ماهية النظرية:
لو طلب إليك أن ترسم تسع نقاط على شكل مربع, مصفوفة أفقيا وعموديا ضمن مسافات متساوية كما في الشكل المرفق, هل تستطيع وصل هذه النقاط بأربعة خطوط فقط شريطة عدم بقاء نقطة دون أن يصلها خط, ودون أن ترفع يدك عن القلم أو العودة على الخط المرسوم سابقا ؟
الأمر ليس بسيطا ولكنه ليس معقدا أيضا. ولا حل لهذه المسألة إلا بطريقة التفكير الإبداعي أو عن طريق الحلول المبتكرة وغير التقليدية. وقد أطلق عليها أصحاب هذه النظرية اسم التفكير خارج الصندوق, ذلك أن حل هذه المسألة لن يتحقق إذا بقيت تحوم داخل المربع, ولم يكن هناك شرط أن تبقى داخله. لذلك لن تتمكن من حلها إلا بالخروج من الإطار الوهمي الموجود كما في الشكل المرفق. إن كل الطرق التقليدية التي يمكن أن تخطر بالبال لن تتمكن من حل هذه المسألة أبدًا. وذلك لأننا سنلاحظ في كل مرة وجود نقطة غير موصولة, أو أننا بحاجة لخط خامس لإنجاز هذه المهمة !لذلك فان الكثير من المشكلات التي نعيشها في حياتنا لا تحل بطرق تقليدية, بل تحتاج طرقا إبداعية مبتكرة. فعندما تكون المشكلات كبيرة وعميقة, قد تتعلق بقضايا اجتماعية أو نفسية أو سياسية أو اقتصادية أو أي مشكلة قد تعصف بالمؤسسة أو المدرسة أو الأسرة أو الجمعية أو الشركة أو البنك, فان المطلوب هنا أن تبحث عن حلول إبداعية مبتكرة خارج صندوق تلك المؤسسة أو الشركة أو نحوها.
إن التفكير خارج الصندوق هو أسلوب يستعمل في حال عدم قدرة الحلول التقليدية غير الناجعة لحل مسألة ما. وهنا تكون الحلول التقليدية محكوم عليها بالفشل لا محالة, وما هي إلا نوع من تضييع الوقت والجهد. وبالتالي فان هناك ضرورة للتفكير بطريقة نوعية فريدة, ومن زاوية جديدة, من أجل تقديم حلول إبداعية ومبتكرة. لذلك فان التفكير خارج الصندوق هو التفكير المطلوب في مثل هذه الحالات, لأنه هو الحقيقة الدافعة لدوام الاستمرارية في التقدم والتطور واستخدام العقل, بناء على علم وقراءة واقعية للحال القائم, و رؤية وبعد نظر للمستقبل المتوقع. وأما التفكير داخل الصندوق فما هو إلا ذاك التفكير المنغلق على صاحبه، ولا يمكنه أن يرى إلا في حدود مساحة مربع الصندوق الداخلية أو ما يمكن أن يسمى التفكير المربعي الذي يحتكم لما في داخله, رغم أن الحاجة الماسة هنا تكون لصالح التفكير الاتساعي الذي يدور حول المربع وما يحيط به. إن التفكير خارج الصندوق يتميز بكونه يعمل جاهدا على إزالة الضوابط التي يمكن التخلي عنها, والحدود المصطنعة التي تقاوم حل مختلف القضايا بطريقة إبداعية.
إن البيئة النفسية أو الاجتماعية للإنسان بما تحتوي من مفاهيم متوارثة أو مكتسبة أو من تجارب يخوضها في حياته, غالبا ما تشكل له صندوقا جاهزا يؤطر نفسه فيه, ويحكم على نفسه بالإنغلاق في ذلك الصندوق, ثم يتأقلم فيه بسلبية, وبذلك يظل أسيرا لذاك الانغلاق وفق إرادته, فيما تتحرك الحياة بمسارها دون أن يكون له دور إبداعي يذكر. وهذا ما يؤدي إلى اختزال المواقف المبدعة والعمل الفريد والنوعية المطلوبة التي تأتي بكل جديد.
إن الخروج من الصندوق هو هدف كل شكل من أشكال الحياة، والميلاد يعد مثالا مهما للخروج من الصندوق كما يقول مايك فانس وديان ديكون مؤلفا كتاب "التفكير خارج الصندوق". فالشرنقة تتفتح فتخرج منها الفراشة, والبذور تنبثق من الأرض فتخرج نباتا طيبا, وتتصدع البيضة من النقر المستمر لأحد الأفراخ حتى يخرج منها إلى هذه الحياة, كلها أمثلة عن صراع الحياة ضد حدود البيئة التي من الممكن تخطيها وتجاوزها إلى مكان أكثر رحابة مما كان.
لماذا الخروج من الصندوق:
إن الكثير من المنشغلين في أعمال روتينية بعيدة عن التجريب والتحدي والإبداع يقتلون وقتهم وجهدهم دون الشعور بالمتعة المطلوبة, ودون تحقيق العمل بحيوية. ولكن ومع تزايد التحديات فان العاملين بحاجة ماسة إلى أفكار جديدة وحلول للمشكلات مختلفة في طبيعتها, متجاوزين أسلوب التفكير السطحي. إن مجرد الانقياد للتفكير التقليدي في التعامل مع القضايا يقتل القدرات الإبداعية للإنسان, وبالتالي فانه يؤثر سلبا على نفسية الشخص, وهذا بدوره سيترك أثرا سلبيا كبيرا على حجم الإنجاز وقدره. من هنا فلا بد من الخروج من الصندوق الذي أحاط بعض الناس أنفسهم به. ولا بد للشخص أن لا يحتكم إلى التجارب السابقة كمنهج دائم لا يحيد عنه, في حين يمكنه أن يجرب طرقا وأساليب جديدة وجديرة بالاهتمام. إن الحياة متجددة وأساليبها كذلك, وبالتالي فطرق التعامل معها لا بد أن تكون متجددة, وهذا ما سيجعل الحياة أكثر حيوية ومتعة.
كيف هي البداية:
لا بد ابتداء من قناعة راسخة بضرورة الخروج عن المألوف, والإيمان الراسخ بمقدرة الفرد وكفاءته على فعل الجديد والإتيان بغير المألوف, وإلا لن يتغير شيء. إن المسألة بحاجة إلى وعي دقيق لأهمية التغيير, ومن ثم الإرادة القوية والتصميم العميق لدوام النظر إلى مختلف القضايا بطرق غير مألوفة. إن هذه الاستراتيجية تهدف إلى الاستمرارية بالتغيير نحو الأفضل, والعيش بطمأنينة وسكينة أكثر, وتكوين وتجديد الحياة بشكل أكثر متعة. إن الشخصية المتفائلة هي القادرة على إشعال طرق التفكير الإبداعي، من خلال الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى. وكذلك فان الذي ينشد الوصول إلى الإبداع في العمل وممارسة التفكير خارج الصندوق لا بد له أن يكون ممن يكرهون الروتين كصفة أساسية لأؤلئك الذين يتصفون بالإبداع. وان تغيير الروتين في الشخصية لا يكون إلا لأؤلئك الذين يتمتعون بقدر كبير من الإيجابية والرغبة في التميز وتقدير قيمة الأفكار الجديدة ومواجهة التحديات والمستجدات المتنوعة. إن قبول التحدي ومواجهة مختلف المستجدات والخوض في كثير من المجازفة والمخاطرة يعتبر جزءً لا يتجزأ من مؤهلات النجاح في الحياة.
كيف الخروج:
هناك طرق متعددة للخروج من الصندوق الذي وضع الناس أنفسهم به. منها عدم الاكتفاء بالاعتماد على الرأي الفردي بل البحث عن أشخاص مفكرين آخرين قد نجد جوابا مختلفا عندهم. ويكون ذلك عن طريق طرح المشكلة عليهم بطرق مختلفة كالعصف الذهني, أو عقد ورشات عمل مركزة وغيرها. والمهم هنا أن يكون هؤلاء الأشخاص بعيدين عن المشكلة أصلا, وذلك لأن الواقعين في المشكلة غالبًا ما يكونون بعيدين عن إيجاد حلول غير مألوفة.
ويمكن كذلك الانتقال إلى أماكن أخرى غير المكان الذي حدثت فيه المشكلة. قد يكون الانتقال إلى مؤسسة أخرى إن كان بالامكان ذلك, أو قد يكون الانتقال إلى مكان مفتوح يساعد الفرد على التفكير دون حدود. وان ذلك من باب تغيير الحالة, لأن تغيير الحالة كفيل بتغيير نفسية صاحب الحالة, وبالتالي تهدئة النفس كي تفكر بطريقة مختلفة. ثم انه من الممكن أن نغير نمط الحياة القائم على الحلول الاعتيادية والروتينية إلى استخدام حلول غير مألوفة. وان ذلك لا يتحقق إلا بالإيمان بضرورة خوض التجارب الجديدة والمغامرات والمجازفات المحسوبة والتحدي المقصود. إن استخدام هذه التقنيات يساعد الفرد على الخروج من الصندوق الوهمي الذي أدخل نفسه فيه وبالتالي الإتيان بجديد وإضفاء روح الحياة الايجابية على العمل مهما كانت الصعوبات والتحديات.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي