لا يمكننا مقاربة الكفايات، باعتبارها معطى جديدا يؤسس لمقاربة مغايرة في تناول مناهج التدريس و خطط الدرس، دون تحديد سياقه ضمن التطورات التربوية في المفاهيم و غيرها، ذلك أن هذا المدخل يجد أصوله في التحولات التي طرأت على مستوى البحث التربوي الذي انتقل من منطق الأداء السلوكي المجزأ إلى منطق أشمل و أعم، و هو ما يدل في الوقت ذاته على أن هذا التطور يحتوي ما سبق و يجاوزه في آن واحد.
و لذلك فإن للمفهوم دلالة عانة مؤداها أن الكفاية جملة قدرات تتيح للمتعلم أن يؤدي مهاما و أنشطة معينة في وضعيات مختلفة.
و بالرغم من أن مفهوم الكفاية أصبح اليوم أكثر رواجا و تداولا في الخطاب التربوي الرسمي و غيره بنظامنا التربوي، فإن ثمة صعوبة في تحديد مدلوله، و في تمييزه عن مفاهيم أخرى يلتبس بها.
إن مفهوم الكفاية قد بدأ يستخدم لوصف بنيات من الأفعال و الأنشطة التي تتيح للفرد أداء مهام معينة، و ارتبط بالتطورات الحاصلة في مجال تنظيم المهن، و تطوير الخبرات المهنية، كما جسد التحول من أساليب التدبير الإداري إلى مفهوم "تدبير الموارد البشرية".
و تصف الباحثة (ساندرا، ميشيل) الكفاية في مدلولها العام بكونها "كل ما يتيح حل المشكلات المهنية في سياق خاص عن طريق تحريك مختلف القدرات بكيفية مندمجة" [i] . و معنى ذلك أن الكفاية تتطلب استخدام القدرات التي يتوفر عليها الفرد لمواجهة المشكلات التي تعترضه أثناء ممارسة مهمة.
و ترى الباحثة أن الكفاية ذات خصائص أربع، و هي:
vارتباطها بالفعل؛ حيث إنها لا تتجسد إلا من خلاله، أو عن طريق الأداءات التي يقوم بها الفرد.
vارتباطها بالسياق الذي تمارس فيه، و الذي يصطلح عليه بـ (الوضعيات المهنية)
vاشتمالها على كافة مناحي الشخص من معارف، و مهارات، و مهارات، و اتجاهات.
vاعتمادها على محتويات مندمجة؛ حيث تتوقف عل معرفة بعينها.
و يؤكد (دي مونتوملان) أن الكفاية بنيات ذات سمتين: بنيات مندمجة باعتبارها وصفا لنية ثابتة تتكون من معارف، و مهارات، و تصرفات منمطة، و إجراءات مقننة، و أساليب للبرهنة تتيح مهام معينة [ii] و بنيات ذهنية تمكن شخصا معينا من أداء مهام، و هي بذلك ليست معارف نطبقها كما نتصور في التعلم المدرسي، بل هي أكثر من ذلك، تناج خبرات تكتسب عن طريق الممارسة.
إن التأكيد على الطابع البنائي للكفاية هو تأكيد، في الآن نفسه، على خاصية التجريد؛ فالكفاية معطى ذهني مجرد لا نلمسه إلا من خلال الممارسة، دون أن يكون مرادفا مباشرا لهذه الممارسة. يقول د. مادي، لحسن: إن الكفاية "مجرد مفهوم مجرد؛ فهي عبارة عن فرضية حول شيء يمكن أن يوجد. إنها لا تظهر إلا في الأنشطة التي يقوم بها الفرد، و المرتبطة بسياق معين، فهي إذن تظهر في مجال الفعل، أي في مجال الممارسة و العمل" [iii]
و إذا كانت الكفاية بنيات ذهنية فهي مرتبكة كذلك بالممارية. ترى الباحثة (فيفان دولانشهير)، في هذا الصدد ، أن الكفاية ذات صلة بالممارسة و الفعل؛ لكونها تتجلى من خلال الأنشطة التي يؤديها الفرد، لكن هذه العلاقة لا تعني أن النشاط تطبيق للكفاية، أو معادل لها، و إنما هو مؤشر عليها دون أن يكون مماثلا لها، كما أن أداءه تتدخل فيه القدرات المعرفية و المهارية و الوجدانية. [iv] و قد حلل (إدغار موران) خصائص العلاقة بين الكفاية و الممارسة من خلال ثلاثة أبعاد، و هي على التوالي: [v]
* وظيفة الكفاية في البحث عن حلول للمشكلات التي نصادفها أثناء أداء مهامنا التربوية و أنشطتها.
v البعد الاستراتيجي للكفاية، و يقصد به سعي الكفاية إلى بلوغ أهداف عن طريق التنسيق بين مجموعة من القرارات و الإجراءات.
v تجسيد الكفاية للقدرة على إبداع الكفاية للقدرة تنسيقات جديدة عندما نؤدي المهام المهنية.
و حدد (سامو راسامي رينان)، بدوره، علاقة الكفاية بالممارسة فاستخلص ثلاثة أبعاد تميزها:
v الكفاية قدرات على الممارسة تسعى إلى تحقيق مقاصد و مهام معينة؛ فهي إذن قصدية.
v الكفاية ذات بعد إجرائي؛ إذ تتجسم من خلال الممارسة و النشاط الذي يقوم به الفرد.
v تكتسب الكفاية عن طريق التكوين سواء أكان تكوينا في فضاء المدرسة، أم في فضاء مؤسسة التكوين.
استناد إلى هذه المعطيات يمكن استخلاص تعريف إجرائي للكفايات باعتبارها بنيات مندمجة تكتسب عن طريق تفاعل الفرد النشيط مع وضعيات مهنية، و توظف فيها،
وهكذا فإن الكفاية تتطلب استخدام قدرات و أداءات لمواجهة المشكلات التي تعترض المتعلم أثناء تعلمه. و هنا يمكن أن نحدد للكفايات أربع خصائص، و هي:
v لا تتجسد الكفاية إلا من خلال الفعل الممارس الذي يقوم به المتعلم؛ أي الأداءات و الإنجازات.
v يرتبط هذا الفعل بسياق معين يصطلح على تسميته بـ"الوضعية"؛ و لذلك فإن اختبار مدى حصول الكفاية يستلزم أن نجعل المتعلم يمارس التعلم، و هو ما يسمى في أدبيات الكفايات بـ"الموضعة" (و تضع المتعلم في وضعية الممارسة).
v إن الكفاية أشمل من الأداء التي تجسدها السلوكية، و أشمل من القدرة كالفهم، و التحليل، و التركيب، و هي، بالتالي، جامعة لكافة مناحي شخصية المتعلم.
v إن الكفاية، بهذا المفهوم، عبارة عن معطى مندمج و غير مجزأ؛ مما ينسجم و مبدأ الشمولية و الإحاطة.
إن التأكيد على طابع الكفاية المندمج، و على شموليتها معطى أساسي في إكساب المتعلمين الكفاية المستهدفة؛ مما يعني أنها عبارة عن بنيات مندمجة في ذهن النتعلم تمكنه من أداء المهام المدرسية التي تناط به، كما أنها ليست معارف نطبقها أو مهارات نستخدمها، بل هي ناج ذلك كله.
ولكي ندرك هذه الخاصية لنحاول أن نتمعن في الأبعاد التي تجسدها الكفاية؛ بحيث نستطيع القول إن هذا المتعلم أو ذاك، قد اكتسب الكفاية المرومة:
v إيجاد الحلول للمشكلات التي يصادفها المتعلم أثناء أداء المهام التربوية؛ بحيث أنه قادر على حل المشكلات، فهو عندئذ، متمكن من الكفاية المستهدفة.
v المزج بين أداءات و قدرات مختلفة؛ حيث تجد المتعلم قادرا على نقل المعرفة من سياق إلى سياق آخر.
v إنتاج علاقات جديدة بين الأشياء، فالمتعلم الذي يمتلك الكفايات هو ذاك الذي بجد الروابط الجديدة بين ما تعلمه في مادة و بين ما تعلمه في أخرى، أو داخل المادة نفسها.
و تتصف الطرائق و الأساليب التي تمكن من بناء الكفايات بكونها تتيح موضعة المتعلم في سياق يمكنه من حل المشكلات و استثمار المعرفة، و يندرج هذا التعلم ضمن أساليب و طرائق التدريس التفاعلية؛ أي التي تتيح للمتعلمين التقدم في التحصيل المدرسي؛ و الانفتاح؛ في الوقت نفسه؛ على معطيات المحيط؛ و ذلك من خلال تعلم نشيط قائم على مواجهة مشكلات و البحث عن حلول لها. إنه أسلوب لتدبير تعلمات المتعلمين على أساس جعلهم يواجهون وضعيات مشكلة تنطوي، بالنسبة إليهم، على تحديات و عوائق؛ مما يدفعهم إلى الانخراط في البحث في حلول مناسبة لتلك المشكلات. و تتم معالجة المشكلات المطروحة من خلال خطوات منهجية منظمة، و اعتمادا على النشاط الذاتي، لذلك يتطلب هذا، من خلال خبراته، للبحث فيه عن حلول مفترضة.
وتبعا لذلك يتجه التعليم إلى تحقيق جملة من الأهداف من بينها:
v تمكين التلاميذ من اكتساب تفكير منطقي و منظم و مندمج.
v تعويدهم على التفكير المنهجي لمعالجة المواقف، و إيجاد حلول للمشكلات التي تصادفهم في حياتهم العامة.
v إكسابهم الأدوات المنهجية و القدرات المعرفية التي تمكنهم من معالجة التعلمات بأنفسهم.
عبداللطيف الفاربي أستاذ علوم التربية و الديداكتيك
المرجع : جريدة الصباح العدد 1147 ليوم: 16/12/2003
مـراجــع :
[i] Michel, sandra. Le débat autour de la notion de compétence .1-3 : revue Point-Recherche. Paris. N_74. fev 1994,pp
[ii] Montemollin, M. Entreprise et organisation. Cit in lang peter. L’intelligence de la tâche, Revue : Science par la communucation. Paris : N_ :65.1983.p66
[iii] مادي لحسن، النظام التعليمي بالمغرب و تكوين المدرسين: التكوين النفسي- التربوي و الكفاءة المهنية.أطروحة لنيل دكتوراة الدولة في علوم التربية، تخصص علم النفس التربوي. كلية علوم التربية.الرباط 1996
[iv] De landsheere, Viviane. Faire échouer, faire réussir, la compétence minimal et son évaluation. Ed P.U.F. paris 1989
[v] Morin,Edgar. Introduction à la pensée complexe. Ed P. U.F.. Paris, 1990. p 46
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي