تروي كتب السيرة أن رسول الله جلس مع أصحابه، وأخذ يدعو الله تعالى ويقول: «اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت لقوله الأشعار»، ثم التفت إلى الصحابة وقال: «من لنا بابن الأشرف فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا، وآذى الله ورسوله، وقوَّى المشركين علينا؟»، فقال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله. فكَّر محمد بن مسلمة ثلاثة أيام، ثم أخذ معه أربعة من الصحابة واستأذن الرسول في أن ينال منه، فأذن له الرسول، فذهب محمد بن مسلمة مع أصحابه، وقاموا «وفق خطة مُحكمة» بقتل كعب، ثم رجعوا إلى المدينة وأخذوا يكبّرون، فسمعهم الرسول فعلم أنهم نفَّذوا الأمر، فقال: «أفلحت الوجوه، أفلحت الوجوه»، فقال محمد بن مسلمة: أفلح وجهك يا رسول الله.
وهكذا بادر الصحابي الجليل محمد بن مسلمة بقتل اليهودي كعب بن الأشرف بمجرد أن سمع أن النبي يرغب في قتله ويدعو إلى ذلك، فحقق رغبة النبي دون أن يأمره بذلك. ويحسن عند الحديث عن المبادرة والإقدام أن نذكِّر أنفسنا بالوصايا الاثنتي عشرة التالية:
1- ادع الله أن يفتح عليك بفكرة ناجحة تبادر بتحقيقها، واسأله الإخلاص والتوفيق والسداد.
2- تذلّل إلى الله وانكسر لعظمته، واجعل نجاحك فضلاً من الله ومنة منه عليك.
3- احذر أن تُصاب بلوثة قارون الذي لما فتح اللهُ عليه أنكر الجميل وقال: {قّالّ إنَّمّا أٍوتٌيتٍهٍ عّلّى عٌلًمُ عٌندٌي أّوّ لّمً يّعًلّمً أّنَّ پلَّهّ قّدً أّهًلّكّ مٌن قّبًلٌهٌ مٌنّ پًقٍرٍونٌ مّنً هٍوّ أّشّدٍَ مٌنًهٍ قٍوَّةْ وأّكًثّرٍ جّمًعْا ولا يٍسًأّلٍ عّن ذٍنٍوبٌهٌمٍ المٍجًرٌمٍونّ >78<}(القصص)، فلحقه سخط الله وعقابه في الدنيا والآخرة، وجعله عبرة لمن يعتبر، ولم ينفعه ماله ولا ذكاؤه ولا علمه، وكان مآله كما قال المولى عز وجل: {فّخّسّفًنّا بٌهٌ وبٌدّارٌهٌ الأّرًضّ فّمّا كّانّ لّهٍ مٌن فٌئّةُ يّنصٍرٍونّهٍ مٌن دٍونٌ پلَّهٌ $ّمّا كّانّ مٌنّ پًمٍنتّصٌرٌينّ >81<}(القصص).
4- تدرّج في مبادراتك حتى تصل إلى مبادرة كبرى تهز بها مسامع العالم، واعلم أن النجاح الصغير يقود إلى نجاح أكبر، وأن من ثواب الحسنةِ الحسنة بعدها.
5- اعلم أن المبادرات تبدو في بداية الإقدام عليها صعبة أو مستحيلة، وأن ثمة عقبات كثيرة تعترضها، ولكن ما إن تبدأ وتخطو الخطوة الأولى حتى يهون عليك الأمر وتشعر بسهولته ويأتيك المدد والعون بإذن الله تعالى.
6- اقرأ سِير الناجحين والمؤثرين في الحياة، وستجدهم أكثر الناس مبادرة، واعلم أن المبادرات هي سر من أسرار قيادة هؤلاء المؤثرين للبشر.
7- تذكر أن في الحركة بركة، وأن تفعل شيئًا تبادر به وتجتهد في تحقيقه خير من أن تقف مكتوف اليدين.
8- كن متفائلاً، وابدأ مبادراتك وعينك دائمًا على النجاح لا على الفشل.
9- إن فشلت في أول مبادرة فلا تيأس ولا تحزن، وإنما اعتبر ذلك أمرًا طبيعيًا، واجعل الفشل سلمًا إلى النجاح، واستفد من تجاربك الفاشلة حتى تحقق نجاحًا كبيرًا بإذن الله تعالى وتوفيقه.
10- ادرس المبادرة قبل الإقدام عليها، واستشر أهل الخبرة، ولكن احذر من المبالغة في الدراسة والبحث، فالوقت له قيمته، وقد أثبتت بعض الدراسات أن المبالغة في الوقت الذي يستغرقه الإنسان في الدراسة والبحث لا يساوي الجودة التي يحصل عليها، ولذا اجعل للدراسة سقفًا من الوقت، ثم ابدأ التنفيذ، واعلم أن الذي يماطل في البدء بالتنفيذ في الغالب لا ينجز مشروعه ولا ينجح فيه، واعلم أن العديد من التعديلات والتطويرات ستقوم بها أثناء التنفيذ، ولا ضير في ذلك.
11- أفضل وأسمى أشكال المبادرات هي تلك المبادرات المؤسسية التي تراها على الواقع، ويعم خيرها على خلق كثير، وتبقى وإن ذهب أصحابها، ولذا فإني أدعو العقلاء، صناع التأثير النافع، إلى الإكثار من إنشاء المؤسسات النافعة، فإن فيها خيرًا كثيرًا.
12- {...فّإذّا عّزّمًتّ فّتّوّكَّلً عّلّى پلَّهٌ إنَّ پلَّهّ يٍحٌبٍَ پًمٍتّوّكٌَلٌينّ >159<} (آل عمران)، واعلم أن الجرأة والمبادرة لا تقرّب من أجل ولا تؤخِّر من رزق، وأن الجبن والتردد والخوف ليست من شيم المؤثرين الأفذاذ. يقول الشاعر: فالجبن عار وفي الإقدام مكرمة والمرء بالجبن لا ينجو من القدر وقد صرخ «عنترة» من قبل وحذَّر صناع الحياة من أن يستمعوا إلى أولئك المخذلين الذين لا إقدام عندهم ولا مبادرة لديهم، فقال: حكِّم سيوفك في رقـاب العذَّل وإذا نزلت بـدار ذلِّ فارحـل وإذا الجبـان نهاك يـوم كريهة خوفًا عليك من ازدحام الجحفل فاعـص مقالته ولا تحفـل بها وأقدم إذا حقَّ اللقـاء في الأول واختر لنفسك منـزلاً تعلو به أو مُتْ كريمًا تحت ظلِّ القسطل فالموت لا يُنجيـك مـن آفاته حصـنٌ ولـو شيّدتَه بالجندل موت الفتى في عـزة خير لـه من أن يبيت أسير طرف أكحل.
الدكتور علي الحمادي(من رواد التنمية البشرية في العالم العربي
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي