منتدى التفكير بواسطة القبعات الست
منتدى التفكير بواسطة القبعات الست
منتدى التفكير بواسطة القبعات الست
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى التفكير بواسطة القبعات الست

نظرات نحـو آفاق بعيدة -*- نلتقي لنرتقي
 
الرئيسية/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن I_icon_mini_portalأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
المواضيع الأخيرة
» خرفك
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالسبت نوفمبر 23, 2024 2:16 am من طرف freeman

» خرفك
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالسبت نوفمبر 23, 2024 2:11 am من طرف freeman

» عودتني شاعري
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالجمعة نوفمبر 22, 2024 5:10 pm من طرف freeman

» قراءة نقدية مراسيل
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالأربعاء نوفمبر 20, 2024 11:27 pm من طرف freeman

» إستراحة مقاتل
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالأربعاء نوفمبر 20, 2024 6:58 pm من طرف freeman

» إستراحة مقاتل
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:41 pm من طرف freeman

» إستراحة مقاتل
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:41 pm من طرف freeman

» إستراحة مقاتل
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:41 pm من طرف freeman

» إستراحة مقاتل
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:40 pm من طرف freeman

» إستراحة مقاتل
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:40 pm من طرف freeman

احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1251 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Michaelmub فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 31689 مساهمة في هذا المنتدى في 21776 موضوع
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 391 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 391 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 518 بتاريخ الإثنين سبتمبر 16, 2024 11:10 pm
المواضيع الأكثر نشاطاً
سجل حضورك اليومي بالصلاة على الحبيب
قـُل حكمة ، مثل ، او بيت من الشعر
لتلاميذ وقاد لخميسي
ضع حكمة كل يوم لكن إعمل بها
التواصل…أية أهمية في الوسط المدرسي؟
عضوه يهوديه جديدة في المنتدى...
سؤال مهم لجميع تلاميذ وقاد خميسي
البنات افضل من الاولاد
تكريم أنشط أعضاء المنتدى (حصري)
لماذا نخجل من كلمة عاطفة
سحابة الكلمات الدلالية
المعلم اقرأ الناجح الذهنية THINKING الطفل القبعات انني حرفي التعليم التغيير أنني حواء إدارة الخرائط شرود الست المهم الفعال المحطة الزمن التعلم النجاح لحظة التفكير حوار

 

 /تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
freeman
المـديـر العـــام
المـديـر العـــام
freeman


عدد المساهمات : 19334
تاريخ التسجيل : 05/01/2011
العمر : 64
الموقع : http://sixhats.jimdo.com/

/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Empty
مُساهمةموضوع: /تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن   /تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن Emptyالسبت مايو 12, 2012 12:00 am

مـدخل: من أجل محاكمة عادلة:

إن التصور العلمي للحضارة عند مالك بن نبي يجعلنا في وضعية تحتم علينا السلوك وفقا لهذا المنهج في محاولة لاستنطاق ومحادثة النص الفكري لمشكلات الحضارة، بيد أن فهم هذا التصور فهما صحيحا يعدَ بحد ذاته اللبنة الأولى في سبيل خلق قدرة من شأنها تمكيننا مخاطبة الأصول العميقة لهذا النص مرة ثم تصنيف هذا المنتوج بشكل منهجي مرة ثانية وبالتالي فإن أية محاولة تحليلية لهذا الفكر لا تأخذ بعين اعتبارها قوانين إنتاج هذا الخطاب ستضيع منها حتما قوانين تفسير هذا الخطاب فيحكم عليها بالفشل مسبقا لتخليها عن العنصر الأول والذي تمتد جذوره إلى البيئة الأصلية لهذا الفكر وعندها بالذات ستغيب الموضوعية وستخضع الأفكار لقوالب دغمائية إيديولوجية أبعد ما تكون عن أسس الروح العلمية التي يقتضيها فهم وتحليل الخطاب الفلسفي خصوصا لما يتعلق الأمر بمعايشة ومحادثة إشكالية تسكن في قلب الواقع العام، وناتجة عن هذا الواقع نفسه أي أنها تتوسع لتخرج عن الإطار التخصصي البحت، ذاك أنَ إشكالية تخلق الأمة الإسلامية تعد في الأصل مشكلة حياتية تعترض أي واحد من عامة الناس وخاصتهم قبل أن تتحول إلى إشكالية فلسفية عند المختص في الفلسفة، أو إشكالية مجتمع عن عالم الاجتماع وفرد عند عالم النفس وهي إشكالية دخل الفرد عند عالم الاقتصاد... ولو واصلنا التتبع السردي لمجموع الرؤى لهذا الواقع لكان بالإمكان رصد ما لا نهاية له من الأطروحات المختلفة باختلاف الزوايا المنظور منها للمشكلة بل إن إصدار الرؤيا هنا يكون حتى من المختص في العلوم التجريبية والنظرية الرياضية وبهذا تجتمع لنا الكثرة والتعدد في تفسير الواقع وبالتالي فإن قراءة المنتوج الفكري لمالك بن نبي والمتمحور أساسا حول مناقشة تلك الإشكالية -التخلف- قد تضيع موضوعيتها في اللحظة نفسها التي يشرع فيها إخضاع هذه القراءة لقوالب الفهم الخاصة بالذاتية العلمية المتخصصة، وعلى هذا فإن المعالجة الفعالة لفكرة مالك بن نبي هي بدون شك تلك التي تتمكن من المحافظة والسير في عرض أفكاره اكبر قدر من الوقت ممكن على الطريق التسلسلي الذي ينتهجه هو في إنتاج الخطاب وبالتالي فهي تعتمد في الدرجة الأكبر على الاستنطاق أكثر من التأويل ليتمكن في مرحلة لاحقة محاكمة هذا النص بموضوعية علمية خالصة، وعندما نسلم بهذا فإننا نسلم بالتأطير الإشكالي الرباعي لمالك بن نبي- الإنسان، التراب، الوقت، الدين- وإذا كانت العناصر الأخرى لا تتطلب التجزئة فإن عنصر الإنسان يناقش ضمن ثلاثة أطر هي الإطار الفكري الثقافي، الإطار العملي، الإطار المالي، ووفق كل هذه التأطيرات نستعرض أفكار مالك بن نبي.

المبحث الأول :ميزات الإنسان المسلم المعاصر

إن الإنسان عنصر جوهري في المعادلة الحضارية عند مالك بن نبي وهو العنصر المحرك للعناصر الأخرى عن طريق استغلال قدراته الثلاثة الفكرية (الثقافة)، العملية والمالية.

1- ميزات الثقافة الإسلامية المعاصرة:

ما هي الثقافة؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تختلف باختلاف الأوضاع النفسية والتاريخية للمجتمع، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن تعريفا جامعا دائما زمانيا للثقافة لا يمكن له أن يوجد، بل إنَ التعريف الصالح لواقع تاريخي ما لا يصدق على المجتمع نفسه في وضع تاريخي مختلف، ولو صح هذا بالنسبة لمجتمع واحد معين في حقبتين مختلفتين من تاريخه فكم يكون صحيحا بالنسبة لمجتمعين مختلفين قد اختلف فيهما أيضا عمر التطور الاجتماعي[1].

فإذا وضع هذا السؤال مثلا في إطار الحضارة الغربية فإنه يتصل بفهم واقع اجتماعي معين موجود بالفعل في نطاق تاريخي معين أو موجود في حيز القوة في نطاق فكري معين أيضا، أما إذا وضع السؤال نفسه في العالم الإسلامي فإنه يأخذ معنى آخر مختلف تمام الاختلاف، إذ هو يتصل بخلق واقع اجتماعي معين لم يوجد بعد[2].

حيث لا تكون المشكلة هنا –العالم الإسلامي المعاصر- مشكلة فهم وتفسير لواقع اجتماعي معين بقدر ما هي مشكلة خلق لهذا الواقع الاجتماعي.

وبهذا فإن أي تعريف للثقافة عند مالك بن نبي نقدمه هنا يخرج بنا عن الإطار المنهجي لهذا البحث ويجرنا للحديث عن ما يجب أن يكون وهو موضوع الفصل الثاني.

ولذلك سنتعرض هنا للثقافة الإسلامية المعاصرة بوصف عوالمها الثلاث فقط (عالم الأشياء عن عالم الأشخاص، عالم الأفكار).

1/ أ- عالم الأشياء في الثقافة الإسلامية المعاصرة:

يعبر عالم الأشياء على جملة الوسائل والمعدَات المادية التي يستخدمها أو يبتكرها الإنسان لتلبية حاجياته وتذليل الصعوبات التي تحول دون تحقيقه لمراميه في الحياة، وإن شئنا ترتبط الأشياء بثنائية الإنتاج والاستهلاك[3].

وإذا كانت حقيقة أمر الأشياء كما ذكرنا فما هو نوع العلاقة التي تحكم مسلم اليوم بعالم الأشياء؟ أو ما موقع هذا المسلم بالنسبة لهذه الثنائية؟

يجيب مالك بن نبي أن المسلم المعاصر ينزع نزوعا ماجنا نحو الاستهلاك اللامحدود وليس هذا فحسب، بل لابد أن نضيف هنا وصفا أساسيا ليكتمل المعنى، فالأمر ليس مرتبطا بالاستهلاك الحاجي المنتج، بل إنه يقترن بالاستهلاك الأعمى المستورد، فصار امتلاك أشياء الحضارة الغربية يتخذ دليلا على درجة تطور صاحبها والمتتبع للوضع يلاحظ كيف أن الحديث عن هذه الأشياء يكثر وكيف يتم الترويج لها فيتعلق بها الإنسان ويغرم بها فيصبح همه الأكبر هو البحث عن الكيفية التي تتيح له اقتناءها والحصول عليها. ولا يختلف المعوز في ذلك عن الموسر الذي يرى وترى معه العامة أن في جمع وتكديس منتجات الغير المتطورة دليلا عن مواكبته للعصر ومؤشرا عن ارتقائه في سلم التطور الاجتماعي[4].

وهكذا فعوض أن يكون الشيء وسيلة في خدمة الإنسان تحت تصرفه يوجهه حسب الأهداف التي يطمح إلى تحقيقها، إذا انعكست الآية عند مسلم اليوم وأصبح الشيء غاية تطلب لذاتها ونتيجة ذلك كله هو أن الشيء قد طغى على عقلية إنسان ما بعد الموحدين فصار هو الذي يتحكم في إرادته ويوجه سلوكاته.

إن هذه الاعتبارات هي التي دفعت بمالك بن نبي إلى تشبيه المسلم المعاصر بصورة الاميبا فهو كائن متبطلا يتسكع حتى إذا رأى فريسة هينة أبرز ما يشبه "اليد" ليقتنصها ثم يهضمها في هدوء[5] .

فمجتمعنا اليوم يستهلك ولا ينتج حتى يد مكنسة ولو أدى ذلك إلى تقوس ظهور الناس من كثرة الانحناء، فصارت عملية الإنتاج لديه عملية استهلاكية لا غير[6].

فالعالم الإسلامي يعمل منذ أكثر من قرن على جمع أكوام من منتجات الحضارة أكثر من أن يهدف إلى بناء حضارة فوقع فيما يسميه مالك بن نبي الشيئية والتكديس، وبهذا فقد غاب مفهوم الإنتاج والصناعة في مجتمعنا الإسلامي المعاصر.

1/ب- عالم الأشخاص في الثقافة الإسلامية المعاصرة:

إن ترجع فعالية الضابط الأخلاقي في نفسية الفرد المسلم المعاصر قد انعكس على سلوكه الاجتماعي وأسلوبه في الحياة وهذه ما ألقى بسلبياته على مجال الحياة الاجتماعية حيث سادت الفردانية والتمزقات في المجتمع الإسلامي المعاصر، حتى بات عالم الأشخاص عندنا ليس إلاَ مجموعة أفراد غير مكيفين يعمل كل واحد منهم لمصلحته الخاصة وعلى حساب المجموع مما يفوت أي إمكانية للعمل المنظم المشترك الذي أصبح أشبه ما يكون بالمستحيل وهذا ما سيضعنا أمام حقيقة مؤلمة فليس المسلمون اليوم سوى جماعة إنسانية تعمل اعتباطيا وكيف ما اتفق دون أي توجيه مسبق أو تحديد للأهداف والغايات المشتركة ولهذا فنحن لا نرتفع إلى مستوى التعريف البنابوي للمجتمع الذي هو عنده ليس مجرد كمية من الأفراد وإنما هو اشتراك هؤلاء الأفراد في اتجاه واحد من أجل القيام بوظيفة معينة ذات غاية محددة[7]، أو أنه بتعبير أدق الجماعة التي تغير دائما من خصائصها الاجتماعية بإنتاج وسائل التغيير مع علمائها بالهدف الذي تسعى إليه من وراء هذا التغيير[8].

أما عالم الأشخاص في عالمنا الثقافي الراهن فليس له وجهة محددة بل إنه لا يقوم إلا على الغريزة الفطرية للاجتماع والتمدن التي تجمع بين كمية من الأفراد لا علاقة لهم بأسباب الحركة المشتركة وفي هذا تفسير لما حل بالنهضة الإسلامية التي ضاعت جهودها مهب الريح فلم تنتج سوى مثقفين حرفيين منبثين في صفوف شعب أمي وبدل من توفيقها لجهود الأمة تشتت هي نفسها أعمالها وانجرفت في إيديولوجيات ومذاهب فكرية وفلسفية متناثرة ومتصادمة في بعض الأحيان ولنا أن نعد ونحصي تلك المذاهب المنتشرة في ثقافتنا المعاصرة حتى نقدر صعوبة أو استحالة توافقها في السير فحتى ذوي المرجعيات الدينية الإسلامية قد أصبحوا في موقع مواجهة وصدام عندما نجد السلفي يعتقد في المنهج التربوي نرى في المقابل هذا الاخواني يركز على الجانب السياسي وينقد أحدهما الآخر ويرفضه فهذا يدل على أن الذات الإسلامية تعيش على وقع انصدعات وتمزقات داخلية هذا فضلا عن نشوء تيارات سياسية وفكرية غريبة عن البيئة الإسلامية تعتقد وتوظف فلسفات وإيديولوجيات غربية علمانية وبهذا فإن الفرد المسلم المعاصر لم يعد خاضعا لمعادلة الصلات الاجتماعية بل إن الأمر يستوجب وضع معادلة رياضية لإحصاء كم من صدام ومعاداة اجتماعية يحملها الفرد لأعضاء مجتمعه وهنا فقد المجتمع الإسلامي المعاصر أسباب الحركة ولم يعد قادرا على توجيه حركته فصار بهذا خاضعا لنظام التغير المحتوم بدل التغيير القصدي الإرادي.

والمسلمون اليوم حتى وإن كانوا يشكلون مليار و1/2 مليار إلا أنهم في الواقع مساوون للصفر ذلك أن معادلة الصلات الاجتماعية الفعلية الجامعة بينهم تأتي على شكل: ل=نx(ن-ن)=0[9].

وفي هذا تجسيدا وتفسيرا لإشارة الرسول صلى الله عليه وسلم:"يوشك أن تتداعى الأمم عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أوا من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل..."[10]

بينما في العهد المثالي لمجتمعنا حتى وإن كان يضم فئة قليلة إلاَ أنها كانت غاية في الفعالية والنشاط المشترك مجسدة لقوله صلى الله عليه وسلم:"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وهو ما يعبر عنه مالك بن نبي: ل=نx(ن-أ)

ونتاج هذه الحالة الاجتماعية المرضية التي يعيشها مجتمعنا في الوقت الراهن تترجمها الفردانية وتضخم الذوات واستحالة العمل الجماعي المشترك واستفحال المادية فصار الكل يعمل لمصلحته الخاصة وإن تعارض ذلك مع مصلحة الكل، وقد يصدق علينا تعبير هوبز "حرب الكل ضد الكل".

وإذا كان الأمر على نحو ما أسلفنا فلا نتوقع أي تقديم أو تغيير فعال لمجتمعنا المعاصر المنحل اجتماعيا والمنسلخ أخلاقيا وحضاريا.

1/جـ- عالم الأفكار في الثقافة الإسلامية المعاصرة:

إن العقل الإسلامي المعاصر يزاوج بين نوعين من الأفكار يمثل كل نوع منهما أرثوذكسية إيديولوجية متزمة وعمياء، فهناك العقل الأصولي المتشبث بالحفاظ على الأفكار القديمة حتى وإن كانت ميتة ويقابله كطرف نقيض العقل التقدمي المنسلخ يسعى إلى استنبات الأفكار المستوردة حتى وإن كانت قاتلة، ومن هذين النوعين ستتشكل ذاتيتين مغلقتين تتحولان إلى اتجاهان متصادمين على مستوى النخبة ومجتمعين انفصاليين على مستوى القاعدة. فينشأ لنا عالمين ثقافيين متوازيان من جهة ويركبان من جهد أخرى عالم ثقافي واحد هو العالم الثقافي الإسلامي الراهن، فهما على مظهرهما الانفصالي لهما ترابط عمقي وجذري.




- الأفكار الميتة وخصائصها:

إنَ الفكرة الميتة هي الفكرة التي خذلت بها الأصول فكرة انحرفت عن مثالها الأعلى ولذا فليس لها جذور في العصارة الثقافية الأصيلة[11]، إنَها موروثة من عصر ما بعد الموحدين وهي تعبر عن القابلية للاستعمار، فهي إذا ذات منشأ داخلي أي من داخل الذات الإسلامية، فالمجتمع يصنع بنفسه الأفكار التي ستقتله ثم تبقى في تراثه الاجتماعي أفكارا ميتة تمثل خطرا عليه ومن هذه الأفكار ما أنتجته حتى المؤسسات الدينية كالدروشة والتصوف المنحرف ولنا أن نذكر فقط بتفسير بعض الزوايا الجزائرية مثلا الاستعمار الفرنسي بأنه قدرا مقدورا من الله ولما لا يكون فيه خيرا سيهزم بقدرة قادر مقتدر ولعل أنَ هذه الفكرة الميتة هي أكبر معبر عن النفسية القابلة للاستعمار، فهذه الفكرة لم يكتسبها الفرد المسلم بل تلقاها كإرث اجتماعي، ومن الواضح أن مثل هذه الأفكار لم تر النور في باريس ولندن وعلى مدرجات السربون أو اكسفورد ولكن في فاس والجزائر وتونس والقاهرة. لقد ولدت في ظل مآذن القيروان والزيتونة والأزهر خلال قرون ما بعد الموحدين وإذا هي لم يقضى عليها بجهد منظم فإن جرثومتها الوراثية تلغم البنية الإسلامية من الداخل، تخدع حوافزها الدفاعية[12] فهي قد أدت باللغة الطبية إلى فقدان المناعة الفكرية مما جعل العالم الثقافي العربي عرضة للمكروبات الخارجية، وإذا كنا نعلم منذ اكتشافات باستور في فرنسا وكوخ في ألمانيا أن الأمراض المسممات معدية تنتقل من شخص إلى آخر عبر جسيمات بدائية هي الجراثيم فإن تاريخ البشرية الموغل في القدم يضعنا أمام نوع آخر من الأمراض يصيب المؤسسات والتنظيمات وحياة المجتمع[13] وفي هذه المرة فالعدوى تنتقل من جيل إلى أخر وهكذا فالأفكار التي كانت سببا في قتل وتقهقر المجتمع الإسلامي في عصر ما بعد الموحدين هي نفسها الأفكار الميتة التي نعتقدها نحن اليوم ونرى فيها السبيل المخرج من أزمة العالم الإسلامي الراهن، وهكذا تتحول الأفكار القاتلة إلى أفكار ميتة نعض عليها بالنواجذ ونكفر كل من يشكك فيها أو يسعى إلى تصفيتها من سمومها القاتلة فبالنسبة لهؤلاء الناس الذين يبدون الاهتمام بالأصولية في عالمنا الثقافي ينبغي أن نسد منافذ هذا العالم لنحمي أنفسنا من أية عدوى خارجية من شأنها طرح صحة هذه الأفكار كقضية للمناقشة وعلينا أن نراقب في نظرهم لا بل أن نحبس تنفسنا الفكري وأن نضع في النهاية على أذهاننا أقنعة واقية كي نتجنب أية فكرة خارجية كافرة، ومن بين أشد هذه الأفكار موتا، تحريم بعض الدول الإسلامية المعاصرة تدريس الفلسفة، بل وتكفير طلبتها والمشتغلين بها، وفي ابتكار هذه الفكرة وأمثلتها فليتنافس المتنافسون في تزيف العقل السلفي الخالص المنزه والمتبرء من هذه الأفكار وهؤلاء المفكرون.

- الأفكار القاتلة (المميتة) وخصائصها:

يعرف مالك بن نبي الفكرة المميتة فيقول:" فكرة مميتة هي الفكرة التي فقدت هويتها وقيمتها الثقافيتين بعدما فقدت جذورها بقيت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي"[14]، وما أكثر الذين يؤمنون بمثل هذه الأفكار في عالمنا الثقافي في الوقت الراهن خصوصا أولئك ذوي التكوين الأكاديمي في الجامعات الغربية والذين ذابت أصالتهم وهويتهم الثقافية في شخصية الآخر وقد جهل هؤلاء أن للفكرة بيئتها النفسية والاجتماعية التي نشأت فيها وفي حالة نقلها عن هذه البيئة فإننا نجبرها على ، الاستنبات في بيئة نفسية واجتماعية غريبة عنها وإن كان الوضع ليس واضحا بما فيه الكفاية على مستوى الأفكار، فإنه يصير أكثر جلاء إذا ما نحن أوردنا مثالا يندرج ضمن المجال الطبيعي، فعندما نحاول مثلا نقل شجرة الموز من الطبيعة الاستوائية الرطبة إلى بيئة صحراوية جافة لاشك أن إنتاجها ها هنا يكون من قبيل المستحيل وهكذا الحال على مستوى الأفكار، ويجب أن نضيف شيئا هو أن هذا التقليد ليس تقليدا لفعالية أي مجتمع دينامي كما فعلت اليابان مثلا ولكنه تقليدا لمذاهب وقوالب فلسفية تصبح دفعة واحدة منطقا معاديا للإسلام، فنجدهم يختارون الماركسية والتروتسكية على الخصوص يضعون عليها سمة الماوية ليدخلوا الإعجاب في عيون المتفرجين[15]. فنجد الدكتور طيب تزيني وأمثاله يريدون تكوين مجتمعا ثوريا يثور في الواقع ليس عن القيم الباطلة بل على القيم الأكثر أصالة كالهوية الإسلامية، ويصنف مالك بن نبي الحاملين لهذه الأفكار القاتلة في شخصيتين نموذجيتين[16] هما:

1- طالب مجتهد منغمس في الجانب النظري التجريدي من الحضارة الغربية في كل مكان تتقطر فيه الحياة الغربية إلى خلاصتها العلمية مع عناصرها القاتلة أحيانا والمقتولة أحيانا أخرى في جو مقبرة، ويتسلى في قاعة برلمان أي مقبرة أخرى.

2- الطالب السائح المهتم بالجانب التافه في مقهى أو مرقص في مكان تتحلل فيه الحضارة الغربية وتنتهي إلى مخلفاتها القاتلة المزبلة.

فكلا الطالبين المجد والسائح، لا يذهبان إلى منابع الحضارة بل إلى حيث تتقطر فيها أو تلقي فيها نفاياتها فكونا عالم أفكار هو في حقيقته ليس إلا مزبلة ونفايات العالم الثقافي الغربي.

- عالمنا الفكري وضريبة الخيانة المزدوجة:

إن العقل العربي الإسلامي المعاصر متهم بالخيانة المزدوجة فهو تمسك بصحة أفكار ميتة من جهة، كما أنه قد بحث عن الفعالية في أفكار مميتة من جهة أخرى ولذلك فسلوك المسلم اليوم يرتبط بتنكر مزدوج، فهو قد فقد الاتصال بالنماذج المثالية لعالمه الثقافي الأصلي، وهو لم ينشأ كما فعلت اليابان الاتصال الحقيقي بالعالم الثقافي الخاص بأوروبا[17].

وهنا يؤكد مالك بن نبي أن الأفكار المخذولة في هذا الجانب أو ذاك لها انتقام رهيب لأن المثقف المسلم قد زيف حقيقتها وخان أصالتها، ومن السهولة ملاحظة هذا الانتقام على المستوى التقني حيث يكون للأفكار انتقاما فوريا كانفجار ماكنة لسوء التصميم، أو انهيار جسر لسوء البناء وفي الغالب فإن المجتمعات والحضارات تنهار بالطريقة نفسها وليست كوارث التاريخ ومختلف الأزمات سوى النتيجة التي تكاد تكون فورية لانتقام الأفكار التي خانها أصحابها[18].

والمجتمع الإسلامي المعاصر هو بالتحديد في هذه اللحظة يواجه المشكلة في وجهيها إنه يعاني من انتقام النماذج المثالية لعالمه الثقافي الخاص من ناحية ومن ناحية أخرى لانتقام رهيب تصبه الأفكار التي استعارها من أوروبا دون أن يراعي الشروط التي تحفظ قيمتها الاجتماعية، وقد أورثه ذلك تدهورا في قيمة الأفكار المكتسبة، وقد حمَل أفدح الضرر في نمو العالم الإسلامي أخلاقيا وماديا[19].

فالأفكار الميتة جعلت من الفكر الإسلامي فكرا قابلا للاستعمار غير قادر على إدراك المغالطات التي يعدها له أساتذة الصراع الفكري، كما أنه لم يكن باستطاعته الدفاع عن مقولاته الجوهرية والأفكار المميتة التي جاءت كاستجابة لهذا الوضع قد أكسبت المفكر المسلم صفة المستعمر أو "التابع" وهكذا تكون لنا عالم أفكار قابل للاستعمار"التبعية" ومستعمر"تابع" في الوقت ذاته.

وهو ما تعكسه الأفكار السائدة في وسطنا الثقافي الراهن والتي معظمها خاطئة أو لا فعالة، وهو ما تؤكده أيضا نتائج محاولات الإصلاح، سواء المبنية على أسس أصولية ميتة أو على المرجعيات التقدمية المميتة.

فالطائفة الأولى لم تنجح في خلق اتصال حقيقي بين الروح العربية المعاصرة والتقاليد الصحيحة للسلف الصالح لأنها هي نفسها مفتقرة لهذه التقاليد التي استبدلها بأخرى زائفة، أما الطائفة الثانية فإنها جعلت من العالم الثقافي الإسلامي تابعا للآخر فاقدا لهويته وأصالته الحضارية، فصار معرضا لخطر الانحراف في الإيديولوجيات الحديثة في الوقت الذي بدأ أو اكتمل إفلاسها في الغرب حيث ولدت ومنذ بدء هؤلاء في اقتفاء اثر أوروبا ونحن نسير متخلفين عن التاريخ بمرحلة، وصارت تعاد على حسابنا سائر التجارب التي فشلت[20]. فالماركسية مثلا والتي أعلن التاريخ الأوروبي فشلها منذ زمن لزالت تشكل لحظة أرخميدس "أوريكا" عن الكثير من نخبتنا المفكرة.

وخلاصة لما سبق نقول أن عالمنا الفكري المعاصر يمزج بين أفكار خاطئة وزائفة وفي هذه وتلك تتجسد كل سلبيات اللافعالية وغياب المنطق العملي.

د/ السمات المرضية في الثقافة الإسلامية الراهنة:

إن طبيعة العلاقة بين العوالم السابقة وسيادة أحد منها هو الذي يحدد نوع الثقافة السائدة في المجتمع، وهنا يقرر مالك بن نبي أن فيما يخص ثقافتنا المعاصرة فإنها تغلب جانب الشيء والشخص على حساب الفكرة[21].

وهو ما أدى إلى ظهور عدة سمات مرضية في الثقافة الإسلامية المعاصرة حاولنا إحصائها فيما يلي:

- الشيئية والتكديس:

وترمز إلى الولع بالأشياء وتكديسها عوض الرقي إلى عالم الأفكار لصنعها وفي هذا ضرر على الجوانب الثلاث النفسي، الأخلاقي، الاجتماعي والفكري[22].

ففي الجانب الأول تتحول الأحكام النوعية إلى أحكام كمية دون أن يشعر أصحاب تلك الأحكام بانزلاقهم نحو الشيئية، فلاحظ مالك بن نبي أن الموظف عندنا يعتمد في تحديد رتبته في الترتيب الإداري بعدد الأجهزة التي يستعملها ولا يستعملها.

أما على الصعيد الاجتماعي تبدو الشيئية هنا في التصدي للمشكلات الاجتماعية بجانب كمي لا نوعي، وقد امتد طغيان الشيئية واستبدادها حتى على الجانب الفكري، حيث أصبح الكاتب لا يسأل عن موضوع البحث الذي انتهى منه بل إنه يسأل عن عدد الصفحات التي كتبها، وليس الأمر خاصا بالقارئ فحسب فالكاتب نفسه قد أصبح فريسة للشيئية وهنا يخبرنا بن نبي عن ذاك المفكر الذي أخبره يوما أنه أنهى كتابا يقع في كذا صفحة.

- الإيمان بالشخص (الزعيم):

فثقافتنا الراهنة لا تؤمن بالأفكار وتدافع عنها بل إنها تؤمن بالشخص، وربما إلى هذا يعود موت الكثير من المشاريع الإصلاحية، حيث ماتت أفكارها بمجرد موت زعمائها، وقد انتبه إلى هذا الخطر أبو بكر الصديق من قبل لما خاطب الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا:" من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"

- اللفظية:

تعبير اللفظية يدل على استخدام الألفاظ الرنانة وعلى الثرثرة في الحديث وذلك على حساب الكلمة الدالة المعبرة التي تربط الفكرة التي تترجمها الألفاظ اللغوية بالواقع العملي والسلوكي[23]، فالثقافة الإسلامية المعاصرة استعبدتها الألفاظ ولم تعد تعبر عن الاهتمام بالعمل، بل عن مجرد الشهوة إلى الكلام، والمسلم صار لا يفكر ليؤدي عملا بل ليقود كلاما مجردا فكان المثل الأعلى منذ عصر الانحطاط هو أن يكون الإنسان بحر علم مع افتقاره لدوره الاجتماعي، ففيما يخص الدين مثلا صار الاهتمام بمسائل خيالية محضة كالبحث في جنس الملائكة أو كالتوضىء من وطئ البهيمة مع أن الفقه هو أقرب علم لسلوك المسلم العملي[24]، وظن البعض أن إصلاح المسلم يكون بإصلاح علم الكلام، وهكذا أصبحت الآية القرآنية تستخدم كوسيلة منطقية تساق لغرض تعليمي ولم تكن لتلمس ضمير المسلم مباشرة.

ونفس الكلام يقال على ميدان الصحافة حينما تغالي في تمجيد القادة والزعماء بما يفوق طبيعة البشر كأن تطلق على أحدهم جملة من الألقاب والمواصفات في آن واحد، المجاهد، الكريم، العظيم، الخليل، الزعيم.."[25].

أما على مستوى المؤسسات التعليمية فلطالما طغى جانب الحقائق النظرية المكتسبة من الكتب على الجانب التطبيقي حتى فيما يخص العلوم التجريبية، كذلك المحاضر الذي كان يجهد نفسه في شرح إحدى النباتات من الكتاب، ولم يكلف نفسه قطف تلك النبتة الموجودة خلف النافذة ليقدم صورة حية عن الموضوع الذي هو في صدد شرحه لطلابه.

إن كل هذا قد أدى إلى وجود فجوة بين الكلام والعمل في ثقافتنا المعاصرة.

- الرومانسية:

اعتبر مالك بن نبي الرومانسية سمة تعاني منها ثقافة مجتمع ما بعد الموحدين وهي تعود إلى طغيان الخيال والخرافة وألوان البديع والبيان في الأعمال الفكرية بما يقطع الصلة بالواقع المحسوس والمشكلات المطروحة على أرضه، وهو الأمر الذي يبطل دور الثقافة الإيجابي ويفقدها فاعليتها في تكييف الفرد وبناء المجتمع.

وهذا مرده لهروب الثقافة الإسلامية المعاصرة عن مواجهة مشاكل الواقع ومستحثاته وتعويض هذا بمحاولة ستر مواطن العجز والعيوب بالبلاغة.

هذا وشيوع هذه السمة المرضية سيؤدي إلى آثار سلبية على الفرد والمجتمع على حد سواء فيسلب الوعي ويضعف أو يندم الشعور بالمسؤولية.

- التعالم:

التعالم مصطلح يطلقه بن نبي على النخبة في المجتمعين العربي والإسلامي وهو عنده صفة مرضية تعني الحرفية في الثقافة وادعاء العلم والمعرفة، فهؤلاء المتعاملين أو المتعاقلين لم يقتنوا العلم ليصيروه ضميرا فعالا، بل ليجعلوه آلة للعيش، وسلما يصعدون به إلى منصة البرلمان[26]، وهكذا فإذا كنا في السابق نواجه مرضا واحدا هو الجهل والأمية.

فاليوم أصبحنا نرى مرضا جديدا مستعصيا هو التعالم، والمجتمع الإسلامي المعاصر صار يضم نموذجين من الأفراد حامل المرقعات على الثياب البالية وحامل اللافتات العلمية[27] وإذا كان علاج الأول ممكنا فإن المرض الثاني مستعصي علاجه لأنه علم زائف لا ينتفع به فهو جهل حجرته الأحرف الأبجدية فهو لا يفهم الكلمات بمراميها وإنما يفهمها بحسب حروفها وكلمة "لا" تساوي عنده "نعم" لو احتمل أن حروف الكلمتين متساويتين[28] إنه يمثل داء عضال هو الصبيانية المزمنة.

"ويا للأسف فليس أقبح من الجهل حينما يتزي بزي العلم وينبري للكلام، فالجهل المحدود جهل الشعب النظيف، انه كجرح ظاهر يمكن علاجه، أما جهل العالم فهو غير قابل للشفاء اخرق، مراء أصم مغرور".

- الفخر والمديح:

يصبح الفخر والمديح انحرافا مرضيا عندما يتجاوزان الحدود الموضوعية الاعتدالية ويتخذان كآلية دفاعية تحركها عقدة الدونية ضد ثقافة الآخر المهمين؟

فهذه السمة المرضية جاءت كنتاج عن الصدمة التي تلقتها نخبتنا المعاصرة عند فشلها عن مواجهة مد الثقافة الغربية المعاصرة، ما أدى بأزمة نفسية عميقة تمثلت في الشعور بمركب النقص اتجاه هذه الثقافة ومحاولة التغلب عن هذا الإحباط عن طريق الفخر والمديح بالماضي الإسلامي الزاهر فأرادوا مواجهة الحاضر بالماضي، وليس في هذا إلا تسلية في الفكر.

كما أن نزعة المديح هذه عند مفكري الإسلام تنطوي حسب بن نبي على عقدة نفسية يسميها "حالة إخلاص"ينساق وراءها أو نحوها الكتاب عند معالجة قضايا مجتمعاتهم الإسلامية المعاصرة كي لا يصطدموا بمحرم ديني يشعرهم بأنهم يسيئون للإسلام، وتحتى تأثير هذه العقدة يموهون الحقيقة الموضوعية للمشكلة المطروحة وينزلقون بدون وعي منهم نحو موقف من المدح العقيم مما يتسبب في بعد الحلول المقترحة عن القابلية للتطبيق.

ومن أتفه نماذج المدح القياس التالي"الإسلام دين كامل"، "نحن مسلمون" إذا "نحن كاملون"، وقد يكون هذا ما أدى بالجابري إلى إطلاق حكمه الجائر"إن النموذج الإسلامي يزداد توغلا في الماضي بشكل يجعل التفكير فيه يفقد أسبابه الموضوعية"[29].

- الاضطراب الفكري السلوكي:

يسجل مالك بن نبي سمة سلبية أخرى في ثقافة مجتمعنا الإسلامي المعاصر وهي سمة تتعلق بالاضطراب الفكري و السلوكي، وهذه السمة ينظر إليها بن نبي كنتيجة للتقاطب المزدوج الذي تترجمه العقلية المزدوجة والاستجابات السلوكية المتناقضة لدى الفرد[30].

ومرد هذا التقاطب المزدوج لاتصال المسلم المعاصر بالحضارة الغربية المتطورة وعجزه عن اتخاذ موقف محدد وموضوعي منها، فهو إما متشبث بالتراث القديم كليا واعتباره الوسيلة الوحيدة للخلاص معتبرا الاستعمار هو السبب الجوهري للتخلف، وإما أنه يرى في الإسلام عاملا للتخلف والتأخر وبالتالي ينسلخ عن تراثه ويتعلق بالثقافة الغربية وما أنتجت، ويتخذها مقياسا لا بديل عنه للتقدم[31].

وقد أفضى هذا إلى حالة اضطراب أخلاقي وانشطار سلوكي وعن لا تناغم ثقافي في مجتمعنا المعاصر.

ويرجع مالك بن نبي سبب هذا إلى غياب الوعي بعمق المشكلة وخطورتها، مشكلة التعصب للماضي والاستعارة الحرفية لثقافة الغالب، وإلى غياب الحس النقدي، والقصور عن التحليل والتركيب والتكيف[32].

هذا ما جعل الثقافة الإسلامية المعاصرة ممزقة بين الأفكار الميتة الموروثة والأفكار القاتلة المستوردة فعوض أن نصفي تلك وننفي هاته لإيجاد صيغة تخدم منهجية التغير تجدنا في حيرة من أمرنا[33].

- ذهان السهولة والاستحالة:

يعبر ذهان السهولة والاستحالة عن حالة ذهنية تربط الفرد المسلم المعاصر بتقييمه للعمل والأشياء، هذا التقييم الذي يتراوح بين نقيضين فهو إما يحكم على العمل انه في غاية السهولة وهنا يكون النشاط أعمى وإما يقدر من الوهلة الأولى أنه يفوق طاقته والوسائل التي يمتلكها فينعدم النشاط ويصاب بالشلل.

وفي الحالتين معا تتجسد سلبيات اللافعالية والتواكل وغياب الإرادة المفقودة لمبرراتها وخير ما يوضح هذه السمة المرضية أمثلتنا الشعبية المتداولة بكثرة بين الناس والتي منها "حشيشة وطالبة معيشة" مقدرة الله غالب""ماعندناش ومايخصناش" "راقدت وتاكل" تاكل القوة وتنتظر الموة[34]".

- الجدال والتبرير:

يسجل مالك بن نبي سمتين سلبيتين في ثقافتنا المعاصرة وهما الجدال والتبرير، ويقصد بالجدال الكثير السفسطائي الذي لا يقود الشيء ذي قيمة يحتاج إليه هذا المجتمع كي ينهض، وأما التبرير فهو البحث المضني عن الحجج والبراهين لغرض إقحام الغير واثبات حقائق إسلامية لا حاجة بها غالبا والتي لا تفيد في تغير الواقع المتردي في شيء[35].

وهكذا فإن الثقافة الإسلامية الراهنة مغرمة بالكلام من أجل الكلام من جهة وإثبات حقائق لغاية الإثبات من جهة أخرى. وقد كان رواد الإصلاح النهضوي عرضة للجدال والتبرير حينما شغلوا أنفسهم بإثبات صحة العقيدة الإسلامية بدل التركيز على تفعيلها في النفوس من أجل تغيير الواقع.

- الذرية:

تعتني الذرية عدم القدرة على النظر إلى المشكلات والأحداث نظرة شاملة كلية بل إنها تجعل صاحبها ينظر إلى الواقع وكأنه جملة من الوقائع المتجزأة والمتوصلة عن بعضها البعض دون أن تكون بينها روابط تجمعها ولا قانون عام يحكمها، إنها تجعل التفكير عاجزا عن ضم مجموعة من الأفكار في اطراد واحد طبقا لتسلسلها وهو ما ينطبق على وصف المستشرق جيب حين قال "إن الذرية هي خاصة الفكر الإسلامي"[36].

إذا كنا نعاني منذ عصر ما بعد الموحدين من مشكلة واحدة هي التخلف فإنَ كل واحد من المصلحين قد وصف هذا الوضع تباعا لرأيه أو مزاجه أو مهمته، فرأى رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني أنَ المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية بينما قدر رأى رجل دين كالشيخ محمد عبده أنَ المشكلة لا تحل إلاَ بإصلاح العقيدة فكانت النتيجة كحالة الطبيب الذي لا يعنى بمعالجة الداء الجوهري للمرض وإنَما بالأغراض[37].

ولهذه النزعة أي الذرية في الميدان السياسي يرجع بسبب تحطيم وحدة المشكلات العصرية وتجزئة الحلول حتى تنشأ العاطفة "السياسة العاطفية"، فتصبح عاجزة عن صياغة حكم صحيح عن الواقع[38]...

- القابلية للاستعمار (التبعية):

إنَ مالك بن نبي يحلل مفهوم الاستعمار مستندا إلى القوانين النفسية والاجتماعية التي تركز عليها الظاهرة، فصرح أن الاستعمار ليس من عبث السياسيين ولا من أفعالهم بل هو من النفس ذاتها التي تقبل ذلك الاستعمار والتي تمكن له في أرضها، ولا ينجو شعب من الاستعمار إلاَ بإحداث تحول نفسي يتخلى به عن كل أسباب القابلية للاستعمار ذلك أن العلاقة بين التغيير النفسي وتغيير الوسط الاجتماعي والسياسي وطيدة ومتينة جدا ويمكن التدليل على هذه السنة الثابتة بذكر حالة بعض الدول الإفريقية والأسياوية التي لم يطأ ترابها الاستعمار ولكن نراها خاضعة لجميع الظروف الاستعمارية مثل الفقر والجهل فاليمن التي لم تفقد استقلالها لحظة لم تستفد من ذلك الاستقلال أدنى فائدة لأنها كانت قابلة للاستعمار أي عاجزة عن القيام بأي جهد اجتماعي ومع ذلك فإن هذا البلد لا يدين لاستقلاله إلا لمحض المصادفة، حيث وجدت ملابسات دولية مواتية حفظت استقلاله[39].

بينما بلدان أخرى مثل اليابان وألمانيا بعد ح عII تحل بأرضها جيوش الاستعمار ولكن لم تتكون فيها ظروف استعمارية عن الرغم من ذلك وعليه فلن تستعمر إلا إذا كنت قابلا للاستعمار، وهو نفس الموقف الذي عبر عنه غروسيه (حصيلة التاريخ) لما قال: "إن أية حضارة لا تنهار من الخارج دون أن تتآكل هي نفسها في البداية إذ أن أي إمبراطورية لا تقهر من الخارج ما لم تكن قبل كل شيء قد انتحرت و بهذا فإن السبب الجوهري لضعف العالم الإسلامي يكمن في فقدان الذات الإسلامية لقدرتها الداخلية طبقا للمبدأ الخالد "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فتراجع الضابط الأخلاقي عن اشراط وتكيف الطاقة الحيوية للمسلم وتسلل الأفكار المخذولة إلى السلوكات واندماجها فيها، وتحلل شبكة العلاقات الاجتماعية وانتشار الفردانية وانعدام الفعالية وطغيان الشيء، فهذا الوضع المتردي الذي آلت إليه مجتمعات العالم الإسلامي هو الذي جعل مالك بن نبي يقف عند حقيقة الداء المنبعث من الداخل الذي خلفته هذه السلبيات وتفاعلاتها وفي حدود هذا المعنى الذي أراده صاحبنا تصبح القابلية للاستعمار مفهوما تاريخيا يحمل كل معاني هذه السلبيات مجتمعة ويعبر عنها ويعمل على تعميقها في نفس الوقت، كما أنه يلتصق بالحالة النفسية والذهنية للإنسان مجتمعات عالمنا الإسلامي المعاصر المشحونة بالعقد[40]، وهو موقف عبر عنه جمال الدين الأفغاني من قبل بقوله:" تطلبون الدواء والداء في جسم الشرق وأبنائه"[41].

فإن أجيالنا اليوم هي أجيال مهزومة نفسيا فاقدة لمناعتها الثقافية والاجتماعية مما جعلها غنيمة سهلة للاستعمار(التبعية).

لكن إذا كان هذا هو مفهوم القابلية للاستعمار بالأمس فهل من مبرر على الإبقاء عليها ما دام الاستعمار قد خرج من بلادنا؟

إن حقيقة نفسية يجب علينا تأكيدها دائما على أنها مبدأ خالد وسنة كونية هي أن الاستعمار لم يكن إلا عرضا خارجيا لأن بواعثه داخلية، وإذا كانت الشعوب العربية والإسلامية قد ألقت حقا بالكيان الاستعماري خارج أراضيها فإن روح الاستعمار لم تبرح عقول أفراده ولا نفسيا تهم ولا ثقافتهم لأن داء الاستعمار لم يتم استئصال جذوره عندها فهاهو الاستعمار يعود إلينا اليوم في شكله المقنع الجديد ليتحكم في مصيرنا إيديولوجيا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا[42].

هذه الاعتبارات هي التي دفعت بالباحثة سلوى بن حداد في دراسة لها حول "مفهوم التبعية عند مالك بن نبي" إلى اعتبارات نفس المضامين التي كانت لمصطلح القابلية للاستعمار مدلوله ما زالت قائمة اليوم بهذه المجتمعات وهو الأمر الذي جعلها تستبدل بمصطلح القابلية للاستعمار بمصطلح القابلية للتبعية[43].

2- علاقة المسلم المعاصر بالعمل:

لا تستقيم حياة الإنسان بدون جهد يبذل ولا عمل ينجز فالجهد الموجه والعمل المبرمج هما أساس كل حركة تاريخية مقصودة ودعامة كل حياة راقية[44].

أما في مجتمعات عالمنا الإسلامي المعاصر فلم يعد للعمل هذا المعنى الواعي بالتاريخ وبالحياة الكريمة، فعلاقة الإنسان بالعمل المشترك أصبحت شبه منعدمة وإن وجدت فهي غير منظمة وغير مقصودة لأجل هدف سام وفي أغلب الأحيان تكون هذه الأعمال عشوائية ومتعارضة فيلاحظ أن الواحد لا يستطيع مواصلة عمل من سبقه إلا إذا قام أولا بهدمه كي يتسنى له تقديم عمل جديد ليأتي أخر من بعده ويهدمه وهكذا دواليك والحاصل من هذه الأعمال عند جمعها هو الصفر طبعا[45].

والملاحظ أيضا هو أن المسلم اليوم يعمل دون تفكير أو يفكر دون عمل وبالتالي يأتي نشاطه بعيدا عن التخطيط المدروس مما يفوت عليه الفعالية في الإنتاج.

وعندما يضيع معنى العمل ويفقد قيمته يأتي بدله الضعف أو العجز الذي يتمثل في نوعين من الذهان:

1- ذهان السهولة ويعني النظر إلى الأشياء، على أنَها سهلة بسيطة وهذا الذهان يقود بلا شك إلى نشاط أعمى.

2- ذهان الاستحالة المتمثل في النظر إلى الأشياء على أنَها مستحيلة فيصاب النشاط بالشلل[46]، ويتجلى ذهان الاستحالة في ثلاث مسلمات متفشية في العالم الإسلامي وهي:



- لسنا بقادرين عن فعل شيء لأننا جاهلون.

- لسنا بقادرين عن أداء هذا العمل لأننا فقراء.

- لسنا بقادرين عن تصور هذا الأمر لأننا مستعمرون

- وفي كلتا الحالتين يتراوح جهد الإنسان المسلم المعاصرين الكسل والنشاط الأعمى وعليه فعندما نتحدث عن العمل في مجتمعات العالم الإسلامي المعاصر فكأننا نخوض في الحديث عن شيء يكاد يكون منعدما (لا وجود له)[47].

3- علاقة المسلم المعاصر بالمال:

إن تحديد مدى فاعلية استغلال المسلم للمال الذي يكتسبه ويوظفه تستوجب أولا تحديد طبيعة هذا المال من الوجهة الاقتصادية، وهنا يقرر مالك بن نبي أن المسلم المعاصر يمتلك الثروة وليس رأس المال والثروة هي المال الساكن والكاسد الذي يعرف بلقب صاحبه فهو ذو مجال ضيف ومحدود لا يتعدى حاجيات الفرد ومنافعه الخاصة وهذا ما يفوت فرصة تحريك المال وتوظيف القدرات، مما نشأ عنه انفصالا بين مالك الثروة وصاحب القدرات العملية والعلمية فالثري في مجتمعنا الإسل

ْ



________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج:  شاعر إنجليزي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sixhatsdz.forumalgerie.net
 
/تشخيص مالك بن نبي لواقع الامة كما هو كائن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من قال ان الأنثى كائن منسي؟
» وسائل تشخيص صعوبات التعلم
» الكاتب مالك بن نبي
»  الصحابي الجليل (( سراقة بن مالك )) .
» الكثير عن قصة اسلام مايك تايسون( مالك عبد العزيز)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التفكير بواسطة القبعات الست  :: القبعات الست ومايخصها :: منتدي قوة الآن power of now-
انتقل الى: