الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
في أصول الفقه يفرق العلماء بين الحكمة والعلة، فالذي يستخدمه الأصوليون في باب القياس هو العلة؛ لأن العلة هي مناط الحكم، فالعلة: هي الوصف الذي علق الشارع الحكم عليه، أو: هي الوصف المقتضي للحكم، أو الموجب للحكم، أما الحكمة فإنها أشمل من ذلك وأعم، فهي الغرض أو الهدف الذي من أجله شرع الحكم -وهذا بتبسيط شديد- ومثال ذلك: أن الله سبحانه وتعالى حرم الخمر، والعلة من تحريم الخمر هي الإسكار، ولهذا فإن الأصوليين ينظرون إلى أي مادة، فإذا وجدوها مسكرة قالوا: هي حرام؛ لأن العلة التي يدور معها الحكم حيث دارت، والمناط الذي يتحقق به الحكم، والوصف الذي علق الشارع الحكم على وجوده، هو الإسكار، فأي شيء يحدث الإسكار فإنه يكون حراماً، وعلى القول الصحيح: يكون خمراً؛ فليس التحريم قياساً على الخمر؛ بل لأنه هو خمر، لأن {كل مسكر خمر }، فهذه هي العلة.
لكن الحكمة من تحريم الخمر هي ما ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ [المائدة:91].
إذاً: الحكمة غير العلة، فالحكمة من تحريم الخمر أن الخمر أم الخبائث، وأنها توقع العداوة والبغضاء والفواحش والمنكرات وكل خبيثة ترتكب.
فعندما نقول: نحن لا نسأل على جهة الاعتراض في أفعال الله: لم؟! فإننا نقصد الحكمة.
أما العلة من جهة المعنى الفقهي والمعنى الأصولي فإننا نسأل عنها حتى نعرف لماذا حرم هذا الأمر؛ ليتعدى حكم هذا الأمر إلى كل أمر يشابهه ويماثله؛ لأن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الدين بحكمة، فلم يأت قط في ديننا -ولله الحمد- ما يفرق بين المتماثلات وما يجمع بين المتناقضات، إلا أن يظن الإنسان جهلاً منه أنها متماثلة أو متناقضة؛ كما قال الجاهليون: إنما البيع مثل الربا، فالمتماثلات في الدين حكمها واحد، والمتناقضات لا تجتمع، فمن أجل ذلك لا بد أن نعرف العلة بالمعنى الفقهي الأصولي، لنعرف أحكام الله سبحانه وتعالى في ذلك.
أما بالمعنى الأعم، فهل نسأل: لم حرم الله سبحانه وتعالى هذا أو ذاك؟
الجواب: إن كان هذا السؤال هو للبحث عن العلة التي إن وجدت في أي شيء فهو يحرم، فهو صحيح ولا بأس به، وإن أردنا الحكمة من تحريم الخمر، فهذا له مجال آخر فيه تفصيل أيضاً.
فإن كان المقصود بالسؤال معرفة الحكمة، وتلمسها، والوصول إليها، والاستفهام والبحث عنها؛ حتى يزداد الإنسان إيماناً، ويزداد بعداً عما حرم الله، فهذا لا بأس به، وأما إن كان السؤال على جهة الاعتراض -وهو الذي نص عليه صاحب المتن الإمام الطحاوي رحمه الله- فهذا هو الذي فيه رد لحكم الكتاب، وهذا الذي سنتحدث عنه، ونذكر ما هي أنواع الرد، وما هي أنواع الاعتراض على الكتاب، ومتى يكفر المعترض؟ ومتى لا يكفر؟
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي