يذهب علماء النفس الى ان الابداع والعبقرية ، تكمن في اللاشعور ، في العقل الباطن ، unconscious ففي داخل هذا الشعور ، وعلى غير علم منا تجري اهم عمليات التفكير ، وأعظمها شأنا .. وهكذا نجد ان بعض المفكرين يذهب الى ان العقل لبشري ، أشبه بجبل الثلج العائم ، حيث تختفي تسعة أعشاره تحت السطح الساكن ، وما يظهر للعيان ماهو الا ( عشرُ واحد! ) وهكذا يشيرون الى ان الاجزاء المختفية من العقل ، هي التي تقرر سلوك الانسان .. ووفقاً لهذه المنطلقات نجد ان في أغوار اللاشعور قوىً ( مُبدعة !) تستطيع ان تقود الفرد في سبيل النجاح ، لو احسن استثمارها !
في الوقت الذي يذهب اليه آخرون الى ان الاتكاء على العقل الباطن ، لايقلل من اهمية الفرد العظمى ، وما يقدمه من عزم واصرار في تحقيق الاهداف التي يرجوها ..ففي رواية ( الشيخ والبحر) للكاتب المبدع ( أرنست همنجواي ) والتي نال عنها جائزة نوبل ، وقد افلح الكاتب تماماً في عرض هذه الارادة العارمة لدى الانسان واستغلاله الامثل للإحتياطي المضموم في طاقته وقدراته .. حيث صوّر لنا صياداً يصطاد السمك في عرض البحر ،ففي كل يوم يذهب الى مجاهل البحر لكي يحصل على قوته اليومي ، الا انه يعود لنا خاوي الوفاض ، لكنه لم يتوانَ ولم يتخاذل ، بل ظل محتفظاً بتلك الارادة العزوم ! لم تحبطه المحاولات الفاشلة المتكررة ، الى ان تقيّضَ له اصطياد سمكة كبيرة جدا ، حيث تجره بعيدا الى مجاهل البحر ، وهو يمسك بالحبل الذي يشده اليها .. حتى تعبَ ونامَ ( ليحلمَ بالاسود ! ) وهكذا نجده يصور لنا ارادة الانسان العظيمة التي لا تقهر ، ولا تعرف الكلل او الملل ..!
ومن هنا يأتي الاستثمار الجيد لقابليات الانسان ، في محلها المناسب ، لتعمل على تطويرها ، بدلاً من السكون والمراوحة في ذات المكان ، حيث يقول المثل الغربي ( كلبُ جوّال خيرُ من أسد رابض !) فمن ذا الذي سيعمل على كسر المألوف الساكن عندنا ..؟ ومن ذا الذي سيعمل على طرق الابواب غير المتعارف عليها ، حيث يقولون في الامثال ( واصل تصل !) صحيح ان الوقت صار ضيقاً تماماً ، وأن الأمن مضطربُ هو الآخر ، وان قوافل الشهداء ، والناس من المدنيين يتساقطون ، فداءً لهذا الوطن الغالي ، واحدا إثر الآخر، او انهم في حالات ، يُصابون بالمرض والاعاقة .. وصحيح ان صبر الناس قد نفدَ تماماً ، وان قدرتهم على التحمل باتت صفراً .. ولكنهم مع ذلك يتابعون ، اؤلئك الذين يسعون جاهدين لتطوير قدراتهم ، ولتقديم افضل مالديهم ، وعندما يقدم الانسان افضل مالديه ، فان النجاح حليفُ كل مثابر .. خصوصا لدى اؤلئك الذين يحاولون ( كسر الجمود ) واذا كان النجاح المطلوب ، هو الحصول على المكانة التي يستحقها في هذا العالم ، فالجهد المبذول هو الذي يجعل المبدع مستحقاً لهذا التقدير ، ذلك ان علماء الاجتماع يرون ان المبدع ، كالمخترع ، لأنه لايبدأ من فراغ ، وإنما هو يربط ويؤلف بين الاشياء ، خصوصاً مع أصحاب الخبرات القديمة ، او لدى اؤلئك الذين سبقوه اليها .. لذا فأنّ عملية ( كسر المالوف !) انما هو جهد مبذول ، وعمل دائب ، ومعها إرادة عزوم ..! ومن هنا يذهب ( توماس أديسون) الى ان العبقرية : هي واحد بالمائة ، وهي تأتي عن طريق( الإلهام ) وباقي التسعة والتسعين بالمائة ، إنماهي ذلك الجهد المبذول ، ومعه ذلك العرق الذي يسح على الجبين ، في المحاولات المتواصلة ، وفي اعادة تكرارها الى ان نصل الى النتيجة المرجوّة .. ! وان من ينجح في أداء عمل ، بصورة مميّزة ، هو ليس مجرد انسان ناجح ، وإنما هو انسان متفوق ! فالعمل والابداع هما ( ملح الحياة) فالنفوس الكبيرة ، هي تلك القادرة على العمل المتواصل بالإندفاع والتفوق ، واذا إنطلق المتقدم عن مكانه ، وسار في دربه وصل في نهاية الامر .. فالنجاحُ حليفُ كلّ مثابر ! واذا ما اصطدم نهر الحياة ، بصخور عاتية ، فماذا عليه ان يصنع ؟ انّ عليه ان يدرك أنه يتعين عليه ان يعمل على تغيير مجراه .. عن طريق التفاتُ الانسان نحو قواه الداخلية في محاولة للاستفادة منها ، بعد ان يتغلب على قواه في الذات الداخلية ( المقاومة له ) التي تجعله يتردد ويرسم المصاعب والمعوقات والاحباطات ، للعمل على ثنيه في السير ومواصلة الاندفاع نحو الهدف .. فالطموح هو الذي يدفع نحو هذا التحدّي ، لتأمين مكانته ، وسط ادغال كبيرة ، وفي غابة متنوعة ، تعجّ بالاخطار .. فإذا ماوصل الى الهدف ، فان هذه الارض التي اجتازها ، والصخور التي اعترضت طريقه واستطاع ان يرتقيها ، عندها تصبح هذه المواصلة ، جزءاً منه ، ومن تاريخه الحياتي ..! وكلما تقدم الانسان الناجح من موقع الى آخر ، كلّما أحسّ بالزهو ، ذلك ان الزهو والثقة بالذات ، هي التي تدفع أكثر نحو الانطلاق ونحو اجتياز الصعاب ، ومعها ذلك التعب والعرق الجميل ، وعندها فقط يصبح هو والمتحدّي ، كلا موحداً ..فهناك طاقات لاتنضب لدى الانسان الطموح ، لتحقيق هذا الهدف ، والتخطيط لإنجازه ، فهي الخارطة التي نهتدي بها للوصول الى تحقيق غاياتنا المنشودة ، مهما كان ثمنها غاليا، من الجهد والعرق والدموع ..!
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي