ثانيًا: العادات العقلية
HabitsofMind
تعتبر العادات العقلية من المتغيرات المهمة التي لها علاقة بالأداء الأكاديمى لدى التلاميذ في مرحل التعليم المختلفة، لذلك أكدت العديد من الدراسات مع بداية القرن الحادي والعشرين أهمية تعليم العادات العقلية، وتقويتها، ومناقشتها مع التلاميذ، والتفكير فيها، وتقويمها، وتقديم التعزيز اللازم للتلاميذ من أجل تشجيعهم على التمسك بها، حتى تصبح جزءًا من ذاتهم وبنيتهم العقلية (يوسف قطامي ،2007).
مفهوم العادات العقلية:
تعددت تعريفات العادات العقلية بتعدد وجهات النظر، والاتجاهات التي تناولته، وقد قسمها الباحث إلى عدة تقسيمات وفقا لمن جاءوا بها،كي يخلص بتعريف محدد للعادات العقلية في هذا البحث:
· الاتجاه الأول: يرى أن العادات العقلية نمط من السلوكيات الذكية يقود المتعلم إلى أفعال، وهي تتكون نتيجة لاستجابة الفرد إلى أنماط معينة من المشكلات، والتساؤلات شريطة أن تكون حلول المشكلات أو إجابات التساؤلات بحاجة إلى تفكير، وبحث، و تأمل (Perkins ,2001)، يتفق هذا التعريف مع مقولة المربي الأمريكي هوريس مان (1796-1859) بأن العادات العقلية عبارة عن (حبل غليظ نضيف إليه كل يوم خيطًا وفي النهاية لا يمكننا أن نقطعه، وأن التوجه نحو العادات العقلية يتوقف على الاعتقاد بأهمية العادات، والاعتقاد بأنها يمكن أن تكون في قبضة الذهن، والاعتقاد بأن الإنسان يستطيع إنجاز ما يتعلق بأهدافه) (يوسف قطامي،2004).
·الاتجاه الثاني: يرى أن العادات العقلية تركيبة، تتضمن صنع اختيارات حول أي الأنماط للعمليات الذهنية التي ينبغي استخدامها في وقت معين، عند مواجهة مشكلة ما أو خبرة جديدة، تتطلب مستوى عاليا من المهارات لاستخدام العمليات الذهنية بصورة فاعلة، وتنفيذها، والمحافظة عليها. (Feuerstein & Ennis,1999) ويتفق مع هذا الاتجاه في التعريف كوستا وكاليك حيث يعرفان العادات العقلية بأنها : القدرة على التنبؤ من خلال التلميحات السياقية بالوقت المناسب لاستخدام النمط الأفضل، والأكفأ من العمليات الذهنية من غيره من الأنماط عند حل مشكلة، أو مواجهة خبرة جديدة، وتقييم الفرد لفاعلية استخدامه لهذا النمط من العمليات الذهنية دون غيره أو قدرته على تعديله و التقدم به نحو تصنيفات مستقلة (Costa & Kallick,2000).
· الاتجاه الثالث: يرى أن العادات العقلية هي الموقف الذي يتخذه الفرد بناء على مبدأ أو قيم معينة، حيث يرى الشخص أن تطبيق هذا الموقف مفيد أكثر من غيره من الأنماط، ويتطلب ذلك مستوى من المهارة في تطبيق السلوك بفاعلية و المداومة عليه، ومن هذا التعريف يتضح أن العادات العقلية تؤكد الأسلوب الذي ينتج به المتعلمون المعرفة، وليس على استذكارهم لها أو إعادة إنتاجها على نمط سابق (يوسف قطامي، وأميمة عمور،2005).
ومن خلال استقصاء الباحث، وفهمه للتعريفات السابقة، توصل إلى التعريف التالي للعادات العقلية: (اتجاه عقلي لدى الفرد يعطي سمة واضحة لنمط سلوكياته، ويقوم هذا الاتجاه على استخدام الفرد للخبرات السابقة والاستفادة منها للوصول إلى تحقيق الهدف المطلوب).
تصنيف العادات العقلية:
كانت عادات العقل محط اهتمام وتركيز علماء النفس المعرفي، حيث ظهر ذلك خلال الدراسات والأبحاث، التي قام بها عدد من الباحثين التربويين ، فقد قام هايرل (Hyerle,1999) بتقسيم العادات العقلية إلى ثلاثة أقسام رئيسة، يتفرع منها عدد من العادات العقلية الفرعية على النحو التالي (خرائط التفكير، ويتفرع منها مهارة طرح الأسئلة، والمهارات العاطفية، ومهارة ما وراء المعرفة- العصف الذهني ويتفرع منها العادات التالية، الإبداع، والمرونة، وحب الاستطلاع وتوسيع الخبرة- منظمات الرسوم، ويتفرع منها العادات العقلية التالية المثابرة،و التنظيم، الضبط،والدقة)، أما دانيال Daniels,1994)) فقد قسم العادات العقلية إلى أربعة أقسام، هي (الانفتاح العقلي، والعدالة العقلية، والاستقلال العقلي، والميل إلى الاستفسار أو الاتجاه النقدي)، وقد صنف مارزانو وآخرون(Marzanoet.al , 2003) مكونات البعد الخامس (عادات العقل المنتج) إلى (منفتح العقل، وعلى وعي بتفكيرك، وتقوم فاعلية أفعالك، وتدفع حدود معرفتك وقدراتك وتوسعها، وتندمج على نحو مكثف في مهام حتى حين تكون الإجابات أو الحلول غير واضحة على نحو مباشر)، وتوصل باول و آخرون( Pauletal,2000) إلى تحديد عدد من العادات العقلية تميز ذا الخبرة (السعي للدقة، ورؤية المواقف بطريقة غير تقليدية،و الحساسية للتغذية الراجعة، والمثابرة، وتجنب الاندفاعية)، وقدم كوستا كاليك Costa &Kallick,2000 قائمة بست عشرة عادة للعقل وهذه القائمة هي (المثابرة، والتحكم بالتهور، والإصغاء بتفهم، والتفكير بمرونة، والتفكير حول التفكير، والكفاح من أجل الدقة، والتساؤل وطرح المشكلات، وتطبيق المعارف الماضية على المواقف الجديدة، والتفكير والتوصيل بوضوح ودقة، وجمع البيانات باستخدام الحواس الخمس، والاستعداد الدائم والمستمر للتعلم، والتفكير التبادلي، والإقدام على مخاطر مسئولة القدرة، والتفكير الإبداعي، الاستجابة بدهشة ورهبة، وإيجاد الدعابة).الجدول رقم (4).
ويلاحظ أنه رغم الاختلاف في مراتب ومسميات و إعداد القوائم الخاصة بالعادات العقلية إلا أنها متشابهة في مضمونها إلى حد كبير ، فهي تؤكد حب الاستطلاع، و المرونة في التفكير، والمثابرة والتصرف المنطقي،و الإقدام وصنع القرارات، كما أنه من الخصائص البارزة لجميع القوائم احترام الإنسان وقدرته على صنع اختباراته بعد الحصول على المعطيات وعلى توجيه سلوكه الفكري.
الأهمية التربوية للعادات العقلية ودور تدريس العلوم في تنميتها:
يعد تنمية العادات العقلية هدفًا رئيسًا من أهداف التربية وتدريس العلوم، فقد أكد مشروع تعليم العلوم لكل الأمريكيين اثنتي عشرة عادة عقلية ينبغي أن يؤكد تدريس العلوم تنميتها و زرعها في نفوس المتعلمين في أثناء تدريس العلوم (AAAS,Project2061,1995)كما حدد منهاج ولاية نيوجرسي الأمريكية ستة أهداف تربوية في مجال العادات العقلية التي ينبغي تحقيقها عند جميع التلاميذ(Elias ,etal,1997).
و لأن العادات العقلية أحد أهداف تدريس العلوم، لذا ينبغي تنميتها لدى المتعلم طوال حياته، حتى يتعود على ممارسة العادات العقلية في التعامل مع الأمور المختلفة في الحياة اليومية، فلا يتأثر بكل ما يقال أو يثار- خاصة في عصر العولمة-، فأحد الملامح المؤهلة لدخول هذا العصر، هو ضرورة ممارسة العادات العقلية للتعامل مع المتناقضات في القضايا الفكرية، والعلمية، و الأخلاقية في المجتمع، ويؤكد تيشمان Tishman,2000)) أن تعلم العادات العقلية يرجع إلى الأسباب الأربعة التالية:-
· تنظر عادات العقل إلى الذكاء نظرة تركز على الشخصية وتؤكد المواقف والعادات وصفات الشخصية إضافة إلى المهارات المعرفية.
· تشتمل العادات على نظرة إلى التفكير والتعلم تضم عددًا من الأدوار المختلفة التي تؤديها العواطف في التفكير الجيد.
· تعترف عادات العقل بأهمية الحساسية التي تشكل سمة رئيسة من سمات السلوك الذكي مع أنها لا تحظى كثيرًا بما تستحقه من اهتمام.
· تشكل عادات العقل مجموعة من السلوكيات الفكرية التي تدعم الفكر النقدي و الإبداعى ضمن المواضيع المدرسية و عبرها وما بعدها.
يرى كوستا وليوري
Costa&Lowery,1991 أن تنمية العادات العقلية ضرورة تربوية قد يصعب استخدامها بصورة تلقائية إذا لم يتدرب عليها، فبعض التلاميذ يأتون من بيوت أو صفوف أو مدارس لا قيمة فيها لعادات العقل، وقد يشعر مثل هؤلاء التلاميذ بالفراغ، وربما يقاومون دعوات المعلم لاستخدام العادات العقلية، كما يؤكد باير( Beyer,2003) أن العادات العقلية يجب أن يمارسها المتعلم مرارًا و تكرارًا، حتى تصبح جزءًا من طبيعته، وأن أفضل طريقة لاكتساب وتنمية هذه العادات هي تقديمها إلى التلاميذ، وممارستهم لها في مهمات تمهيدية بسيطة، ثم تطبيقها على مواقف أكثر تعقيدًا.
ويرى مارزانو وآخرون(1999) أنه يمكن استخدام مجموعة من الخطوات، والإجراءات، والاستراتيجيات في مساعدة التلاميذ على اكتساب العادات العقلية في أثناء تدريس المقررات الدراسية المختلفة على أن يتم تعزيزها بصورة مباشرة وصريحة.
ومما سبق يتضح أنه يمكن استخدام الإجراءات التدريسية التالية في تنمية العادات العقلية (استخدام مواقف وأحداث مرت على بعض الشخصيات وعرضها على التلاميذ، واستخدام القصص المعبرة عن حياة الشخصيات العلمية، والاجتماعية في المجتمع، وعرض المشكلات الاجتماعية التي تمس حياة المتعلم،وطرح الأسئلة، والمناقشات بمخلف صورها الثنائية والجماعية)، ومن الدراسات التي اهتمت بالعادات العقلية دراسة دانيال Daniel,1994 التي بينت أن اكتساب الخبرات التعليمية يتوقف على ممارسة العادات العقلية والإلمام بها، أما دراسة باير (Beyer,1991) فقد أكدت أن استخدام التعبيرات المعرفية للعادات العقلية مع ممارسة العمليات المعرفية تصبح هذه التعبيرات جزءًا من ذواتهم فيمارسونها كجزء من حياتهم الشخصية، ودراسة دايمر (Dimmer,1993) أكدت تأثير الطرائف العلمية عن العادات العقلية للعلماء في تنمية التفكير الإبداعى و حل المشكلات، أما دراسة جولدنبرج (Goldenper,1996) فقامت باستقصاء العادات العقلية المنظمة للمنهج، وتأثير تدريس العادات العقلية كمنظم متقدم في تنمية مهارات التفكير، واكتساب المحتوى، بينما أكدت دراسة بيركنز و تيشمان(Perkins &Tishman,1997) فعالية تدريس القصص و الحكايات في تشجيع التلاميذ على ممارسة العادات العقلية،كما يضيف باركس(Perkins,1999) أن التلاميذ يكتسبون عاداتهم العقلية عندما يجبرون أو يوضعون في مواقف تجبرهم على طرح التساؤلات والاستجابة للتحديات، والبحث عن حلول للمشكلات التي تواجههم، وتفسير الأفكار، وتقديم التبريرات المنطقية والبحث عن المعلومات وأما دراسة (سميلة الصباغ وآخرون،2006) فأكدت توافر العديد من العادات العقلية بين الطلاب المتفوقين في الأردن و السعودية، إضافة إلى وجود فروق بين مستوى العادات العقلية بين الطلاب في السعودية والأردن لصالح الطلاب في السعودية.
الملخص:
· إن التدريس بنموذج أبعاد التعلم لمارزانو يؤكد فاعلية المتعلم داخل الموقف التعليمي من خلال المشاركة في الأنشطة، والتعاون في التفكير، المثابرة على الوصول إلى حلول للأنشطة، وتنفيذ التجارب، وهذه السلوكيات تساهم في تنمية واستيعاب المفاهيم كما تؤثر وبصورة إيجابية في تنمية عاداته العقلية.
· لما كانت تنمية العادات العقلية من خلال التدريس بنموذج مارزانو لأبعاد التعلم تتطلب إعادة تنظيم محتوى، وأنشطة كتاب العلوم فالدراسة الحالية توصي بإعادة النظر في تخطيط وتنظيم محتوى كتب العلوم في المراحل المختلفة لتضمين أنشطة و مهام تعليمية لتنمية العادات العقلية.
· لما كانت نتائج الدراسة قد أظهرت فعالية نموذج مارزانو في تنمية بعض العادات العقلية فإن الدراسة توصي بتدريب التلاميذ على عادات عقلية أخرى مرتبطة بمادة العلوم في مراحل التعليم المختلفة.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي