تصور أنك في يوم من الأيام جالس على شاطيء البحر تنظر إلى أمواجه الهائجة،أو أنك أمام محيطهادر،أو تنظر إلى السماء فترى خريطة نجومها المبعثرة في فضاء فسيح؛وفي الجهة الأخرىيتراءى أمامك ذلك الجبل الأشم الذي تناطح قممه أعنان السماء؛فمن يحيط بمثل تلكالصورة العريضة؛التي تنعكس على شاشة أذهاننا في نسق غريب.
قد نستطيع أننرسم تلك الصورة على ورقة؛بتصغير الحجم الأصلي لها مرات كثيرة حتى تظهر في صورةمقبولة على مدركاتنا العقلية؛مثال ذلك مقياسالرسم الذي قد يبلغ آلاف أو ملايين السنتيمترات على الورق مقابل السنتيمتر الواحد في الواقع.ويمكننا استخدامالبروجيكتور أو التسجيلات بكافة أنواعها،أو غير ذلك؛لإجراء تلك العملية.ولكن بمجردمشاهدة العين لها؛تظهر في أذهاننا تلك الصورة في واقعها الأصلي،وكأنها تقف أمامناظرينا.
فلو سبحنا في فضاء خيالنا في لحظة سهو من عين بصيرة،أو غفلة منجفن متيقظ؛فإننا نجد أمامنا لوحة كبيرة ترتسم في مدركاتنا الذهنية لتترك بصماتها فيالنفس البشرية أماداً طويلة مقاومة لآفة النسيان بعد عراك كبير.
والسؤالالذي يطرح نفسه في هذا المقام:هل يمكن لخلايا دماغية بحجمها المادي المعروف بصغرهعند الإنسان أن تستوعب تلك الصورة الكبيرة المرتسمة في واقعها الحقيقي؟
إنالأمر لا يتعلق بالناحية المادية في حجم الخلايا الدماغية؛بل في الإدراك المتسعوالممتد لتلك الخلايا،والتي تتسع للإحاطة بما ترى عيني الإنسان؛بل وإنطلاقاً للعقلفي قراءة ما وراء سطورها،أو مغزاها.والإنسان يتذكر ما يرى أكثر مما يسمع.فلا زالتترتسم بين الفينة والأخرى صورة من الماضي القريب أو السحيق،بينما قد طوى النسيانكثيراً من الحكايات التي سمعناها في قديم أو حديث.
لذا؛فإن دماغالإنسان تستطيعأن تقوم بعمل ما لا تستطيع أشرطةالتسجيل،والفيديو،والشرائح،وغيرها؛رغم التكاليف العالية لتلك الأدواتوالأجهزة،وسهولة استخدام العقل فيإيجاد التفسيرات والتحليلات اللازمةلفهم واستيعاب العلاقات المتداخلة فيموضوع ما.
واستطراداً في هذا الموضوع لنتعرف على أفضلية ذلك؛عندما نرى أن تلك الأجهزة والأدوات والآلات تعمل في اتجاه خط ممتد باتجاه واحد(Linear Fashion)؛بينما نجد أن الدماغ تعمل بالإضافة إلى ذلك؛في خطوط متداخلة في نفس الوقت،وهذا ما يجعل الإنسان يستطيع تفسير التعقيدات العلائقية لأشياء تتداخل فيها شبكية ارتباطاتها(associatively Linearly)،ولا تكون في خط واحد.من ثم نجد أن الدماغ يمكنه تحديد تداخل العلاقات بين عناصر الموضوع بكافة تفاصيله الدقيقة في تبادل مُعقد من الترابط فيمكوناتها.
وهذا ما يدعونا إلى التأكيد على أهمية اس استخدام الخريط الذهنية كعاملمهم في التوظيف التربوي الفاعلللتعليم والتعلم المجتمعي؛الذي ينشدالقائمون عليه توظيف كافة عناصرهومكوناته المتوافرة لتحقيق أهدافهوغاياته بأفضل صورة ممكنة.
تضمينات تربوية:
أصبحت الخريطة الذهنية واسعة الاستخدام في المجال التربويوالتعليمي لما لها من خصائص فريدة في التعليم والتعلم.فهي تعرف المتعلمين على الشبكة الترابطية لعلاقات متداخلة من جوانب شتى بين عناصر الموضوع المراد عرضه.هذه التقنية تساعد في تحسين عملية التعليم والتعلم في مُختلف المباحث الدراسية،وذلك في مجال توصل المتعلمين للمعلومات وتطويرها.فبواسطة الخريطة الذهنية يتضح البناء المعرفي والمهاري لدى المتعلم في فهم وتفسير المنظومة التركيبية لذلك الموضوع.
وقد وظف الرسول صلى الله عليه وسلم الخريطة الذهنية في تعليم صحابته الكرام؛عندما رسم لهم خطاً مستقيماً وقال هذا سبيل الله.وخط خطاً عن يمينه،وخطاً عن شماله،وقال هذه سبل الشيطان..\".
ومباحث الدراسات الاجتماعية،وخاصة مبحثالتاريخ ترتبط بارتباطات متشابكة في علاقات متداخلة بين موضوعاتها،أو داخل الموضوع الواحد.فهي تعتمد على التفسير والتحليل للجزئيات المكونة للموضوع المراد عرضه أما المتعلمين.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي