بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان الفتاح العليم الذي يفتح على عباده بما شاء ويحرم من عباده من شاء ..
جلت ببصري متأملة في كتاب الله العظيم ، أقرأ ألفاظه وأتأمل معانيه وأنا مؤمنة بأن من علمه الله علم القرآن فإنه قد هدي إلي خير العلم ، وأسدِّه وأصوبه . فهو الجامع لكل فضيه الحاث على كل خير .
أقرأ السورة وتنهمر مع كل كلمة لا بل مع كل حرف أسئلة تذهلني ولا أجد لها جوابا ، تمر الآية والآية والأسئلة تتزايد .
أتعجب ممن آتاه الله في الآية فهمًا عميقًا فيقرأ الآية ويسيل قلمه في استخراج هدايات الآية واستظهار خفيِّ معانيها ، عندما أقرأ الآية أجزم بأن وراء ألفاظها معانٍ وعلوم ، وأحكام وتربية ، وتزكية وإرشاد ولكنني لا أفهم منها إلا المعنى المباشر ، أريد أن أغوص في الآية بكل جوارحي لأستخرج مكنون دررها لكن .. لا أصل لذلك !
أقرأ الآية فأتعجب لماذا عبر بهذا اللفظ ولم يعبر بذلك اللفظ ؟ أجزم أن وراء ذلك التعبير سراً ، ماهو ؟ الله أعلم .
أقرأ الآية فتشدني خاتمتها ، لماذا بالذات ختمت بهذا الاسم دون غيره أتمنى أن أقف على حقيقة السر في ذلك فأقول : يارب علمني .
لماذا جيء بهذه القصة قبل تلك القصة مع أنها في ترتيبها الزمني متأخرة عنها ، لماذا هذا الترتيب ؟ فأقول : يارب علمني .
لماذا استخدم حرف العطف هذا مع أن غيره هو المتبادر إلى الذهن أجزم أن وراء ذلك حكمة ماهي ؟ يارب علمني ..
لماذا تقدمت هذه السورة على هذه السورة ؟ لماذا ، ولماذا ولماذا؟
أسئلة وأسئلة تتوالى ، لو وقفت عند كل سؤال وبحثت عن كل أمر لما استطعت أن أنتهي من قراءة آية في الساعة بل – بلا مبالغة – في اليوم .
سبحان الله الذي تكلم بهذا القرآن العظيم ، الذي يدلنا كلامه على عظمته ، يدلنا كلامه على حكمته ، يدلنا كلامه على علمه ، يدلنا كلامه على علوه ..
كيف نصل إلى حقائق القرآن ، كيف نستخرج منه العبر والمواعظ ، كيف يفتح لي في فهمه ؟
هل فهم القرآن أمر شاق صعب ؟ يتبادر إلى ذهني أنني حتى أصل إلى فهم القرآن ينبغي علي أن أقرأ مئات الكتب بل ربما آلاف الكتب ، أحتاج إلى القراءة في اللغة وأبوابها ، والفقه ودقائقه ، والتفسير وغوامضه ، والحديث وأحكامه ، والبلاغة والأدب والتاريخ والسيرة وغير ذلك .
أيمكن ذلك ؟ أظن أن الأعمار تتقاصر عن تحقيق كل هذا !
فأتساءل : هل فهم القرآن يحتاج إلى كل هذا ؟ هل كل من فهم القرآن أتى بكل ذلك ؟
هل سيأتي اليوم الذي سأصل فيه لهذا الهدف السامي والغاية العظيمة ؟ أم أن دونه خرط القتاد ؟
كنت أظن بأنه من العسير بل من المتعذر - على أمثالي- الوصول لذلك ، لكنني هديتُ بعدُ إلى أن لهذا العلم جانبين : جانب كسبيّ وجانب وهبيّ، فمن أتى بالكسبيّ بقدر طاقته ، واستفرغ غاية وسعه فحتمًا ستنهال عليه العطايا الإلهية ، والهبات الربانية ، والفتوحات السماوية بما لا يخطر له على بال .
أليس كل سالك- مبتغي بسلوكه وجه الله - لا بد له أن يصل ، وكل طالب لا بد له أن يحصل ؟ فكيف بمن غايته وطلبه ومرامه الاستهداء بالقرآن ؟ أظنه أولى بالإعانة .
قال السعدي – - : فالنظر في سياق الآيات مع العلم بأحوال الرسول - - وسيرته مع أصحابه وأعدائه وقت نزوله ، من أعظم ما يعين العبد على معرفته وفهم المراد منه ، خصوصًا إذا انضم إلى ذلك معرفة علوم العربية على اختلاف أنواعها .
فمن وفق للك لم يبق غليه إلا الإقبال على تدبره وتفهمه ، وكثرة التفكر في ألفاظه ومعانيه ولوازمها ، وما تتضمنه وما تدل عليه منطوقا ومفهوما ، فإذا بذل وسعه في ذلك – وهذا موطن الشاهد- فالرب أكرم من عبده فلا بد أن يفتح عليه من علومه أمورا لا تدخل تحت كسبه .
فاجتهد – ياطالبًا فهم القرآن – وابذل غاية ما تستطيع ، وكن على ثقة بأن المنان إذا أعطى أجزل فاستمنحه الفهم فحتما سيعطيك
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي