إن استمرار تفجر الأوضاع في فلسطين السليبة ، وهذه المواجهات غير المتكافئة بين شباب عزل في الجانب الفلسطيني ، وجنود مدججين بالأسلحة في الجانب اليهودي ، واستخدام اليهود الصواريخ والطائرات والدبابات والمصفحات إلى جانب الرشاشات ليثير في أنفسنا تساؤلات عديدة حول تصنيف الشخصية اليهودية ، هل هي شخصية عصرية متجددة ، تتأثر بالعوامل المستجدة ، أم هي شخصية متجذرة في عمق التاريخ الغابر ، لا تسمح لها عناصرها الأساس بالتغيير .
إن من يدرس هذه الشخصية في العصر الحاضر ، ويحاول تعرف سماتها وخصائصها ، سيجدها ماثلة في كتاب الله وفي سنة رسوله ، بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ؛ ذلك لتعلم أمتنا بأن اليهود هم اليهود لا يتغيرون عبر القرون ، وأن النفسية اليهودية نفسية تاريخية لا تتشكل بالحاضر بقدر ما تحتفظ بسمات أجدادها ، وأنها لا تعيش عداوات اليوم بقدر ما تعيش أحقاد الأمس ، وأن إخراجهم من خيبر ، وقتلهم بني قريظة ، واغتيال أشرافهم في المدينة ، يحرك قلوبهم المريضة حتى اليوم ، متناسين من جانبهم كل العداوات التي نصبوها للإسلام ورسوله وأهله .
فلو تساءلنا لماذا انتقل اليهود من المواجهة اليدوية وإن كانت مدججة بالرشاشات إلى الاختباء وراء الحديد أيا كان شكله ، يجبنا الله تعالى في قوله : { لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر } . إنه الجبن الذي ينطوي عليه قلب اليهودي ، ولذلك فلا غرابة أن نرى الطفل الصغير أو الشاب الأعزل يحيط به خمسة من الجنود يعززهم خمسة آخرون وهم خائفون منه .
ولو تساءلنا فلماذا كل هذا القتل والضرب والاعتقال والتعذيب وهدم المنازل وتشريد أهلها يجبنا الله تعالى بقوله : { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود } .
إنه تقرير من رب العالمين ، لا يمكن أن يتغير أو يتبدل ، فلقد واجه اليهود الإسلام بالعداء منذ اللحظة الأولى التي قامت فيها دولة الإسلام في المدينة ، وتضمن القرآن الكريم من التقريرات والإشارات عن هذا العداء وهذا الكيد ما يكفي وحده لتصوير تلك الحرب المريرة التي شنها اليهود على الإسلام وعلى رسول الإسلام محمد ، وعلى الأمة المسلمة في تاريخها الطويل ، والتي لم تخب لحظة واحدة طوال هذه القرون ، وما تزال حتى اللحظة يستعر أوراها ليس في فلسطين وحدها وإنما في كل أرجاء الأرض .
فإذا كانت الساحة العسكرية التي يخوض فيها اليهود علنا معركتهم مع المسلمين في فلسطين ، فإن هناك أكثر من ساحة غيرها ، ولعل أبرزها الساحة الإعلامية ـ وهم ـ بالطبع ـ يمتلكون أهم وسائله العالمية ، ولذلك فإنهم يستغلون كل فرصة لشن حرب شرسة ضد كل من هو مسلم ، أو حتى عربي ، فيصورونه بأبشع الصور وأقذرها ، ويهاجمون كتاب الله وسنة رسوله علنا ، ويوجهون إلى المسلمين برامج الرعب المروعة ، والبرامج الحيوانية التي تزرع الشهوة المعربدة في قلوب الشباب ، ليضعفوا الوازع الديني في نفوسهم ، فيكون الشاب المسلم مسخا ، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا . وما الهجمة المجرمة على بلادنا ـ حرسها الله ـ التي تشنها الأجهزة الصهيونية ومن تابعها وعززها في بعض وسائل الإعلام الأمريكية والأوربية إلا صورة قبيحة من آخر تلك الصور .. ولا أظنها الأخيرة . وما أظنها ركزت على هذه البلاد إلا لأنها تمثل الإسلام ، برفعها علم التوحيد ، وإعلانها الدائم أنها تتمسك بالإسلام ، وتطبقه في نظام حكمها .
وقل مثل ذلك في الساحة الاقتصادية التي ملكوا رؤوس أموالها في عدد من الدول الكبرى ، فوجهوها لتخدم أغراضهم الدنيئة ، ومصالحهم الأنانية. وفي غيرهما من الساحات ما هو أشد وأنكى .
إن النفسية اليهودية نفسية خبيثة الطوية ، لا تنظر إلا إلى نفسها ، فلتحترق جميع الشعوب ليسلم يهودي واحد ، وليذهب حتى الأصدقاء إلى الجحيم إذا كان في ذلك مصلحة الشعب اليهودي ، وعلى هذا يكون تعاملها مع جميع الناس دون استثناء .
وإذا كان الله تعالى نالته ألسنتهم فكيف بالبشر ، { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ، وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين } .
فالشعب المختار كما يزعمون هو شعب مبغوض من الله تعالى بنص كلامه عز وجل ، بل هو ملعون أشد اللعن على لسان رسله : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ، ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون } .
وإذا كانوا كذلك مع الله ورسله فهل نرجو نحن منهم أن يهدأ بيننا وبينهم ثأر ، أو يستقيم عهد واتفاق ، والله تعالى يقول : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ، قل إن هدى الله هو الهدى ، ولئت اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مال من الله من ولي ولا نصير } .
بل هي نداءات متكررة ، وتحذيرات متتابعة لأمة محمد أن تظن أن عند خصمها اللدود نصرة لها، يقول الله تعالى في تحديد مبدأ الولاء والبراء : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين } .
والتاريخ يشهد ، فلقد عقد الرسول معهم معاهدة تعايش منذ أن قدم المدينة ، ودعاهم إلى الإسلام ، ولكنهم لم يفوا بالعهد كعادتهم مع كل أنبيائهم من قبل حتى قال الله فيهم : { أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون } .
فراحوا يؤلبون كل قوى الجزيرة العربية المشركة ، ويجمعون القبائل المتفرقة لحرب المسلمين ،{ ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا }
ولما غلبهم الإسلام بقوة الحق ، استداروا يكيدون له بدس المفتريات في مبادئه ، وإثارة الفتن في صفوفه ، وتأليب الخصوم عليه ، حتى انتهى بهم المطاف أن
يكونوا في العصر الحديث هم الذين يقودون المعركة ضد الإسلام ، مستخدمين كل القوى الأخرى في حربهم الشاملة ضد كل جذر من جذور ديننا .
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي