الضرب في المدارس بين مؤيد ورافض
مرت طبيعة العلاقة بين المعلم أو المؤدب أو المربي وبين تلاميذه بتغيرات جذرية على مر العصور، منذ أن كان المربي يُعتمد عليه في تنشئة رجالات الأمة من القادة والحكام والعلماء، وانتهاء بالأساتذة الحاليين وطلابهم المعاصرين!
ومن نافلة القول أن مهام المعلم تغيرت مع تغير الأزمنة. ومع التغير في طبيعة ومهام المعلمين من جهة، وطبيعة ومهام الآباء وأبنائهم من جهة أخرى كان لزاماً أن يكون هناك تغير في صلاحيات المعلمين وما يمثلونه للمجتمع. قبل عقدين من الزمن تعارف الناس على مقولة الأب للمدرسة (لكم اللحم ولنا العظم) ثم بدأ هذا العظم في الوهن! فأدرك الناس -آباء ومعلمين- أن العقاب البدني المتعارف عليه بالضرب يجب أن يخضع لتقنين أكثر أو يلغى، وهو ما قامت به وزارة المعارف بالسعودية أخيراً حيث أصدرت قراراً بمنع الضرب في المدارس.
هذا القرار تباينت حوله الآراء والأطروحات، واختلفت نتائج تطبيقه باختلاف المراحل التعليمية واختلاف مشارب القائمين عليها، فالبعض يعتقد بأن على المعلمين السيطرة على فصولهم ومعاقبة طلابهم بأساليب تربوية حديثة، والبعض الآخر يعتقد بأن القرار ساعد على تخطي الطلبة للحدود على طريقة «من أمن العقوبة...»!
ولن نخوض كثيراً في التقديم؛ لأن في ثنايا تحقيقنا الكثير بين نظريات الكتب والدراسات، والمسح الميداني لآراء المعلمين والطلبة. ومشاركات وآراء التربويين والأكاديميين المتخصصين في السعودية التي أجري فيها هذا التحقيق. السؤال الصغير الذي يكبر: ترى لماذا اضطر بعض المعلمين إلى مخالفة التعليمات؟
لاستيضاح خريطة الرأي في أوساط المعلمين سقنا سؤالنا الأخير عن تأييدهم لقرار منع الضرب في المدارس فأجاب 57% منهم أنهم يؤيدون هذا القرار، فيما يعارضه 43% منهم لإيمانهم بأهمية الضرب كوسيلة لردع الطلاب المشاكسين تعليمياً وسلوكياً.
وما ينبغي التركيز عليه قبل الانتقال لرأي الأبناء أن إجابات المعلمين وأسئلتنا هي عن وضع تعليمي عادي، فنحن هنا لم نسأل أساتذة التربية الخاصة أو المختصين بصعوبات التعلم، أو خبراء تعليم ذوي الحاجات الخاصة، وهي الفئات التي لا يمكن أن يكون الضرب أحد وسائل العقاب عند التعامل معها.
الضرب موجود في المدارس!
جاء الدور هنا على أسئلة الطلبة واستبانتهم الخاصة، وبدون الخوض في المقدمات بدأنا بالسؤال الأكثر أهمية بالنسبة لهم: هل الضرب مسموح به في مدرستك؟
المفاجأة أن 42% من الطلبة أجابوا بنعم، وهذا يؤكد ما ذهب إليه بعض المعلمين من وجود الضرب حالياً رغم قرار المنع، وينفي وجود الضرب في المدارس 51% من الطلبة فيما لا يدري 7% منهم ما إذا كان الضرب يستخدم في مدارسهم!
ويأتي السؤال الأهم لنا ولكم وللمعلمين: ما هي أشد وسائل العقاب تأثيراً على الطلبة؟ وهذه المرة من وجهة نظر الطلبة أنفسهم!
طلبنا من العينة ترتيب مجموعة من أنواع العقاب حسب (أشدها) على نفسه، فكيف كانت النتائج:
رتب 34% من الطلاب شدة العقوبات عليهم كالتالي:
خصم الدرجات، الضرب، استدعاء ولي الأمر، الطرد من الفصل، والتشهير داخل المدرسة.
فيما رتبها 29% كما يلي: استدعاء ولي الأمر أولاً، تلاه خصم الدرجات، فالضرب، والتشهير ثم الطرد من الفصل، وجاء ترتيب 24% من الطلبة للعقوبات حسب شدتها بحيث كان استدعاء ولي الأمر، الضرب، خصم الدرجات، والطرد، ثم التشهير داخل المدرسة.
والبقية التي توضح أمراً مهماً ونسبتهم 13% وضعت الضرب أولاً تلاه خصم الدرجات، ثم استدعاء ولي الأمر فالطرد والتشهير تباعاً.
إذاً الضرب ليس مهماً كثيراً أمام الإحراج عند ولي الأمر، أو أمام خصم الدرجات خصوصاً بالنسبة لطلبة الثانوية العامة الذين كانوا يركزون كثيراً على هذه النقطة.
نظرة صغيرة لكبير
كيف ينظر الطالب للمعلم الذي لا يستخدم الضرب كوسيلة عقاب، أجاب 56% من الطلبة أن هذا المعلم متفهم، فيما اعتبره 22% منهم قوي الشخصية. ونظر إليه 15% منهم على أنه ضعيف، والقليل منهم أحال عدم استخدام المعلم للضرب إلى أنه معلم حنون وهؤلاء نسبتهم 7%.
ولا يحب 88% من الطلبة المعلم الذي يضرب بالعصا وربما يكون هذا طبيعياً، لكن 12% أجابوا بأنهم يحبون هذا النوع من المعلمين، وليتنا استطعنا معرفة السبب (ربما لأن هذا النوع من المعلمين لا يمسّون الدرجات من قريب أو بعيد)!.
ولاستقصاء أكثر عن القضية رغبنا في معرفة أوضاع هؤلاء الطلبة في المنازل، وما هي وسائل العقاب التي يستخدمها الأهل هناك؟
يقول 46% من الطلاب إن أهلهم يوبخونهم شفهياً كوسيلة عقاب رئيسة، فيما يُعاقب بالضرب في منازلهم 21% منهم، ويستخدم الأهل وسيلة المنع من الخروج مع 15% من الطلبة، ويمنع المصروف المالي عن 11% منهم، ويستخدم بعض الأهل وسائل عقابية أخرى مع 7% من الطلبة لم يرغبوا في تحديدها.
وعلى منوال «كما تدين تدان»، ماذا يطلب الأبناء من الوزارة أن تفعله مع المعلم الذي يضربهم، يطالب 70% منهم بمعاقبة هذا المعلم، ويطالب بفصله من التدريس 20% فقط، فيما يعتقد 10% منهم أن على الوزارة أن تشجع هذا المعلم (أيضاً ربما لخوفهم على درجاتهم ومعدلات تخرجهم).
ولمعرفة أفكار جديدة في المعاقبة سألنا الطلاب عن العقاب الذي يعتقد أن زميله يستحقه إذا أخطأ، وهنا كانت الإجابات مفتوحة وغير محددة، إلا أن نسبة كبيرة منهم تطلب أن يكون العقاب على قدر الخطأ، والبقية تطالب بالمفاهمة الشفهية أو العقوبات عن طريق أداء واجبات منزلية أكثر، والغريب أن البعض لايزال يطالب بالضرب لزميله الذي يخطئ.
والرحلة مع الطلاب لها سؤال أخير هو عن رؤيتهم للمستقبل، وهل سيستخدمون الضرب إذا ما أصبحوا معلمين؟
الغالبية الكبيرة من الطلاب، نسبتهم 82% زعموا أنهم لن يستخدموا الضرب في المستقبل، فيما يصر 18% منهم على أنهم سيستخدمونه إذا ما أصبحوا معلمين.
السلوك وصعوبة التعلم
ولإكمال الحلقة -غير المفرغة- كان لابد من سؤال الخبراء والمتخصصين عن القضية، وعن ثلاثة محاور محددة فيها، هي: تقويم وسيلة الضرب كعقاب، والآثار المترتبة على استعماله، ثم البدائل المقترحة، وثالثاً: الموقف من قرار منع الضرب والتعاميم الخاصة به.
ويبدأ د. سعيد بن محمد المليص -نائب مدير عام مكتب التربية لدول الخليج- بقوله: إنني أرى أن مبدأ الثواب والعقاب يجب أن يطبق في المدرسة إذا ما اعتبرنا أن هذا المبدأ هو جزء من العملية التعليمية، وإننا في المدرسة نعلّم الفرد كيف يتأقلم مع مجتمعه بمعنى أن نعوّده النظام، وضبط النفس، ومعرفة حدود الحرية الشخصية، وحقوق الآخرين.
مبدأ الثواب والعقاب يجب أن يدركه الطالب أو الطالبة في المدرسة قبل الخروج إلى المجتمع، ولكن السؤال ما هو السبيل إلى تقنين هذا المبدأ؟ وكيف يطبق؟ ومن هو المخوّل بتطبيقه؟ هذا سؤال يحتاج إلى دراسة مستفيضة من المؤسسات التعليمية أو التربوية آخذة في الاعتبار روح العصر، مستلهمة أهداف التعليم والتعلم الأساسية.
ويرى أن نفرق بين أمرين مهمين حين نطبق مبدأ الثواب والعقاب هما:
1- سوء السلوك وعدم الانضباط والالتزام بنظام المدرسة والمجتمع في صورته المصغرة.
2- التأخر الدراسي الناتج عن قدرات عقلية محدودة.
ويوضح المليص أن مبدأ العقاب والثواب على السلوك أمر حتمي في المدرسة، إذ إنها مجتمع مصغر للمجتمع الذي سيخرج إليه ويصبح فرداً يمارس ما تعلمه وتدرب عليه وسمح له بمزاولته أثناء سني تعليمه. فالطالب المشاغب الذي يسيء السلوك مع معلمه وزميله ومؤسسته، والذي يقصر في أداء واجباته الدينية والمجتمعية يستحق العقاب، وليكن العقاب بالتدريج ووفق أسس علمية تتخذ من الدراسات النفسية قاعدة لها، والعكس بالعكس، فالطالب السوي بسلوكه يستحق الثواب وبالطريقة نفسها.
أما الطالب المتأخر دراسياً الذي لا يستطيع أن يواكب الدراسة بسبب متعلق بقدراته العقلية أو الجسدية أو غيرها مما يكون خارجاً عن طوع الطالب وقدرته فكيف نعاقبه على أمر لا يملكه؟ وهذا في نظري ما نعانيه الآن مع كثير من الإخوة والأخوات المشتغلين بعملية التعليم. إذ إن التفريق بين هذين الأمرين قد لايكون واضحاً لدى الكثيرين منهم نظراً لضغط العمل في المدرسة والفصل، أو لعدم التدريب والتعليم على هذا بشكل كاف.
إن معالجة هذا الأمر -والحديث للمليص- عن طريق نظريات مستوردة لا تنطبق على مجتمع تحكمه شريعة إلهية وتقاليد اجتماعية عريقة، أو عن طريق التعامل بلا عواطف يعتبر مفسدة إضافية إلى المنظومة التعليمية. والبدائل في نظري هي التفكير في مبدأ الثواب والعقاب كوسيلة من وسائل التعليم للفرد، فنحن هنا نعوده ونعلمه ما يجب أن يكون عليه عند خروجه، فحينما نعاقبه على السرقة بعقوبة تدريجية، منها التوبيخ والتلميح ثم التصريح ثم الضرب في النهاية إنما نحميه من قطع يده عند خروجه إلى المجتمع الكبير.
ويضيف أن كثيراً من المربين حدد عدد الضربات ومتى تكون، فابن مسكويه يقول: «إن طريقة التأديب للصبي يجب أن تمر بمراحل وهي التغافل أولاً، ثم التوبيخ، ثم الضرب». ويقول: «لأنك لو عودته التوبيخ والمكاشفة حملته على الوقاحة».
وابن خلدون يقول: «من كان مرباه بالعسف والقهر، سطا به القهر، وضيق على النفس انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعا إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، ولا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذ احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئا».
وهكذا نظر المربون إلى وسيلة العقاب أن تكون معينة للتعلم لا قاهرة له، منبهة للغافل لا انتقامية ولا سلطوية، ولذلك فإنني أرى أن يدرس هذا الأمر بجدية لاسيما في ظل عدم الاختيار الدقيق للمعلمين والمعلمات، أولئك الذين ينخرطون في سلك التدريس بحثاً عن الوظيفة فقط بعيداً عن حب المهنة والتفاني من أجلها.
أما ما يخص تنظيمات الوزارة والتعاميم فكثيراً ما تكون ردود فعل لعمل ميداني سببت إزعاجاً للسلطة الإدارية، ومع حرص كثير ممن ساهم في إصدار منع الضرب على منعه بالأسلوب المتبع لدى كثير من الزملاء والزميلات في المدارس، إلا أنه في قرارة نفسه يودّ لو عولج مبدأ الثواب والعقاب بأسلوب يضمن تهذيب السلوك واستقامته، وتعويد الطلاب والطالبات حدود مسؤولياتهم وواجباتهم.
ويضيف: إنني مع هذا الفريق، أنظر إلى مبدأ الثواب والعقاب كأداة تعليمية إضافية لتعويد الفرد التكيف مع مجتمعه بكامل تقاليده وعقيدته، لا أدعو للضرب مطلقاً ولا لعودته للمدارس، ولكن استعماله كآخر علاج، وفي الحالات التي تتعلق بالسلوك والأخلاق والنظام والواجبات الدينية والمجتمعية العليا.
أما ما يتعلق بالقدرات العقلية فلا حاجة للضرب فيها، إذ على المؤسسات التعليمية تعليم الفرد بالقدر الذي تستطيعه، ويكون هناك قبول من الفرد وفقاً لقدراته وظروفه.
الضرب دليل فشل المعلم
وفي رأي آخر يقول د. محمد بن عبدالمحسن التويجري -رئيس قسم علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود- إن الضرب هو الوسيلة السهلة والتي تؤتي نتائج سريعة لمعاقبة الطالب على سلوك معين غير مقبول، هذا من وجهة نظر المعلم، ولكن الضرب ما هو إلا مهدئ أو مسكن مثل حبة «البانادول أو الأسبرين» وبمجرد زوال ألم الضرب فإن الطالب يصبح مهيأً للعودة للسلوك غير المرغوب فيه.
ويعتبر التويجري المعلم الذي يستخدم الضرب فاشلاً بكل المقاييس؛ لأن المعلم الذي تتوافر فيه السمات الشخصية اللازمة والواجب توافرها في المعلم الناجح لن تجد العصا أو غيرها من وسائل العقاب إلى يده سبيلاً. ويعتقد أن عمر المعلم له دور بارز في قرار استخدام العصا من عدمها، فالمعلم صغير السن قليل الخبرة يكون عادة أسرع في استخدام الضرب من المعلمين الذين أمضوا مدة زمنية وتكونت لديهم الخبرات اللازمة.
ويضيف أن من أهم الآثار المترتبة على الضرب هو اهتزاز شخصية الطالب وفقدانه الثقة في نفسه، وتعطل ظهور مهاراته وفكره الإبداعي، إلى جانب عدوانيته وبروز سلوك الضدية لديه، كذلك يصبح لدى التلميذ كره للمدرسة وكل ما يتعلق بالعملية التربوية من العوامل الأخرى، إضافة إلى تأصل السلوك غير المرغوب فيه من باب التحدي في بداية الأمر ثم يصبح سمة شخصية.
ويقترح التويجري بدائل للضرب منها:
1- تكليف الطالب المشاغب بأعمال تخص الفصل لإشعاره بقيمته والرفع من شخصيته، حيث إن سلوك المشاغبة أو أي انحراف قد يصدر من التلميذ الهدف منه في أغلب الأحيان هو فقط إثبات الذات ومحاولة لفت الانتباه.
2- محاولة المعلم تعليم الطالب السلوك المرغوب فيه ومكافأته عليه وشكره وشكر ولي أمره لإشراكه في العملية التربوية.
3- حرمان الطالب من أشياء يرغبها أو يرغب القيام بها مثل الرياضة أو الفسحة.
4- إشعار ولي الأمر كتابياً، واستخدام لوحات الشرف للطلبة المثاليين.
5- أسلوب تجاهل المعلم للطالب وعدم إشراكه في الأنشطة.
ولا ينفي التويجري الحاجة إلى الضرب أحياناً، ويضع له شروطاً محددة هي:
1- المعلم لا يقوم بالضرب إطلاقاً وتحت أي ظرف كان.
2- يقوم المدير أو الوكيل أو المرشد الطلابي بتنفيذه في الحدود المعقولة.
3- يجب استنفاد جميع الوسائل الأخرى الممكنة دون الضرب.
4- يجب عدم الضرب أمام الآخرين لما لذلك من أضرار سلبية على شخصية التلميذ حتى أمام أحد المعلمين.
الضرب وسيلة تنفير
ويتفق محمد بن صالح أبو بكر -مدير شؤون المعلمين ورئيس الإشراف التربوي في مدينة الرياض- مع آراء د. التويجري السابقة، ويشدد على أن الضرب وسيلة تنفير ويزرع الضغينة، وله آثار نفسية وجسمية واجتماعية.
ويشير إلى بعض أنواع العقاب التي لا تقل عن الضرب وهي غير مناسبة، وقد يترتب على استعمالها آثار سلبية كثيرة، ومنها:
1- العقاب النفسي: وهو أن يهان المراد عقابه أو يتم تجاهله بصورة دائمة أو تجرح كرامته.
2- العقاب الاجتماعي وهو أن يتم استخدام مكانة الفرد الاجتماعية ليتم الضغط عليه من خلالها أو الاستخفاف به أو بعائلته والتهديد بذلك.
3- العقاب البدني الذي قد تكون له أنواع أخرى غير الضرب. مثل وضع جسم صلب بين الأصابع والضغط عليها أو شد الشعر وخلافه.
بدائل ناجعة
ويعطي أبو بكر بدائل كثيرة للضرب أهمها: الصبر والتدرج في العقاب، والعطاء والتشجيع والثناء للمجدّين والمنضبطين، الصداقة وعدم التجاهل، التحدث عن السلوك، وغيرها.
ويقترح لدعم ونجاح قرار الوزارة منع الضرب الوسائل التالية:
1- تزويد جميع المدارس بالمرشد الطلابي التربوي المختص.
2- إيجاد وعودة مراقب الطلاب وبصورة تتناسب مع عدد الطلاب وبضوابط محددة.
3- زيادة عدد وكلاء المدارس الكبيرة وتحديد وكيل لشؤون الطلاب.
4- تزويد المدارس بالنشرات والكتيبات للتوجيه والإرشاد.
5- تهيئة البيئة المدرسية لتصبح بيئة جذب للطالب.
6- التوعية باستخدام الإذاعة المدرسية وتصوير أشرطة فيديو مناسبة لغرس السلوك الإيجابي.
7- تخفيض نصاب المعلم المتميز والقديم، والاستفادة منه في رعاية الطلاب في الجوانب التربوية ورعاية السلوك، وتفريغ مدير المدرسة لدوره التربوي والتعليمي وتقليل الجوانب الروتينية والكتابية بتزويده بكاتب وموظف متخصص للحاسب الآلي.
الضرب في «الثانوية» فقط
يقول د. عبد الرزاق الحمد -استشاري الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الملك سعود- إن الضرب لا يصلح أن يكون وسيلة للعقاب في المدارس الابتدائية والمتوسطة، بل يجب اللجوء إلى وسائل التوجيه والحوار والمناقشة، وخصم الدرجات وخلافها، وأما في المرحلة الثانوية فإن تطبيق القواعد السابقة هو الأصل ولكن في حالات يكون فيها الخطأ جسيماً، أو أخلاقياً، ويمثل انحرافاً سلوكياً فلا مانع أن يكون الضرب وسيلة للعقاب قياساً على التعزير في الحدود الشرعية، وأن يكون الضرب بالضوابط الشرعية، فلا يكون عشوائياً أو مضراً بالوجه أو يجر إلى إضرار بصحة الطالب، ولا يكون إلا بقرار مدروس من المدير ووكيله والمعلم المعني.
ويعتقد الحمد أن للضرب أضراراً كثيرة وكبيرة، ويقترح بدائل تحفظ نظام المدرسة بعيداً عن الضرب منها إعداد المعلم المتفاعل مع مهنته والمستمتع بها والمحتسب لما يقوم به عند الله من أجل مجتمعه ووطنه، مع إعداده لتطبيق القواعد المذكورة في بناء العلاقة التربوية مع الطلاب، وتكوين أسرة تربوية جماعية في المدرسة، ووضع لائحة للعقوبات بغير الضرب تعلن رسمياً وتمارس بشكل مستمر وعادل بين الطلاب، وفي المدارس الثانوية تحدد العقوبات التي يكون الضرب فيها مسموحاً وبقرار من المدير والوكيل والمعلم المعني.
ليس خياراً تربوياً
من جهته يعتقد عبد الله المغامسي -مساعد مدير عام التعليم للشؤون التعليمية في المنطقة الشرقية- أن الضرب في المدارس واقع لا يرقى إلى مستوى الظاهرة في مؤسساتنا التعليمية، بل هو حالات تحدث هنا وهناك، يصل ناتج بعض تلك الحالات إلى الجهات التعليمية ويتم التعامل معه حسب التعليمات، ويندثر أثر الحالات الباقية في أنفس الطلاب ولا يتم اكتشافه. وفي نظري، أن الجميع (الطلاب، والقائمين على العمل التعليمي) يدركون تماماً أن استخدام الضرب ممنوع تماماً، ومع ذلك يمارس من قبل القلة من المعلمين لأسباب متعددة جميعها غير مبرر.
ويضيف أن جميع الآثار المترتبة على استخدام عقوبة الضرب تحط على أرضية مشتركة تتمثل في هدر كرامة الإنسان (الطالب)، والذي جعله الله سبحانه في أعلى مراتب الخلق. ففي أجواء التعليم والتعلم يعتبر استخدام العقاب البدني هدراً لكل مقومات التربية السليمة، وإعلاناً صارخاً في وجه المجتمع عن ضحالة سبل التربية في المؤسسات التعليمية، إذ إن من يدعو للفضيلة لا ينتهكها، وإلا صار غير واضح في مقاصده بين النظرية والتطبيق. ولعل أول ناتج للضرب هو ترسيخ مبدأ القمع الذي يقتل الطموح والمبادرة، ويضفي على نفس المتعلم قدراً من الإحباط يجعله يخشى التفاعل مع المادة الدراسية، وبالتالي يكرهها ويكره القائمين عليها.
إضافة إلى ما قد يتوالد عن الضرب من إصابات بدنية يخلف البعض منه آثاراً غائرة في جسد الطالب أو نفسه بقية عمره.
ويوضح المغامسي أن: الضرب ليس خياراً تربوياً أصلاً حتى تبحث بدائله، بل إنه طارئ غريب على جسد التعليم، وتهدر باستخدامه أمور كثيرة، ولا يحفظ شيئاً لا للطالب ولا لنظام المدرسة.
أما حفظ نظام المدرسة، فأول ما يبدأ بالقائمين عليها، فمتى انضبط الجهاز التعليمي والإداري في المدرسة، صار قدوة، وعندما يمارس الكبار في مجتمع المدرسة أدوارهم التعليمية باجتهاد وتفانٍ، وحرص يلمس الصغار أثره صارت أمور التعلم أيسر، وسادت الجميع روح الجماعة، وهي الروح التي تصنع بقية الأمور المستحبة. والملاحظ أن أكثر المدارس فوضوية في إدارتها ومعلميها هي بالضرورة أكثر المدارس تسيباً في طلابها، وهدراً لفرص التعلم بينهم.
ويختتم المغامس حديثه بفكرة صارخة حين يقول: إنني أجدها فرصة سانحة للمناداة والمطالبة بفتح مراكز تأهيل صيفية في كل منطقة تعليمية يلحق بها كل ممارس للضرب في مدارس المنطقة، ويوضع بعدها عاماً دراسياً تحت الملاحظة فإن عاد إلى ممارسته يعفى من عمله كلية، ويعاد توجيهه إلى حيث ينبغي أن يكون، وبذا تكون تعاميم الضرب مسنودة بوسيلة فاعلة لتصحيح المسار، وتنقية منابع العلم من الشوائب.
المعلم يحدد
يتناول د. راشد الكثيري -أستاذ المناهج والتربية العلمية في جامعة الملك سعود- الموضوع من جانب مختلف، حيث يرى أن المعلم الجاد الذي يُحَضِّر دروسه تحضيراً جيداً، ويعرف كيف يختار طرائق التدريس، وكيف يصغي إلى تلاميذه، وكيف يوجههم، وكيف يوصل المعلومات والمفاهيم لديهم، وكيف يكسبهم المهارات ويكون لديهم الاتجاهات لا يحتاج إلى استخدام الضرب بل لا يحتاج إلى الزجر أو التنبيه أو الانفعال. أما المعلم الذي لا يُعد درسه جيداً، ولا يعرف كيف يتعامل مع مادته ومع تلاميذه فقد يحتاج إلى وسائل تساعده على ضبط الصف قد يختار منها الضرب.
نستطيع أن نقول هنا إن الضرب غير المبرح يمكن أن يكون إحد الوسائل التي يلجأ إليها المعلم بعد نفاد محاولاته والأساليب التي يمكن أن يستخدمها في حفظ النظام في الفصل. ولكنه يجب ألا يستخدم إلا بضوابط، وبعد توجيه ونصح وإرشاد وتنبيه وزجر؛ لأنه يفقد قيمته وقد يقود إلى سلوك غير حميد لما له من آثار سلبية.
ولكن قبل استخدام هذه الوسيلة -والحديث للكثيري- يجب على المعلم أن يسأل نفسه هل وصلت إلى طريق مسدود يحتاج إلى الضرب؟ وهل حاولت اتباع الطرق الأفضل لمعالجة الموقف؟ وهل تأكدت من أن الخطأ سببه المتعلم؟ أم أن لي دوراً في نشوء الموقف؟ ما الأساليب الممكن استخدامها قبل اللجوء إلى الضرب؟ ما الآثار التي ستترتب على تنفيذ هذا القرار؟ هل هذه الأساليب ستصلح الوضع، وتعالج الموقف أم أنها قد تزيده تعقيداً؟ إن التفكير في القرار ومحاولة إجابة هذه الأسئلة ستضمن للمعلم عدم الاستعجال، وستحقق له اختيار الخيار الأفضل.
إن إعلان منع الضرب في تعاميم الوزارة وحرص وسائل الإعلام على تلقفها وتضخيمها وإعلانها للملأ -لأولياء الأمور وللتلاميذ- يؤثر على أداء المدرسة، ويضعف موقف المعلم، وحبذا أن تؤكد الوزارة في تعاميمها على أساليب التربية والتوجيه وأنواعها، وأن التزام المعلم بهذه الأساليب وتدربه عليها يؤهله للتعامل مع المواقف التعليمية التعلّمية. ويساعده على ضبط سلوك التلاميذ، ويقلل كثيراً من السلوكيات غير المرغوبة، وبذلك فلن يحتاج إلى وسائل عقاب قد يكون منها الضرب.
افتحوا أيديكم..!
وبعد.. إذا لم يكن التجوال بين حنايا أضلاع المعلمين والطلبة سهلاً، وإذا لم ولن تتفق الآراء حول أي قضية فما بالنا وهي تعليمية، تمس فلذات الأكباد؟!لسنا نؤيد الضرب، ولكننا لا نؤيد منعه المطلق.
لسنا المعنيين بالممارسة، ولكننا المعنيون بالوعي.
فتحنا أبوابنا فافتحوا أيديكم لا لنضربها.. ولكن لنسلمكم مفاتيح قضيتكم، فهل من مزيد.
التعليقات المنشورة تعبر عن اراء ناشريها ولا تعبر عن رأي الموقع
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي