على خلاف الثورتين التونسية والمصرية تعاملت الأنظمة العربية مع الثورة الليبية بكثير من الإيجابية، وبقدر من التفهم، وهو ما توج بإعلان جامعة الدول العربية عدم شرعية نظام القذافي والطلب من مجلس الأمن فرض حظر جوي على طيرانه الحربي.
غير أن المواقف الرسمية من الثورة لدول اتحاد المغرب العربي -التي تمثل المحيط العربي الأقرب جغرافيا لليبيا- لم ترتق إلى مستوى الموقف العربي, وبدت وكأنها تبارك وإن بشكل غير معلن تدخل الكتائب الأمنية للعقيد الليبي ضد مواطنيه العزل.
ورغم أن الخلافات الثنائية عصفت باتحاد المغرب العربي منذ سنوات تأسيسه الأولى، حيث رفض العقيد معمر القذافي عام 1995 استلام رئاسة الاتحاد الدورية من الجزائر بحجة عجزه أمام الحصار المضروب على بلاده, فإن مواقف هذه الدول ولاعتبارات مختلفة لم تكن بأي حال من الأحوال لصالح الثورة.
وتقول تقارير إخبارية إن موريتانيا أدانت العنف علنا لكنها هاتفت القذافي سرا، بينما دعت الجزائر لوقف العنف لكنها باركت رواية القذافي بأن من يتحركون هم فلول وخلايا القاعدة والإرهاب.
محوران
ووفق متابعين للشأن المغاربي فإن الدول المغاربية الأربع تنقسم في التعاطي مع الثورة الليبية إلى محورين: داعم مؤيد للقذافي كما هو الحال بالنسبة للنظامين الجزائري والموريتاني، أو صامت يترقب وينتظر انجلاء الموقف كما هو شأن المغرب وتونس.
"
يرى متابعون للشأن المغاربي أن الدول المغاربية الأربع تنقسم في التعاطي مع الثورة الليبية إلى محورين: داعم مؤيد للقذافي، أو صامت يترقب وينتظر انجلاء الموقف
"
ويرى الكاتب الصحفي الحسين ولد محنض أن موقف الجزائر ينبع من ظروف موضوعية تتعلق من جهة بدعم القذافي لجبهة البوليساريو المقربة من الجزائر، وتأثيره الكبير في أوساط قبائل الطوارق التي تتمركز في منطقة الصحراء الحساسة أمنيا وعسكريا بالنسبة للجزائر.
ويضاف إلى هذه العوامل –وفق ولد محنض- التقارب النسبي في فلسفة الحكم القائمة تاريخيا على المنطق الاشتراكي، وخوف الجزائريين من ريح الديمقراطية الآتية من وراء الحدود.
ولاعتبارات اقتصادية يرى أن موريتانيا لن تكون هي الأخرى سعيدة بانهيار نظام القذافي الذي احتضن سياسيا وماليا نظام ولد عبد العزيز بعد انقلابه, وحشد له الدعم الأفريقي وتعهد له قبل نحو عام بخمسمائة مليون دولار ومشاريع كان النظام الموريتاني يتوقع أن تعود بالنفع الكبير على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية في سنواته الصعبة.
ويشاطر المحلل الموريتاني الهيبة ولد الشيخ سيداتي الرأي السابق، ويرى أن موقف الأنظمة المغاربية من ثوار ليبيا ينطلق من خشية هذه الأنظمة من انتقال هذه الثورة التي بدأت مغاربيا مع تونس إلى بقية أنظمة البلدان المغاربية، وهم مع اختلافهم أو اتفاقهم مع القذافي يرون فيه حاليا الكابح القوي لإعصار الثورات العاتي القادم بقوة إلى مختلف هذه البلدان.
ومن جهته يؤكد نقيب الصحفيين الموريتاني الحسين ولد امدو أن الأنظمة المغاربية لن تصفي حساباتها السابقة مع القذافي، بل كل شغلها حاليا هو وقف مسار الثورات، ولذلك فهي حين تتعاطى مع الأوضاع الليبية تضع في الحسبان أوضاعها الداخلية المشابهة تماما للظروف في ليبيا.
تخوُّف
أما بخصوص موقفي تونس والرباط فيرى ولد الشيخ سيداتي أن النظام المغربي كان أقل سلبية وأقل تحفظا حين دعم الاقتراح العربي بفرض حظر طيران في ليبيا، ويفسر ذلك بتساوق وتماهي الموقف المغربي عادة في القضايا العربية مع الموقف السعودي.
أما ولد امدو فيرى أن تونس -التي هبت عليها رياح الثورة مطيحة بنظام زين العابدين بن علي يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011- تبدو مقسمة فقلبها إلى جانب الثوار، أما يدها فمع اللاجئين والفارين من جحيم القذافي.
ويضيف أن تونس توجه كل اهتمامها إلى أوضاعها الداخلية في هذه الفترة الانتقالية الحرجة, إضافة التي تخوفها من غوائل القذافي ودعمه –في حال نجاته- لاضطرابات على أرضها وفق قوله.