قلم : د . أحمد عوضه الزهراني - يحيي عبدالحميد إبراهيم 2012-09-30 14 /11 /1433
ﻣﻦ أهم اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻘﺪم اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت وﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪة واﻟﻤﺘﺴﺎرﻋﺔ هو ﻣﻮﺿﻮع إﻋﺪاد اﻟﻤﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﻓﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ كبيرة، وﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ أكثر اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ إﺣﻜﺎﻣًﺎ وﺗﻔﺘﺤًﺎ أن ﺗﺘﻮﻗﻊ ﺣﺠﻤﻬﺎ وﺗﺄﺛﻴﺮها، واﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺘﻲ نواجهها في عالمنا العربي أعمق وأﻋﻘﺪ، ﻓﻨﺤﻦ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻠﺤﺎق بركب اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ، وﻣﻮاكبة اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث، وﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﻟﻰ ذﻟﻚ إﻻ ﺑﺒﻨﺎء الإنسان اﻟﻮاﻋﻲ واﻟﻤﻠﺘﺰم ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ أﻣﺘﻪ وﺷﺠﻮﻧﻬﺎ وأﺣﻼﻣﻬﺎ، الإﻧﺴﺎن اﻟﻤﺒﺪع اﻟﻤﺘﺠﺪد اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ اﻻﺑﺘﻜﺎر واﻟﺘﻄﻮﻳﺮ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﺘﻠﻚ اﻻﻟﺘﺰاﻣﺎت.
ﺗﻘﻊ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ إﻋﺪاد هذا اﻹﻧﺴﺎن وإﻳﺼﺎﻟﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺬي ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ اﻟﻤﻌﻠﻢ، ﻟﺬا ﻓﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻌﻘﻮل أن ﻳﻈﻞﻣﻌﻠﻤﻨﺎ العربي ﻳﻤﺎرس ﻣﻬﻨﺘﻪ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ كان ﻳﻤﺎرﺳﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ، وإن أي ﺟﻬﺪﻳﺴﺘﻬﺪف اﻹﺻﻼح واﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﺘﺮﺑﻮي ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﺗﺼﻮرات واﺿﺤﺔ ﻟﺪور اﻟﻤﻌﻠﻢ وﻣﺴﺆوﻟﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻲ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﺘﻐﻴﺮ اﻟﻤﺘﺴﺎرع ﻓﻲ ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت والاتصالات وﻋﻮﻟﻤﺔ اﻟﻨﺸﺎط اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ. فلكل عصر سمات تميّزه، وقسمات تحدد ملامحه. ومن الحقائق المقررة التي لا ينقصها الدليل، ولا تحتاج إلى برهان؛ أن الانفجار المعرفي وثورة «المعرفة» هي أبرز ما يميّز هذا العصر، حتى تحوّل الاقتصاد من اقتصاد مبني على الآلة والموارد الطبيعية التقليدية، إلى اقتصاد مبني على المعرفة، ونتيجةً لذلك سُمى هذا العصر بعصر «اقتصاد المعرفة» Knowledge Economy.
ولم تكن النظم التربوية، بصفة عامة، بمنأى عن تأثيرات عصر اقتصاد المعرفة، بل ربما كان ميدان التربية من أكثر الميادين تأثرًا بعصر اقتصاد المعرفة؛ إذ إن التربية بمؤسساتها هي مسرح تلقي المعرفة ونموها وتحليلها والربط بينها وبين تطبيقاتها المختلفة.
ومن هنا كان على النظم التربوية أن تديم النظر في مجال إعداد الأفراد وبناء مهاراتهم لمواكبة التغيرات بل ومبادأتها، والمعلم باعتباره الركيزة الأساسية الحاسمة في مدى نجاح جهود عملية التربية في تشكيل اتجاهات الأفراد ونظرتهم إلى الحياة، يأتي في موضع القلب من منظومة العناصر المتفاعلة في عملية التربية. ومن هنا يأتي التسابق المحموم على تطوير النظم التربوية بصورة شاملة لمواكبة التغيرات والتسارعات التي يشهدها هذا القرن.
وعند الحديث عن دور النظام التربوي في إعداد الأفراد لمجتمع المعرفة، نجد أن التعليم العام يحتل قلب النظام التعليمي أينما وجد، كما أن مؤسسات التعليم تشكل عنصرًا رئيسًا في أي نظام تعليمي.
إن التعليم العام هو الذي يبدأ بتشكيل عقول المتعلمين وتوجيه اهتماماتهم، بل هو الذي يحفز الإلهام لديهم، فهو الذي يرسي القواعد المتينة للانطلاق نحو مجتمع المعرفة؛ فإذا ما استطاع أن يكون المنتج الأول للمعرفة فإن هذا يُعدُّ مؤشرًا لتحسين التعليم. وبناءً على ذلك كله؛ يمكن القول إن مؤسساتنا التعليمية هي التي ستقرر مستقبلنا، لذا لا نبالغ إن قلنا إن التحوّل نحو مجتمع المعرفة يجب أن ينطلق من إصلاح النظام التعليمي على وجه الخصوص.
التحديات التي تواجه
معلم القرن الحادي والعشرين
أولًا: التحدي الثقافي:
يشهد العصر الحالي الصراع الثقافي الذي يهدد سلوكيات وقيم المجتمعات، ومن هنا يصبح المعلم مطالبًا بدوره في تعميق شعور الطالب بمجتمعه وتوضيح القيّم من الرخيص له مما يبث عبر وسائل الإعلام والأدوات التكنولوجية المختلفة، وهو الأمر الذي يفرض على المعلم أن يصل إلى استيعاب الثقافة العالية ليستطيع تحقيق هدفين أساسيين مع طلابه هما:
1- دعم الهوية الثقافية للمجتمع العربي والإسلامي.
2- شرح الخطط الوطنية والقومية وتعزيز الأفكار والقيم الإيجابية السائدة في المجتمع.
ثانيًا: التربية المستدامة:
التربية المستدامة هي تربية تمتد طوال الحياة في أوقات وأماكن متعددة خارج حدود المدرسة النظامية، ويصبح المعلم مطالبًا بمراعاة ثلاثة جوانب لتحقيق هذه التربية:
1- التعلم للمعرفة: والذي يتضمن كيفية البحث عن مصادر المعلومات وتعلم كيفية التعلم للإفادة من فرص التعلم مدى الحياة.
2- التعلم للعمل: والذي يتضمن اكتساب المتعلم الكفايات التي تؤهله بشكل عام لمواجهة المواقف الحياتية المختلفة، وانتقاء مهارات العمل.
3- التعلم للتعايش مع الآخرين: والذي يتضمن اكتساب المتعلم لمهارات فهم الذات والآخرين، وإدراك أوجه التكافل فيما بينهم، والاستعداد لحل النزاع، وإزالة الصراع، وتسوية الخلافات.
ثالثًا: قيادة التغيير:
المعلم هو القائد الفعلي للتغيير الجوهري في المجتمع، وتفرض قيادة التغيير على المعلم اتباع نموذج واضح وأسلوب تفكير عقلاني منظم يساعده على استشراف آفاق المستقبل واستشعار نتائج عملية تطبيق التغيير المقترح في العملية التعليمية، وبالتالي إدخال تغييرات مخطط لها لضمان نجاحها. إن مهنة المعلم في المستقبل أصبحت مزيجًا من مهام القائد، ومدير المشروع والناقد والموجه.
رابعًا: ثورة المعلومات:
لقد أحدثت ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ونظمها تغييرات واسعة ومهمة جدًا، وبدأت القيم النسبية للمعرفة تبرز في مجتمع عالمي يتوجه نحو الاقتصاد المعرفي، وبالتالي تزايدت أعباء المعلم الذي لم يعد مطلوبًا منه الاكتفاء بنقل المعرفة للمتعلم، بل أصبح المطلوب منه تنمية قدرات المتعلمين على الوصول للمعرفة من مصادرها المختلفة، وكذلك الاستثمار الأمثل للمعلومات من خلال البحث عن الطرق الفعالة معها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة.
خامسًا: تمهين التعليم:
نحن بحاجة لثورة لتمهين التعليم، وتتمثل تلك الثورة في اتخاذ السبل الكفيلة بجعل التعليم مهنة ترقى لمصاف المهن المرموقة والمتميزة في المجتمعات العربية كالطبيب والمهندس، ويتطلب التمهين توافر ثقافة واسعة وقدرات متميزة لدى المعلم كالاستقلالية في اتخاذ القرار، والحرية في الاختيار، والمعرفة المتميزة، والاستخدام المتقدم للتكنولوجيا، والتحول إلى المصمم المحترف لبيئة التعليم وأدواتها.
سادسًا: إدارة التكنولوجيا
لم يكن لأهل التربية القائمين على تيسير سبل التعلم أن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء هذا التقدم الهائل في مجال تكنولوجيا المعلومات، فإن هذا التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات، ووسائل التعامل معها في هذا العصر الذي يتسم بالمعلوماتية، ومع ظهور شبكة المعلومات الدولية (Internet) ومع التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصال، أصبح التعليم يواجه عددًا من التحديات التي تتطلب إمداد عناصر العملية التعليمية البشرية بالمهارات اللازمة لمواجهة هذه التحديات، ومن ثم ظهر في الساحات التربوية مفهوم جديد يعرف بتكنولوجيا التعليم، الذي ما لبث أن حدث بينه وبين مفهوم تكنولوجيا المعلومات تجانسًا كبيرًا أدى إلى ظهور أنماط تعليمية جديدة أطلق عليها المستحدثات التكنولوجية التعليمية، ويهدف إكساب المعلمين لمهارات التعامل مع هذه المستحدثات تغيير نمط ما يقدم للمعلمين من المعلومات باعتبارها هدفًا إلى اكتساب مهارات حياتية جديدة تجعلهم يوظفون المعلومات، ويساعدون طلابهم على توظفيها والاستفادة منها، إن المستقبل التكنولوجي لم يعد مطالبًا المعلم أن يكون ذلك الشخص الذي يستخدم الوسائل التقنية بإتقان وحسب، فالمتوقع أبعد من ذلك بكثير، بحيث يكون المعلم مصممًا لبيئة التقنية وبرامجها بل والمطور لها أيضًا.
المخطط العام لمهارات معلم
القرن الحادي والعشرين
في القرن الحادي والعشرين، إذا كان التعليم له نموذجه الخاص، وإذا كان هناك مهارات ينبغي أن يتقنها الطالب، فما المهارات التدريسية التي ينبغي أن يتقنها المعلم بحيث تلبي طبيعة نموذج التعليم من جانب وتكسب المتعلم مهارات القرن الحادي والعشرين من جانب أخر؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتبلور من خلال عدة مصادر:
المصدر الأول: التوجهات العالمية لمعلم القرن الحادي والعشرين
بالرجوع إلى التوجهات العالمية لتحديد مواصفات معلم القرن الحادي والعشرين نتلمسها في:
1- تقدم منظمة إعادة التشكيل المهني لمعلم القرن الحادي والعشرين Teachers21» «Reshaping the Profession of Teaching بولاية ماساشوستس الأمريكية توصيفًا للتوجه نحو إعداد معلم القرن الحادي والعشرين يرتكز على التمهين الذي يُعطي المعلم الحرية في الإدارة داخل مجموعة من المعايير الحاكمة التي تصف الأداء، فعلى سبيل المثال يكون المعلم هو الخبير المهني في إدارة عمليات التقويم، وليس المختص بإعداد ورقة الاختبار فقط، وتندرج هذه المهنية في كافة المهارات التدريسية التي يديرها معلم القرن الحادي والعشرين.
2- يشير مشروع «21 Things for the 21st Century Project» بالولايات المتحدة الأمريكية والقائم على المعايير الوطنية للتكنولوجيا التعليمية للمعلمين «National Educational Technology Standards for Teachers» إلى الدور المتوقع لمعلم القرن الحادي والعشرين متمثلًا في أن يكون المُصصم والمقيم والمشارك في إنتاج تكنولوجيا التعليم، بما تشمله من استخدام شبكة الإنترنت والتعليم عن بعد، وإنتاج البرامج التعليمية وبرامج المحاكاة.
3- اعتمد مشروع المعهد الوطني السنغافوري لتأهيل المعلمين لمهارات القرن الحادي والعشرين «21st Century teachers call for 21st Century Teacher Educators, Teacher Education for the 21st Century: A Singapore Model. حيث تمثلت المهارات التي هدف إليها المركز في:
- مهارات فن التدريس ( فن التعليم ).
- مهارات إدارة البشر.
- مهارات إدارة الذات.
- مهارات إدارية وتنظيمية.
- مهارات التواصل.
- مهارات التيسير.
- مهارات تكنولوجية.
- مهارات التفكر
- مهارات الابتكار وروح المبادرة.
- مهارات اجتماعية وذكاء وجداني.
4- تقدم منظمة educational-origami المهتمة بالتعليم القائم على دمج المعرفة بالتكنولوجيا والتواصل ITC)) Information and Communication Technologies تحديدًا لأهم خصائص معلم القرن الحادي والعشرين متمثلة في الشكل رقم (1).
- مُتفادي المخاطر (The Risk taker): الذي يتفادي مصادر المخاطر المتمثلة في فقد المتعلمين لمعنى التعلم أو عدم تعلمهم بالكلية، أو عدم مراعاة تباين قدرات المتعلمين، أو عدم تناسب الخبرات التعليميةالتي يقدمها المعلم مع الأهداف المقصودة.
- الُمتضامن (The Collaborator): الذي يتحمل المسئولية التضامنية مع المتعلمين ومؤسسة العمل كاملة، في تحقيق الأهداف دون النظرة شديدة الجزئية لأداء مهام العمل الروتينية التي تكفيه شر العقوبات.
- النموذجي (The Model): الذي يمثل قدوة لزملائه في العمل المخلص لتقديم تعليم يتميز بالجودة، كما يمثل المعلم نموذجًا لطلابه في القيم الخلقية والمثابرة العلمية.
- القائد (The Leader): الذي يمثل قائدًا يدير طلابه من حيث قدراتهم، وأنماطهم المختلفة، ومكوناتهم الثقافية المتباينة إلى الدرجة التي تجعل الطالب متحدًا مع معلمه (قائده).
- المستبصر (The Visionary): الذي يمتلك رؤيا تطويرية لذاته المهنية ولمؤسسة العمل ككل، وهو قادر على توضيح تلك الرؤيا والعمل على تحقيقها قدر المستطاع دون الاكتفاء بتنفيذ الأوامر أو الاعتراض عليها جزئيًا أو كليًا.
- المتعلم (The Learner): من خلال تطوير المعلم لكفاياته المهنية والأكاديمية بصورة ذاتية أو نظامية حسب البدائل الممكنة، وكذلك الالتحاق بالبرامج التدريبية المختلفة.
- المحاور (The Communicator): الذي يهيئ البيئة التعليمية الحرة ليناقش طلابه ويحاورهم ويشجع روح المبادرة والتلقائية.
- المهيئ (The Adptor): من خلال تهيئة بيئة التعلم والمتعلمين والخبرات التعليمية وأدوات التقييم بصورة نظامية قابلة للانسجام التلقائي بين عناصرها لتحقيق الأهداف المقصودة.
المصدر الثاني: التوجهات التربوية المستقبلية
تقدم التوجهات القائمة على دمج المعرفة بالتواصل والتكنولوجيا ITC))»Information and Communication «Technologies نموذجًا لهرم التعلم في فصول الدراسة بالقرن الحادي والعشرين كما بالشكل رقم (2) والذي يبين أن قدرة المتعلم على الاحتفاظ بالتعلم:
· تتحقق بنسبة 5% في البيئة التعليمية القائمة على التلقين والمحاضرة التقليدية من قبل المعلم.
· ترتفع النسبة إلى 10% حين تنصب البيئة على عمليات القراءة غير التفاعلية، وتبلغ النسبة 20% خلال البيئة التي تكتفي بالخبرات المسموعة أو المشاهدة.
· تصل النسبة إلى 30% في بيئة التعليم التي تقوم على التوضيح والتفسير لنماذج ممثلة لمفاهيم التعلم.
· ترتقي النسبة إلى 50% من خلال النقاش بين مجموعات الطلاب.
· تبلغ النسبة 75% إذا أتاحت بيئة التعليم الممارسة العملية الفعالة من خلال التعليم بالعمل.
· تبلغ النسبة مداها فتصل إلى 90% من خلال التواصل مع الآخرين بغرض الاستخدام الفوري للمعرفة المكتسبة في مواقف حياتية.
وفي سبيل تحقيق المعلم لنسب متقدمة من احتفاظ المتعلمين بتعلمهم، وبالتالي إمكانية استخدامه بصورة أكثر (دينامية - تفاعلية) لابد أن يقوم معلم القرن الحادي والعشرين بدوره في إدارة عملية التعليم وإدارة التكنولوجيا المستخدمة وإدارة استخدام المتعلمين للمعرفة، وإدارة المهارات الحياتية وإدارة قدراتهم.
المصدر الثالث: مهارات المتعلم المطلوبة
في القرن الحادي والعشرين
استنادًا لما قدمته منظمة الشراكة من أجل مهارات القرن 21 Partnership for Century 21Skills من توقعات مستقبلية للمهارات التي يفترض أن يمتلكها الطالب كي يتمكن من التكيف مع الطبيعة المعقدة وسرعة التغير في القرن الحادي والعشرين، ورابطة المدارس الإلكترونية «E School News» يُمكن استخلاص المهارات المطلوبة لمتعلم القرن الحادي والعشرين في:
· المسؤولية والتوافق: وتشير إلى قدرة الفرد على تطوير ذاته بما يتوافق مع بيئة العمل والبيئة الاجتماعية المحيطة، ووضع معايير متميزة للأداء ومن ثم العمل على تحقيقها، وتحديد الأهداف الشخصية وكذلك الأهداف المتوقعة للآخرين.
· الإبداع والفضول الفكري: ويشير إلى قدرة الفرد على التعامل غير التقليدي مع المعرفة المتاحة، ومن ثم تكوين علاقات وروابط منطقية لإنتاج أفكار أوحلول أو أعمال تتسم بالجدة والتميز عما يقدمه الآخرون.
· مهارات التواصل: وتشير إلى قدرة الفرد على التواصل الفعال مع ذاته والآخرين، ومن ثم التواصل مع المجتمع بكافة أنماط التواصل المممكنة اللفظية وغير اللفظية، مع استخدام كافة الوسائل والتقنيات الحديثة لتحقيق التواصل المتميز.
· التفكير النقدي وفكر النظم: ويشير إلى قدرة الفرد على تقدير الحقيقة من خلال مقدمات منطقية، ومن ثم الوصول إلى اتخاذ القرارات السليمة في ضوء تقييم المعلومات وفحص الآراء المتاحة والأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر المختلفة.
· مهارات ثقافة المعلومات ووسائل الإعلام: وتشير إلى قدرة الفرد على الوصول للمعلومات المختلفة من كافة المصادر الموثوقة التي تتيحها التقنيات المختلفة، ويرتبط بذلك قدرة الفرد على الاستخدام الأمثل للمعلومات في عصر الاقتصاد المعرفي.
· المهارات الاجتماعية والتعاونية: وتشير إلى قدرة الفرد على التواصل الناجح في فرق العمل، والذكاء الاجتماعي، وتقبل الاختلاف، وإدارة الصراعات، والذكاء الوجداني، والتكيف مع الأدوار والمسئوليات.
· تحديد المشكلة وصياغة الحل: وتشير إلى قدرة الفرد على التحديد الدقيق للمشكلات وصياغتها علميًا، وتحديد بدائل الحل الممكنة، وتجريبها وانتقاء الأنسب منها، وتحديد الحلول المتميزة.
· التوجيه الذاتي: وتشير إلى قدرة الفرد على تقييم مدى فهمه لاحتياجاته التعليمية الخاصة، وتحديد مصادر التعلم التي يحتاجها، وتحويل أسلوب التعلم وأدواته بما يتناسب مع الأهداف الخاصة للمتعلم.
· المسؤولية الاجتماعية: وتشير إلى قدرة الفرد على تحمل مسؤولية العمل الفردي تجاه مجموعات العمل، والمجتمع ككل، وإظهار مكون خُلقي متميز ببيئة العمل والتواصل مع الآخرين.
وفي ضوء ما تقدم للمصادر الثلاث لاشتقاق مهام معلم القرن الحادي والعشرين يمكن تحديد المهارات في (مهارة إدارة فن عملية التعليم، مهارة تنمية المهارات العليا للتفكير، مهارة إدارة قدرات الطلاب، مهارة إدارة المهارات الحياتية، مهارة إدارة تكنولوجيا التعليم، مهارة دعم الاقتصاد المعرفي، مهارة إدارة منظومة التقويم ). ويُلاحظ على تلك المهارات:
- توافقها مع المصادر الثلاث السابق عرضها.
- شمولها للعمليات المهنية التي يقوم بها المعلم، حيث اهتمت بعض التوجهات ببعض الفنيات لمعلم القرن الحادي والعشرين دون فنيات أخرى.
- تباينها عن العمليات التقليدية التي يقدمها المعلم التقليدي.
- تماشي المهارات مع التحديات التي تواجه معلم القرن الحادي والعشرين.
وقد توصل الباحث إلى تحقيق ذلك في نموذج، أطلق عليه نموذج زاهر ZAHR (اختصارًا لاسمي المؤلفين، ZA تعني الأحرف الأولى من ZAHRANI، وHAR، تعني الأحرف الأولى من HARBI). وهو نموذج يسعى لتحقيق التفاعل بين نموذج التعليم ومهارات المعلم والمهارات المتوقعة بالقرن الحادي والعشرين، ويتضح ذلك من خلال الشكل رقم (3).
نموذج ZAHR يحقق التفاعل بين نموذج التعليم ومهارات المعلم والمهارات المتوقعة من المتعلم بالقرن الحادي والعشرين
مهارات معلم القرن الحادي والعشرين
إن أهم المهارات التي ينبغي أن يمتلكها معلمو القرن الحادي والعشرين لولوج عصر الاقتصاد المعرفي سعيًا لبناء مجتمع المعرفة في ضوء التحديات المتعددة التي تعيشها النظم التربوية، تتمثل في: (تنمية المهارات العليا للتفكير، إدارة المهارات الحياتية، إدارة قدرات الطلاب، دعم الاقتصاد المعرفي، إدارة تكنولوجيا التعليم، إدارة فن التعليم، إدارة منظومة التقويم).
المهارة الأولى: تنمية المهارات العليا للتفكير
تعد مهارات التفكير من العمليات الأساسية في السلوك الإنساني، فهي السمة المميزة للإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى، وأصبحت برامج تعليم التفكير وتنميته هدفًا رئيسًا من أهداف المؤسسات التربوية، وعليه فإن الكثير من القائمين على العملية التعليمية يتفقون على ضرورة تعليم التفكير وتنمية مهاراته لدى المتعلمين، خاصة أن هناك دولاً تبنت هذه الوجهة في عملياتها التعليمية ومنها اليابان وأمريكا وسنغافورة وماليزيا وغيرها الكثير.
ولعل المتتبع لاتجاهات تعليم وتعلم التفكير يلمس اختلافًا واضحًا بين المنظرين في هذا المجال، إذ إن هناك اتجاهات متباينة حول هذا الموضوع، إذ يُعتبر المعلم حسب معطيات القرن الحادي والعشرين مسؤولًا مباشرًا عن تنمية أنماط التفكير لدى المتعلمين، وتتباين آراء مراقبي المستقبل حول كيفية إدارة تنمية مهارات التفكير من خلال المنهج، وذلك في ثلاث توجهات:
التوجه الأول (الاستقلال Independent): وينادي هذا الاتجاه بضرورة تنمية التفكير من خلال دروس وبرامج خاصة ومحددة لتنمية مهارات التفكير العليا مثل: (برنامج القبعات الست وأدوات تريز وغيرها)، ويًعد ديبونو من أكثر الداعين لهذا التوجه (زيتون، 2003).
التوجه الثاني ( التضمين Including ): ويرى هذا التوجه إمكانية تطوير المعلم لمهارات التفكير العليا لدى طلابه من خلال حصص المواد الدراسية المختلفة، وذلك حينما يحرص المعلم على تقديم مقرراته الأكاديمية (العلوم الرياضيات / اللغات....) مراعيًا البحث عن الخبرات التي تضع المتعلم في مواقف تحتم عليه استخدام مهارات عليا للتفكير (زيتون، 2003).
التوجه الثالث (الدمج Merging): وهو توجه توسطي بين التوجهين السابقين ويقوم على وجود البرامج المستقلة التي تعطي المبادئ العامة والقواعد الأساسية للتفكير، على أن تكون الجوانب التطبيقية والعملية داخل المقررات الدراسية، وهو توجه يحتاج لرؤية تنظيمية واضحة في بناء المناهج التي ترعى هذه المتطلبات التطبيقية (نوفل، 2008).
تتنوع برامج تعليم التفكير بحسب الاتجاهات النظرية والتجريبية التي تناولت موضوع التفكير، ومن أبرز الاتجاهات النظرية التي بنيت على أساسها برامج تنمية التفكير ومهاراته ما يأتي:
1- برامج العمليات المعرفية: تركز هذه البرامج على العمليات أو المهارات المعرفية للتفكير مثل المقارنة والتصنيف ومعالجة المعلومات، ومن بين البرامج المعروفة التي تمثل اتجاه العمليات المعرفية برنامج البناء العقلي لجيلفورد وبرنامج فيورستون التعليمي الإثرائي.
2- برامج العمليات فوق المعرفية: تركز هذه البرامج على التفكير بوصفه موضوعًا قائمًا بذاته، وعلى تعلم مهارات التفكير المعرفية التي تسيطر على العمليات المعرفية وتديرها، ومن أهمها التخطيط والمراقبة والتقييم وتهدف إلى تشجيع الطلبة على التفكير حول تفكيرهم، والتعلم من الآخرين، وزيادة الوعي بعمليات التفكير الذاتية، ومن أبرز البرامج الممثلة لهذا الاتجاه برنامج الفلسفة للأطفال، وبرنامج المهارات فوق المعرفية.
3- برامج المعالجة اللغوية والرمزية: تركز هذه البرامج على الأنظمة اللغوية والرمزية كوسائل للتفكير والتعبير عن نتاجات التفكير معًا، وتهدف إلى تنمية مهارات التفكير في الكتابة والتحليل وبرامج الحاسب، ومن بين هذه البرامج التعليمية برنامج الحاسب اللغوي والرياضيات.
4- برامج التعلم بالاكتشاف: تؤكد هذه البرامج أهمية تعلم أساليب واستراتيجيات محددة للتعامل مع المشكلات، وتهدف إلى تزويد الطلبة بعدة استراتيجيات لحل مشكلات المجالات المعرفية المختلفة، وتضم هذه الاستراتيجيات التخطيط، إعادة بناء المشكلة، تمثيل المشكلة بالرموز أو الصور أو الرسم البياني، والبرهان على صحة الحل، ومن بين البرامج الممثلة لهذا الاتجاه برنامج كورت وبرنامج التفكير المنتج لكوفنجتن ورفاقه.
5- برامج تعليم التفكير المنهجي: تتبنى هذه البرامج منحى بياجيه في التطور المعرفي، وتهدف إلى تزويد الطلبة بالخبرات والتدريبات التي تنقلهم من مرحلة العمليات المادية إلى مرحلة العمليات المجردة التي يبدأ فيها التفكير المنطقي والعملي، وتركز على الاستكشاف ومهارات التفكير والاستدلال والتعرف على العلامات ضمن محتوى المواد الدراسية( مجيد، 2008).
وضمن أولويات أنماط مهارات التفكير العليا بالقرن الحادي والعشرين تتنبأ الأدبيات بثلاثة أنماط لمهارات التفكير العليا ينبغي على معلم القرن الحادي والعشرين مراعاتها، يمكن توضيحها في الشكل رقم (4)
أولًا: التفكير الإبداعي
يعرف تورانس Torrance (1993) التفكير الابتكاري بأنه إدراك الثغرات والاختلال في المعلومات والعناصر المفقودة وعدم الاتساق الذي لا يوجد له حل متعلم، وهو عملية تحسس للمشكلات، ومواطن الضعف وأوجه القصور وفجوات المعرفة والمبادئ الناقصة، وعدم الانسجام وغير ذلك.
ويعرف وليامز Williams في رونكو ونيميرو Runc- & Nemiro (1996) التفكير الابتكاري بأنه مجموعة من المواهب والقدرات والمهارات المعرفية، وهذه القدرات موجودة لدى جميع الأفراد ولا تقتصر على فئة دون أخرى، إلا أنها تختلف في الدرجة (الكم) والنوع (الكيف- الصفة)، بين الأفراد، فالجميع لديهم قدرات ومهارات إبداعية (الطلاقة، الأصالة، المرونة، التحسين والتطوير، والحساسية للمشكلات)، إلا أن بعضهم يمتلكها بقدر ودرجة أكبر من البعض.
ثانيًا: التفكير الناقد
كانت بداية الاهتمام بمفهوم التفكير الناقد في الأدب التربوي المعاصر متأثرة بالنظرة الإغريقية التقليدية للتفكير، في الفترة بين 1910- 1939، وذلك في أعمال جون ديوي John Dewey، التي استعمل فيها مصطلحات مثل التفكير التأملي والتساؤل والتي اعتمدها في الأسلوب العلمي، ثم جاء جليسر وآخرون Glaser et al، وأعطوا معنى واسعًا لمصطلح التفكير الناقد ليشمل بالإضافة إلى ما سبق فحص العبارات، وذلك في الفترة ما بين 1940-1961، ثم ضيق مفهوم التفكير الناقد في أثناء عمل إنيس وزملائه Ennis et al، وذلك في الفترة ما بين 1962- 1979، ثم اتسع المفهوم ليشمل جوانب التفكير بأسلوب حل المشكلات من خلال جهود إنيس وزملائه Ennis et al في الفترة من 1980- 1992(Streib, 1992).
يرى جاد الله (2004) أن هناك مجموعة من الأدوار التي ينبغي على المعلم أن يمارسها في سبيل تنمية التفكير الناقد وهي:
1-التخطيط للمواقف والخبرات التعليمية: حيث يعد المعلم مخطط الخبرات التعليمية نحو مشكلات الحياة الواقعية، ويطور مفاهيم وتعميمات، ومهارات وثيقة الصلة، من خلال التعامل على نحو إبداعي مع مواقف واقعية في حياه الطلبة.
2-مشكل للمناخ الصفي: حيث يوظف المعلم مبادئ ديناميات المجموعة، في توطيد مناخ جماعي متماسك، يقدر فيه التعبير عن الرأي والاستكشاف الحر والتعاون والثقة والدعم والتشجيع.
3-المبادرة: حيث ينبغي على المعلم أن يقوم بتعريف الطلبة بمواقف تركز على المشكلات المتكررة والحقيقية لدى الطلبة، في الوقت الذي يعمل فيه على إثارة حب الاستطلاع والاهتمام لديهم، وعلى حفزهم على الاستقصاء في عدد من الاتجاهات المثمرة، ويظهر المعلم أثناء المبادرة حب الاستطلاع والاهتمام بالمشكلات المطروحة، ويستخدم أسلوب طرح الأسئلة لإشراك الطلبة بفاعلية.
4-موجه للأسئلة: من الأدوات المهمة في التعليم القائم على الخبرة توجيه الأسئلة، فعندما يقوم المعلم بتأدية كل دور من الأدوار السالفة الذكر، فإنه يطرح الأسئلة الملائمة ذات المعنى لتعزيز التعلم بالخبرة، وتؤدي الأحداث الصفية وغير الصفية عمومًا إلى الاعتقاد بأن الأسئلة المطروحة وطريقة البحث عن إجابتها تعكس نوعية التعلم بصورة أكبر مما تعكسه الإجابات نفسها، ولأن جميع الأسئلة المهمة لا تثار عادة، ولا يجاب عنها من جانب المعلم، لذلك ينبغي تشجيع الطلبة على طرح الأسئلة الخاصة والبحث عن إجابات خاصة.
5-أنموذج وقدوة: يقوم المعلم بوصفه أنموذجًا بعرض السلوك الذي يبين أنه شخص مهتم، محب للاستطلاع، ناقد في تفكيره وقراءته منهمك بحيوية، مبدع،متعاطف،عادل، راغب في سبر تفكيره سعيًا وراء الأدلة، ويستطيع الطلبة ملاحظة الفرق بين ما يقوله المعلم وبين ما يفعله.
6-مصدر المعرفة: يقوم المعلِّم في كثير من الحالات بدور مصدر المعرفة، إذ يقوم بإعداد المعلومات وتوفير الأجهزة والمواد اللازمة للطلبة لاستخدامها، وعندما يسأل عن الإجراءات والمواد والتفصيلات وسير العمل؛ فإنه يحرص على الإجابة بأنها تلك التي تسهل على الطلبة الاستقصاء والتعلم بالخبرة، في حين يتجنب تزويد الطلبة بالإجابات التي تعوق سعيهم للوصول إلى استنتاجات يمكنهم التوصل إليها بأنفسهم وتكوينها.
7-محافظ موصل: إِنَّ أسهل مهمة يمكن أن يمارسها المعلِّم هي إثارة اهتمام الطلبة بقضايا شيقة وحقيقية، وإنما الصعوبة التي يواجهها هي في الحفاظ على انتباههم، وإعادة شحذ هممهم في وجه الكثير من العوائق التي لا مفر منها، والتي تعترض حل المشكلات والإبداع،كما أن استخدام المعلم لمواد ونشاطات وأسئلة مثيرة لتحفيز الطلبة أمر مهم
ثالثًا: مهارات ما وراء المعرفة
(التفكير في التفكير)
عادة ما يفكر المعلم في كيفية تعليم طلابه، وعادة ما يطلب من طلابه أن يفكروا، وتتمثل أهمية التفكير ما وراء المعرفي في أنه يمكن الفرد من إصدار أحكام مؤقتة فضلاً عن استعداده للقيام بأنشطة أخرى, كما تساعد الفرد على ملاحظة القرارات التي يتخذها, وبذلك يجعل الفرد أكثر إدراكا للمهمات التي يقوم بها، وعند ذاك يتحقق للفرد اتجاه لتوليد الأسئلة التي تدور في مخيلته عند بحثه للمعلومات, والتي تساعده في تكوين خرائط معرفية قبل القيام بالمهمة المطلوبة منه.وبعد ذلك ينتقل الفرد إلى مرحلة أخرى وهي التقييم الذاتي والتي تعد من العمليات العقلية المهمة التي ترفع في النهاية من إنجاز الفرد وتحسن من أدائه. ونستطيع القول إن الشخص يمارس مهارات ما وراء المعرفة حينما يطرح على نفسه بعض من الأسئلة أثناء انهماكه في عمل ما يشغل فيه تفكيره العميق.
المهارة الثانية: إدارة المهارات الحياتية
وعند الحديث عن إدارة المهارات الحياتية لابد من تناول موضوعين في غاية الأهمية:
الأول: الإدارة بالتعاقد لمعلمي القرن
الحادي والعشرين (العقود السلوكية)
يتمثل الهدف من العقود السلوكية في التوصل إلى اتفاق يلزم كل طرف بالوفاء بحقوق الطرف الآخر، بمعنى أن يكون سلوك كل طرف خاضعًا للمعايير التي يتوقعها منه الطرف الآخر، ويرجع أصل هذه العقود السلوكية إلى كتاب ستيوارت Stuart الصادر عام 1971، حيث ركز الكتاب على استراتيجيات ضبط وتقويم السلوك فيما يتعلق بالمجال التعليمي على وجه الخصوص.
ولقد أشار «ستيوارت» إلى هذه العقود على أنها أداة فعالة تؤدي إلى تقوية العلاقات الأسرية وغرس السلوك الإيجابي لدى الطلبة، كما أكد ستيوارت ضرورة توفر العوامل الآتية:
أ-سبل التعزيز الإيجابي.
ب-التوصل إلى اتفاقيات محددة توضح أن كل طرف له حقوق وعليه واجبات.
ج-إدراك أهمية المعالجة الإيجابية للسلوكيات غير المقبولة التي تصدر عن الطلبة.
د-الحرية في اتخاذ القرارات والخيارات السلوكية مع إدراك النتائج المحتملة لكل من هذه القرارات.
مكونات العقود السلوكية: تتكون العقود السلوكية من ثلاثة عناصر أساسية، وهي:
-الحقوق: إذ يجب أن يشتمل العقد على المزايا التي يحصل عليها أحد الأطراف عند الوفاء بشروط العقد.
-الواجبات: إذ يجب أن يشتمل العقد على المسئوليات التي يكون على أحد الأطراف الوفاء بها لضمان الحصول على المزايا أو الحقوق المنصوص عليها.
-الإشراف والرقابة: إذ يجب أن يحتوي العقد على الوسائل الرقابية التي يكون من شأنها تسجيل ورصد مدى التزام الأطراف المعنية بشروط العقد.
وإلى جانب هذه العناصر الأساسية، يوجد عنصران إضافيان تجب الإشارة إليهما:
- الثواب: من السهل القيام بتعديل سلوك الفرد لفترة زمنية محدودة، غير أنه يكون من الصعب الاحتفاظ بهذا السلوك المعدل لفترة زمنية طويلة، بمعنى آخر يعد تحقيق النجاح في حد ذاته أمرًا سهلًا، غير أنه يكون من الصعب الاحتفاظ به، ولذلك يجب ضمان الالتزام بشروط العقود السلوكية بشكل دائم وليس فقط بشكل مؤقت، وتحقيقًا لهذا الهدف يجب إثابة الطالب ومكافأته عندما يأتي بسلوك إيجابي ليزيد ذلك من احتمال تكراره في المستقبل.
- العقاب: يذهب البعض إلى أن عدم مكافأة الطالب يعد في حد ذاته رد فعل مناسب لعدم التزامه، غير أن فرض العقوبات قد يكون ضروريًا في بعض الحالات الاستثنائية التي لا يجدي فيها مجرد عدم الإثابة أو المكافأة، وذلك نظرًا لأنه في هذه الحالات الاستثنائية، لا يؤدي مجرد الحرمان من المكافأة إلى التوقف عن السلوك غير الملائم، فقد يكون هناك طالب يحدث شغبًا مستمرًا في الفصل ولا يعد الحرمان من المكافأة رادعًا مناسبًا له، فربما إذا قام المدرس بخصم بعض من درجاته، يكون ذلك بمثابة رادع قوي يدفعه إلى الالتزام بشكل جاد. ذلك بالإضافة إلى أن العقد السلوكي الناجح غالبًا ما يتضمن تاريخ بدء العقد وتاريخ مناقشته وتقييم النتائج.
الثاني: مهارات الإدارة الصفية لمعلمي
القرن الحادي والعشرين
نحن ندعو لأن يتعلم الطلاب بحرية وفاعلية، ولكي يتحقق ذلك لابد من نظام أو انضباط يلتزم به الطلاب، وهذا يعني وجود بعض القواعد والقوانين لتوفير مناخ صفي صحي يساعد على التعلم. والإنسان بطبعه، لا يحب القوانين والقواعد إذا كانت مفروضة عليه فرضًا وإذا لم ير فيها مصلحة له أو عاملًا يساعده على تحقيق غايته، ولكنه يتحمس للقواعد والقوانين إذا شارك في وضعها أو التوصل إليها، أو إذا آمن بلزومها وفائدتها، أو إذا وجد فيها منفعة أو عاملًا يساعده على تحقيق غاياته.
ولكي ينجح المعلم في توظيف هذه القواعد في تحقيق النظام والانضباط الصفي، يجب أن يركز على الجوانب الإيجابية منها أثناء تفاعله وتعامله مع الطلاب، فيوضح لهم، كلما سنحت الفرصة، ما ينبغي عليهم فعله، ويبين لهم أهمية هذا الفعل وانعكاساته الإيجابية على الصف وعلى الجماعة وعلى العملية التربوية عامة، وهكذا يساعد المعلم طلابه عل بناء قواعد السلوك الصفي وتمثلها في سلوكهم بصورة واعية ومتدرجة، من خلال إدراك أهميتها وانعكاساتها على المناخ الصفي وعمليات التعليم والتعلم.والتي تتمثل في: (ضرورة وجود رسم تخطيطي) للبنود الأتية
· وضوح الأهداف والإجراءات: تتطلب الإدارة الفاعلة للصف وضوحًا في الأهداف المنشودة لدى المعلم والمتعلمين، لكي يعرف المعلم ما يريد تحقيقه، ويعرف المتعلم النتائج التي يسعى لبلوغها، وما ينبغي عليه فعله لتحقيق ذلك، وكيف يؤدي عمله، وبأي الأدوات والوسائل وما الشروط والظروف اللازمة، وما معايير التفوق والإتقان في تحقيق الهدف المنشود.
· التعزيز: إن نظام الصف القائم على الثقة والاحترام خير من النظام القائم على التسلط والشدة والخوف، والتعزيز واحد من الأساليب التي تولد الثقة والاحترام، والمقصود بالتعزيز الاعتراف بالسلوك المرغوب فيه والصادر عن المتعلم وتقبله والثناء عليه، ويؤدي التعزيز دورًا فاعلًا في تحقيق النظام والانضباط الصفي، لأنه يحفز المتعلم إلى تكرار السلوك المعزز، وهو أقدر من العقاب على إحداث تعديل السلوك وأفعل في تحيق ديمومة السلوك المنشود.
· المشاركة وتبادل الخبرات: إن إتاحة الفرص للطلاب للتعاون والمناقشة والتشاور والمشاركة في العمل، عندما يستوجب الموقف شيئًا من ذلك، تساعد على توفير النظام والانضباط الصفي الفعال، وليس النظام المتزمت الجامد الذي يقيد المتعلمين، ومع أن بعض المعلمين يخشون من حدوث الضجة والفوضى، إلا أن المعلم النبيه يستطيع توجيه الطلاب، ويعلمهم كيف يتواصلون دون أن يضايق بعضهم البعض الآخر.
· النقد البناء: يظل الطالب معرضًا للوقوع في الخطأ، ولكن المعلم الواعي هو الذي يتفهم أخطاء طلابه ويعالجها بدراية وسعة صدر، بعد أن يسعى لإدراك دوافعها، ويتخذ منها موقفًا متعقلًا، فالنقد البناء، وليس الانتقاد الساخر الجارح الذي يضخم الأخطاء ويحرج أصحابها، هو الذي يساعد في توفير النظام والانضباط في الصف، إن الانتقادات الجارحة تزيد السوء سوءًا، أما النقد البناء فينطوي عل الفهم والتفهم، وتقبل وقوع الإنسان في الخطأ، وتزويد المخطئ بتغذية راجعة هادئة بناءة تعينه على وعي سلوكه وتعديل الجانب السلبي فيه في الاتجاه المنشود دون قسر أو إكراه.
· الصمت الفعال: ليس الصف الجيد، هو الصف الذي يخيم عليه الهدوء والسكون، ويجلس فيه الطلاب مكتوفي الأيدي مكمومي الأفواه دون كلام أو حراك، هناك فرق بين الصمت الهادف الإيجابي الواعي، والصمت القسري المفروض غير الهادف وغير المتفاعل، إن الصمت مقبول عندما يمارس الطلاب التفكير والإصغاء التأملي أو العمل الهادف أو الدراسة والقراءة الصامتة، وهو غير مقبول عندما يكون نتيجة الخوف من البطش والعقاب، لأنه عندئذ يولد المشاعر والاتجاهات السلبية، والصمت من قبل المعلم إزاء سلوك معين أو استجابة معينة قد يكون أفضل من الكلام.
· توظيف التقنيات: يستطيع المعلم، أن يوسع حدود صفه بأن ينقل إليه خبرات وألوانًا من النشاط تزيد من فرص التعلم فيه، باستخدام الوسائط السمعية والبصرية، فتضيف إلى الموقف التعليمي عوامل تؤثر في إشراك حواس المتعلمين المختلفة، فتسهم في تحقيق التعلم الفعال، وبالتالي في ضبط الصف وحفظ النظام فيه، ذلك أن التعلم الناشئ عن مشاركة الحواس جميعًا يفوق معناه وثباته التعلم الناشئ عن حاسة واحدة(خليل، وآخرون2008).
معلمو القرن الحادي والعشرين
وإدارة التفاعل الصفي
وللتفاعل الصفي المتمثل في أنماط التواصل بين أطراف العملية التعليمية دور هام ومؤثر في أداء الطلاب التحصيلي وفي أنماط سلوكهم، فهو وسيلة التعليم والتعلم، وسبيل تطور روح الفريق، والعامل على توليد الشعور بالانتماء إلى المدرسة ونظامها، ووسيلة المعلم لتعرف حاجات الطلاب واتجاهاتهم، وهو بالتالي الطريق إلى إنشاء علاقات يسودها التفاهم بين المعلم والطلاب، وبين الطلاب أنفسهم، والميسر لفهم الأهداف التعليمية وإدراك استراتيجيات بلوغها. ومن أهم عوامل التفاعل الصفي والتواصل الفعال:
· الإصغاء: ويعد مهارة أساسية في جميع النشاطات التعليمية والاجتماعية.
· المشاركة في المناقشة: وهي فرصة المعلم لتنظيم المناخ الصفي الذي يستثير دور الطلاب ويحفزهم على السؤال والجواب.
· الاستجابة: ويقصد بها استجابة المعلم لمكونات الوضع التعليمي والمستجدات، كما يقصد بها استجابة المتعلم لما يطرحه المعلم.
· التقويم: وفيه تكون استجابات الطلاب تقويمًا لعمل المعلم، وفي آراء المعلم تقويم لمشاركات الطلاب واستجاباتهم، وينشأ عن ذلك التغذية الراجعة المناسبة، التي تسهم في ضمان سلامة المسار للعملية التعليمية.
· التواصل: في حقيقته، جوهر النشاطات الصفية، وضمانة المعلم لتسهيل التعلم وتحسين مستوى تحصيل الطلاب وبناء شخصياتهم، وعلى الرغم من أن السلوك اللفظي هو أكثر أنماط السلوك شيوعًا في مدارسنا، إلا أن التفاعل الصفي يشمل، إلى جانب التفاعل اللفظي في غرفة الصف، أنماطًا أخرى من السلوك والتفاعل والتواصل غير اللفظي الذي يسهم في فاعلية النشاط الصفي إلى حد كبير. (خليل، وآخرون، 2008).
استراتيجيات التدريس المرتبطة
بالمهارات الحياتية
تناولت الأدبيات التربوية في توصيفها لمناهج المستقبل، المنهج الخفي Hidden Curriculum والذي يركز على ما يكتسبه المتعلم دون تخطيط من قبل المنهج الرسمي المعلن، ولعل من أكثر الأمور التي يشير إليها المنهج الخفي هو التنظيم الخفي للمهارات الحياتية التي يكتسبها المتعلم من قبل المعلم، فصحيح أن المعلم يدخل إلى الحجرة الدراسية ليعلم طلابه أكاديميات تتعلق باللغة أو الرياضيات أو العلوم، ولكن في ذات الوقت يصيب المتعلم من المعلم أمورًا تتعلق بطريقة التواصل وإدارة التعامل ومهارات الذات، ومن هنا تؤكد أدبيات القرن الحادي والعشرين على الكثير من المهارات الحياتية التي ينبغي على المعلم أخذها بعين الاعتبار في تعليمه لطلابه، بحيث تخرج من حيز المنهج الخفي إلى حيز المنهج المُعلن، بل تذهب بعض الاتجاهات إلى ما هو أبعد من ذلك بأن يكون ضمن المناهج الدراسية مقررات مستقلة تحت مسمى المهارات الحياتية. ويلخص الشكل رقم (5) تطور النظرة للتعامل مع المهارات الحياتية.
ويوضح الجدول التالي قائمة موجزة بالمهارات الحياتية التي يتوقع أن يقوم معلم القرن الحادي والعشرين بتنميتها لدى المتعلمين.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي