لا أصدّق أنني بدأت فعليًا قراءة كتاب "قوة الآن"* مترجمًا، للكاتب "ايكهارت تول" الذي بقي جالسًا لمدة عامين على مقعد في المتنزه بعدما وصل لحالة من الاستنارة الروحية، وعلى حدّ قوله، أصبح بلا مأوى ولا عمل ولا عائلة لكنّه حصل على الكنز الذي أصبحت الناس تسأله من أين لك هذا، نريد مثله!
يدور الكتاب حول مفهومين أساسيين؛
الأول: التحذير من "أنت" المزيّف، الذي يريد شلّ سعادتك بطرق قد لا تفهمها أنت نفسك. وغالبًا هو عقلك، والتفكير المشتت، حسبما فهمتُ.
الثاني: الأخذ بيدك للطريق الصحيح للاستنارة الداخلية، عن طريق تحرير نفسك من العبودية التي استحوذت على إدراكك وعقلك!
نوع من التنمية البشرية الـ "مجرّد" إن صحّ التعبير، تعوّدنا أن تكون "أيًا كان اسمها" معنونة دائمًا بـ"حدد هدفك"، "ابن مستقبلك"، "تعرّف على قوة عقلك الباطن".. وهكذا.
لا أنكر أنّ القراءة في هذا المجال أفادتني سابقًا، لكنْ أنْ يصل الأمر لـ: "كلما خلقت ثغرة في عقلك سينمو ويقوى نور وعيك" وَ "أكثرية العلماء ليسوا مبدعين، ليس بسبب عدم معرفتهم كيف يفكرون ولكنْ بسبب عدم معرفتهم وقف التفكير!". فإنني لا أجد ردًا سوى: حسنًا؛ دعني أفكّر بالأمر!
أقول أنّه لا يستطيع القارئ الذي لم يقرأ قبلا عن العقل الباطن، ولا يعرف التفكير المجرّد ولا شيئًا عن الفلسفة أن يفهم ما يتحدث عنه الكاتب، وإما سيجده محض هراء، أو أنّه سيجده معجزًا!
يقول أنّ الألم الجسدي يحبّ البقاء والخلود، وأنّه يتغذى عليك عبر أشكاله المختلفة، غضب، كراهية، حسرة، حزن، دراما عاطفية، عنف، وحتى المرض!
وأنّك إن استسلمت مرة فإنك تريده أكثر، تصبح كالمدمن. رغم أنّك تطالِب – ظاهريًا – التخلّص من الألم، لكنّك لا تفعل – فعليًا – أيّ شيء حيال ذلك !
أما لو كنت واعيًا فإنّ طلب المزيد من الألم سيكون خطًا أحمر لن تسمح لنفسك بالوصول إليه [حسنًا هذا أفضل تعبير استطعتُ الوصول إليه لأنني أفهم ما يتحدث عنه الرجل] لكنّه يقوله بطريقة أخرى، بصراحة، لا تعجبني!
أجمل ما في الكتاب، هو أنّه يقوم بالتركيز على الحاضر، ويشرح كثيرًا لماذا علينا ألا نفكّر في الماضي، ولا ما حدث فيه، ولا القلق كثيرًا بشأن المستقبل، لا من وجهة نظر تقاعسية (كما قد يبدو لأول وهلة)، ولكنْ من وجهة نظر أنّ كل الأحداث التي تأخذ حيّزًا في حياتك تحدث الآن! ما حدث لك في الماضي وقت أن حدث كان "آنيًا" وقتها، إن صح التعبير، وما سيحدث لك في المستقبل سيحدث لك في "آن" المستقبل! لذلك. عِـش اللحظة. ماذا تريد أن تفعل الآن؟ الآن أنت موجود تمامًا. وجودًا كاملا.
العجيب، أن الكثير من الكتاب كتبوا الكثير عن هذا الأمر من وجهات نظر تعقّلية أو لمعالجة الألم أو تناسي الأحداث السيئة وغيرها.
أخيرًا، لم أستطع إكمال الكتاب للنهاية! رغم أنني استمتعت بما قرأتُ، أو بالأحرى، بما أردتُ أن أفهم مما هو مكتوب، فيما عدا أنّ هناك مواضع مررتُ بها تحتاج لمراجعة النسخة الانجليزية لمعرفة ما يتحدث عنه الرجل فعلا، وفيما عدا أنّه أهان الزّمن بشكل مريب وغير علمي- بالنسبة لما وصل له علمي !- على الأقل أينشتاين قال أنّه نسبي، الزّمن بالنسبة لك الآن يختلف عنه عنك وأنت مسافرٌ في الفضاء**؛ يمكن أنْ يساعدك الكتاب لتحاول معالجة طريقة تعاملك مع الماضي، لو أنّ لديك مشكلات كثيرة هناك!
ـ
"The Power Of Now"*
ـ ** يقول أحدهم بعد أن طُلِبَ منه شرح نظرية النسبية في جملة: لو أنّ امرأة شابة جلست على حجرك لمدة ساعة فإنها ستمرّ عليك كدقيقة، بينما لو جلست عجوز شمطاء لمدة دقيقة فإنك ستشعر أنّها دهرًا !! وعندما سمع أينشتاين ذلك الشرح، قال بأنّه أفضل شرح سمعه لنظريته!