رن جرس الهاتف وإذ بصديقة لي تحييني بمودة وتبادرني بالشكر للنصائح التي قدمتها لها، فأجبتها إنه من دواعي سروري أن أمورها على مايرام.
لقد كانت زيارتي السابقة لها منذ خمسة أشهر، وكانت تشعر بالملل والكسل وزيادةٍ في الوزن، فحدثتها عن أهمية الرياضة في حياتنا وفي الحفاظ على صحتنا البدنية والنفسية، وأنه باستطاعتنا بتنظيم الغذاء الصحي وممارسة الرياضة بشكل منتظم أن نعدل عمرنا البيولوجي ونبدو أصغر بسنوات.
إن ممارسة الرياضة بانتظام يمكن أن تسهم في تسريع شفائنا وتحصننا ضد سلسلة واسعة من الأمراض .
ففي دراسة أمريكية حديثة عن الرياضة وتأثيرها على الصحة، اتضح أن الرياضة تزيد من صفاء الذهن وقوة القلب، وتعزز القدرة على مكافحة الأمراض، وتؤثر إيجاباً في عمل الجينات أيضاً مما يخفف من إمكانية الإصابة بالعديد من الأمراض.
كما تساعد الرياضة على التئام الجروح، فجسم الإنسان يتمتع بقدرة هائلة على شفاء نفسه، وتتعزز هذه القدرة بجعل الأنشطة الرياضة جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية.
وأظهرت الدراسة أن ممارسة التمارين الرياضية تسهم كثيراً في خفض نسبة الإصابة بأمراض القلب والسرطان، حتى لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة، إذ إن للرياضة تأثيرات كيميائية حيوية وهرمونية عميقة، تساعد على شفاء القلب والأوعية الدموية بتعديل مستويات الكولسترول الجيد والسيئ.
وتسهم الرياضة أيضاً في بناء العظام والعضلات، فقد تبين أن كثافة العظام لدى الرياضيين - وخاصة الذين يمارسون رياضة رفع الأثقال- تكون أعلى بكثير مما هي عليه لدى الأشخاص غير النشيطين بدنياً .
وتبين الدراسة إنها ببساطة ظاهرة ميكانيكية، فعند تحميل العظام وزناً ما، تنطلق إشارة كهربائية تحث العظام على الاستجابة والنمو .
وتشير الدراسة إلى وجود علاقة بين ممارسة الرياضة وتوقد الذهن، وأن الخمول يزيد من خطر إصابتنا بالأمراض المرتبطة بتقدم السن مثل مرض الزهايمر، والتدهور العام في القدرات الذهنية .
إن ممارسة الرياضة بانتظام مدة ثلاثة أشهر يمكن أن تحث الدماغ على تفعيل خلايا عصبية جديدة، لأن أدمغتنا مرنة وقادرة على تطوير روابط عصبية جديدة طوال حياتنا. كما أنها تزيد من تمثل عامل النمو في الدماغ مما يساعد على تحسين عمل الخلايا العصبية، وتعديل النماذج الجينية، وتعزز انسياب الدم مما يؤدي بدوره إلى تسريع عمل الخلايا العصبية ويزيد من قدرتنا على التركيز، كما تساعد على تفريغ التوترات في طرق داعمة لصحة الذهن والجسم والجهاز العصبي.
باختصار إن العضلات "تتكلم" مع الدماغ، وإن الدماغ يرد عليها، وكلما ازداد الحديث بين العضلات والدماغ، تحسن أداء كليهما .
ومن جهة أخرى، تؤكد الدراسة أن الرياضة تخفف الالتهاب، وهو واحد من العوامل الرئيسة المسببة لمعظم الأمراض المزمنة، بما في ذلك بعض أشكال السرطان.
كذلك تلعب الرياضة دوراً بارزاً في تنظيم مستويات الهرمونات، وبالتالي حماية الأشخاص المؤهبين للإصابة بالأمراض المرتبطة بالهرمونات، وتساعد الأشخاص المصابين بهذه الأمراض على التأقلم معها بشكل أفضل.
فمثلاً تدفع الرياضة الجسم لإفراز هرمون السعادة فتكافح الاكتئاب، وتسهم في إبطاء عملية إطلاق هرمونات التوتر.
ويعتقد العلماء أن الرياضة تدعم الجهاز المناعي بطرق عدة، أبرزها:
إزالة الجراثيم من الرئتين عن طريق تنشيط وتسريع عملية التنفس والدورة الدموية.
التخلص من المواد المسرطنة وطرحها عن طريق البول والعرق.
تسريع عملية توليد مضادات الأجسام وخلايا الدم البيضاء "الخلايا الدفاعية في الجسم".
كذلك فإن ارتفاع درجة حرارة الجسم أثناء ممارسة الرياضة يقاوم نمو الجراثيم، بما يشبه الحمى الذاتية الدفاعية.
ولعل أكثر مايهمنا نحن في جمعية مكافحة التدخين والمواد الضارة بالصحة أن الرياضة تشكل دعامة أساسية من الدعامات التي ترتكز عليها برامج قطع التدخين، وتساعد جسم المدخن في التخلص نسبياً من سموم التدخين.
وفي الجمعية، ومن خلال النشاطات المدرسية للجمعية، لا أنسى أثناء محاضرات التوعية، أن أدفع أبناءنا وبناتنا لممارسة الرياضة بشتى أنواعها، وأحذرهم من النوادي الرياضية التي تتضمن مقاهي تقدم النرجيلات، لأنها تتاجر بصحتهم.
ولا أنسى قول الرسول المعلم محمد (صلى الله عليه وسلم): "علموا أولادكم السباحة و الرماية و ركوب الخيل" .
وذلك لما فيه من قوةٍ لأجسامهم وعقولهم، وانطلاقةٍ صحيحة في كل مجالات حياتهم .فكم أتمنى أن نبني جيلاً مؤمناً بأهمية الرياضة فيكون لنا أبطال ونجوم يمثلون بلادنا ويكونون قدوة حسنة لأبنائنا.
ومع اقتراب أولمبيات لندن (2012) أتساءل إن كنا سننال ميداليات ذهبية مجدداً كتلك التي نالتها بجدارة غادة شعاع حاملة بطولة العالم في السباحة لعام 1995م.
أتمنى لو يكون الجواب "نعم بكل تأكيد".
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي