3: وثيقة كامبل السرية
دعا حزب المحافظين البريطاني كلا من فرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وايطاليا عام 1905 الى عقد مؤتمر سري استمرت مناقشاته لمدة عامين وتم التوصل في نهاية المؤتمر الى وثيقة سرية عرفت بوثيقة كامبل نسبة الى رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت هنري كامبل بنرمان
ولقد توصل المجتمعون الى نتيجة مفادها » إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي الى القارتين الآسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الأديان والحضارات والإشكالية في هذا الشريان أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان » وإن أبرز ما جاء في توصيات هذا المؤتمر
1: الإبقاء على شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة
وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة اليهم الى ثلاث فئات
الفئة الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية ( دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأوستراليا ) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل الى أعلى مستوى من التقدم والإزدهار
الفئة الثانية : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديداً عليها ( كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديداً عليها وعلى تفوقها
الفئة الثالثة : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديداً لتفوقها ( وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام ) والواجب تجاه هذه الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لإمتلاك العلوم التقنية.
2: محاربة أي توجه وحدوي فيها
ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر الى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ألا وهي دولة إسرائيل واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة.
فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر الدولة الإسرائيلية، وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، مما أبقى العرب في حالة من الضعف. واستمر تجزئة الوطن العربي وإفشال جميع التوجهات الوحدوية إما بإسقاطها أو تفريغها من محتواها، ولا يعني هذا الأمر بالضرورة تدخلاً إسرائيلياً وإنما هو مصلحلة لوجود إسرائيل من جهة وللتعاون بينها وبين القوى الخارجية الطامعة بالعرب من جهة ثانية. أقدمت الأتفاقية إلى الحد من نهوض العرب ومنعهم من التقدم وامتلاك العلم والمعرفة وذلك من خلال سياسات الدول المتقدمة التي تمنع عن العرب وسائل ولوج العلم وامتلاك إمكانية تطويره والمساهمة في إنتاج المعرفة. إن من أسباب حالات العداء والمنازعات الرئيسة بين الدول العربية الصراع مع إسرائيل والموقف من هذا الصراع ودور القوى الخارجية في دفع هذه الدولة أو تلك لاتباع سياسات تتعارض مع مواقف دول أخرى، مما يشكل سبباً جوهرياً للتوترات العربية. وحتى مشاكل الحدود بين بعض الأقطار العربية يمكن أن تعزى إلى العامل الخارجي في معظمها.
في عام 1905 دعا حزب المحافظين البريطاني سرّاً إلى عقد مؤتمر يهدف إلى إعداد استراتيجية أوربية، لضمان سيادة الحضارة الغربية على العالم، وإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الغرب الاستعماري إلى أطول أمد ممكن.
ولما كان حزب المحافظين خارج الحكم، فقد قدم فكرة الدعوة إلى عقد المؤتمر إلى رئيس حزب الأحرار: هنري كامبل بنرهان » رئيس الوزارة البريطانية آنذاك.
لم يكن « كامبل » بعيداً عن هذه الفكرة، فقد كان مولعاً بفلسفة التاريخ، وكان معنياً بأن تبقي بريطانيا على امبراطوريتها التي تمتد من أقصى الأرض إلى أقصاها . دعيت إلى المؤتمر الدول الاستعمارية كافة وهي:
بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، البرتغال . شارك في المؤتمر فلاسفة ومشاهير المؤرخين وعلماء الاستشراق والاجتماع والجغرافية والاقتصاد، إضافة إلى خبراء في شؤون النفط والزراعة والاستعمار.
ويمكن إيراد أسماء بعض المشاركين:
البروفيسور جيمس: مؤلف كتاب « زوال الامبراطورية الرومانية »
البروفسور لوي مادلين: مؤلف كتاب: « نشوء وزوال امبراطورية نابليون »
الأساتذة: لستر وسميث وترتخ وزهروف.
افتتح « كامبل » المؤتمر بكلمة مطولة جاء فيها:
« إن الامبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حدٍّ ما ثم تنحل رويداً رويداً ثم تزول والتاريخ ملئ بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة، فهناك امبراطوريات : روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرهم.
فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره ؟
وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا.. »
وبالنظر إلى ضخامة الدراسات وأوراق العمل المقدمة إلى المؤتمر، تشكلت لجنة للمتابعة سميت بلجنة الاستعمار.
نظمت اللجنة « استفتاءات شملت الجامعات البريطانية والفرنسية التي ردّت على التساؤلات المطروحة، بأجوبة مفصلة شملت اتصالات اللجنة المفكرين والباحثين وأصحاب السلطة في حكومات الدول الغربية إضافة إلى كبار الرأسماليين والسياسيين.
أنهت اللجنة أعمالها في العام 1907 وقدمت توصياتها إلى المؤتمر. خرج المؤتمر بوثيقة سرّية سميت « وثيقة كامبل » أو « تقرير كامبل » أو توصية مؤتمر لندن لعام 1907″. (د.سلطان الجاسم فلسفة التاريخ ص62)
التقرير استراتيجي بكل معنى الكلمة ولمّا يزل معتماً عليه فلم ينشره مصدروه ولم يفرج عنه بشكل نهائي وقد مضى قرابة قرن على إصداره.
تحدث بعض الباحثين عن الإفراج عن التقرير، فالأستاذ محمد حسين هيكل – المعروف بدقة مصادره – أورد في كتابه « المفاوضات السرّية وإسرائيل » التوصية النهائية للتقرير تحت عنوان: » وصية بنرمان. »
« والباحث المحامي انطون سليم كنعان أشار إلى التقرير في محاضرة له بعنوان « فلسطين والقانون » ألقاها سنة 1949 في كل من جامعتي فلورينو وباريس، وقد استند في معلوماته إلى مصادر إيطالية
وقد نشر اتحاد المحامين العرب المحاضرة ضمن منشوراته التي غطت أنشطة مؤتمره الثالث الذي انعقد في دمشق 21-25 أيلول 1957 ص 457-489
وقد أشار إلى التقرير الدكتور مسعود الضاهر (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية) وردود الفعل العربي عليه وذلك ضمن بحثه المنشور في مجلة « البحث التاريخي « السورية العدد7 لعام 2003 .
وقد أشار الدكتور جاسم سلطان في كتابه « إدارة فلسفة التاريخ » إلى الإفراج عن التقرير لمدة أسبوعين فقط ثم أعيد خوفاً من آثاره الممتدة.
إلاّ أن أهم المراكز البحثية التي نشرت التقرير هي وزارة الإرشاد القومي في مصر إذ تضمن ملف وثائق فلسطين من عام 637م- إلى عام 1949 التقرير تحت عنوان: توصية مؤتمر لندن المسمى مؤتمر كامبل سنة 1907:
وفيما يلي نص التوصية:
« إن إقامة حاجز بشري قوي غريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معاً بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها. هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة ».
وبالرغم من وفرة المصادر التي تؤكد صدور هذا التقرير أو هذه الوثيقة، إلا أن عدم الإفراج عنه بشكل نهائي كما أشرنا، جعل بعض المؤرخين والباحثين يشكك وجوده فعلاً أم أنه من إبداع الخيال، وكان من المفترض أن تقوم مراكز الأبحاث الفلسطينية والموسوعة الفلسطينية، بدراسته والحديث عنه، وهذا الذي لم يتحقق.
والبحث الذي نحن بصدده، يعرض إلى الوثيقة كما وردت في المصادر المتعددة، ومناقشتها استناداً إلى المنظومات القيمية للغرب، بخلفياتها التاريخية وأصولها الفلسفية، كما يتعرض إلى الممارسات الاستعمارية للغرب قبل وخلال السياق الزمني الذي أعدّت فيه هذه الوثيقة. «
لقد تم عرض مئات من البحوث ومن الدراسات والأوراق كثير منها لم يتم الكشف عنه . ولعل أكتشاف النفط في العالم العربي والى ظهور منافس قوي في هذا المجال ألا وهو الولايات المتحدة قد سَرع في تنفيذ مقررات هذا المؤتمر من أجل السيطرة على هذه الثرة واحتلال العالم العربي وتقسيمه . فنجم عنه اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917 ومؤتمر فرساي عام 1919 ومؤتمر سان ريمو عام 1920 ومؤتمر سيفر عام 1920 ومؤتمر سان ريمو عام 1923 وتم تتويجه بقرار الأمم المتحدة الظالم رقم 181 بتاريخ 29/11/1947 القاضي بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس وتبعه بتاريخ 15/5/1948 وثيقة إعلان دولة إسرائيل وبتاريخ 11/5/1949 تبوأت إسرائيل مقعدها في الأمم المتحدة بصفتها العضو 59 في المنظمة الدولية
والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن الى من تتوجه الحكومة الفلسطينية لإيجاد حل لقضيتها هل تتوجه الى الدول العربية هل تتوجه الى الأمم المتحدة هل تتوجه الى الدول الأوروربية أم هل تتوجه الى الولايات المتحدة.
لا تنسوا ابدآ وثيقة كامبل بنرمان ..!
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي