محمد الغباشي
أثبتت لنا أمة يهود على مدى صراعهم الطويل مع أهل الحق والإيمان مدى دمويتهم، وتعطشهم لسفك الدماء المؤمنة الطاهرة؛ فمنذ بدء إرسال الرسل إلى بني إسرائيل الأوائل؛ لدعوتهم إلى الحق، وعبادتهم للإله الواحد، وهم لا يعرفون إلا لغة القتل والدماء؛ فلا يكتفون بمجرد تكذيب الرسل والأنبياء والإعراض عن شريعتهم فحسب، وإنما يعملون فيه السيف وآلة القتل بكل وحشية وإجرام.
فلم تعرف الأمم السابقة انتهاكًا للنفس الإنسانية كما عرفته يهود ماضيًا وحاضرًا، بل إن وحشيتهم فاقت كل التصورات التي قد يدركها العقل، أو تتقبلها النفس، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْيَوْمِ تَقْتُلُ ثَلاثَمِائَةِ نَبِيٍّ، ثُمَّ يَقُومُ سُوقٌ لَهُمْ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ".
فلَكُمْ أن تتخيلوا أمة بهذا الجحود والوحشية وقسوة القلب وتحجُّر الفؤاد تفعل مثل هذه المجازر بأنبياء الله تعالى ورسله، هل يستبعد منها أن تقتل من هم دون الأنبياء والمرسلين؟!
فاليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا، سواء من أنبياءِ ورسلِ الله قديمًا، أم المسلمين المؤمنين حاضرًا ومستقبلاً، فهم يمتلئون حقدًا وغيظًا على المؤمنين، ويودون لو يتمكنون من رقابهم فيجزونها جزًّا، غير مبالين بمواثيق ولا معاهدات ولا اتفاقات، بل إن اتفاقاتهم ومعاهداتهم ما هي إلا إبر تخدير، وأدوية تنويم، يستخدمها الأعداء وأذنابهم ومنافقوهم في الداخل لاستغفال المؤمنين وصرفهم عن حقيقة الصراع.
ومن المذهل والمدهش في آن واحد أنه ما من اتفاق أو معاهدة تبرمها دولة اليهود مع المسلمين إلا ويكون لهم في وقت التوقيع عليها مذبحة جديد أو انتهاك مروع لحقوق الإنسان الفلسطيني، وكأنهم يصرخون في كل مرة لإقناع المسلمين بأنهم ليسوا أهلاً للتفاوض أو الاتفاق، ويأبى المستسلمون إلا أن يضعوا ثقتهم فيمن لا يوثق به، فيلدغ المؤمن من الجحر نفسه مرات عديدة!!
لعلي أستعرض أهم المجازر الدموية التي ارتكبها يهود في حق المسلمين، والدماء والأشلاء التي خاضت فيها أقدامهم، تحت مرأى ومسمع من العالم أجمع الذي اتخذ الصمت منهجًا، فصار أقصى ما يتمناه المسلم مما يسمى المجتمع الدولي أن يشجب أو يدين الاعتداءات الإسرائيلية، ويا ليته يحصل عليه!!
وقبل أن أخوض في مجازرهم الخسيسة التي ارتكبوها في فلسطين وما حولها؛ أستعرض أهم حوادث قتل الأنبياء والمرسلين التي صارت وصمة عار على دولة بني إسرائيل، يُذكَرُون بها كلما تردد ذكرهم في الآفاق، ويوصمون بكل صفات الخسة والنذالة، فمن ذلك:
قتلهم لنبي الله أشعياء -عليه السلام-، وهو من أنبياء بني إسرائيل، وكان يعظهم وينصحهم ويذكرهم بنعم الله عليهم، وفي يوم كتب الله له فيه الشهادة في سبيله، لما فرغ من وعظهم عدوا عليه ليقتلوه، فهرب منهم، فلحقوه ونشروه نصفين بالمنشار.
قتلهم أرميا ودانيال وحزقيل وعاموص -عليهم السلام- وكانوا أنبياء متعاصرين في زمن واحد، فلما استخلف الله تعالى أرميا -عليه السلام- على بني إسرائيل بعد قتلهم شعيا، وكان ذلك في الفترة التي كان يحكم فيها بختنصر، فكذبه بنو إسرائيل وحبسوه، ولم يسلم من يدهم حتى قاموا بقتله دون تردد.
أما دانيال -عليه السلام- فكان من الأنبياء المعاصرين لأرميا، وكان معه بعض الأنبياء الآخرين، وكانوا هم وأرميا ضمن السبي الذي قام به بختنصر بعمله ضد بني إسرائيل، واستطاع بعض اليهود الفرار من بختنصر وأخذوا معهم أرميا ودانيال، فقتلوا أرميا كما سبق توضيحه، أما دانيال فإنهم هبطوا به أرض مصر وقتلوه هناك.
وأما حزقيل -عليه السلام- فقام قوم من بني إسرائيل إلى أرض بابل، فوثبوا عليه وقتلوه وقبروه هناك.
ومن ذلك قتلهم لنبيين كريمين من أنبيائهم، وهما زكريا وولده يحيى -عليهما السلام-، وهي حادثة مروعة تقشعر لها الأبدان لما فيها من جرأة على الله تعالى، ووحشية في التعامل مع البشر فضلاً عن كونهما مرسليْن من عند الله تعالى.
وذكر المؤرخون في قتلهما أسبابًا من أشهرها أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له تزوجّها، فنهاه يحيى -عليه السلام- عن ذلك، فبقي في نفسها منه شيء، فلمّا كان بينها وبين الملك ما يحب منها استوهبت منه دم يحيى، فوهبه لها، فبعثت إليه من قتله وجاء برأسه ودمه في طست إلى عندها، فيقال: "إنها هلكت من فورها وساعتها".
وقيل: "بل أحبته امرأة ذلك الملك وراسلته، فأبى عليها، فلما يئست منه تحيلت في أن استوهبته من الملك فتمنع عليها الملك، ثم أجابها إلى ذلك، فبعث من قتله وأحضر إليها رأسه ودمه في طست".
ولم يكتفِ اليهود بقتل يحي بن زكريا، بل قاموا بقتل أبيه هو الآخر؛ فقد كان يصلي في المحراب عندما قتل اليهود ابنه يحيى، ولما لأراد اليهود البطش به هو الآخر فرّ منهم ولكنهم أخذوا يلاحقونه، وأثناء فراره انفتحت له شجرة فدخل فيها ولكن الشيطان دلهم على الشجرة فنشروا الشجرة وهو بداخلها كما فعلوا مع نبي الله أشعياء -عليه السلام-.
ومن ذلك: محاولتهم قتل المسيح عليه السلام؛ قال كعب الأحبار: "لما ظهرت ملة عيسى -عليه السلام- وانتشرت في الآفاق رغب أكثر الناس الدخول في ملته، فانحطت ملة اليهود وضعفت في أيام عيسى، وأقبل الناس على عيسى، وأنزل الله عليه الإنجيل، وكان يحيي الموتى بإذن الله، فلما رأى الملك هردوس المعجزات الباهرة عزم على قتل المسيح عليه السلام بموافقة جماعة من أحبار اليهود، فهجموا على عيسى وهو عند أمه مريم، فدخل عليه واحد منهم البيت، فلما استبطأ القوم صاحبهم دخلوا عليه، فشبه لهم أنه عيسى -عليه السلام-، فكشفوا رأسه وألبسوه تاجًا من شعر، وأركبوه على جريدة خضراء، وطافوا به في المدينة، ثم نصبوا له خشبتين مثل صاري المركب، وأوثقوا الحبال في يديه ورجليه، وسارت اليهود حوله، ثم قدموه إلى هاتين الخشبتين وصلبوه عليهما، وصلبوا معه اثنين من اللصوص، وهو مصداق قول الله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء: 157]، وقوله: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) [النساء: 157-158]"
هؤلاء هم اليهود قوم أرذال، سفاحون، سفاكو دماء، لا يألون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، لا يفهمون إلا لغة الدماء والقتل، فإذا جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون، هذا هو التعبير القرآني عنهم، واستخدم القرآن صيغة المضارع في الفعل (تَقْتُلُونَ)، ليدلل على أن هذا من شأنهم وعادتهم التي لم تنفك عنهم في يوم من الأيام.
لم تتوقف تآمرات يهود التي شهدتها الأزمان المتعددة، والأماكن المختلفة، فمحاولاتهم القتل وسفك الدماء تعدت كل ذلك لتصل إلى خير البشر نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو بين ظهراني قومه وصحابته الأجلاء بالمدينة، رغم تمام علم يهود بأنه نبي من عند الله تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 146]، تلك المحاولات استمرت حتى نالت بالفعل منه بأبي هو وأمه، حتى إنه مات متأثرًا بإحدى تآمرات يهود.
فبعد فتح خيبر أبقى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض اليهود فيها على أن يتولوا رعاية بساتينها على نصف الغلة، إلا أن امرأة أحد زعماء اليهود أهدت للنبي -صلى الله عليه وسلم- شاة مشوية، دسَّت فيها السم، فلاك منها شيئًا فاستكرهها، وقال: "إن هذه الشاة لتخبرني أنها مسمومة"، واستدعى المرأة فاعترفت.
ولقد مات من تلك الأكلة أحد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بشر بن البراء، وظل النبي -صلى الله عليه وسلم- متأثرًا بما لاكه منها، بل إنه قال في مرضه الذي توفي فيه لأخت بشر: "إن هذا الأوان وجدتُ فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك". وكان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يعدونه شهيدًا بسبب تلك الشاة.
أنتقل لكسر حاجز الزمان والمكان، وننطلق من الأزمان الغابرة إلى الأيام المعاصرة؛ لألقي نظرة منها على أهم المجازر الوحشية التي قام بها الكيان الصهيوني إزاء المسلمين في فلسطين ومصر ولبنان وسوريا، وما جاور ذلك من بلاد المسلمين، والتي مات فيها مئات الآلاف من البشر بطرق تتقزز من هولها الأنفس السوية.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي