تقديم :
في إطار دعم عمليات تكوين الفاعلين التربويين , و تنمية كفاياتهم في مجال المستجدات التربوية عامة , و المقاربات البيداغوجية خاصة , لتفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي يولي أهمية بالغة لتأهيل العنصر البشري , باعتباره عاملا أساسيا في إرساء صيرورة إصلاح المنظومة التربوية. و انسجاما مع هذا التوجه , اقتضت الضرورة التربوية المبادرة إلى تكوين مستمر يكون منطلقه و أساسه المقاربة بالكفايات . بصفتها مدخلاً استراتيجياً في مراجعة البرامج و المناهج و إعداد الكتب المدرسية. و اختيار هذا المجال , يستجيب لحاجة الفترة الراهنة من الإصلاح . حيث الأولوية للتكوين القائم على الكفايات المستعرضة , باعتبارها قاسما مشتركا يمكن استثماره في جميع المستويات و التخصصات ، و تجدر الإشارة إلى أن محتويات هذه المصوغة لا يمكن اعتمادها مرجعا أساسيا وحيدا و نهائيا و مغلقا ، لكونها معالم و معلومات و تقنيات يتم التعامل معها على سبيل الاستئناس لتوجيه آفاق البحث و مجالات التكوين الذاتي .
1. الإطار المرجعي العام :
تعتبر الفلسفة التربوية الإطار المرجعي الذي يعتمد عليه أي نظام في توجيه و تنظيم نظامه التربوي . فعلى أساسها يتم التخطيط للتعليم و التعلم , و على أساسها يتم اختيار المقاربات و الطرائق التربوية ... و مسايرة للتطورات و التغييرات التي يفرضها النظام العالمي , فإن المجتمع يحتاج إلى تربية تكون أكثر تلاؤما مع طموحاته . و لايمكن تحقيق هذا إلا بفصل فلسفة ضامنة لتحقيق هذه الغاية ، لأنه بدون فلسفة تربوية موجهة سيتم السقوط في العشوائية و الاعتباطية .
و لكي يكون النظام التربوي المغربي في مستوى مواجهة تحديات العصر , و تحقيق تنمية اجتماعية و اقتصادية تضمن للفرد الاندماج في المجتمع , و قدرته على التفاعل في النسيج الدولي , فإن لزاماً عليه تبني فلسفة تربوية تضمن التنمية المستدامة للفرد و المجتمع , ما دامت التربية هي الموجهة و الحاسمة في كل نمو و كل تطور .
و يعتبر الميثاق الوطني للتربية و التكوين هو الجسد لهذه الفلسفة التربوية , فعلى أساسه تم إنجاز الكثير من الإصلاحات ، و في ضوئه تم تبني الكثير من المستجدات التي من بينها بيداغوجية الكفايات .
1.1 الميثاق الوطني للتربية و التكوين كإطار مرجعي :
إذا كان الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، الذي يحدد الفلسفة التربوية التي على أساسها تمت مراجعة مناهج التربية و التكوين المغربية ، يؤكد على أنه ينبغي أن " ينطلق إصلاح نظام التربية و التكوين من جعل المتعلم بوجه عام , و الطفل على الأخص في قلب الاهتمام و التفكير و الفعل خلال العملية التربوية التكوينية و ذلك بتوفير الشروط و فتح السبل أمام الطفل المغربي ليصقل ملكاته , و يكون مؤهلاً و قادراً على التعلم مدى الحياة " ( الميثاق الوطني للتربية و التكوين ص 10)
فإنه يؤكد في الوقت نفسه ، على أن تحقيق هذه الغاية رهين بنهوض نظام التربية و التكوين بوظائفه كاملة تجاه الأفراد و المجتمع . ومن بين هذه الوظائف أن يمنح " الأفراد فرصة اكتساب القيم و المعارف و المهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية و فرصة مواصلة التعلم كلما استوفوا الشروط و الكفايات المطلوبة , و فرصة إظهار النبوغ كلما أهلتهم قدراتهم و اجتهاداتهم" ( نفس المصدر ص 10)
فالملاحظ في الميثاق الوطني للتربية و التكوين أنه يربط نجاح الفرد المغربي و توافقه مع محيطه في كل مرحلة من مراحل تربيته و تكوينه ، باكتساب الكفايات الضرورية لهذا النجاح و هذا التفوق . "فالإنتقال من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي الإعدادي يتم بالضرورة بعد استيعاب المعارف الأساسية و الكفايات التي تنمي استقلالية المتعلم "( نفس المصدر ص 32 ) و ولوج التلميذ إلى التعليم الثانوي التأهيلي يتم بعد اكتساب التقنية و المهنية و الرياضية و الفنية الأساسية و المرتبطة بالأنشطة الاجتماعية و الاقتصادية الملائمة للمحيط المحلي و الجهوي للمدرسة "( نفس المصدر ص 35 ). و ما يلاحظ ب النسبة لأسلاك التعليم من حيث التأكيد على" اكتساب الكفايات ..." , يلاحظ أيضا بالنسبة للمجالات الأخرى كالتربية غير النظامية و محو الأمية , و التكوين المستمر و غيرهما .
2.1- دواعي اختيار مقاربة المنهاج بالكفايات .
بناء على ما جاء في الميثاق الوطني للتربية و التكوين المتضمن للفلسفة التربوية ,تم تبني المدخل بالكفايات لمراجعة مناهج التربية و التكوين المغربية عوض المدخل بالأهداف الذي كان سائدا من قبل . ويعتبر هذا التوجه اختياراً بيداغوجياً يرمي إلى الارتقاء بالمتعلم إلى أسمى درجات التربية و التكوين ؛ إذ أن المقاربة بالكفايات تستند إلى نظام متكامل من المعارف و الأداءات و المهارات المنظمة التي تتيح للمتعلم ، ضمن وضعية تعليمية ، القيام بالإنجازات و الأداءات الملائمة التي تتطلبها تلك الوضعية . و طبيعي أن مقاربة من هذا النوع ، تعمل على تركيز الأنشطة على المتعلم , حيث تـتمحور كل الأفعال
التعليمية و التعلمية و ما يرتبط بها من أنشطة كفاعل أساسي .
و من هذا المنطلق , تبنى عناصر العملية التعليمية التعلمية وفق إيجابية المتعلم , حيث تـتحد وظائف و مبادئ التعلم في قواعد منها :
* اعتبار المتعلم محورا فاعلا لأنه تبنى المعرفة ذاتيا (التعلم الذاتي) . لذا , وجب أن تـقوم كل الأنشطة البيداغوجية على مركزية المتعلم باستحضار سمات شخصيته من قدرات عقلية و مميزات سيكولوجية .
* توفير شروط التعلم الذاتي بفتح المجال رحبا لكي يتفاعل المتعلم مع محيطه تفاعلا إيجابيا قوامه المساءلة و البحث و الاستكشاف وفق قواعد التفكير العلمي .
* تمكين المتعلم من كل الشروط و الوسائط التي تـتيح له هذا التفاعل البناء في ممارسة تعلمه الذاتي . و على هذا الأساس تحتل الطرائق الفعالة ( حل المشكلات , المشروع ...) و تـقـنيات التـنشيط و استراتيجيات التعلم الذاتي مكانا مركزيا في هذا التوجه .
* اعتبار المدرس مسهلا لعمليات التعلم الذاتي , و ذلك بما يوفره من شروط سيكوبيداغوجية و سوسيوبيداغوجية تـتيح التعلم.
إن هذه القواعد التي تعتبر مقومات للتدريس الفعال المرتكز على فاعلية المتعلم ، لم تكن حاضرة في نموذج بيداغوجية الأهداف المستند إلى المبادئ التالية :
* هندسة المدرس للأهداف التعليمية التعلمية بالعمل على تخطيطها على شكل سلوكات قابلة للملاحظة و القياس بعيدا عن اهتمامات المتعلم .
* الاهتمام بقياس المرجع التعلمي (طرائق , تقنيات , أدوات ...) وفق ما يراه المدرس مناسبا لتحقيق الأهداف التي تم تخطيطها دون اعتبار لعدة بيداغوجية مفتوحة , تـتيح للمتعلم تـنمية شخصيته بكل مكوناتها ( العقلية و الوجدانية و النفس -حركية ) مثل ما هو معمول به في المقاربات المعتمدة على حل المشكلات و المشاريع التربوية .
* إشراف المدرس القبلي على توظيف و استثمار العدة البيداغوجية بشكل يجعل منه الفاعل الأساسي في عملية التعليم و التعلم
* بناء المدرس لمقايـيس و مؤشرات دالة على حدوث التعلم أو انتفائه (التقويم )
* بناء إجراءات قبلية/ توقعية لدعم نتائج التقويم ( ترسيخ التعلم , تصحيحه , تعديله , إكمال النقص الذي يعتريه ...)
لقد عملت هذه المبادئ على جعل المتعلم عنصرا سلبيا و منفعلا , يقبل كل تعليم مبرمج بناء على خطة و اختيار لم يكن شريكا فيهما , فيخضع لتوقعات المدرس , منفذا لتعليماته مكتسبا في النهاية تعلما محددا و مشروطا يتميز بخاصيتين :
خاصية تجزيئية : لأنه عبارة عن سلوكات جزئية و ضيقة عبر عنها بالأهداف الإجرائية .
خاصية غيرية : لأنه نتيجة لاختيار فاعل خارجي عن ذات المتعلم , و هو المدرس .
و اعتبارا لهذه البرمجة و هذه الاختيارات و غيرها . جاءت الانتقادات الموجهة إلى بيداغوجية الأهداف عنيفة ، حتى من السلوكيين أنفسهم ، كما هو الأمر عند بوفام و إزنر و كانيه. وقد أثار هذا الأخير الاهتمام بفاعلية الشروط الداخلية للمتعلم و اعتبرها أمرا ضروريا لحدوث التعلم .كما عمل من جهة أخرى على تجاوز المفهوم الضيق للسلوك ( الهدف الإجرائي ) إلى مفهوم أوسع هو القدرة ، وذلك لأن المفهوم الإجرائي إنجاز جزئي مرتبط بنشاط محدد و معين . "في حين أن القدرة –حسب مفهوم كانييه – تشمل إنجازات متعددة و مرتبطة فيما بينها بقواسم مشتركة ..."
وعلى هذا الأساس جاء مدخل الكفايات , اختيارا تربويا استراتيجيا ,ليجعل من المدرس فاعلا يعمل على المساهمة في تكوين القدرات و المهارات و لا يبقى منحصرا في مد المتعلم بالمعارف و السلوكات الجزئية .
و من هنا يتضح أن المقاربة بالكفابات :
* تفسح الفضاء المدرسي و تجعله يشجع على التعلم الذاتي.
* تربط التعلم باهتمامات المتعلمين
* تيسر النجاح في توظيف التعلمات لحل المشكلات و ذلك بفضل ما تحققه من كفايات عبر مختلف
المواد و الوحدات التعليمية ..
* تعطي للتعلمات المكتسبة في فضاء المدرسة , دلالات حقيقية .
* ترتبط بمفهوم التصرف (la conduite ) الواسع و الشامل , الذي يرتبط بكل جوانب الشخصية و ليس بمفهوم السلوك (le comportement ) الضيق الذي يقتصر على المؤشرات العضوية .
بعد أن بيننا أهمية المقاربة ببيداغوجية الكفايات ، مقارنة مع المقاربة ببيداغوجية الأهداف ، يبقى أن مفهوم الكفايات يحتاج إلى تحديد دقيق يميزه عن بعض المفاهيم القريبة منه .و يبقى أن المقاربة بالكفايات لها انعكاسات أساسية على مستوى تنظيم الوضعيات التربوية تختلف عما هي بالنسبة لبيداغوجية الأهداف .و هذا ما سيتعرض له المحور المتعلق بالإطار المفاهيمي .
2 الإطار المفاهيمي .
1.2- مفهوم الكفاية le concept de compétence
غالبا ما يتم الخلط بين مفهوم الكفاية و بعض المفاهيم القريبة منها , و بالخصوص المهارة و الأداء و الاستعداد و القدرة . و لإزالة اللبس الحاصل بين هذه المفاهيم و مفهوم الكفاية , سنقوم بمحاولة تحديد هذه المفاهيم قبل تحديد المفهوم المفتاح في هذا العمل ( الكفايات ) علما أنه حسب ما وصلت إليه نتائج الدراسات في علوم التربية , فإن الحدود تبقى غير نهائية
1.1.2- المهارة :
يقصد بالمهارة , التمكن من أداء مهمة محددة بشكل دقيق يتسم بالتناسق و النجاعة و الثبات النسبي .و لذلك يتم الحديث عن التمهير(1991 Doron R. et Parot F) أي إعداد الفرد لأداء مهام تتسم بدقة متناهية . ومن أمثلة المهارات ما يلي :
مهارات التـقليد التي تكتسب بواسطة تقنيات المحاكاة و التكرار , و منها مهارات رسم أشكال هندسية و التعبيرالشفوي و إنجاز تجربة
مهارة الإتـقان و الدقة و أساس بنائها التدريب المتواصل و المحكم
2.1.2- الأداء(performance)
يعتبر الأداء أو الإنجاز ركنا أساسيا لوجود الكفاية .و يقصد به القيام بمهام في شكل أنشطة أو سلوكات آنية و محددة و قابلة للملاحظة و القياس , و على مستوى عال من الدقة و الوضوح (Legendre R1988)
3.1.2- الاستعداد (aptitude)
الاستعداد يعني مجموعة من الصفات الداخلية التي تجعل الفرد قابلا للاستجابة بطريقة معينة وقصدية (نفس المرجع) ، أي أنه مؤهل لأداء معين بناء على مكتسبات سابقة , ومنها القدرة على الإنجاز و المهارة في الأداء. و لذلك يعتبر الاستعداد دافعا للإنجاز لأنه الوجه الخفي له .و تضاف إلى الشروط المعرفية و المهارية شروط أخرى سيكولوجية , فالميل و الرغبة أساسان لحدوث الاستعداد .
4.1.2- القدرة (la capacité)
1.4.1.2- تقريب مفهوم القدرة
القدرة هي الحالة التي يكون الفرد فيها متمكنا من النجاح في إنجاز معين , كالقدرة على التحليل و التركيب و المقارنة و التأليف ... و يعرف ميريو Merieu 1990 القدرة بأنها " نشاط فكري ثابت قابل للنقل في حقول معرفية مختلفة . فلا توجد أي قدرة في شكلها الخام. فهي مصطلح يستعمل غالبا كمرادف للمعرفة –الفعل ( savoir faire ) و هي لا تظهر إلا من خلال تطبيقها على محتوى معين طبعاً .
يستنتج من هذا التعريف أن القدرة لا تظهر إلا من خلال تطبيقها على محتويات متعددة و نذكر :
* تحليل جملة
* تحليل نص أدبي
* تحليل وضعية – مسألة في الرياضيات
* الخ...
2.4.1.2- تصنيف القدرات
يلاحظ أن الدارسين المهتمين بهذا الموضوع يختلفون أحيانا في تصنيفها . و رغم أن هذا الاختلاف لا يؤدي إلى التعارض , إلا أنه يمس الدقة في التحديد. ومن بين صنافات القدرات , سنقدم ثلاثة أنواع : التصنيف حسب جوانب الشخصية و التصنيف حسب ربط القدرات بأنواع الذكاء و التصنيف حسب نوعية " الفعل و المعارف "
أ - التصنيف حسب مجالات الشخصية
لا يشير الذي جاء به ميريو(Merieu )إلا إلى القدرات المعرفية و ذلك راجع في نظر دوكتيل و رويجرس Deketele et Roegiers إلى أن جل القدرات التي تطورها المدرسة هي قدرات معرفية ، و مع ذلك فإن هذا لا يجب أن ينسينا أن هناك ، إلى جانب القدرات المعرفية , القدرات التالية :
القدرات الحس حركية ·
القدرات سوسيو- حركية ·
و لتوضيح هذه الأمثلة الثلاث , يمكن تقديم أمثلة لكل واحدة منها :
القدرات المعرفية : كالقراءة و المقارنة و التلخيص ... ·
القدرات الحس – حركية : كالرسم و التلوين... ·
القدرات السوسيو – عاطفية : كالإنصات و التواصل ... ·
و نشير إلى أن هناك قدرات ترتبط بالجوانب الثلاث ( معرفية ، حس – حرآية ، سوسيو – عاطفية ) في الوقت نفسه , كالقدرة على الكتابة مثلا :
الجانب المعرفي للقدرة على الكتابة : معرفة ما يمكن كتابته
الجانب الحس – حركي للقدرة على الكتابة : كتابة سهلة للمقروء
الجانب السوسيو اجتماعي للقدرة على الكتابة : التعبير عن الرأي و الأخذ بعين الاعتبار مستوى القارئ
ب - ربط القدرات بأنواع الذكاء
يذهب كاردنير(Gardner (1984 إلى ربط مختلف القدرات بمختلف " الذكاءات ". فبالنسبة له هناك قدرات متعلقة ب :
* الذكاء اللغوي ( الشعر...
* الذكاء المنطقي الرباضباتي و العلمي
* الذكاء البصري ، الفضائي ( الهندسة المعمارية فن الصباغة ...)
* الذكاء الموسيقي
* الذكاء الجسمي ( الرياضة و الرقص...)
* الذكاء التواصلي
* الذكاء الذاتي ( المعرفة و تقدير الذات ...)
ج - التصنيف حسب نوعية " الفعل و المعارف"
يقترح دوكتبل(De Ketele (1989 تصنيف القدرات كالتالي :
معارف إعادة الفعل و تذكر القول (SAVOIR- REFAIRE ET SAVOIR- REDIRE) فمعرفة إعادة القول (savoir-redire) هي الأنشطة المرتبطة بالقدرة على تذكر معلومات مع الحفاظ على دلالتها ، و يتم ذلك في وضعيات متشابهة لتلك التي تم فيها التعلم.
و يمكن أن نميز بين :
- معرفة التذكر النصي ( استعمال نفس الكلمات و نفس الجمل )
- معرفة التذكر المنقول ( استعمال الرصيد اللغوي المنقول )
و موازاة مع معرفة إعادة القول , فإن تذكر الفعل يتجلى في إعادة المهارات و الحركات في وضعية مطابقة لتلك التي تم فيها اكتساب هذه الحركات. و كمثال على ذلك : استعمال مسطرة , استعمال بيكار ...
* معرفة الفعل المعرفي (SAVOIR- FAIRE COGNITIF ) هي أنشطة تـتطلب عملا معرفيا لتحويل خطاب معين : مقارنة , جمع , ترتيب , تحليل , توليف ...
و يحدد دو كتيل (De Ketele(1989 معارف- الفعل المعرفي التي ينبغي أن يكتسبها التلميذ عند نهاية التعليم الثانوي , وقبل ولوج الدراسات العليا و الجامعية في القدرات المعرفية الأساسية التالية : القدرات المفاهيمية و القدرات الإبداعية.فالقدرات المفاهيمية تـتطور في تفاعلها مع القدرات المنهجية , و القدرات الإبداعية تتطور إذا تفاعلت مع القدرات المنهجية والمفاهيمية .
* معرفة الفعل الحركي (SAVOIR- FAIRE GESTUEL)
هي الأنشطة التي تطغى عليها الحركة و تتطلب مراقبة حس –حركية (controle kinesthésique) : استعمال المزولة
و بالإضافة إلى معرفة الفعل- المعرفي و معرفة الفعل الحركي , أدخل جيرار Gérard1999 فئة ثالثة من معرفة الفعل و هي التي سماها بمعرفة الفعل السوسيو عاطفي (savoir faire socio- affectif ) و يتعلق الأمر مثلا بالقدرة على الإنصات و القدرة على تبليغ خطاب ...
* معرفة وجدانية (SAVOIR-ETRE )
هي الأنشطة التي يعبر بها عن الطريقة التي يدرك بها شخصيته ( مفهوم الذات و تقدير الذات) و كذا كيفية تصرفه و رد فعله أمام وضعيات أو مواقف في الحياة بصفة عامة. والمعرفة الوجدانية تستقر في المألوف الباطني (habituel intériorisé ) حيث تحيل إلى منظومة من القيم ( ضمنية أو صريحة , معيشة أو غير معيشة) . و يتجلى هذا الاستنباط في مستويات :
- مستوى انتـقاء المنبهات التي تصل إلى الشعور فالمناقشة بين التلاميذ يمكن أن يفسرها المدرس بثرثرة و هدر , كما يمكن أن يفسرها بتفاعلات بين التلاميذ .
- مستوى التمثلات ( منظومة القيم المرجعية, الإدراكات , المعتقدات ...) و من الأمثلة على ذلك : التـثمين و التذوق لمادة الرياضيات أو اللغة العربية أو غيرهما أو كذلك احترام فكرة أو شخص أو بيئة ..
* معرفة الصيرورة (SAVOIR- DEVENIR)
و هي الأنشطة التي تتوقع حالة مستقبلية كتحضير مشروع (التخطيط لكيفية إنجازه و تقويمه و تعديله...)
3.4.1.2- مميزات ( خصائص ) القدرة
و تتميز القدرة بأربع خصائص رئيسية (Roegiers X . mars 1999 . pp24- ( 31 و هي :
أ - خاصية الامتداد (transversalité)
أغلبية القدرات تكون ممتدة ( مستعرضة ), لأنها تكون قابلة بأن تعتمد – بدرجات مختلفة – في مجموع التخصصات. فالقدرة على الرسم تستعمل في الرياضيات أكثر من الاجتماعيات كما تستعمل في الاجتماعيات أكثر من التربية الوطنية...
ب - خاصية التطور (Evolutivité)
تتطور قدرة معينة مدى حياة الفرد . فالطفل الذي لا يتجاوز سنه عدة أشهر يكون قادرا على المشاهدة لكن هذه القدرة تتطور لديه تدريجيا مدى حياته . و هذا التطور يمكن أن يتم في الزمان بكيفيات مختلفة :
- يمكن له أن يتحقق بسرعة
- يمكن أن بتك بكيفية أكثر دقة
- يمكن أن يتحقق بكيفية تلقائية
- يمكن له أن يتم بكيفية صادقة و واثقة .
و يحدث تطور القدرات أساسا لكونها تطبق على سلسلة واسعة من المضامين و ليس فقط على مضمون متخصص .
ج - خاصية التحول (Transformation)
إن الخاصية التي تميز القدرة هي أنها تتطور حسب محور آخر غير محور الزمن . ففي اتصالها مع المحيط و مع المضامين المختلفة و مع قدرات أخرى , فإنها تتفاعل و تتداخل فيما بينها لكي ينتج عن ذلك قدرات جديدة أكثر إجرائية , ولتوضيح هذا التداخل , نقدم الأمثلة التالية :
- القدرة على التفاوض مرتبطة بالقدرة على التواصل التي ترتبط بدورها بالقدرة على الإنصات .
- القدرة على التمييز بين ما هو أساسي و ما هو ثانوي مرتبطة بقدرات أساسية : المقارنة ، التخليل ، الترتيب . و مهما وصلته القدرات من إجرائية , فإنها لن تصبح أبدا كفايات لأنه لا يتم تحديدها بدالة الوضعيات وحدها .
د - خاصية عدم قابلية التقويم (Non évaluabilité)
إن الخاصية الرابعة للقدرة هي عدم قابليتها للتقويم و لأنه من الصعب قياس مستوى التحكم بالنسبة لقدرة معينة في حالتها الخالصة بكيفية موضوعية.
هذا عن مفهوم القدرة , وسيلاحظ أن التعاريف الواردة في شأنها تتعارض أحيانا , إن لم نقل غالبا , وذلك راجع للمدارس التي تنطلق منها . و نحن نحدد الدلالات , فإننا نعتبر القدرة أكثر شمولية و لا تخصصية ، بحيث يتم اكتسابها عبر وضعيات غير مدرسية .
5.1.2- مفهوم الكفاية
رغم اختلاف المفهوم حول الكفاية , فإن الأدبيات التربوية تكاد تثقف على مميزاتها . و قبل التطرق لهذه المميزات , سنحاول تقريب هذا المفهوم من خلال بعض التعاريف الواردة في شأنها .
1.5.1.2- تـقريب مفهوم الكفاية :
يعرف لوبترف (Leboeterf G ) الكفاية بكونها القدرة على التحويل . فالكفاية لا يمكن أن تقتصر على تنفيذ مهمة وحيدة و متكررة بالنسبة للمعتاد. إنها تفترض القدرة على التعلم و التفوق ؛ كما أنها تلائم لحل قسم من المشاكل أو لمواجهة فئة من الوضعيات و ليس فقط مشكل معين ووضعية بعينها ...فالكفاءة هي "...القدرة على تكيـيف التصرف مع الوضعية , و مواجهة الصعوبات غير المنتظرة ؛ و كذلك قدرة الحفاظ على الموارد الذاتية للاستفادة منها أكثر ما يمكن , دون هدر للمجهود . إنها القدرة و الاستعداد التلقائي بخلاف ما يقابل ذلك من تكرار بالنسبة للآخرين " (Leboeterf G 1995 p ( 22
هذا و يأتي تعريف دوكتيل (De Ketele ( 1996 ليحدد أن هذه المشاكل أو الوضعيات ينبغي أن تكون من نفس " الصنف " حيث تسمح بضبط الكفاية في مجموعة منظمة ومرتبة من الأنشطة تطبق على محتويات في فئة من الوضعيات لحل بعض المسائل التي تطرحها هذه الفئة "
ويضيف بيرنو (Perrenoud (1997 إلى هذه التعاريف مفهوم استقرار الكفاية ؛ أي أن الكفاية تتجاوز المحاولات التأملية في تعبئة الموارد لتصبح في متناول الفرد و يتم تفعيلها في الأشكال التي كونتها : schémas constitués
و يأتي تعريف دوكتيل و رويجيرز(DeKetele et Roegiers(2000 كترتيب لمزايا هذه التعاريف كلها , بحيث يؤكد على أن " الكفاية هي إمكانية تعبئة – بكيفية باطنية – لمجموعة مندمجة من الموارد بهدف حل صنف من وضعيات/مسائل .
و قبل الانتقال إلى مميزات الكفاية ، هناك بعض المصطلحات و العبارات التي وردت في التعريف أعلاه و التي تحتاج إلى توضيح :
* إمكانية : تعني أن الكفاية توجد عند الشخص كطاقة مت اكتسابها عبر وضعيات معينة , و بإمكانه إبرازها عند الحاجة و لاتعني فقط ممارستها و تطبيقها في وضعية محددة , و إلا فستصبح أداء أو إنجازا perfomence حسب شومسكي (Chomsky)
* عبارة " بكيفية باطنية " :يقصد بها استقرار الكفاية و هذا لايعني أن الكفاية لاتتطور و خصوصا مع الممارسة .
* عبارة " حل صنف من وضعيات/مسائل ": تعني أن الكفاية محدودة و مضبوطة . ليس فقط من جانب المواد التي ينبغي تعبئتها , و لكن من جانب فئة الوضعيات . و بعبارة أخرى فالكفاية هي الاستطاعة على مواجهة أي وضعية تنتمي إلى صنف معين من الوضعيات له ثوابت معينة و قواسم مشتركة . و إذا خرجنا عن ذلك الصنف من الوضعيات فإننا سندخل في كفاية أخرى.
2.5.1.2- مميزات الكفاية
ولكي يكون التعريف أكثر وضوحا , فإن كزافيي روجيرس يستنتج بأنه "حين تفحص الأدبيات المرتبطة بالكفايات ، يلاحظ بأن تحديدها يتم وفق خمس مميزات أساسية " (Roegiers X . mars 1999 . pp24- ( 31 :
1- خاصية الحشد لمجموعة من الموارد المندمجة( mobilisation d'un ensemble de ressourses)
و من بين هذه الموارد التي تستدعيها الكفاية : معارف و معارف نابعة من التجربة الشخصية و آليات و قدرات و مهارات... هذه الموارد تشكل مجموعة مندمجة يصعب –في غالب الأحيان –تحديدها .
2- خاصية الغائية (caractère de finalité ) :
إن ما يحشده التلميذ من موارد متنوعة يكون قصد القيام بنشاط أو حل مشكل مطروح في ممارسته المدرسية أو في حياته اليومية , و في كل الحالات , فإن الكفاية تكون غائية و قصدية و تستجيب "لوظيفة اجتماعية بالمعنى الواسع للكلمة .
3- خاصية الصلة بين فصيلة من الوضعيات ( lien entre une famille de situations ) :
لتنمية كفاية معينة , يتم حصر الوضعيات التي يمارس فيها التلميذ الكفاية. فبالتأكيد أن التلميذ يكون خاضعا لوضعيات مختلفة ، وهذه الوضعيات ضرورية رغم تنوعها و اختلافها محصور في فصيلة محددة و خاصة.و إنه لمن المهم حصر الوضعيات في فصيلة محددة وفق بعض الثوابت . عكس القدرة التي يمكن تطويرها عبر محتويات و وضعيات مختلفة و متنوعة .
4- خاصية هيمنة التخصص/المادة (caractère souvent disciplinaire ) :
تتعلق هذه الخاصية الرابعة بكون الكفاية ترتبط أكثر بالتخصص [ أو المادة]. وميزتها هذه ناتجة عن كونها غالبا ما تحدد عبر فئة من الوضعيات المتناسبة مع مشكلات خاصة بالتخصص و منبثقة عن مقتضياته . إلا أن هذا لا ينفي أن بعض الكفايات تنتمي إلى تخصصات مختلفة تكون أحيانا قريبة من بعضها و تكون بذلك قابلة للنقل (transférable). و الحال أنه لا يمكن تعميم و تأكيد أن الكفاية تكتسي دائما طابعا تخصصيا. فبعض الكفايات تتميز بكونها متداخلة التخصصات(حل مسألة فيزيائية)كما أن هناك العديد من الكفايات اللا تخصصية . وكمثال على ذلك : قيادة اجتماع مع زملاء العمل أو قيادة سيارة في المدينة .
و يعتبر المتعلم ممتلكا للكفاية (في مجال ما ) حينما يتمكن من التصرف بكيفية متوقعة في سياقات و مواقف تتسم بدرجة عالية من التـقـيد, وذلك لأنه يفهم ما يجب فعله و يتذكر الكيفية و الشروط الملائمة للإنجاز الفعال و الصائب , ما دام قد تدرب بانتظام على امتلاك الكفاية المعينة في سياقات و مواقف كثيرة و متشابهة(Bis Sonnettes et Richard M.(2002
بخلاف القدرة التي يصعب تقويمها , فإن الكفاية تـتميز بقابليتها للتقويم (Evaluabilité) لأنه بالإمكان قياس نوعية تنفيذها و نوعية النتيجة المحصلة.
6.1.2- أنواع الكفايات
تصنف الكفايات –بصفة عامة- إلى نوعين أساسيين : كفايات نوعية و كفايات مستعرضة.
1.6.1.2- الكفايات النوعية
و هي الكفايات المرتبطة بمادة دراسية معينة أو مجال تربوي أو مهني معين . و لذلك فهي أقل شمولية من الكفايات المستعرضة . وقد تكون سبيلا إلى تحقيق الكفايات المستعرضة .و من بين الكفايات النوعية في مادة النشاط العلمي مثلا , نشير إلى :
* تصنيف الأغذية حسب مقاييس معينة
* تنظيم مفهوم الزمان بناء على الإدراك و ليس على الإيقاع البيولوجي
* تصنيف الطيور باعتماد معايير محددة .
أما بالنسبة للغة العربية , فيمكن الإشارة إلى ما يلي :
* اكتساب التلميذ إلى مبادئ الكتابة
* اكتساب النسق العربي الفصيح, و استعماله في بناء نص [التعبير]
* "التدريب على استثمار المقروء بأعمال الفكر "
2.6.1.2 الكفايات المستعرضة
و تسمى كذلك الكفايات الممتدة . ويقصد بها الكفايات العامة التي لا ترتبط بمجال محدد أو مادة دراسية معينة , و إنما يمتد توظيفها إلى مجالات عدة أو مواد مختلفة. و لهذا السبب, فإن هذا النوع من الكفايات يتسم بغنى مكوناته ، إذ تسهم في إحداثه تداخلات متعددة من المواد , آما يتطلب تحصيله زمنا أطول.
فلو فرضنا أننا بصدد الحديث عن امتلاك آليات التفكير العلمي ككفاية , فإن مستوى هذه الكفاية يجعل منها كفاية مستعرضة و ذلك لأنها مرتبطة بأكثر من تخصص إذ أن التفكير العلمي ليس مقتصرا على النشاط العلمي أو الرياضيات أو ..., بل يدخل ضمن كل التخصصات . كما أن التمكن من مركبات هذه الكفاية يتطلب وقتا .و ذلك لتعدد هذه المركبات و تنوعها .
إن هذا النوع من الكفايات يمثل درجة عليا من الضبط و الإتقان . لذلك تسمى كفايات قصوى أو كفايات ختامية, لأنها أقصى ما يمكن أن يحرزه الفرد. و هذا طبيعي لأن هذا النوع من الكفايات تـتدخل في بنائه و تكوينه تخصصات عدة متفاعلة فيما بينها , كما أن امتلاكه يشترط تعلما مسترسلا و واعيا طيلة الحياة الدراسية للمتعلم. فكفاية حل مسألة في الفيزياء تـتدخل فيها كفايات مرتبطة بالرياضيات و اللغة...الخ.
7.1.2- بعض الخلاصات
من خلال ما سبق ، يستنتج ما يلي حول التمايز بين القدرة و الكفاية و الكفاية و الهدف السلوكي:
1.7.1.2- القدرة و الكفاية ...ما الفرق؟
إنه لمن الصعب و من غير الواضح التمييز بين القدرة و الكفاية , فهناك من يعتبر الكفاية أشمل من القدرة , و هناك من يعتبر العكس أي أن القدرة أشمل من الكفاية . و مهما يكن من أمر , و للتمييز بين الاثنين , تبنينا – انطلاقا من عدة تعاريف –آراء الاتجاه الذي يرى أن القدرة أشمل و أوسع من الكفاية ، و بذلك ، و اعتمادا على مقاربتنا للمفهومين . نعتبر الفرق بين القدرة و الكفاية يظهر فيما يلي :
- القدرة هي شاملة و عامة أكثر من الكفاية التي هي أكثر نوعية .
- القدرة تـتطور عبر وضعيات مختلفة و متـنوعة , بخلاف الكفاية التي تـتطور عبر فصيلة محددة من الوضعيات لأنها أكثر تخصصية.
- القدرة غير قابلة للتقويم , بخلاف الكفاية التي يمكن قياسها من حيث جودة الإنتاج و جودة النتيجة.
- إنه إذا كانت الكفاية غالبا ما تـتميز بالتخصصية . فإنها أحيانا ما تكون غير تخصصية ، و في هذه الحالة يمكن الحديث عن كفاية ممتدة و ليس عن كفاية نوعية (transdisciplinaire ) .
هناك من يعتبر أن الكفايات هي أوسع , و أشمل من القدرات , إلا أن الباحثين غير السلوكيين المهتمين بهذا الميدان يرون غير ذلك. فالقدرة بالنسبة لهم هي إمكانية إنجاز شيء معين و محدود فهم غالبا ما يخلطون بين الفعل( أن يكون قادرا على ...) و مفهوم القدرة (concept de capacité ) و لعل من يتبنى هذا التصور هم السلوكيون الذين أحسوا بقصور الأهداف السلوكية .
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي