مصطفى صايج
هل الجزائر بعيدة عن الأزمة الاقتصادية العالمية؟ وهل تملك القدرات للتكيف مع ما هو آت؟ ولماذا لا نفكر في سيناريو 1986 وما بعده؟ التقديرات الرسمية تعطي بعض التفاؤل لمستقبل الجزائر على المدى القصير في حدود الثلاث إلى الخمس سنوات القادمة، انطلاقا من مجموعة المبررات التي تستند على المؤشرات الاقتصادية الكلية، تتعلق بتراجع الديون الخارجية إلى أقل من 5 ملايير دولار، احتياطي الصرف الذي يصل إلى 140 مليار دولار.
القيمة الهائلة المخزنة في صندوق ضبط الموارد التي تصل إلى 4 آلاف مليار دينار جزائري وبفائض بنكي وصل مع نهاية سنة 2008 إلى ألفين (2.000) مليار د.ج، مع حساب متوسط أسعار النفط في حدود 50 دولار للبرميل الواحد في الخمسة سنوات القادمة، إضافة إلى التطمينات التي تقدم على مستوى الخطاب الرسمي تأتي تقديرات المؤسسات المالية الدولية وبعض الدوائر الحكومية الغربية لتزيد من ثقة الجزائر في قدرتها على مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية على المدى القصير، وهو أكده البنك العالمي في تقريره الذي وضعه في نهاية مارس الجاري بعنوان ''استشراف الاقتصاد العالمي في آفاق 2009'' متوقعا نسبة نمو إيجابية في الجزائر في سنة 9002 في حدود 2.2+ بالمائة و5.3+ بالمائة في سنة 2010 ، وذلك بالرغم من تراجع النشاط الاقتصادي العالمي إلى 7.1- بالمائة، وإلى جانب البنك العالمي كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد نشرت في نهاية 2008 على موقعها الإلكتروني مستقبل الاستقرار الاقتصادي لدول العالم من خلال مؤشر الميزان التجاري باعتباره مرجعا لتحديد القدرة الإنتاجية للدولة، وهو ما يعطيها بعض العناصر الاقتصادية للتكيف الإيجابي مع الأزمة الاقتصادية العالمية، وبما أن الجزائر حققت فائضا في ميزانها التجاري في سنة 2008وصل إلى 08,32 مليار دولار فإنها صنفت في الرتبة 14 عالميا بعد كل من الصين وألمانيا واليابان ومجموعة الدول الأخرى، كما صنفت من قبل السي. أي. أي في الرتبة الرابعة عربيا.
وهذه التطمينات الدولية على الصحة المالية للجزائر في المدى القصير في حدود ثلاثة إلى خمسة سنوات تستند أساسا على مداخيل المحروقات التي تغطي 98 بالمائة من مجموع صادرات الجزائر، وهو ما يجعل الاقتصاد الجزائري في انكشاف على التغييرات العالمية التي تشهدها التقلبات المالية الشديدة التعقيد قد تصحب معها أزمات أخرى لا يمكن التنبؤ بها حاليا، ومن بين هذه الأزمات الكبرى تكرار سيناريو الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1986، حيث تراجعت أسعار النفط إلى حدودها الدنيا، أدت الصدمة النفطية إلى نتائج سلبية على الاستقرار السياسي والاجتماعي للجزائر انطلقت بأحداث أكتوبر 1988 وأفرخت لنا ديمقراطية فوضوية في إطار التكيف السلبي مع وضع اقتصادي منهار قائم على مداخيل نفطية وهمية، وتم توظيف في هذه الديمقراطية الفوضوية العوامل الموحدة للأمة الجزائرية، الدين والهوية والثورة، وتم استخدامهم كأدوات للتعبئة والتجزئة السياسية للجزائر، حيث وجدت الاستجابة المجتمعية في بيئة اقتصادية واجتماعية غير آمنة بسبب الصدمة النفطية العالمية، حيث تراجعت مداخيل الجزائر ب35 بالمائة ما بين 1985 و1986 أي من 31 مليار دولار إلى 8 ملايير دولار، وهو ما جعل الجزائر تعيش أزمة مديونية خانقة وصلت نسبة خدمة الديون بالنسبة للإيرادات إلى 8,87 بالمائة مقابل 35 بالمائة في سنة 1984.
وعندما نشير إلى أن مداخيل النفط للجزائر في سنة 1986 كانت 8 ملايير دولار تعني بالنسبة إلينينا في الوقت الحالي القيمة المالية التي خصصتها الجزائر في سنة 2008 لفاتورة استيراد المواد الغذائية، وهو ما يجعلنا نتساءل هل يمكن للجزائر أن تتكيف إيجابيا في حالة حدوث السيناريو الكارثي المعروف بسيناريو البجعة السوداء؟ ومفاد هذا السيناريو أن تقرير صدر عن بنك ''ساكسو'' توقع في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية أن يصل متوسط سعر النفط خلال عام 2009 إلى 25 دولار للبرميل وتراجع مؤشر ''ستاندرد أند بورز 500'' بنسبة 50 بالمائة، وانخفاض نمو الناتج المحلي الصيني إلى صفر ومجموعة أخرى من التأثيرات المالية التي تنعكس على الاقتصاد العالمي، وهنا يجب أن نشير مثلا أن ارتفاع أسعار النفط في حدودها القصوى في الصيف الماضي كانت في أحد أسبابها المباشرة الطلب الآسيوي الصيني الهندي المتزايد على النفط، وفي حالة النمو السلبي للاقتصاد الصيني فإن السيناريو الكارثي ستكون تأثيراته قوية على مداخيل النفط الجزائري، وهو ما يجعلنا نفكر كثيرا ونطبق بأسرع ما يمكن إستراتيجية تنويع مداخيل الجزائر، من الفلاحة إلى السياحة إلى الصناعات الصغيرة والمتوسطة، إلى الاقتصاد المعرفي الذي محوره البشر وليس ما تجود به حقول النفط وأن نغير من إدراكنا في التعامل مع الموارد البشرية الحيوية في قطاعات التعليم والصحة والتربية التي تعتبر الرأسمال اللامتناهي، قد يتحقق سيناريو البجعة السوداء وقد لا يتحقق لكن صانعي القرار العقلانيين يتعاملون مع كل السيناريوهات المطروحة ويستحضرون كل البدائل الممكنة للتعامل مع الطوارئ والأزمات الفجائية إذا وقعت قد لا تبقي ولا تذر، لأن سيناريو 1986 سيبقى حقيقة أمام أعيننا قد يعود علينا وهذه المرة لا يصدمنا بصدمة الهوية والدين لأننا جربنا العملية الحزبية وصدماتها الإيديولوجية، وإنما الأخطر من ذلك كيف نعالج ولاءات الأفراد والجماعات التي لم تعد تقبل بالأدوات التقليدية للتعبئة.
إذا تجاوزنا النظرة التشاؤمية التي تصحبنا إليها البجعة السوداء في المستقبل القريب، فإن البعض قد يبقى متفائلا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الذي قد تحققه لنا مداخيل النفط، وقد نكون أكثر تفاؤلا في حالة تصور عودة أسعار النفط إلى سيناريو الصيف الماضي الذي وصلت فيه أسعار النفط إلى 140 دولار للبرميل، ونبقى نترقب تأثيرات الأزمات الجيواستراتيجية التي قد تحدث، مثل الهجوم الإسرائيلي على المواقع الحيوية لإيران مما يؤدي إلى غلق مضيق هرمز، وقد تتصاعد الأزمة في العراق وتمتد أثارها للخليج في حالة حدوث اضطرابات في فلسطين، وقد تتصاعد الأزمة الإثنية في حقول النفط في نيجيريا، كل هذا وارد بمفهوم الدراسات الاستشرافية، لكن الواقع كذلك أن إدارة أوباما تخصص نفقات هائلة للتخلص من نفط الشرق الأوسط في المدى المتوسط بتركيزها على الطاقات البديلة، ومهما كان تشاؤمنا أو تفاؤلنا فإن الاعتماد على طاقة زائلة مهما طال عمرها القصير تجعلنا نتساءل متى نتحرر من مداخيل نفطية تقلبنا كيفما شاءت؟
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي