د. طلال حاطوم
كثرت في الاونة الاخيرة الدراسات والابحاث التي تستعرض مخططات ومشاريع تقسيم المنطقة العربية الى دويلات اثنية وعرقية وطائفية ومذهبية، وترسم خرائط الفوضى والدم، تعدل بين الحين والاخر وبناء للظروف الواقعية الناتجة عن تطور الاوضاع في هذا البلد او ذاك، او استناداً الى متغيرات سياسية ظرفية تعيد تشكيل السلطة في منطقة او اخرى، او حتى محاولات اقتناص دول الاستعمار المفاهيم الديمقراطية لتغير غير ديمقراطي في بلدان تريد دول الاستعمار منعها من التحرر الحقيقي.
واذا كانت هذه الدراسات والابحاث تعود في اصولها الى الثلث الاخير من القرن الماضي (القرن العشرين) فإن كثيرين من المحللين، وربما السياسيين، لم ينتبهوا الى ما سمي بـ “وثيقة كامبل”، التي تعود الى العام 1905 ـ1907، وتؤسس فعلياً الى صورة المشهد الاستعماري في نظرته الى منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي والاسلامي. واذا تغيرت الوجوه والدول والمواقع فإن الاساس يبقى هو ذاته: البحث عن سبل ايجاد (عالم) يسهل السيطرة عليه، ويفقد كل مقومات الصمود والبقاء، وتعمّه الحروب والنزاعات.
ومع أهمية الدراسات والابحاث (وخطورتها)، لم تكن فكرة السيطرة على (العالم، أو بعض مناطقه الحيوية على الأقل) جديدة على الدول الاستعمارية التي تطمع إلى استيلاب الشعوب مقدراتها وثرواتها، واستعبادها والاستيلاء على بلدانها ايضاً. ولم تشذ بريطانيا، الامبراطورية العظمى التي لا تغيب عنها الشمس، عن هذه القاعدة، بل كانت تضع الاستراتيجيات والخطط وتسوّق لها من اجل استمرار سيطرتها على المستعمرات وزيادة مساحاتها، وكانت تبحث دائماً عن اراضٍ جديدة بعد نفاذ مخزون الاراضي التي تستعمرها، وعن شعوب جديدة تضعها تحت سيطرتها.
وبريطانيا تختلف عن مثيلاتها من الدول الاستعمارية بأنها لا تكتفي فقط بالحروب المباشرة والقوة العسكرية طريقاً ووسيلة للسيطرة على البلدان واحتلالها، بل انها ترسم الخطط الاستباقية وتضع الاستراتيجيات وتبني التحالفات من أجل الوصول الى غاياتها الاستعمارية، ولو على حساب زوال أمم وشعوب واندثار حضارات. وقد سنحت الفرصة لبريطانيا في اوائل القرن العشرين الماضي، حين بدأت بوادر ضعف “الرجل المريض” (السلطنة العثمانية)، لمد نفوذها وسيطرتها على البلدان الواقعة تحت النفوذ العثماني، خصوصاً وان هذه البلدان تمتلك في مخزون ثرواتها كميات كبيرة من النفط والغاز وغيرها. فقد اكتشف الغرب في بداية القرن العشرين النفط العربي وبالذات عام 1905، وأدرك أن المنطقة العربية من أقصى الشرق الى أقصى الغرب تضم في جنباتها أكبر مخزون للنفط في العالم، وبدأ الصراع بين الدولة العالمية الفتية الولايات المتحدة، وبين دول أوروبا الباردة في سبل السيطرة على منابع النفط منذ عام 1905، في حين كانت بريطانيا ترى ان الوقت ملائم للاستثمار على قوتها وعلاقاتها لتقود حملة محاصصة وتوزيع مغانم لتركة السلطنة العثمانية للتعويض عن ما يمكن ان تخسره في البلدان التي تسيطر عليها.
وثيقة كامبل 1907
انطلاقاً من تفكيرها الاستعماري، وفي فترة ترؤس السير هنري كامبل بنرمان للحكومة البريطانية، دعا حزب المحافظين البريطاني عام 1905 م، سراً إلى مؤتمر يهدف إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول فترة ممكنة، متبنياً فكرة مشروع لحزب الأحرار الحاكم آنذاك.
المؤتمر الذي عقد حينذاك ضم الدول الاستعمارية: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، ايطاليا، البرتغال([1])، واستمرت مناقشات وجلسات المؤتمر لمدة سنتين. وفي نهاية المؤتمر 1907م خرج ممثلو الدول المشاركة بوثيقة سرية، سموها “وثيقة كامبل” نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل([2]). (رغم أن هناك من يرى أن الوثيقة هي عبارة عن رسالة صاغها اللورد هنري كامبل رئيس وزراء بريطانيا بين عامي (1905ـ 1908)، وبعث بها إلى الجامعات البريطانية والفرنسية لدراستها، وقد أصدرتها هذه الجامعات عام 1907 تحت اسم (وثيقة كامبل). وهي تتضمن خطة غربية (بريطانية) تتيح للحضارة الغربية استمرار السيطرة على العالم)([3]).
في كل الاحوال، تعتبر الوثيقة “إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب، والممر الطبيعي الى القارتين الآسيوية والإفريقية، وملتقى طرق العالم، وأيضاً هو مهد الأديان والحضارات، ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان “
ولكن هذا (الشريان الحيوي) للاستعمار يكاد يكون مسدوداً بإشكالية أنه “يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان”، ولذلك رأت الوثيقة انه لا بدّ من التحرك على نطاق واسع لحل هذه الاشكالية، مع لحظ ان الدول في منطقة البحر الابيض المتوسط ليست على حدود الدول الاوربية ومن الصعوبة نقل الجنود والعتاد والمؤن الى منطقة الاستعمار والسيطرة، لا سيما اذا كان الهدف الاستعمار طويل الامد، او على الاقل حتى جفاف الثروات المختزنة في مناطق الاستعمار، وعلى اساس هذه النظرة تضمنت الوثيقة جملة مقترحات وتوصيات أبرزها:
1 ـ إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة. وعلى هذا الأساس يجب تقسيم دول العالم إلى ثلاث مساحات أو فئات ليسهل التعامل معها:
ـ الفئة الأولى: هي المساحة الغربية، (وتنتمي بريطانيا إليها، والتي عليها أن تبقي زمام السيطرة على العالم بيدها) وتشمل دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعمها ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول.
ـ الفئة الثانية: هي المساحة الصفراء (ربما كانت نسبة للعرق الأصفر) التي كانت بريطانيا لا ترى آنذاك أنها تنافس الحضارة الغربية أو تتناقض معها، بل يمكن غزوها ثقافياً نظراً لهشاشة ثقافتها (حسب الوثيقة)، مع امكانية التعامل التجاري معها. وهي بالاجمال دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها، ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أميركا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتوائها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها.
ـ الفئة الثالثة: أو المساحة الخضراء، وتدعي الوثيقة “أن اللون الأخضر هو لون (الشر) في الثقافة الغربية. هذه المساحة التي تحتوي على منظومة قيمية ودينية منافسة للمنظومة الغربية المسيحية التي صارعتها في مناطق كثيرة وأخرجتها من بعضها”. وهذه المساحة تشمل دولاً لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية، ويوجد تصادم حضاري معها، وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام)، والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية.
وتؤكد الوثيقة على “أن من واجب الحضارة الغربية أخذ الاحتياطات والإجراءات لمنع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة الثقافية أو إحدى دولها لأنها مهددة للنظام القيمي الغربي”، ولا بد من التعامل معها وفق الإجراءات التالية:
أ- حرمان دولها من المعرفة والتقنية وضبطها في حدود معينة. (ربما ما تتعرض له الجمهورية الاسلامية في ايران اليوم من ضغوطات وعقوبات اقتصادية لمنعها من الاستثمار على برنامجها النووي للاستخدام السلمي هو من بقايا هذا الفكر الذي اسست له “وثيقة كامبل” ورأت فيه الدول الاستعمارية الجديدة وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية ارضية صالحة للاستمرار في السير في توصياته). وفعلاً بقي الوطن العربي والاسلامي يعاني من ضعف التقنية بعد أن ساهمت شعوبه مساهمة فعالة في الحضارة العالمية وزودتها بكم هائل من المعارف والعلوم، في الوقت الذي سمحت فيه الدول الاستعمارية للكيان الإسرائيلي بامتلاك كل أنواع التقنية وساعدتها في ذلك، كما ساعدتها على امتلاك السلاح النووي وهي الدولة الوحيدة التي سمحت لها بذلك. كما مُنعت جميع المشاريع العلمية التي حاول العراق امتلاكها إما بتخريب المراكز العلمية وضربها كما فعلت “إسرائيل” بضرب المفاعل النووي العراقي في بدايته، أو بتهديد العلماء وخطفهم وقتلهم، أو بإغراء بعضهم لهجر وطنه.
ب – إيجاد أو تعزيز مشاكل حدودية متعلقة بهذه الدول. (ليس مثالاً واحداً ما يُمكن ان يُستعرض هنا للدلالة على مدى نجاح هذا البند في ايجاد النزاعات الحدودية بين معظم دول المنطقة: العراق والكويت ـ مصر والسودان ـ مصر وليبيا ـ فلسطين والأردن ـ السعودية واليمن…). واجهاض اي مشروع يمكن ان يشكل نواة لوحدة عربية او حتى تقارب اقتصادي او ثقافي (مشروع جمال عبد الناصر النهضوي فيما يتعلق بوحدة العرب ونهضتهم).
ج – تكوين أو دعم الأقليات بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول، ويظل مرهوناً بالمحيط الخارجي. (وكأن ما يشهده العالم العربي اليوم من دعوات اثنية وعرقية وطائفية ومذهبية “لتقسيم المقسم وتفتيت المفتت” على ما أشار اليه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في توصيفه لحال دول المنطقة والمشاريع التي تستهدف عناصر قوتها ووحدتها، هي نتاج هذه الفقرة من توصيات “وثيقة كامبل”).
2 ـ محاربة أي توجه وحدوي فيها. ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى (إقامة دولة) في فلسطين بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية، تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادٍ يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي، مما يحول دون تحقيق وحدة الشعوب العربية، ليس فقط فصلاً ماديًا وجغرافياً عبر “الكيان الإسرائيلي”، وإنما اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، مما أبقى العرب في حالة من الضعف مع استمرار تجزئة الوطن العربي وإفشال جميع التوجهات الوحدوية إما بإسقاطها أو تفريغها من محتواها. (من أسباب حالات العداء والمنازعات الرئيسية بين الدول العربية الصراع مع “إسرائيل”، والموقف من هذا الصراع، ودور القوى الخارجية في دفع هذه الدولة أو تلك لإتباع سياسات تتعارض مع مواقف دول أخرى، مما يشكل سببًا جوهريًا للتوترات العربية. وحتى مشاكل الحدود بين بعض الأقطار العربية يمكن أن تعزى إلى العامل الخارجي في معظمها وبالتحديد عند ترسيم الحدود التي ترسم اليوم بالدم والفوضى.
واذا تتبعنا حراك السياسة البريطانية ومجمل السياسات الغربية فيما يتعلق بالوطن العربي وبعض الدول الإسلامية منذ ذلك التاريخ، نستطيع ملاحظة أن “وثيقة كامبل” أسست لوعد بلفور عام 1917 بمنح وطن قومي لليهود في فلسطين، وأقامت (دولة إسرائيل) في قلب الوطن العربي كغدة سرطانية توسعية لمنع وحدته وتقدمه.
كما أسست “وثيقة كامبل” لاتفاقية سايكس ـ بيكو والاتفاق على تقسيم الوطن العربي إلى مناطق نفوذ بين بريطانيا وفرنسا، وفرض الانتداب والاحتلال عليها، كما منحت إيطاليا حق استعمار ليبيا، وهي التي ساهمت بفعالية في مقاومة نجاح أي مشروع نهضوي عربي أو إسلامي. ويمكن القول أن هذا المؤتمر والوثيقة الصادرة عنه والتوصيات التي تحولت الى مشاريع فعلية تنفذ على مسرح المنطقة العربية والاسلامية، قد شكلت النواة الأساسية والتي انبثق عنها كل من اتفاقية سايكس بيكو([4])، ومن ثم وعد بلفور([5])، ولم تغب عن مؤتمر ومعاهدة فرساي([6])، ومؤتمر سان ريمو([7])، ومعاهدة سيفر([8])، ومعاهدة لوزان([9]).
وأيضاً، كانت خلفية التوصيات النابعة من “وثيقة كامبل” صدور قرار التقسيم 181 بتاريخ 29/11/1947([10])، وإعلان قيام “دولة إسرائيل” بتاريخ 15/5/1948.
ويكاد يظهر جلياً اليوم ان السياسة الأميركية تجاه العرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تشكلت على المبادئ الأساسية لهذه الوثيقة، خصوصاً فكرة صراع الحضارات والصراع الديني([11])، مع الفارق بإحلال السيطرة الأميركية محل السيطرة الأوروبية والاستعمار القديم بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ومحاولة اعادة ترسيم حدود دول المنطقة على قواعد جديدة تتبنى “وثيقة كامبل” بنسختها الجديدة والمنقحة التي تغير في اسماء المستعمرين مع تغير موازين ونقاط ارتكاز القوى العالمية، وتُبقي على قواعد التقسيم والتفتيت والسيطرة.
تقسيم اتفاقية سايكس ـ بيكو
تقسيم الإمبراطورية العثمانية بموجب معاهدة سيفر
اليوم، وفي عصرنا الحاضر كيف تبدو صورة المشهد على ارض الواقع:
1 ـ في الوطن العربي جسم غريب (الكيان الإسرائيلي)، في ظل كمّ كبير وواسع من الاختلاف الحاصل ما بين الدول العربية حول طبيعة التعامل مع هذا الكيان، فهناك من قام بالتطبيع معه، وهناك من رفض الاعتراف به، وهناك من هو في حالة حرب معه. وهذا ما أراده واضعو “وثيقة كامبل” اساساً، وكان بنداً أولاً في استراتيجيتهم.
2 ـ اختلاف وخلاف ونزاع عربي مستحكم منذ عقود دونما أسباب جوهرية فعلية، بل استناداً الى رؤية حكام وأنظمة، لا تمت بصلة الى طموحات الشعوب ونظرتها الى عناصر قوتها.
3 ـ الوحدة ما بين الدول العربية والتعاون والاندماج مفقودة وغائبة عن البرامج وجداول الاعمال، بل ان الانقسام والبحث عن اسباب ومبررات له هي اللغة السائدة التي يروج لها من المنابر الاعلامية التابعة لاعداء الامة.
4 ـ حجم التجارة البينية ما بين الدول العربية بعضها البعض قياساً بالتجارة البينية ما بين الدول العربية الأوروبية يشكل صدمة كبيرة بسبب التفاوت في حجم هذه النسب.
5ـ التفاوت العلمي الحاصل حتى بين الدول العربية والاسلامية مبني على استسهال بعض الدول للتبعية والخنوع مقابل الحصول على فتات تقنيات وتكنولوجية (المفتاح باليد)، دون تأسيس لاعداد كوادر بشرية متقدمة وبناء لأرضية علمية مستقلة تسهم في التطوير والتقدم والرقي والخروج من دائرة التبعية الدائمة.
اخيراً، هل يصح دائماً ان نرى مخططات تقسيم اوطاننا في الوثائق ونقبل بها وكأنها قدر محتوم؟
هل نترك للدسائس والمؤامرات التي تدبر في ليل المؤتمرات السرية والعلنية ان تتحكم بمصير شعوبنا؟
هل ننتظر سكين التقسيم ووثائقه لتمعن في حدودنا وشعوبنا ترسيماً لمصلحة الاستعمار والهيمنة؟
أم علينا ان نهبّ لمواجهة التحديات والاستثمار على وحدتنا، وعلى قدراتنا الذاتية، والاهم الاستناد الى مقاومتنا التي اثبتت انها قادرة على صنع التاريخ وإعادة رسم الجغرافية، ونحن مؤمنون بالنصر؟
[1] ـ شارك في المؤتمر فلاسفة ومشاهير المؤرخين وعلماء الاستشراق والاجتماع والجغرافية والاقتصاد، إضافة إلى خبراء في شؤون النفط والزراعة والاستعمار. ويمكن إيراد أسماء بعض المشاركين: البروفيسور جيمس: مؤلف كتاب “زوال الامبراطورية الرومانية”، البروفسور لوي مادلين: مؤلف كتاب:”نشوء وزوال امبراطورية نابليون” الأساتذة: لستر وسميث وترتخ وزهروف.
وبالنظر إلى ضخامة الدراسات وأوراق العمل المقدمة إلى المؤتمر، تشكلت لجنة للمتابعة سميت بـ”لجنة الاستعمار”. نظمت اللجنة “استفتاءات شملت الجامعات البريطانية والفرنسية التي ردّت على التساؤلات المطروحة، بأجوبة مفصلة. وشملت اتصالات اللجنة المفكرين والباحثين وأصحاب السلطة في حكومات الدول الغربية إضافة إلى كبار الرأسماليين والسياسيين.
أنهت اللجنة أعمالها في العام 1907 وقدمت توصياتها إلى المؤتمر. خرج المؤتمر بوثيقة سرّية سميت “وثيقة كامبل” أو “تقرير كامبل” أو “توصية مؤتمر لندن لعام 1907″. التقرير استراتيجي بكل معنى الكلمة ولمّا يزل معتماً عليه فلم ينشره مصدروه ولم يفرج عنه بشكل نهائي وقد مضى قرابة قرن على إصداره.
[2] ـ افتتح “كامبل” المؤتمر بكلمة مطولة جاء فيها: “إن الامبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حدٍّ ما ثم تنحل رويداً رويداً ثم تزول والتاريخ مليء بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة، فهناك امبراطوريات: روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرهم. فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره؟ وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا..”
[3] ـ بقيت الوثيقة حبيسة الأرشيف البريطاني، ولم يفرج عنها سوى لمدة أسبوعين فقط ثم أعيد سحبها من جديد؛ خوفاً من آثارها المحتملة على العلاقات البريطانية مع العالم، لكن كثيرا من المراكز البحثية والمواقع اقتنصتها وعمّمتها).
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي