إذا قارب الحاج الميقات استحب له أن يأخذ من شاربه ويقص شعره وأظافره ، ويغتسل ، أو يتوضأ ، ويتطلب ، ويلبس لباس الإحرام . فإذا بلغ الميقات صلى ركعتين وأحرم - أي : نوى الحج - ، إن كان مفردا ، أو العمرة إن كان متمتعا أو هما معا ، إن كان قارنا .
وهذا الإحرام ركن ، لا يصح النسك بدونه .
أما تعيين نوع النسك ، من إفراد ، أو قران فليس فرضا ، ولو أطلق النية ولم يعين نوعا خاصا صح إحرامه ، وله أن يفعل أحد الأنواع الثلاثة .
وبمجرد الإحرام تشرع له التلبية بصوت مرتفع ، كلما علا شرفا ، أو هبط واديا ، أو لقي ركبا ، أو أحدا ، وفي الأسحار ، وفي دبر كل صلاة ، وعلى المحرم أن يتجنب الجماع ودواعيه ، ومخاصمة الرفاق وغيرهم ، والجدل فيما لا فائدة فيه ، وأن لا يتزوج ، ولا يزوج غيره .
ويتجنب لبس المحيط والمخيط ، والحذاء الذي يستر ما فوق الكعبين .
ولا يستر رأسه ولا يمس طيبا ، ولا يحلق شعرا .
ولا يقص ظفرا ولا يتعرض لصيد البر مطلقا ، ولا لشجر الحرم وحشيشه ، فإذا دخل مكة المكرمة استحب له أن يدخلها من أعلاها بعد أن يغتسل من بئر ذي طوى بالزاهر ، إن تيسر له .
ثم يتجه إلى الكعبة فيدخلها من باب السلام ذاكرا أدعية دخول المسجد ، ومراعيا آداب الدخول ، وملتزما الخشوع ، والتواضع ، والتلبية .
فإذا وقع بصره على الكعبة ، رفع يديه وسأل الله من فضله ، وذكر الدعاء المستحب في ذلك .
ويقصد رأسا إلى الحجرالأسود ، فيقبله بغير صوت أو يستلمه بيده ويقبلها ؛ فإن لم يستطع ذلك أشار إليه .
ثم يقف بحذائه ، ويقول الذكر المسنون ، والأدعية المأثورة ، ثم يشرع في الطواف .
ويستحب له أن يضطبع ويرمل في الأشواط الثلاثة الأول .
ويمشي على هينته في الأشواط الأربعة الباقية ، ويسن له استلام الركن اليماني ، وتقبيل الحجر الأسود في كل شوط .
فإذا فرغ من طوافه ، توجه إلى مقام إبراهيم تاليا قول الله تعالى : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
فيصلي ركعتي الطواف ، ثم يأتي زمزم فيشرب من مائها ويتضلع منه ، وبعد ذلك يأتي المتلزم فيدعو الله عز وجل بما شاء من خيري الدنيا والآخرة ، ثم يستلم الحجر ويقبله ويخرج من باب الصفا إلى المروة تاليا قول الله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية .
ويصعد عليه ، ويتجه إلى الكعبة ، فيدعو بالدعاء المأثور ثم يترل فيمشي في السعي ، ذاكرا داعيا بما شاء .
فإذا بلغ ما بين الميلين هرول ، ثم يعود ماشيا على رسله حتى يبلغ المروة ، فيصعد إليه ويتجه إلى الكعبة ، داعيا ، ذاكرا . وهذا هو الشوط الأول ، وعليه أن يفعل ذلك حتى يستكمل سبعة أشواط .
وهذا السعي واجب على الأرجح ، وعلى تاركه - كله أو بعضه - دم .
فإذا كان المحرم متمتعا حلق رأسه أو قصر بعد هذا السعي . وبهذا تتم عمرته ، ويحل له ما كان محظورا من محرمات الإحرام ، حتى النساء .
أما القارن والمفرد فيبقيان على إحرامهما .
وفي اليوم الثامن من ذي الحجة ، يحرم المتمتع من منزله ، ويخرج - هو وغيره ممن بقي على إحرامه - إلى منى ، فيبيت بها .
فإذا طلعت الشمس ذهب إلى عرفات ونزل عند مسجد نمرة واغتسل ، وصلى الظهر والعصر جمع تقديم مع الإمام ، يقصر فيهما الصلاة ، هذا إذا تيسر له أن يصلي مع الإمام ، وإلا صلى جمعا وقصرا ، حسب استطاعته .
ولا يبدأ الوقوف بعرفة إلا بعد الزوال . فيقف بعرفة عند الصخرات ، أو قريبا منها . فإن هذا موضع وقوف النبي صلى الله عليه وسلم . والوقوف بـ " عرفة " هو ركن الحج الأعظم . ولا يسن ولا ينبغي صعود جبل الرحمة .
ويستقبل القبلة ، ويأخذ في الدعاء ، والذكر ، والابتهال حتى يدخل الليل .
فإذا دخل الليل أفاض إلى المزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير ويبيت بها .
فإذا طلع الفجر وقف بالمشعر الحرام ، وذكر الله كثيرا حق يسفر الصبح ، فينصرف بعد أن يستحضر الجمرات ، ويعود إلى منى .
والوقوف بالمشعر الحرام واجب ، يلزم بتركه دم ، وقيل : سنة لا يلزم بتركه شيء ، وبعد طلوع الشمس يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات .
ثم يذبح هديه - إن أمكن - ويحلق شعره أو يقصره ؛ وبالحلق يحل له كل ما كان محرما عليه ، ما عدا النساء .
ثم يعود إلى مكة ، فيطوف بها طواف الإفاضة ، وهو طواف الركن ؛ فيطوف - كما طاف - طواف القدوم .
ويسمى هذا الطواف أيضا : طواف الزيارة ، وإن كان متمتعا سعى بعد الطواف وإن كان مفردا ، أو قارنا ، وكان قد سعى عند القدوم ، فلا يلزمه سعي آخر على الراجح خلافا للأحناف .
وبعد هذا الطواف يحل له كل شيء حتى النساء ، ثم يعود إلى منى فيبيت بها . والمبيت بها واجب ، يلزم بتركه دم ، وقيل : سنة .
وإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر من ذي الحجة رمي الجمرات الثلاث ، مبتدئا بالجمرة التي تلي منى ثم يرمي الجمرة الوسطى ، ويقف بعد الرمي ، داعيا ذاكرا ، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها .
وينبغي أن يرمي كل جمرة بسبع حصيات قبل الغروب ويفعل في اليوم الثاني عشر مثل ذلك .
ثم هو مخير بين أن ينزل إلى مكة قبل غروب اليوم الثالت عشر ، وبين أن يبيت ويرمي في اليوم الثالث عشر .
ورمي الجمار واجب يجبر تركه بالدم ، ووقت استحبابه ما ذكر ، ووقت جوازه كل أيام التشريق .
فإذا عاد إلى مكة وأراد العودة إلى بلاده طاف طواف الوداع ، وهذا الطواف واجب على غير الحائض والنفساء .
وعلى تاركه أن يعود إلى مكة ليطوف طواف الوداع ، إن أمكنه الرجوع ، ولم يكن قد تجاوز الميقات ، وإلا ذبح شاة .
ويؤخذ من كل ما تقدم أن أعمال الحج والعمرة ، هي الإحرام من الميقات ، والطواف والسعي والحلق ، وبهذا تنتهي أعمال العمرة .
ويزيد على الحج الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ، ورمي الجمار ، والمبيت بـ " منى " ، والذبح ، والحلق أو التقصير .
هذه هي خلاصة أعمال الحج والعمرة ، والله أعلم .
ما تخالف فيه المرأة الرجل في أعمال الحج
ما تخالف فيه المرأة الرجل :
المرأة كالرجل في جميع أعمال الحج والعمرة وتخالفه في ثمانية أمور هي :
(1) لا تكشف رأسها ، لأن إحرامها في وجهها فتكشفه دون الرأس وكذلك تكشف كفيها .
(2) لا ترفع صوتها بالتلبية في مكان تخشى فيه الفتنة ، ولا بطريقة منغمة فاتنة .
(3) ليس عليها اضطباع ولا رمل في الطواف ولا في السعي .
(4) لا تحلق رأسها ولكن تقصر، لأن حلقها حرام عند الأكثرية .
(5) تلبس المحيط والمخيط والخفين ولا تلبس القفازين ولا تلبس مطيبا .
(6) لا تقرب الحجر الأسود عند الازدحام بالرجال .
(7) إن أصيبت بحيض أو نفاس فإنها تفعل كل شيء إلا الطواف .
(
إن حاضت أو نفست بعد طواف الركن عفي عنها في طواف الوداع إن جاء وقت السفر وهي لا تزال حائضا أو نفساء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن في ذلك .
كيفية حج الرسول صلى الله عليه وسلم
حج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة ، ونحن نسوق لك كيفية حجه صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله .
فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أصنع ؟ قال : اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مدى بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله وما عمل من شيء عملنا به ، فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .
وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته . قال جابر رضي الله عنه : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت . فكان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا ، فرقي عليه حتى رأى البيت ، واستقبل القبلة ، فوحد الله وكبره ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده .
ثم دعا بين ذلك ؛ قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدنا مشى ، حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ؛ حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه ، واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين ، لا ، بل لأبد أبد .
وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل.. ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : إن أبي أمرني بهذا ، قال : فكان علي يقول بالعراق ، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذي صنعت ، مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها ، فقال : صدقت صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه وسلم . قال : فإن معي الهدي فلا تحل .
قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن ، والذي أتى به صلى الله عليه وسلم مائة ، قال : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة ؛ فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش في الجاهلية - فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس ، أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي
فخطب الناس قال : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا ، دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد ، فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله.. إلى قوله : ولهن عليكم رزقهن ، وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ، إن اعتصمتم به ، كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت . فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس ، اللهم أشهد ، (ثلاث مرات) ، ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة .
فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وأردف أسامة خلقه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس : السكينة السكينة ، كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حق تصعد ، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، وصلى الفجر حين تبين ثم ركب القصواء ، حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره هلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس .
وأردف الفضل بن عباس ، وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه حتى أتى بطن محسر ، فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا.. فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة
فضل الحرمين الشريفين ومدينتيهما
للحرم المكي والحرم المدني فضائل ، على المسلم الإلمام بها حتى يحاول الاستفادة من نعم الله تعالى التي أسبغها على الحرمين الشريفين وعلى المدينتين المكرمتين : مكة البلد الأمين وطيبة ، مهاجر ومثوى خير النبيين.. ومدينة الأنصار والمهاجرين..
قال تعالى : والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين البلد الأمين هو مكة .
وقال تعالى : أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم والحرم الآمن هو حرم مكة .
وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم صلى بأرض سعد . بأرض الحرة عند بيوت السقيا ، ثم قال : اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكة ، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك إبراهيم لمكة ندعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم . اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة ، واجعل ما بها من وباء بخم اللهم إني حرمت ما بين لابتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم رواه أحمد ورجال إسناده رجال الصحيح .
وجاء في حديث رواه مسلم والبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده ما من المدينة شيء ولا شعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها رواه مسلم في حديث طويل .
وعن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها ، وقال : المدينة خير لهم لو كانوا يعملون لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة زاد في رواية ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء رواه مسلم
يستفاد من هذه الأحاديث أن المدينة لها حرم مثل مكة وأن حرمها لا يقطع شجره ولا يصاد صيده.. وهذا هو رأي جمهور الفقهاء ، والمشهور عندهم أن المتعدي على شيء من حرم المدينة يعتبر آثما ولا ضمان عليه . وأبو حنيفة يرى أن قطع شجر الحرم النبوي وصيد صيده لا شيء فيه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبا عمير يلعب بطائر صغير وهو صبي فكان إذا قابله قال له يمازحه : يا أبا عمير ما فعل النغير؟ وأجاب الأولون بأن ذلك ربما كان قبل التحريم ، أو أن الطائر كان من الحل.. وعن الصميتة ، امرأة من بني ليث رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من استطاع منكم ألا يموت إلا بالمدينة فليمت بها ، فإنه من يمت بها نشفع له أو نشهد له رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي .
وعن عائشة رضي الله عنها . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتاني آت وأنا بالعقيق (واد من أودية المدينة مسيل للماء) فقال : إنك بواد مبارك رواه البزار بإسناد جيد قوي .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل منه صرف ولا عدل (نفل ولا فرض) رواه الطبراني في الأوسط والكبير بإسناد جيد .ا هـ من الترغيب والترهيب .
الأحكام التي يخالف فيها الحرم المكي غيره من البلاد والأرض
(1) يستحب ألا يدخله أحد إلا بإحرام ولو كان لا يريد حجا أو عمرة ، وقيل : يجب الإحرام .
(2) يحرم شجره وحشيشه على المحرم وغير المحرم حتى على أهل الحرم .
(3) يحرم صيده على جميع الناس حتى أهل الحرم والمحلين .
(4) يمنع جميع من خالف دين الإسلام من دخوله مقيما أو مارا عند جماهير العلماء .
(5) لا تحل لقطته للتملك ، إنما تحل لمن يطلب صاحبها وينشده .
(6) تغليظ الدية بالقتل فيه ، لأن الذنب فيه أغلظ وأشد من غيره .
(7) تحريم دفن المشرك فيه ، ولو دفن فيه نبش ما لم يتقطع .
(
يحرم إخراج أشجاره وترابه إلى الحل ، ويكره إدخال أحجار الحل وترابه إليه .
(9) هو المكان المختص بذبح الهدي به .
(10) صلاة النافلة لا تكره فيه في أي وقت من الأوقات ويستوي في ذلك مكة وسائر الحرم.
(11) لا دم على المتمتع والقارن إذا كان من أهله .
(12) إذا نذر قصده لزمه الذهاب إليه هو والمسجد النبوي والمسجد الأقصى بخلاف غيره من المساجد فإنه لو نذر الذهاب إلى مسجد معين فإن ذهابه إلى أي مسجد يكفي عنه . بذلك قال الفقهاء إلا أبا حنيفة .
(13) يحرم استقبال الكعبة ببول أو غائط وفي ذلك خلاف عند الفقهاء معروف .
(14) يضاعف الأجر فيه في الصلوات وسائر الطاعات .
(15) تستحب صلاة العيد في المصلى إلا إذا كانوا بالحرم فإن الصلاة في المسجد الحرام أفضل .
(16) لا تقام الحدود ، ولا يستوفى القصاص فيه عند بعض الفقهاء .
(17) يكره حمل السلاح بمكة لغير حاجة ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
(18) حج الكعبة كل سنة فرض كفاية على الأمة الإسلامية ، ولو كان الحاج واحدا..
(هذا) والمسجد الحرام يطلق ويراد به هذا المسجد وهذا هو الغالب ، وقد يراد به الحرم ، وقد يراد به مكة ، والله أعلم .
لذلك وللآثار الواردة في فضل مكة نجد الأحناف والشافعية والحنابلة يقولون : إن مكة أفضل البلاد على الإطلاق..
وقد جاء في حديث أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال : حديث حسن غريب صحيح . أن عبد الله بن عدي بن الحمراء سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول : والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمكة : ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح غريب .
وبهذا القول قال الجمهور وابن وهب وحبيب من أصحاب مالك . والمشهور عن مالك أنه يرى المدينة أفضل من مكة لحديث ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة أخرجه مالك والشيخان .
فضل المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومسجد قباء
أحاول هنا أن أقدم للقارئ الأدلة على ما يذكر في المعنوان بدون زيادة إلا ما يستدعيه المقام..
عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه .
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلاة في مسجدي أفضل من ألف فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في سواه رواه أحمد وابن ماجة بإسنادين صحيحين .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام رواه البخاري واللفظ له ومسلم والترمذي.. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة كتبت له براءة من العذاب ، وبرئ من النفاق رواه أحمد ورواته رواة الصحيح والطبراني في الأوسط وهو عند الترمذي بغير هذا اللفظ
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه فقلت : يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى ؟ فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض ثم قال : هو مسجدكم هذا لمسجد المدينة رواه مسلم والترمذي والنسائي .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، والصلاة في مسجدي بألف صلاة ، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى أخرجه السبعة .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور قباء أو يأتي قباء راكبا وماشيا ، زاد في رواية فيصلي ركعتين رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء كل سبت راكبا وماشيا وكان عبد الله يفعله
وعن عامر بن سعد وعائشة بنت سعد سمعا أباهما رضي الله عنه يقول : لأن أصلي في مسجد قباء أحب إلي من أن أصلي في مسجد بيت المقدس.. رواه الحاكم وقال : صحيح على شرطهما .
وعن أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : صلاة في مسجد قباء كعمرة رواه الترمذي وقال : حسن غريب ورواه ابن ماجة والبيهقي وقال الحافظ فيه : ولا نعرف لأسيد حديثا صحيحا غير هذا
ومن تلك الأدلة ندرك أن قصد زيارة هذه المساجد أمر مشروع ومطلوب على سبيل الاستحباب إلا المسجد الحرام فإن زيارته تابعة للحج في حكمه ؛ حيث لا سبيل إلى الحج إلا بالطواف ولا طواف إلا في المسجد وعن طريقه ، وكذلك العمرة ، وخير لمن دخل مسجدا من تلك المساجد أن ينوي الاعتكاف فيه مدة لبثه . اهـ .
معالم تاريخية بمكة المكرمة
بئر زمزم
بئر زمزم تقع جنوبي مقام إبراهيم ، وهي بئر قديمة العهد ترجع إلى زمن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، ويروى أن هاجر لما نزلت بولدهما إسماعيل في مكان البيت وظمئ طلبت له الماء ، فلم تجده ، فجاء جبريل عليه السلام وبحث في الأرض بعقبه ، فنبع الماء على وجه الأرض، فكان ذلك نشأة زمزم ، وأدارت هاجر عليه حوضا خيفة أن يفوتها الماء قبل أن تملأ قربتها وظلت المياه تنبعث منها حتى درس موضعها ، ولما كان زمن عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام مكان زمزم فاستبانها وحفرها قبل مولده صلى الله عليه وسلم .
وقد ورد في فضل ماء زمزم أحاديث كثيرة ، وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم وذكر البخاري في صحيحه أنه لما شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم غسل بماء زمزم ، وقال العلامة ابن القيم في كتابه (زاد المعاد) في باب الطب : ماء زمزم سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرا ، وأحبها إلى النفوس وأعلاها ثمنا عند الناس ، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين مما بين يوم وليلة وليس له طعام غيرها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنها طعام طعم وزاد غير مسلم باسناده وشفاء من كل سقم
جبل حراء
يقع في شمال مكة على بعد خمسة كيلو مترات منها وعلى يسار الذاهب إلى عرفات ويرتفع عن الأرض التي يقع عليها بنحو (200) متر يشرف على كل ما حوله من مرتفعات وهضاب وأودية وقد اختاره النبي الكريم ليتعبد فيه قبل أن يبعثه الله نبيا ورسولا ، وفيه نزل جبريل على الرسول الكريم بالآيات الأولى من سورة العلق .
وغار حراء فجوة ضيقة سعتها مرقد ثلاثة متجاورين وأما علوه فقامة رجل وفي نهايته صدع ترى منه الأرض والجبال إلى مكة .
دار الأرقم
صاحبها الأرقم بن عبد مناف بن أسد المخزومي صحابي لم يسبقه إلى الإسلام غير ستة من الصحابة ، وفي داره هذه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام سرا ، وفيها أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. وتقع قرب الصفا..
منى
قرية على مسافة سبعة كيلو مترات من مكة فيها منازل ومبان لا تؤجر إلا في أيام الحج ويقصدها الحجاج عند الفجر من اليوم الثامن من ذي الحجة فيمكثون فيها إلى طلوع شمس اليوم التالي حيث يقصدون عرفة ، وإليها يوفض الحجاج من عرفة بعد غروب شمس اليوم التاسع حيث يمكثون بها يوم العيد الأكبر وأيام التشريق ، ويرمون الجمرات وذلك بعد مبيتهم بالمزدلفة ليلة العاشر ، وذهب البعض إلى أن كبش الفداء الذي افتدى به إبراهيم ولده إسماعيل كان على منى على الجبل الواقع إلى يسار الذاهب إلى عرفات ، وأقيم على هذه البقعة مسجد يعرف باسم (مسجد الكبش) وفيها مسجد البيعة حيث بايع أهل المدينة الرسول عليه السلام ، وفيها مسجد الخيف .
جبل ثور
أحد الجبال الكثيرة التي تحيط بمكة وارتفاعه عما حواليه يزيد عن 500 متر ، يقع جنوبي مكة وعلى مسافة ستة أميال منها ، وقد لجأ إلى الغار المجاور لقمته الرسول الكريم ومعه الصديق أبو بكر مدة ثلاثة أيام وذلك لما أذن الله لنبيه في الهجرة من مكة إلى المدينة . وعبثا حاول الباحثون من فتيان قريش العثور عليه وعلى رفيقه . ولهذا يعد هذا الغار من الأمكنة الخالدة في التاريخ وفيه يقول الله عز وجل .
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم
عرفات
يقع على مسافة 25 ك . م إلى الجنوب الشرقي من مكة ويرتفع عن سطح البحر بـ (750) قدما ويقف عنده الحاج في التاسع من ذي الحجة ليقوم بأهم منسك من مناسك الحج ، وفي الحديث الحج عرفة وفي شماله يقع جبل الرحمة الذي وقف عليه الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب المسلمين يوم حجة الوداع في العام العاشر الهجري مبينا لهم أمور دينهم ، وفي هذا الموقف نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا
مقبرة المعلاة
ويسميها المكيون جنة المعلاة وتقع في الشمال الشرقي من مكة وهي مقبرة المكيين منذ العصر الجاهلي إلى اليوم وتضم قبور بني هاشم من أجداد الرسول وأعمامه وقبور بعض الصحابة والتابعين ففيها قبور جدي الرسول عبد مناف وعبد المطلب وعمه أبي طالب وقبر زوجته خديجة بنت خويلد وقبر عبد الله بن الزبير ، وأمه أسماء بنت أبي بكر وغيرهم كثيرون من أعلام الإسلام من الصحابة والتابعين وكبار العلماء والصالحين..
وقبور المعلاة مسواة بالأرض وتسمى أيضا مقبرة الحجون نسبة إلى جبل الحجون المشرف عليها
إلمامة بتاريخ المسجد النبوي الشريف
يقع المسجد النبوي في الجهة الشرقية من المدينة أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على قطعة أرض طولها (35) خمسة وثلاثون مترا وعرضها ثلاثون مترا فمساحته (1050) ألف وخمسون مترا مربعا .
جعل أساسه الحجارة وبنى الجدار باللبن (الطوب الذي لم يحرق) وجعل عمده جذوع النخل وسقفه بالجريد ، ثم زيدت فيه زيادات .
(1)
ففي سنة سبع من الهجرة بعد خيبر زاد النبي صلى الله عليه وسلم فيه من الشرق والغرب ، والشمال 1540 مترا فصارت مساحته 2500 متر ، وصار المسجد مربعا ، طول كل ضلع خمسون مترا .
(2)
وفي سنة 17 هـ زاد عمر في المسجد من الجنوب نحو خمسة أمتار من الشمال خمسة عشر مترا ومن الغرب عشرة أمتار فصار طوله 70 مترا في عرض 60 ، وصارت المساحة - 4200 - أي فدان بالمصري ، وبناه عمر باللبن والجريد ، وجعل عمده من الخشب .
(3)
وفي سنة 39 هـ حدد عثمان بن عفان رضي الله عنه بناء المسجد وزاد فيه رواقا من الشمال والغرب والجنوب مساحته 496 مترا وبناه بالحجارة المنقوشة والجص وجعل عمده من حجارة منقورة أدخل فيها عمد الحديد وصب فيها الرصاص ، وسقفه بالساج .
(4)
وفي سنة ثمان وثمانين أمر الوليد بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز أمير المدينة أن يجدد المسجد فجدده وأدخل فيه حجر أمهات المؤمنين ، وزاد فيه من الشرق والغرب والشمـال 2369 مترا وبناه بالحجارة والقصة (الجص) وجعل عمده من حجارة حشوها عمد الحديد والرصاص .
(5)
وفي سنة 161 هـ زاد المهدي العباسي في المسجد من الشمال 2450 مترا وفرغ منها سنة 165 هـ .
(6)
وفي سنة 879 هـ أجرى الملك قايتباي عمارة هامة بالمسجد شملت بعض أسقفه وعمده وجدرانه ومآذنه وزاد فيه 120 مترا بالجهة الجنوبية الشرقية .
(7)
وفي ليلة 13 من رمضان 886 هـ أبرقت السماء وأرعدت رعدا شديدا ، وانقضت صاعقة على المئذنة الكبرى قضت على رئيس المؤذنين الذي كان يترنم عليها ، وانتقلت إلى سقف المسجد فالتهمته وهدمت جدره وتداعى أكثر عمده ، فأرسل الأشرف قايتباي الأمير سنقر الجمالي إلى المدينة لعمارة المسجد ومعه الصناع والآلات اللازمة فعمروا المسجد على أتم وجه وزادوا في عرضه من الجهة الشرقية 1672 مترا مربعا . وقد أنفق الملك قايتباي . على هذه العمارة ما يقرب من 60.000 جنيه مصرى .
(
وفي سنة 980 هـ عمره السلطان سليم الثاني وبنى محرابا غربي المنبر النبوي على حد المسجد الأصلي من الجهة القبلية .
(9)
وفي سنة 1265 هـ أمر السلطان عبد المجيد بن مراد العثماني بعبارة المسجد عمارة شاملة تناولته كله خلا المقصورة وبعض جدر محكمة الأساس وغيرت الأعمدة القديمة بأعمدة أجود ووسعت الأروقة الشمالية والشرقية فجعلت رواقين بدل ثلاثة ، وجعلت الغربية ثلاثة أروقة بدل أربعة ، وزاد المعمرون رواقين في الجهة القبلية مما يلي صحن المسجد ، وزيدت أشياء أخرى وتم التعمير سنة 1277 في اثنتي عشرة سنة وقد بلغت النفقات 750.000 جنيه مجيدي وبهذه الزيادة صارت مساحة المسجد أربعة أفدنة 12.600 متر مربع .
(10)
وفي يوم الجمعة 11 رمضان سنة 1370 هـ 15 يونيو سنة 1950 م أصدر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أمرا بعمارة المسجد النبوي عمارة شاملة وتوسعته توسعة كاملة ، وبدئ في التنفيذ في 10 يوليو سنة 1951 فهدمت الدور المحيطة بالمسجد بعد انتزاع ملكيتها بثمن قدره 115.000 جنيها ذهبيا ، ووضع حجر الأساس في ربيع الأول سنة 1372 هـ نوفمبرسنة 1952 واحتفل بتمام العمل فيه في مساء 6 من ربيع الأول سنة 1375 هـ 22 من أكتوبر سنة 1955 م وقد بلغت النفقات (50) خمسين مليونا من الريال السعودي وتساوي خمسة ملايين من الجنيه المصري ، وبهذه العمارة والزيادة التي أدخلت في المسجد صارت مساحته 18624 مترا مربعا أي ما يساوي أربعة أفدنة وعشرة قراريط وعشرة أسهم .
وصارت البواكي الشمالية خمسا وكل من الشرقية والوسطى والغربية ثلاثا ، وأبواب المسجد عشرة وهي : (1)
باب السلام في الجنوب الغربي .
(2)
باب الصديق في شماله .
(3)
باب الرحمة في ثلث الجدار الغربي .
(4)
باب سعود في شماله .
(5)
باب عمر بن الخطاب بالشمال الغربي .
(6)
باب عبد المجيد شرقية .
(7)
باب عثمان بن عفان في الشمال الشرقي .
(
باب عبد العزيز في الشرق .
(9)
باب النساء في ثلث الجدار الشرقي .
وفي المسجد خمسة محاريب هي :
(1) محراب الرسول بالروضة إلى يسار المنبر ، وهو محدث في أيام عمر بن عبد العزيز .
(2) محراب عثمان في حائط المسجد القبلي .
(3) المحراب السليمي (نسبة لسليم الثاني).
(4) محراب التهجد وهو خلف منزل علي شمال حجرة السيدة فاطمة خارج المقصورة.
(5) المحراب المجيدي شمال دكة الأغوات .
والله ولي التوفيق
زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها القاضي عياض : إنها سنة مؤكدة مجمع عليها ، وفضيلة مرغب فيها ، وقال بعض المالكية والظاهرية : إنها واجبة ، ولا دليل لهم على ذلك ولذلك قال بعض الحنابلة : إنها غير مشروعة ، وبذلك قال ابن تيمية ، وأنكر إنكارا شديدا على ما يقع فيه جهلة العوام وبعض الخواص من التمسـح بالحديد ، المسور للقبر الشريف ودعائهم النبي صلى الله عليه وسلم واستغاثتهم به وتقبيل الحوائط من حول القبر ، وتزاحم النساء وسط الرجال في صورة مزرية محرمة بإجماع العلماء .
وإنه لمحق في ذلك الإنكار الذي هو واجب العلماء بالدين ، وواجب الحكومة السعودية حتى لا تقع المنكرات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شع منه نور هداية العالمين ، وطبق فيه الإسلام صافيا خالصا من الأهواء والبدع عدة قرون . والأشد من ذلك أنك لا تكاد تقف في موضع من المسجد النبوي إلا وتجد النساء يزاحمنك من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك . فأين الغيرة ، وأين الرعاية لحقوق الله في مسجد رسوله الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام ؟ وهذه المنكرات لا تقع إلا في أيام الحج ، ويبدو أن الأمر صار فوق الاستطاعة بسبب عدم الحزم .
ولذلك أقول : إن على المسلم الذي يتجه إلى المدينة المنورة أن ينوي زيارة المسجد النبوي ، فإن زيارته والصلاة فيه سنة ، تشد لها الرحال ويسافر من أجلها المسلم بنص الحديث الصحيح : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد وقد سبق ، وبذلك يخرج من خلاف العلماء في حكم تخصيص السفر لزيارة القبر .
فإذا وصل إلى المدينة فإن زيارة قبر الحبيب تصير بالنسبة له سنة ، لأنه لم يسافر لها ، إنما سافر لغيرها فلما وصل إلى المدينة قام بالزيارة ، ويقوم بزيارة البقع الطاهرة كلها بعد وصوله وسأذكر لك كثيرا منها لتتبع آثار الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وتشاهد مواقعه ومواقفه .
آداب الزيارة
إذا ذهب المسلم لزيارة قبر الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام فعليه أن يدخل المسحد برجله اليمنى ويخرج باليسرى كالسنة في كل مسجد ، ويقول ذكر الدخول للمسجد ثم يذهب إلى القبر الشريف متذكرا فضل النبي صلى الله عليه وسلم على العالم أجمع ، وكيف جعله الله رحمة للناس كافة ، ويستشعر حبه والعمل بسنته ، ولزوم طريقته ، والتضحية في سبيل ما جاء به ، ليكون بذلك مجددا عهدا ، وباعثا أملا ، ويكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ، ويكون على أحسن مظهر من نظيف الثياب ، وجميل الطيب وليستحضر من الدعاء ما يفتح الله به عليه ، والدعاء بالوارد أفضل ، ثم يصلي أية صلاة حضرت وإلا صلى تحية المسجد ، ويتحرى إن استطاع أن تكون الصلاة عند المنبر بحيث يكون عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن إن أمكنه ، فهذا موقف النبي صلى الله عليه وسلم - على ما قيل - قبل أن يوسع المسجد ، وقد جاء في الحديث الصحيح : ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي أخرجه مالك والشيخان والترمذي وصححه .
ثم يأتي القبر الشريف بدون ازدحام أو إيذاء أو التصاق بالنساء ، فيستقبل جدار القبر ويستدبر القبلة ويقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وله أن يزيد مثل قوله : السلام عليك يا خير خلق الله ، يا إمام المتقين ، يا سيد المرسلين ، يا شفيع المذنبين إلخ ويصلي ويسلم عليه بالصيغة الإبراهيمية وبغيرها من الصيغ الواردة ، ويتجه إلى الله تعالى أن يقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، وأن يغفر له ذنبه ، ويجدد التوبة إلى الله تعالى ، ويجدد العهد والبيعة على الطاعة لله باتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو لوالديه وللمسلمين ، ويبلغ سلام من أوصاه بذلك ، ثم يتأخر إلى يمينه قدر ذراع فيقول : السلام عليك يا خليفة رسول الله ، السلام عليك يا صاحب رسول الله في الغار ، وأمينه على الأسرار جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء ، ثم يتأخر عن يمينه قدر ذراع ويقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر ، السلام عليك يا ناصر الإسلام والمسلمين ، إلخ . جزاك الله عن أمة محمد خير الجزاء ، وقد ورد أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر دخل المسجد ثم أتى القبر فقال : السلام عليك يا رسول الله . السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه أخرجه البيهقي .
وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والبيهقي بسند صحيح ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع السلام والصلاة عليه ويرد على من يسلم عليه حيث قال صلى الله عليه وسلم : ما من أحد يسلم على إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ويحاول الزائر أن يكثر من الصلاة والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الروضة الشريفة وعند المنبر وفيها كان مسجدا في حياته صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه هو الذي ينال الفضيلة الخاصة بهذا المسجد ، وينوي الاعتكاف عند دخول المسجد كما يفعل عند دخول المسجد الحرام ، ولا يمر على القبر الشريف إلا ويسلم على النبي عليه الصلاة والسلام ، ولا بأس لمن قدم من سفر أو عزم على السفر أن يأتي القبر الشريف فيسلم عليه صلى الله عليه رسلم وعلى صاحبيه ، ويكثر من الزيارة ما دام بالمدينة لأنها إكثار من فعل الخير ، وإذا أراد الصلاة يجعل الحجرة الشريفة أمامه ولا وراء ظهره ، وينبغي أن يتحرى الأماكن لفاضلة من المسجد بالصلاة فيها والدعاء وخصوصا الأساطين الثانية وهي:
(1) أسطوانة المصحف
وهي علم على مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كان أمامها الجذع الذي كان يخطب إليه النبي صلى الله عليه وسلم . قال يزيد بن أبي عبيد : كان سلمة بن الأكوع يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف ، قلت يا أبا مسلم : أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة . قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها أخرجه الشيخان والبيهقي .
(2) أسطوانة المهاجرين
سميت بذلك لأن المهاجرين كانوا يجتمعون عندها ، وهي في الصف الذي خلف القائم في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي الثالثة من المنبر ومن القبر ، صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وابن الزبير ، وورد أن الدعاء عندها مستجاب ، وتسمى : أسطوانة عائشة .
(3) أسطوانة التوبة
وتسمى : أسطوانة أبي لبابة ، لأنه ارتبط إلى جذع كان في محلها لما وقع منه في شأن بني قريظة ، ولم يحل حتى تاب الله عليه ، وهي الرابعة من المنبر ، والثانية من القبر ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليها النوافل ، وينصرف بعد صلاة الصبح ، ويعتكف وراءها مما يلي القبلة مستندا إليها ، كما جاء ذلك عن ابن عمر في حديث أخرجه البيهقي بسند صحيح رجاله ثقات .
(4) أسطوانة السرير
وهى الأسطوانة اللاصقة بالشباك داخل المقصورة ، تلي أسطوانة التوبة من جهة الشرق سميت بذلك لأنه كان يوضع سرير النبي صلى الله عليه وسلم عندها ، وهذه الأساطين الثلاثة في صف واحد لا فاصل بينهن سوى نصف أسطوانة ، وهذه الأساطين من زمن الأشرف قايتباي أحدثت عند بناء القبة على الحجرة الشريفة .
(5) أسطوانة المحرس
وهي شمال أسطوانة التوبة ، وتسمى : أسطوانة علي ، لأنه كان يجلس شرقيها يحرس النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان هو وأمراء المدينة يصلون إليها .
(6) أسطوانة الوفود
وهي شمال أسطوانة المحرس ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل الوفود عندها إذا جاءته .
(7) أسطوانة مربعة القبر الشريف
وهى محاذية للحجرة الشريفة من الجهة الغربية عند انحراف جانبها إلى الشمال ، بينها وبين أسطوانة الوفود الأسطونة اللاصقة بالشباك داخل المقصورة ، وكان النبي صلى الله عليه وبسلم يأتي إليها ويقول : الصلاة يا أهل البيت . إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
(
أسطوانة التهجد
وهي مربعة شمال بيت علي رضي الله عنه ، وفيها محراب على يسار المتوجه إلى باب جبريل كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يخرج إليها حصيرا كل ليلة فيطرح له وراء بيت علي ثم يصلي صلاة الليل ، فلما رأى المصلين بصلاته قد كثروا أمر بالحصير فطوي ، وصار يصلي في الحجرة خشية أن تجب صلاة الليل على الأمة .
زيارة البقيع
يستحب لمن بالمدينة أن يزور البقيع كل يوم إن شاء وخصوصا يوم الجمعة فإن عائشة أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول ، السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وآتاكم ما توعدون ، غدا موجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد أخرجه مسلم والبيهقي وهو قريب من المسجد .