هذا خطابي لمن أراد التميز، وسعى للنجاح: (لابد من الشعور بالتحدي) و(مواجهة العقبات بكل قوة وشجاعة).
إن في الحياة تحديات وأزمات وعوائق؛ من استسلم لها فسوف يبقى في مؤخرة الصف، وسينال من نصب الزمان وعتب الدهر بعد حين.
إذن.. انطلق إلى التحديات، وواجه العقبات، وتأكد أن الشجاعة صبر ساعة، ولك أن تتأمل في التاريخ:
- نوح عليه السلام، ومواجهة سخرية قومه وتحديه لهم مع أن الفئة التي معه قليلة: (( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ )) [هود:40].
- موسى عليه السلام، والتحدي الكبير لفرعون الطاغية.
- وتأمل سحرة فرعون لما رءوا الحق المبين فأعلنوها لفرعون: (( آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) [الأعراف:121]، فهددهم وتوعّدهم؛ فزادهم ذلك إصرارًا وقوة، وقالوا: (( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )) [طه:72].
يا الله.. ما أعظم التحدي! ما أعظم قوة اليقين بالله، والمواجهة لعقبة التعذيب! قال فرعون: (( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ )) [الأعراف:124]، فما هو جوابهم.. يا ترى؟!.
كيف كانت كلماتهم التي خرجت من قلب عرف الحق، وذاق لذة الدين؟! (( قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا..? [الشعراء:50-51].
إنه الإيمان في أعلى صوره، إنه اليقين في أجمل لحظاته، حينما يكون التحدي القوي لقوة فرعون وطغيانه وجبروته.
وانظر لرسولنا صلى الله عليه وسلم لما أعلن الدعوة ووقف على الملأ: ( أنا النذير العريان ) متفق عليه، إنه التحدي لكل صور الشرك والمشركين في عصره، وتبدأ سلسلة الاتهامات ومكائد الاغتيالات له.. فهل توقف أم بقي ثابتًا على منهجه، صابرًا على دعوته، متحديًا لكل من وقف في طريق دعوته.
وانظر في سيرة الأصحاب الأبرار، فاقرأ قصة بلال الذي ذاق لذة الإيمان وشعر بحلاوة الطمأنينة؛ فأعلنها صريحة: أحد.. أحد، ما أروع الكلمة! ما أقوى العبارة (أحد.. أحد..).
يا الله.. هل كانت أسماع قريش تعرف ذلك التحدي؟!.
هل توقع صناديد الكفر أن يبقى بلال على دينه رغم أنواع التعذيب الذي ألحقوه به؟! إنه التحدي.. إنه الصمود لكل عائق في طريق الوصول لرضوان الرب الكريم.
وفي نظرة أخرى لأسرة آل ياسر الذين تحدوا صور الأذى من أجل البقاء على الدين والثبات عليه.
وهذا خبيب بن عدي يتحدى الشرك والقتل، فيُصلب ويُقتل، ويتصل بمولاه قبل القتل بركعتين، فيكون أول من سن الصلاة عند القتل.
فعجبًا له يركع لربه الذي سيُقتل في سبيله، ثم يعلنها:
ولست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي
وتجري السنون لنقف على موقف الجبل: أحمد بن حنبل حينما يتحدى المبتدعة ورءوسهم من السلطة في فتنة خلق القرآن، فيحاورونه فينقطعون، ولم يجدوا إلا الجلد والسجن، فيصبر صبرًا عجيبًا متحديًا كل المحن والمصائب؛ لأجل ربه عز وجل، وبعد أشهر يخرج وقد التصق به لقب (إمام أهل السنة والجماعة).
ولازال أئمة السنة يتحدون كل مبتدع ضال، فهذا البطل ابن تيمية يقف أمام أنواع المبتدعة والفلاسفة والرافضة.. وغيرهم، ويتحداهم كلهم بالحجة والبيان والتأليف والردود، ويتحدى علماء عصره بالدليل بلا تعصب مقيت، فتأتيه العداوات، ويدخل السجن مرات ومرات، حتى يكون له الموت في سجنه محتسبًا صابرًا؛ لأجل الحق الذي دافع من أجله.
وهذا المجدِّد ابن عبد الوهاب الذي يقف في وجه أعداء الدعوة السلفية بثبات عجيب وقوة لا تلين، حتى تنتصر الدعوة ويتضح المنهج.
وانظر في تاريخ فلسطين لترى صور التحدي لجرائم الاغتيالات والأسر والتعذيب والتجويع التي تمارسها الحكومة الصهيونية لإخواننا، ومع ذلك تجد أن الأبطال يمارسون التحدي لكل ألوان البطش اليهودي، ويقف الطفل والحجر في يمينه أمام المدرعات متحديًا بقوته كل قوى الشر.
فما أعجب التحدي إذا كان منهجًا لأطفالنا؛ فكيف لو كان لكبارنا.
وفي غزة رمز العزة ظهر التحدي للحرب الغاشمة التي هزَّت العالم، ولم تهزّ مشاعر التحدي لأولئك النخبة المؤمنة، بل زاد التحدي وقوي الإصرار، وسالت دماء، وسجّل التاريخ أسماء الشهداء لما كان التحدي شعارهم ودثارهم.
وعلم العالم أجمع بعد أشهر أن الفائز والبطل هو المسلم الفلسطيني الذي تحدى كل أسلحة إسرائيل بقوة الإيمان واليقين المستفاد من القرآن الكريم.
وهكذا تتنوع قصص التحدي في تاريخنا العظيم، لتثبت لمن يقرأ أن أبناء الإسلام يعشقون الثبات حتى الممات، وأن التنازلات عن المبادئ ليست في قاموس الأبطال.. فليخسأ كل بطَّال.