الموهبة من الناحية التقليدية يتم تعريفها علميًا على أساس ارتفاع نسبة الذكاء، وقد سعت النظريات التي ظهرت مؤخرًا حول الذكاء إلى توسيع نطاق هذا التعريف التقليدي.
فقد وصف هاوارد جاردنر Howard Gardner مثلاً، الموهبة من منظور الذكاء متعدد الجوانب Multiple intelligences، وذلك من خلال تحديد تسعة أنواع من الذكاء، هي:
الذكاء في مجال اللغة، والذكاء في الرياضيات والمنطق، والذكاء المتعلق بالأبعاد المكانية والحيز، والبراعة الجسمية والحركية، والموهبة في الموسيقى، والذكاء الداخلي، والذكاء في إقامة العلاقات مع الآخرين والمحافظة عليها، وأخيرًا جدًا ظهر الذكاء الطبيعي، والذكاء في الجوانب الروحية.
ومن ناحية تقليدية ارتبطت الموهبة بالقدرات العالية في مجال الفنون.
وبعبارة أخرى، قد يتمتع الطلاب بمواهب في مختلف مجالات التعبير والبيان، بما في ذلك الملكات الفكرية العامة، أو القدرات الدراسية المحددة، أو الفنون المرئية، أو فنون الأداء، أو التفكير الإبداعي، أو القدرات القيادية، أو الجمع بين السمات السابق ذكرها.
وتشير الجمعية الوطنية للأطفال الموهوبين National Association
for Gified Children (NAGC) إلى ضرورة تزويد الطلاب
الموهوبين ـ من ذوي القدرات العقلية العالية ـ بعصارة تجارب وخبرات تربوية وتعليمية تستثير كوامن نبوغهم وتناسب مستوى قدراتهم حتى يتسنى استثمار مواهبهم وقدراتهم على الوجه الأكمل.
وفي الوقت الحالي، تفيد الجمعية الوطنية للأطفال الموهوبين بأن أكثر بقليل من نصف الطلاب الموهوبين في الولايات المتحدة الأمريكية يتلقون تعليمًا يناسب احتياجاتهم، حيث يلتحق العديد منهم بفصول التعليم العام ويكملون ما يتلقونه من مقررات دراسية في غضون فترة تقل بعامين عن الفترة المخصصة للطلاب العاديين. وحتى في المدارس التي تقدم برامج خاصة بالموهوبين، فإن هذه البرامج لا ترقى إلى مستوى طموح العديد من الطلاب ذوي المواهب والقدرات العالية.
علاوة على ذلك، هناك مجموعات فرعية عديدة تضم شبابًا موهوبين لم يتم الوفاء باحتياجاتهم. وتندرج تحت هذه المجموعات كل من الأقليات الثقافية، والعرقية، والإناث الموهوبات، والموهوبين من ذوي التحصيل المتدني، والتلاميذ الموهوبين من فئة المعوقين.
ولما كانت الفرصة لمساعدة الطلاب ذوي المواهب والقدرات العالية سانحة لمعلمي فصول التعليم العام، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:
ماذا يمكن لمعلم فصل التعليم العام أن يفعل لمساعدة الطلاب الموهوبين وذوي القدرات العالية؟ ولا شك في أن العديد من هؤلاء المعلمين لا يستطيعون اكتشاف جميع الطلاب ذوي المواهب والقدرات العالية، ولا يمكن أن يتعرفوا عليهم على وجه التحديد؛ ذلك أن البرامج المخصصة لإعداد المعلمين وتدريبهم لا تشتمل إلا على النزر اليسير من التدريب المتقدم المتطور الذي يساعد المعلمين على مجابهة هذا التحدي. ومن هنا كان لابد للتربويين من سد هذه الثغرة عن طريق قراءة المؤلفات التي تتناول موضوع تعليم الطلاب الموهوبين، والسعي إلى الحصول على مساعدة من الزملاء الذين تلقوا تدريبًا مناسبًا في هذا المجال، أو من المتخصصين في تعليم الموهوبين.
إن نظرة المعلم إلى الطلاب الموهوبين وذوي القدرات العالية، من حيث طبيعتهم واحتياجاتهم، من شأنها التأثير الكبير على الخدمات التي يتلقاها هؤلاء الطلاب. كما أن جميع الطلاب يتلقون معارفهم الجديدة بناء على معارفهم المكتسبة من قبل، ويحتاج الطلاب الموهوبون وذوو القدرات العالية للدعم والمساندة والتشجيع من قبل المعلم، هذا المعلم الذي يجب أن يتحلى بالمرونة ويتحرى اتباع الاستراتيجيات المتنوعة والملائمة.
مراعاة المتطلبات الفردية:
يلزم أن يتولى المعلمون تقويم مستوى الأداء الحالي لكل تلميذ في مختلف المجالات الدراسية. ومع أن معظم التلاميذ سيكونون في حدود المستوى الصفي، فقد يشذ عن هذه القاعدة تلميذ أو تلميذان في كل فصل دراسي؛ حيث يكون مستواه أو مستواهما متفوقاً على مستوى أقرانه أو أقرانهما بسنتين أو ثلاث سنوات في بعض المجالات الدراسية. لذا ينبغي أن يختط المعلمون نهجًا يتسم بمزيد من المراعاة للمتطلبات الفردية لهؤلاء التلاميذ وأمثالهم من الموهوبين.
تحديد معايير ذاتية للأداء الفردي:
يجب السماح للتلاميذ بالمضي قدمًا ـ وبلا توقف ـ في المجالات التي يتفوقون فيها. فقد يستطيع بعض التلاميذ إنجاز الواجبات المقررة عليهم في جزء من الوقت الذي يمضيه زملاؤهم الآخرون في أداء تلك الواجبات. وعليه، يمكن لكل من هؤلاء التلاميذ القادرين، الاستمرار في السباق مع أنفسهم والتفوق على ذواتهم إلى أن يكملوا المنهج المقرر، ومن ثم يتسنى لهم العمل في أنشطة يختارونها لأنفسهم لإثراء معارفهم وتوسيع مداركهم وتعزيز قدراتهم وتطوير مواهبهم.
اختيار أنشطة الإثراء: ينبغي السماح للتلاميذ بأن يختاروا الموضوعات والأنشطة التي تستحوذ على اهتمامهم وتتوافق مع ميولهم. ولا شك أن الاختيار الذي يتم بمحض الإرادة، يمثل عنصرًا مهمًا للحث والتحفيز بالنسبة للتلميذ، حيث إن الأنشطة الرامية إلى إثراء المعارف تتيح للطلاب الفرصة للمزيد من التأمل المتعمق في موضوع معين، أو الاطلاع على موضوعات لم يتم التطرق لها في المنهج المقرر.
العقود: وهي إحدى الطرق المحددة لمعالجة العملية التعليمية على أساس فردي إعدادًا وتخطيطًا وتوثيقًا، حيث يبرم المعلم والتلميذ عقدًا يتفق بموجبه الطرفان على الأنشطة التعليمية ومواعيدها الزمنية وضوابط التقويم ومعايير تحديد الدرجات والمستويات الصفية. وبناء على ما تقدم يتم تحرير عقد خطي يتم توقيعه، ومن ثم الوفاء بشروطه من قبل التلميذ. ويمكن مراجعة العقود وتنقيحها عند اللزوم، كما يمكن تحرير عقود جديدة عندما يكمل التلاميذ الأنشطة المقررة عليهم بموجب العقود القائمة.
مهارات التفكير النقدي: إن عملية تدريس مهارات التفكير النقدي من شأنها مساعدة التلاميذ على فهم المادة واستيعابها بمستوياتها العليا، حيث يمكن للمعلمين تدريس تلاميذهم مهارات التفكير النقدي من خلال توجيه أسئلة عالية المستوى لهؤلاء التلاميذ، والذين يمكن أن يدرسوا على سبيل المثال موضوعًا ما، فيتعلمونه على المستوى المعرفي (ما عاصمة دولة الكويت؟)، أو على المستوى التطبيقي (كيف تخدم حكومة دولة الكويت مصالح مواطنيها؟)، أو على المستوى التقويمي (إلى أي حد تقوم حكومة الكويت بخدمة مواطنيها؟).
تكوين المجموعات:
يستفيد الطلاب الموهوبون وذوو القدرات المتميزة من عملية جمعهم مع أمثالهم في تعزيز مواطن القوة المعينة لديهم. ولتعميم الفائدة يمكن للمعلمين تنظيم الوقت في أثناء اليوم الدراسي عندما يتم جمع الطلاب الموهوبين وذوي القدرات المتميزة على صعيد واحد لممارسة الأنشطة المختلفة؛ إذ ينبغي أن يكون الغرض الأساسي لجميع المعلمين هو مساعدة جميع الطلاب على تطوير مواهبهم وقدراتهم في مختلف المجالات التي تتيح إظهار تلك القدرات وإبراز تلك المواهب.
ويقوم المعلمون الذين يجب أن يتمتعوا بالمرونة بتشجيع الطلاب وحثهم على السعي إلى الحصول على المزيد من المعرفة، وإلى توسيع مداركهم في مجالات القوة لديهم بصفة خاصة، والتطور المستمر في جميع المجالات بصفة عامة.
ولا شك أن التعديلات الطفيفة التي يجريها المعلمون للوفاء باحتياجات طلابهم سوف تسهم حتمًا في توسيع نطاق التعلم وزيادة حصيلة المعارف ورفع معدلات التحصيل لدى الطلاب
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي