذين جاؤوا من أجل حضور الفعالية كانوا مسلمين، كانت معظم النساء يجلسن بجانب بعضهن البعض في أحد جوانب القاعة، وكثير منهن كن يرتدين الحجاب، أي غطاء الرأس الذي ترتديه المرأة المسلمة وهي بين الناس الغرباء عنها. وكما كان القسم الواقع في وسط القاعة مليئاً بالرجال المسلمين، وأغلبهم من الطلاب. عدد قليل من غير المسلمي كان موجوداً في الأمسية التي تولت الى أمسية رائعة. حزنتُ وأنا أعدد في ذهني لائحة الأشخاص الذين كان يجب أن يحضروا الأمسية رفقاء السكن، الأساتذة، العمداء، القساوسة. ولكن اتضح لي أن هذه البرامج تُعنى بغرضين. إنها لا تثقف فقط غير المسلمين، وإنما تثقف أيضاً المسلمين الذي يعيشون في بيئة غير مسلمة ويُطلب منهم دائما أن يشرحوا أمور عقيدتهم. تضاعفت الجلسات بشكل واضح، وذلك كنوع من التدريب على الدعوة الاسلامية. المسلمون، مثل المسيحيين، يشاركون في حركة دعوية منتشرة في جميع أنحاء العالم، ويهدفون من ورائها الى شرح الإسلام وتفسير تعاليمه لغير المسلمين. كل واحد من المستمعين في تلك الليلة كان عليه أن يجيب، بطريقة أو بأخرى، على الأسئلة التي كثيراً ما يطرحها الناس حول الإسلام.
كان الخطيب في تلك الليلة جمال بدوي، وهو أستاذ الإدارة في جماعة دلهوسي في هاليفاكس، نوفا سكوشيا، وكان قد ازداد وعيا بالإسلام عندما أتى إلى الولايات المتحدة كطالب في ستينيات القرن العشرين. وقال: «كثيراً ما كان يطلب مني في لقاءات مختلفة أن أتحدث عن الإسلام، لهذا أصبح من واجبي أن أعرف أكثر عن الإسلام». والآن، وبعد عقود من السنين، أصبح بدوي أحد أكثر الخطباء المطلوبين في أمريكا الشمالية. وتوفر عشرات الأشرطة المسجلة والكتب الخاصة به طريقة فهم واضحة لكثير من الجوانب التي يقوم عليها الإسلام للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
بدأ بدوي حديثه قائلا: «ليس الإسلام هو المحمدية، بل الإسلام هو الدين الوحيد الذي له اسم لذاته اسم موجود حقاً هناك في القرآن. لقد جاء من الأصل الذي يعني السلام، والخضوع، والتسليم. الإسلام هو السلام من خلال الخضوع والتسليم لله. وهو تنظيم حياة الفرد لنصرة كلمة الله. إنه التسليم للعيش في ظل تدبير جديد تدبير الله». عندما كان بدوي يتحدث، كان يطرح أسئلة السؤال تلو الآخر وهي الأسئلة التي كثيراً ما تطرح عن الإسلام.
تابع طرح أسئلته قائلا: ماذا عن الله؟ عندما أقول الرب أعني الله. الرب هو الله. الله هو العبارة العربية للرب. أحيانا يسألني الناس إذا كان الرب المعروف لدى المسيحيين واليهود هو الله نفسه. المسيحيون الذين يصلون ويتعبدون باللغة العربية يتكلمون عن الرب بصفته الله أيضاً. الله هو اسم الإله الذاتي، بالنسبة إلي، ولكن تذكروا، ليس له صيغة الجمع مثل آلهة، أو صيغة التأنيث مثل إلهة». الله هو واحد لا شريك له، ولا أفراد عائلة، ولا رُفقاء. الإيمان بوحدانية الله تبدأ به حياة المسلم.
وتساءل: «ماذا عن ما يسمى الأصولية؟»كان هو والجمهور الذي يستمع إليه يعرفون تماما كم من المرات يطرح عليهم هذا السؤال. إنه السؤال الذي يتأكدون من أنه سيطرح في أي منتدى حول التوعية بالإسلام. أجاب بدوي أن «ذلك المصطلح لا علاقة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد. هناك في المسيحية، من رفض نتائج العلم والدراسة النقدية للكتاب المقدس. هؤلاء الرافضون يطلق عليهم اسم المتشددون أو المتعصبون. ولكن الإسلام ليس نظاما مقفلا. فقد كان العلماء المسلمون، خلال 650 سنة. أذكى المفكرين العلميين وأكثرهم تفوقا في العالم. والإسلام لا يتنكر لنتائج التفكير العلمي. ومن خلال عملية حسن التمييز التي نسميها الاجتهاد يحافظ الإسلام على ديناميكيته وتجدده في كل قرن».
فكرت، وهو يتحدث، بالإنجازات الفكرية الجبارة للمفكرين والفلاسفة المسلمين. ابن رشد الذي نعرفه باسم أفيروس، والذي تُرجمت شروحاته الخاصة بأعمال أرسطو الى اللاتينية، وابن سينا، الذي نعرفه باسم أفيسينا، الطبيب والمعلق على فلسفة أفلاطون. في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، حافظ علماء المسلمين على الفلسفة اليونانية في وقت كانت فيه الحياة الفكرية الغربية في حالة انحطاط. في الحقيقة إن الحياة الفكرية، بما فيها الفلسفة، والعلوم والرياضيات، قد تألقت بشكل ساطع في العالم الاسلامي. ومن ناحية ثانية، مازالت مسألة دراسة القرآن دراسة نقدية مسألة مثيرة للجدل، وقد تعرض علماء المسلمين الذين حاولوا التدقيق في آيات من القرآن للانتقاد الحاد. لم أرفع يدي لأطرح هذا السؤال على بدوي، ولكنني تخيّلت أن جوابه لي سيكون أن الإيمان بأن القرآن جاء بالوحي الإلهي هو أحد الأسس أو الأركان التي يقوم عليها الإسلام. بهذا المعنى، ومثلما سيؤكد هو وكثير من المسلمين غيره، يكون كل المسلمين متشددين. فهم يؤمنون بمسألة الوحي بالقرآن إيمان جدياً. ولكن مصطلح المتشدد أو المتعصب، كما يبدو صداه في العقيدة المسيحية، لا يلائم، في الحقيقة، المسلمين مطلقاً. لقد وُضع هذا المصطلح للتعبير عن التطرف السياسي والتعصب، ولكن معظم المسلمين ليسوا متعصبين ولا متطرفين سياسياً. إنهم بكل بساطة أناس مؤمنون يعيشون حياتهم ويموتون حسب كلمة الله التي آمنوا بها.
بعد ذلك، حول السؤال إلينا فسألنا: «لماذا يقرن الإسلام دائماً بالعنف؟» الحاضرون في هذا الاجتماع سيتذكرون بسرعة الواقع المؤلم الذي تركه فيلم الجهاد في أمريكا حين عُرض على قناة تلفزيونية في 1994، وهو فيلم من تأليف إيرمسون يُعطي صورة عن المراكز الإسلامية لاأمريكية بأنها مرتبطة بعناصر إرهابية. وبأنها مازالت شديدة الحساسية تجاه صورة الإسلام بصفته دين السيف، أكان السيف الذي رفعه المسلمون في العصور الوسطى وهم يجوبون الصحراء، أو السلاح الذي يحمله الإرهابيون في وقتنا الحاضر. «لا يمكن مساواة الجهات بالإرهاب الأحمق» تحدث بدوي على نحو حاسم، بصفته الشخص الذي واجه هذه المسألة مراراً وتكراراً في أمريكا. «إحدى أكبر الخرافات هي تلك التي تقول إن هناك شيئا في آيات القرآن مساو للحرب المقدسة. أنا أتحدى أي واحد أن يجد شاهدا على تعبير الحرب المقدسة في القرآن. الجهاد يعني الجهاد والسعي والتفوق. يقول القرآن بأن وسيلة الجهاد «جاهد بالقرآن»، وليس بالسيف. أما الجهاد المسلح فيسمح به في حالتين فقط: الأولى من أجل الدفاع عن النفس، والثانية من أجل القتال ضد الظلم والاضطهاد».
سراج وهاج، كان المتكلم الثاني، وقد بدأ كلمته بالقول: العنف هو المسألة التي تطرح باستمرار. بنى هذا الامام الامريكي الافريقي الأصل، إمام مسجد التقوى في بوكلين، نيويورك، سمعته على رسالة اخلاقية تتصف بالهداية والرحمة. وطبق رسالته عمليا عبر تنظيف زاويته في بروكلين من أعمال العنف وتعاطي المخدرات. ويعتبر سراج وهاج أحد أكثر خطباء المسلمين ديناميكية، إذ إنه يحمل المستمعين إليه على التأثر بكلامه وبالتجويد الذي يقوم به أعظم الدعاة السود للقرآن، وبسمته اللطيفة الساحرة التي تفتح قلوب النقاد حتى أولئك الذين يوجهون إليه انتقادات حادة. ولدى سراج وهاج جواب آخر على أنه دين تآمري وعنيف. فيقول بهذا الصدد: «هذه هي أميركا. إنها بلد قائم على التنافس. المشاريع التجارية الامريكية تنفق أكثر من 130 بليون دولار للاعلان عن السلع أو المنتوجات. لا تكونوا سذجا. أميركا مهتمة بتجارة التنافس. لهذا كفوا عن الشكوى بشأن كيفية اظهارها كأصحاب دين عنيف، وبشأن ما قالوه في فيلم الجهاد في أميركا. لا تتفاجأوا. إنكم لا تتوقعون من شركة بيبسي أن تعلن بشكل فجائي للترويج عن الكولا، هل تتوقعون ذلك؟ واصلوا حالة الهجوم، عرفوا على أنفسكم على النحو الذي تريدون أن تعرفوا من خلاله». ويقول معلنا رفضه لموقف الدفاع الذي يتخذه المسلمون في كثير من الأحيان: «انظروا إلى المجتمع الاسلامي في أميركا اليوم. إننا نقول ببناء المساجد والمدارس، ومراكز الترفيه. ولكن يجب أن لا نتوقف عند هذه الأمور.
نحن بحاجة إلى بناء مؤسسات مالية اسلامية واتحادات ائتمانية. نحن بحاجة إلى بناء محطة تلفزيونية، هل نستمر في استجداء شبكة محطات التلفزيون كي تمسح لنا بالظهور على احدى محطاتها للدفاع عن عقيدتنا؟ كلا يجب أن يصبح لدينا شبكة خاصة بنا!».
تركت أول جلسة من جلسات أسبوع التوعية بشأن الاسلام ومعي كومة من النشرات الاعلانية وحتى الأشرطة المسلجة لأحاديث جمال بدوي وسراج وهاج. وأدركت مدى أهمية هذه النشاطات أو الفعاليات في تشكيل المجتمع الاسلامي الامريكي. في كل يجد هؤلاء الطلبة أنفسهم في ظروف تتطلب نوع الحوار الذي شكل وطبق هنا. وطالما أنهم يعيشون في مجتمع أمريكي، حيث مستوى الشعور بالاسلام مرتفع، ومستوى الاطلاع عليه منخفض - فهم سيضطرون ليكونوا أنفسهم المترجمين لعقيدتهم في الحياة اليومية - أكانوا يعملون في مكاتب محامين، أو في شركات الهندسة، أو في مبنى الكابيتول هيل. الآن في بداية القرن الحادي والعشرين، والعشرين ينكب المسلمون على العمل تماما بما اقترحه سراج - وهو خلق بنية تحتية اسلامية ايجابية من شأنها أن تخدم مصلحة المجتمع.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي