أدوات القـوة
تمارس الدولة قوتها في النطاق الخارجي من خلال أداتين هما : الدبلوماسية والحرب، وفي ضوء مصادر القوة التي أشرنا إليها آنفاً والتي تحدد الدولة على أساسها أهدافها، وتقرر الاختيار بين هذه الأداة أو تلك من أدوات القوة، والدولة الأقوى هي التي تفوز دائماً في الدبلوماسية وفي الحرب، وفي إطار يغلب عليه الصراع، وتغيب عنه السلطة العليا الحاكمة، ولا تعرف لغة المنطق، ولا قيم العدالة والمساواة، و لا معيار الموضوعية، وإنما ثمة هدف واحد هو المصلحة، وأداتان هما الدبلوماسية والحرب .
والدبلوماسية تسبق الحرب وتلازمها وتعقبها، والأولى أن تحقق الدول غايتها وتفرض إرادتها من خلال الأساليب والمهارات الدبلوماسية التي ترتكز إلى قوة فعلية، يمكن التلويح بها أو التهديد باستخدامها دون التورط في الحرب، لما تتطلبه من نفقات وموارد، وما تخلفه من خسائر ومخاطر على كلا الجانبين، وبصفة خاصة بعد شيوع استخدام أسلحة الدمار الشامل بمختلف أنواعها، وحرص كثير من الدول على امتلاكها .
وعندما تخفق الدبلوماسية في إجبار الطرف الآخر على الإذعان لإرادة الدولة تصبح ضرورة لإثبات القدرة وفرض الاحترام وإجبار الطرف الآخر على الخضوع لإرادة الأقوى . وأثناء ذاـك تواصل الدبلوماسية مهامها لإقناع الخصم بضرورة التسليم، وصياغة شروط التسليم، ومعاهدات لعقد الهدنة أو الصلح مع أطراف أخرى تكسبها إلى جانبها أو تحييدها في الصراع الدائر، أو غير ذلك من الجهود الدبلوماسية التي تلازم الحرب، وتساعد على تحقيق أهدافها بأقل الخسائر الممكنة .
وعقب انتهاء الحرب تنشط الدبلوماسية من جديد لصياغة الاتفاقات، وإبرام المعاهدات التي تتضمن اعتراف الطرف الآخر بالهزيمة، وقبوله الخضوع الإرادي لشروط الدولة المنتصرة، وعلى مقتضى مصلحتها القومية .
وهكذا تتكامل الدبلوماسية والحرب بوصفهما أداتين للقوة أو وسيلتين لإقناع أو إكراه الطرف الآخر على الامتثال لإرادة الدولة . ولعل هذا التكامل يفسر عدة مظاهر، مثل مشاركة الدبلوماسيين والعسكريين في مجالس الأمن القومي وفي تشكيل سياساته، وظهور ما يعرف بالدبلوماسية العسكرية أو دبلوماسية القوة، نتيجة لتعيين العسكريين - بعد انتهاء مد ة خدمتهم بالجيش – في السلك الدبلوماسي، وغير ذلك من مظاهر التقارب والتعاون بين الدبلوماسيين والعسكريين، وبصفة خاصة عقب الحرب العالمية الثانية التي جسدت هذه العلاقة الوثيقة بين الدبلوماسية والحرب بوصفهما أداتين للقوة، ودعامتين لمفهوم الأمن القومي (18)
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي