قبل اكتشاف قارة استراليا كان كل الناس في العالم القديم يظنون أن طيور البجع جميعها بيضاء اللون. كان هذا الاعتقاد راسخا وغير قابل للمناقشة كحقيقة علمية، ثم جاء اكتشاف قارة استراليا ليفجر دهشة علماء الحيوان ويهدم معتقداتهم السابقة.
يشير هذا الموقف إلى الحدود التي تفرضها خبراتنا وملاحظاتنا على ما نعرفه من معلومات وهشاشة معرفتنا عن العالم من حولنا، فمعلومة جديدة قد تهدم كل معتقداتنا السابقة التي كنا نثق فيها ونعتبرها من المسلمات التي لا جدال فيها.
يطلق مؤلف الكتاب مصطلح البجعة السوداء على أي حدث بعيد الاحتمال يتمتع بثلاث خصائص أساسية: أن يكون غير متوقع، وأن يكون له تأثير هائل، وبعد أن يحدث يميل الناس إلى اختلاق تفسيرات تجعله يبدو أقل عشوائية وأكثر توقعا مما كان عليه بالفعل.
كان النجاح الهائل لموقع جوجل على الإنترنت بمثابة بجعة سوداء، وكذلك كانت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). لمؤلف الكتاب وجهة نظر مفادها أن البجع الأسود يكمن وراء كل شيء في عالمنا تقريبا، من الأحداث التاريخية الكبرى إلى الأحداث التي تقع في حياتنا الخاصة.
نجد الكثير من الناس لا يعترفون بمثل هذه الظواهر إلا بعد وقوعها، ويرجع هذا إلى أن البشر بطبيعتهم معتادون على التركيز على التفاصيل الصغيرة، متجاهلين الصورة الكاملة للموقف، ويركزون على ما يعرفونه بالفعل، ويفشلون المرة تلو الأخرى في النظر إلى ما لا يعرفون، ومن ثم يفشلون في تقييم الفرص تقييما صحيحا ويكونون معرضين للاستسلام إلى التبسيط وتصنيف ما يعرض لهم في الحياة في فئات محددة ضيقة الأفق، وبالتالي يكونون أقل قابلية لمكافأة الآخرين ممن يتمكنون من تخيل المستحيل.
يميل الناس إلى خداع أنفسهم بظنهم أنهم يعرفون أكثر مما يعرفون بالفعل، ويحددون نطاق تفكيرهم بما هو غير أساسي، بينما يتغير العالم من حولهم وترد عليه العديد من الأحداث التي تبدله وتعيد تشكيله.
يحاول الكتاب أن يشرح للناس كل ما يعرفه عن الأشياء التي لا يفهمونها، كما يقدم حيلا بسيطة ومدهشة في الوقت ذاته للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة والاستفادة منها.
يرى مؤلف الكتاب أن الأحداث المشابهة للبجع الأسود بدأت تتزايد منذ نهاية العصر الجليدي قبل آلاف السنين، واستمر معدل ظهورها في التزايد المستمر أثناء الثورة الصناعية، حيث بدأ العالم يزداد تعقيدا، في حين تضاءلت أهمية الأحداث العادية التي ندرسها ونناقشها ونحاول توقعها من قراءتنا للجرائد.
يدعونا الكاتب إلى التأمل في الأحداث التي تفاقمت لتشعل الحرب العالمية الأولى، وفي صعود هتلر، والحرب العالمية الثانية التي نتجت عنه، وفي الانهيار المفاجئ لكتلة الاتحاد السوفياتي السابق، وتزايد ظاهرة الإرهاب العالمي، وانتشار الإنترنت انتشار النار في الهشيم.
لم يكن أي من هذه الأحداث متوقعا على الإطلاق قبيل حدوثها، ولكن بعد وقوع الحدث دائما ما تظهر آلاف التحليلات والتعليقات التي تبرر حدوثه، وتظهره كما لو كان متوقعا، وكأن الناس لم تصدقه إلا بعد حدوثه بالفعل.
_
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي