(عادة ينعكس ما بداخلنا على حياتنا، فمن قلب الإنسان تصدر أفعاله التي تؤثر على ظروف حياته، فأفكاره تتحول إلى أفعال، وأفعاله تعبر عن شخصيته وأهدافه، وبالتالي توضيح مصيره)
جيمس الآن
تحدثنا في المرة السابقة عن مفهوم السلوك التنظيمي، وأهميته، وخصائصه، والمراحل التي مر بها، والآن سوف نبدأ في تحليل السلوك الإنساني في المنظمة على المستوى الفردي، وهي تتضمن 5 محاور كالآتي:
1. الإدراك.
2. التعلم.
3. الدافعية.
4. الشخصية.
5. القيم والإتجاهات.
1. الإدراك:
من خلال تعاملنا مع الآخرين سواء في مجال العمل أو المنزل أو الشارع، فإننا نقوم بإدراك تصرفاتهم بطريقة معينة، وتكوين إنطباعات عنهم، والتساؤل الذي يواجهنا هو:
هل الإنطباعات التي نكونها عن الآخرين صحيحة أم خاطئة؟
كيف يدري ويتفهم الفرد تصرفات الآخرين؟
في حقيقة الأمر يصعب تقديم إجابة دقيقة عن هذا التساؤل، فالأشياء التي نراها قد تبدو متشابهة لنا، ولكن الأمر على خلاف ذلك، فهناك تفاوت بيننا في إدراكنا للواقع الذي نعيشه، وهذا الواقع يتحدد في حدود مدركات الفرد.
فعندما تخبر أحد الأصدقاء عن شيء شاهدته أو سمعته أو قرأته، فإنك في حقيقة الأمر لم تنقل له الحقائق كلها، وحتى شاهد العيان الذي نعتقد أنه يمكن الإعتماد على أقواله، غالبًا ما يكون بعيدًا عن الدقة والحقيقة الكاملة، إن ما يدركه الفرد ليس هو العالم الحقيقي ذاته، ولكنه العالم الذي يوجد داخله والذي يعيشه.
إن فهم سلوك الأفراد وطريقة تصرفاتهم في المواقف المختلفة، له أثر كبير في نجاح المنظمات، وحتى نتفهم سلوك الأفراد في المنظمات، يجب أن نقف على طريقة إدراكهم للواقع أو العالم الذي يعيشون فيه؛ وذلك لأن إدراك الفرد لهذا الواقع، يؤثر لدرجة كبيرة على درجة إستجابته للمواقف.
وهذا يدعونا إلى البحث عن طبيعة إدراك الأفراد وتفهمهم للأمور، وأيضًا دراسة العوامل المؤثرة في هذا الإدراك، وعلاقة ذلك بالسلوك الفردي.
طبيعة الإدراك:
هي الطريقة التي يرى بها الفرد العالم المحيط به، ويتم ذلك عن طريق إستقبال المعلومات وتنظيمها وتفسيرها، وتكوين مفاهيم ومعاني خاصة، ويتضح من هذا التعريف، أن عملية الإدراك تتم من خلال الخطوات التالية:
1. تبدأ عملية الإدراك، بشعور أو إحساس الفرد بالمثيرات الخارجية الموجودة في البيئة المحيطة (مثال ذلك الضوء، الحرارة، الصوت ...)، وتقوم الحواس بعملية الإستقبال من خلال السمع، والبصر، واللمس، والتذوق، والشم، ويتم تحويل هذه المثيرات إلى المراكز العصبية بمخ الإنسان.
2. يتم تحويل المشاعر والأحاسيس إلى مفاهيم ومعاني معينة، وذلك عن طريق إختيار وتنظيم المعلومات، وتفسيرها بناء على مخزون من خبرات وتجارب سابقة في ذاكرة الفرد، وهذا يعني أن الخبرات والتجارب السابقة للفرد، والمعلومات المخزنة في ذاكرته، قد تغير وتعيد تشكيل ما يستقبله، ومن ثم يراه شيئًا مختلفًا.
ما هي العوامل المؤثرة في الإدراك؟
يمكن تقسيم العوامل المؤثرة في الإدراك إلى عوامل داخلية وعوامل خارجية:
أولًا: عوامل داخلية (المؤثرات الشخصية) العوامل التي تتعلق بالشخص نفسه المُدرِك:
1. الخبرات السابقة:
تؤثر خبرات الفرد وتجاربه السابقة، في كيفية إدراكه للموقف، فعلى سبيل المثال، حينما ترى شخصين من اليابان، يتبادلان الانحناءات والابتسامات، فسيغلب عليك الظن بأنهما أصدقاء، وسيكون هذا التفسير، في ضوء خبرتك السابقة لأنماط السلوك والعلاقات في داخل المجتمع العربي، الذي تربيت فيه، بينما قد يكون الواقع في الثقافة اليابانية مختلفًا؛ حيث يكون هذا النمط من السلوك مطلوبًا، حتى ولو لم تكن هناك علاقة ود، أو صداقة بين الأشخاص.
2. الدوافع:
تؤثر قوة الدافع أي حاجات الفرد الغير مشبعة، وأهميتها النسبية في إدراكه لما حوله من مؤثرات، فالعامل الذي يقوي لديه دافع تحقيق الذات، نجده لا يهتم كثيرًا بالحوافز المادية.
3. الشخصية:
كذلك نجد أن شخصية الفرد ككل تؤثر في إدراكه، فقد أثبتت بعض الدراسات، أن من أهم مشاكل كبار المديرين الشبان، هو ميلهم إلى تجنب إتخاذ القرارات البسيطة، أو غير السارة، واتضح أيضًا أنهم لا يعطون إهتمامًا كبيرًا، لمحاولة فرض الجزاءات على المرؤوسين، وعدم الميل إلى النبش في الماضي، وكتابة التقارير الغير سارة.
وفي الوقت الذي أثبتت فيه الدراسات، أن صغار المديرين لا يميلون إلى تلك الأعمال غير السارة، فقد اتضح أن المديرين الأكبر سنًا، يميلون إلى الأعمال التي تثير الضجر.
4. الضغوط الشخصية:
فالأفراد الذين يعملون تحت ضغوط عمل، يميلون إلى إدراك الأشياء بطريقة أقل موضوعية، من أولئك الذين لا يتعرضون لهذه الضغوط.
5. القدرات الجسمانية والذهنية:
فالفرد الذي يتميز بقدرات ذهنية منخفضة، يكون مستوى إدراكه للأمور والمواقف أقل.
ثانيًا: عوامل خارجية (المؤثرات المتعلقة بالمثير أو بالشيء محل الإدراك):
1. شدة أو قوة الأشياء المدركة:
كلما كان المثير الخارجي قويًا، كانت فرصة إدراكه أكبر، مثل: الأضواء اللامعة، والضوضاء الشديدة، والرائحة النفاذة.
2. حجم الأشياء المدركة:
كلما كان حجم الشيء المدرك كبير الحجم، كانت فرصة إدراكه أكبر، فمثلًا، عند زيارة مصنع معين، تكون الآلات الكبيرة الحجم، أكثر رؤية للزائر من الآلات الصغيرة، وكذلك الحال في مجال الإعلان، فكتابة الإعلان في صفحة كاملة بالصحيفة اليومية، توفر فرصة أكبر لإدراكه بدرجة أكبر، من الإعلان في سطور قليلة.
3. التناقض والإختلاف في الأشياء المدركة:
يقضي مبدأ التناقض بأن المثير الخارجي، الذي يكون ضد الأشياء المألوفة أو المتوقعة، سوف ينال درجة أكبر من الإنتباه.
4. تكرار المثير الخارجي:
يقصد بذلك أن تكرار المثير الخارجي، سوف يجذب الإنتباه، ويتم إدراكه بدرجة أكبر من ذلك الذي يحدث مرة واحدة، وتفسير ذلك أن عملية التكرار، تتيح أكثر من فرصة للإدراك، كما أن تكرارية المثير، تزيد من درجة حساسيتنا تجاه المثير، وتحاول الشركات استخدام ذلك، في خلق صورة فريدة لمنتج معين، عن طريق تكرار الإعلان.
5. الحركة للمثير الخارجي:
فالمثير المتحرك، أكثر قدرة على لفت الإنتباه، أكثر من المثير الثابت.
6. الجدة والتآلف للأشياء المدركة:
فالأشياء الجديدة أو الأشياء المألوفة، التي تعرض بطريقة جديدة، سوف تزيد من فرصة إدراكها، مثال ذلك: نقل الموظف إلى وظيفة جديدة تزيد من فرص إنتباهه لأداء واجباته.
والآن، ماذا بعد الكلام؟
يمكن الإستفادة من مباديء الإدراك، في الأنشطة الإدارية والتنظيمية، ومن أمثلة ذلك:
1. في مجال إختيار الموظفين الجدد:
تتم عملية إختيار العاملين الجدد، على أساس الإختيارات والمقابلات الشخصية، وفحص البيانات الخاصة بالموظف، وفي كثير من الحالات تكون البيانات ناقصة، وأراء المديرين غير موضوعية، ولكي تبني قرارات الإختيار على أساس الإدراك الجيد، فيجب أن يعرف المديرين الحقائق الآتية:
أ. قد يكون هناك نقص في المعلومات عن الموظف، ومن الواجب البحث عنها بإستمرار.
ب. أن الحالة النفسية للمديرين تختلف من يوم لآخر، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عدم العدالة في الإختيار.
ت. أن الأحكام المسبقة الناتجة عن أسلوب إدراكنا للأمور، قد تؤدي إلى نتائج سيئة في عملية الإختيار.
ويجب الحذر من هذه المشاكل، ويجب على المديرين أن يسألوا أنفسهم دائمًا، هل مدركاتنا وإحساسنا تجاه المتقدمين، تتفق مع قدراتهم ومهاراتهم الحقيقية أم لا؟
2. في مجال تقييم الأداء:
أن تقييم أداء العاملين يتأثر بشكل كبير بالإدراك الجيد للمديرين، والتقييم الخاطيء أو غير العادل؛ قد يتسبب في عدم بذل المجهودات الكبيرة بالنسبة للعاملين المختارين؛ وقد يتركوا العمل بالمنشأة، وبصفة خاصة يجب على المديرين أن يعرفوا النواحي الآتية:
أ. لابد من القضاء على تأثير الحكم على الشخص من خلال المعرفة العامة، أو التأثير الأولي لبعض الأشخاص.
ب. الإستعداد لتغيير أرائهم وطريقة إدراكهم، وخاصة عندما يشعرون بتحسن في أداء العاملين.
3. في مجال علاقات العمل:
غالبًا ما يكون هناك تأثير كبير للإدراك، في العلاقات بين الأفراد في العمل، وخاصة بين العمال، وسوء الفهم والإدراك يؤدي إلى تقليل الإتصالات، وسوء العلاقات بين العاملين، وخلق الصراع بينهم، ولتحقيق رقابة على ذلك، لابد للمديرين أن يلاحظوا طبيعة العلاقات بين المرؤوسين، وعندما يشعر المدير، أن هناك سوء للعلاقات بين العاملين، يجب أن يتخذ بعض الإجراءات مثل:
أ. التعرف على آراء العاملين، فيما يختص بالمشاكل، التي قد يتعرضون لها.
ب. التقدير السليم للمعوقات الإدراكية لدى العاملين.
ت. تشجيع العاملين على مناقشة آرائهم، وإقتراحاتهم مع بعضهم البعض.
وأخيرًا:
تذكر ما قاله بريان تراسي: (تخيل حياتك المثالية في كل النواحي، وحافظ على هذه الفكرة؛ حتى تتجسد من حولك)، وسوف نكمل في المرة القادمة إن شاء الله، الجزء الثاني من الإدراك، ألا وهو الإدراك الإجتماعي.
أهم المراجع:
1. الأمور الأهم أولًا، ستيفن كوفي، وأ. روجر، وريبيكا ميريل.
2. السلوك التنظيمي، حسين القزاز وصلاح عبد الباقي وأحمد ماهر.
3. القوانين العامة للنجاح، بريان تراسي.
4. السلوك التنظيمي بين النظرية والتطبيق، محمد إسماعيل بلال.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي