العولمة.. دخلنا فعلا أول الطريق المجهول تدفعنا فيه جميعا قوى عاتية أطلقت من عقالها ونتزاحم فيه جميعا في صراع رهيب.. وفى الطريق تتلاحق الأضواء المبهرة والعتمة القاتمة .. ولكن في الأفق تلوح طاقة أمل تحتاج إلى قدر هائل من العمل وتأتى تحديات الألفية الجديدة .. تأتى بكل إرهاصاتها ومقدماتها لتضع على قمة تساؤلاتنا مستقبل العملية التعليمية في مصر .. وتدفعنا للبحث عن رؤية مستقبلية جديدة لإطار العمل داخل المؤسسة التعليمية .. رؤية تبحث عن جوهر وشكل جديد لمدرسة المستقبل ومعلم الألفية الثالثة .. وعن مناهج غير تقليدية .. وعن تحقيق مبدأ التعليم المتميز والتميز للجميع في إطار هذه المنافسة العالمية الضارية تصبح الموهبة عملة دولية واعدة وميزة نسبية تنافسية حاسمة ونحن حين نبحث عن صيغة جديدة تتيح لنا أن نبحر في بحار العولمة المتلاطمة وأمواجها الهادرة لابد أن ندعم سفينة الوطن بمقومات الملاحة الآمنة والقوة المحركة الواعدة أن الموهوبين يشكلون دائما قاطرة للتقدم وقوة دافعة ومحفزة للانطلاق .. وقدوة للآخرين للاجتهاد والإتقان.
من هنا يصبح التحدي الحقيقي هو أن نكتشف كل طفل ونساعده على اكتشاف نفسه وإمكاناته ونوعية الموهبة التي يتميز بها إن بداخل كل طفل كنزا خفيا ومسئوليتنا كمجتمع هي اكتشاف هذا الكنز وتنمية المواهب الكامنة وأفضل أنواع التعليم هو التعليم الذي يخاطب حاجة دفينة في الإنسان والذي يشبع حاجاته ورغبته الملحة في المعرفة والذي يثير حماسه ودهشته ذلك هو التعليم الذي يؤدى إلى معرفة وخبرات ديناميكية مستديمة وعميقة لابد أن تتسع دائرة الاختبار في التعليم لأطفالنا إن ذلك فضلا عن انه تدريب عملي على الديمقراطية وحق الاختيار فانه خليق بان يساعدنا على كشف المواهب والمميزات النسبية في كل طفل وفى خلق مناخ افضل للإبداع إن حوالى 1% من تعداد أي شعب يصنفون في عداد النوابغوما يقرب من 10% إلى 15% يعتبرون في إطار الموهوبين ولكنى أؤمن أن داخل كل إنسان حتى لو كان معوقا موهبة دفينة منحها الله له ونحن في حاجة إلى من يكتشفها.
وقد لوحظ أن هذا الأسلوب يصلح للطلبة المتفوقين دراسياً ولكنه لا يفيد بقية الموهوبين فالتفوق الدراسي هو أحد المعايير الموضحة للموهبة ولكنه ليس المؤشر الوحيد كما لوحظأن هذا الأسلوب يصلح في المرحلة الإعدادية والثانوية بينما لا يصلح في المرحلة الابتدائية لأنه يشكل عبئاً في المرحلة المبكرة على الأطفال.
ويحرمهم من حقهم في الاستمتاع بمرحلة الطفولة والاتجاه الثالث هو الإثراء ويعتمد علىوجود مواد اثرائية في نفس المنهج يدرسها الطالب الموهوب إلى جانب المقرر العادي وميزة هذا الأسلوب أنها تتيح للطالب الموهوب أن يدرس جنباً إلى جنب مع زملائه دون عزل أو تفرقة ولكنه يحتاج إلى مرونة في المناهج وطرق التدريس والجدول الدراسي وإلى تدريب متميز للمعلمين الذين سيقومون بالتدريس بهذا الأسلوب ويأتي الاتجاه الرابع ببرامج متخصصة ويحتاج هذا الأسلوب إلى تصميم برامج خاصة للموهوبين تدرس لهم في حصص إضافية أو نهاية اليوم الدراسي أو في عطلة نهاية الأسبوع أو في جزء من العطلة الصيفية سواء كان ذلك في نفس مدارسهم أو في مراكز متخصصة وإلى جانب برامج أخرى خاصةبإرشاد الآباء والأمهات للمساهمة في تنمية قدراتهم كما تفرض أيضاً تدريباً ومستوى عالياً للمعلمين في هذا الإطار ونأتي إلى نقطة محورية في هذا السياق ، فلقد ظهرت بين الحين والحين دعاوى ونظريات تحاول أن تخلق تناقضاً بين جودة التعليم وتميزه وبين كفالة العدالةوالمساواة في الفرص التعليمية وتعتمد هذه الدعاوى أساساً على فرضية استحالة تدبير حجم الاعتمادات التي تحقق التميز للجميع ويطرح القائمون على هذا الرأي حلاً توفيقياً يدعو إلى إتاحة نوع متميز للتعليم لمن يستطيعون تدبير نفقاته ولا يفوت أصحاب هذا الرأي تغليف هذه الدعوة القائمة على التمييز والتفرقة وإهدار ويرعاها وينميها ويحول صاحبها من عبء إلي فرصة وبذلك نضيف إلي الرصيد الوطني شريحة عريضة ومؤثرة من قوة الإبداع وقضية الموهوبين لازالت قضية خلافية في كثير من أنحاء العالم تتنوع فيها طرق اكتشافهم والتعامل معهم وتعليمهم وهناك أربع اتجاهات أما الاتجاه الأول ..
فيتم فيه تجميع الموهوبين في مدارس خاصة ويتم تدريس منهج خاص لهم وميزة هذا الأسلوب انه يسهل طرق التدريس لأطفال متقاربين في القدرات العقلية والإمكانات ولكن التطبيق العملي أثبت أن حماس هؤلاء الموهوبين يفتر بعد فترة إذ انهم يفتقدون إحساسهم بالتميز وبالتالي رغبتهم في تقدير واعتراف المجتمع بهم فبدأ يفتر حماسهم كما ظهر أيضا انهم بفصلهم عن زملائهم يفتقدون القدرة العلمية على التعامل مع أغلبية الناس في المجتمع ويخلق فيهم إحساسا بالعزلة هذا بالإضافة إلى أن ذلك يحرم الغالبية من الأطفال من قاطرة حقيقية للتقدم وقوة دافعة للاقتداء بهم واللحاق بهم كما يثير هذا الأسلوب شكوكا حول مدى ديمقراطيته وتعارضه مع مبدأ تكافؤ الفرص أما الاتجاه الثاني فهو الإسراع ويتيح هذا الأسلوب مرونة زمنية في التعلم تسمح بدخول الأطفال إلى مراحل التعلم تسمح بدخول الأطفال إلى مراحل التعليم المختلفة في سن أصغر من زملائهم وكذلك الانتهاء من التعليم في كل مرحلة في مدة زمنية اقصر.تكافؤ الفرص بأنه ستخصص نسبة للموهوبين غير القادرين للتمتع بهذه النوعية المتميزة من التعليم ويهمني هنا أن أبين هذه دعوة ظاهرها رحمة وباطنها عذاب ، ولأنها لن تصلح إلا في تكريس التميز للقادرين وتعميق الشرخ الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء وتقويض السلام الاجتماعي الذي هو في صالح القادرين قبل المهمشين وبالإضافة إلى ذلك فإن في هذا الاقتراح تجاهلاً واضحاً لمتطلبات مواجهة العولمة بشريحة عريضة من المتميزين تستطيع أن تشكل لنا ميزة تنافسية في السوق العلمية وإن قصر التميز على قلة قادرة فيه تهميش خطير لقدرتنا التنافسية وإهدار مخل بالرصيد الوطني للمعرفة في مصر تمثل فيه المعرفة الثروة الحقيقية للأمة إن العالم لن يقبل منا في المنافسة الدولية شهادات عجز أو فترات سماح أو أعذاراً اجتماعية ولن يجود علينا بميزات إضافية أو استثنائية ولن يعفينا أو يتجاوز لنا عن أي معايير عالمية ، فالمنطق الوحيد السائد هو البقاء للاصلح و السبق للأجود و الغلبة للأكفاء والأكثر ابتكاراً وأخيراً فإني على يقين بأن الدولة التي استطاعت بقيادةرئيس مستنير حريص على البعد الاجتماعي وهو الرئيس مبارك أن ترفع ميزانية التعليم من 660 مليون جنيه سنة 1981 إلى 17.4 مليار جنيه سنة 1999 لقادرة على أن تدبر تكلفة إعداد الأمة فى مواجهة تحديات العولمة وإن شماعة الإمكانات أصبحت لغة عفا عليها الزمن.
قضية الاهتمام بالموهوبين عنصر من عناصر تركيز المجتمع بما فيه المنظومة التعليمية علي التنمية البشرية باعتبارها الطاقة المحركة والدافعة لمختلف عوامل الإنتاج للمجتمع .
ونظرا لمحورية التنمية البشرية في صناعة الحاضر والمستقبل والنهضة في مصر واعتبار إن البشر هم الثروة التي لا تنضب في حين إن الموارد الطبيعية الأخرى كالأرض والمعادن إلى غير ذلك قد تتعرض للتآكل والنهوض. لكن البشر هم الثروة التي لا تنضب والتي تتجدد باستمرار والتنمية البشرية تتطلب أن نصل بالمستويات المعرفية والمهارية والفكرية إلى أقصي ما نستطيع بلوغه من خلال منظومة التعليم .. ورعايتها هو مسئولية نظام التربية ومن هنا برزت قضية اكتشاف وتنمية ورعاية الموهوبين علي اعتبار انهم سوف يكونون قاطرة التقدم مع مجمل المتميزين خريجي نظام التعليم وعلينا أن ندرك أن للموهبة جوانب ومظاهر مختلفة .. فهناك الموهبة العقلية والموهبة اللغوية والموهبة الحركية والفنية والاجتماعية وهذه كلها مواهب يتطلبها المجتمع في نهضته وتقدمة..
ولهذا المعني فان الموهبة ليست مقصورة علي المواهب العقلية والفكرية. واقتناعي بان قضية الموهبة لا يمكن أن نحصرها في القدرات العقلية والفكرية. واقتناعي بان قضية الموهبة لايمكن أن نحصرها في القدرات الوراثية كما يشاع عادة بأنها جزء من التكوين البيولوجي للإنسان منذ ولادته ، لأننا حتى الآن لا نعرف أن هناك جينا من الجينات يمكن أن ننسب إليه مواهب معنية. ومن ثم فان اكتشاف بعض سمات النمو لدي الطفل والالتفات إليها ورعايتها هو مسئولية نظام التربية والتعليم بدءً من مؤسسة الأسرة إلى مختلف مراحل المنظومة التعليمية. وإذا كان تنمية هذه المواهب يبدأ من مرحلة الطفولة فان هذه المواهب قد تكون كافية ، وقد تظهر في مراحل عمريه تالية. الأهمية المجتمعية للعناية لاكتشاف مواهب وتنميتها ومتابعتها ترتبط بالسياق العالمي الذي نعيشه حاليا بوجود سوء حرة طليقة تتنافس فيها معظم دول العالم. وهذا السياق مرتبط بوجود سوق العالم في التجارة الدولية وفي إنتاج السلع والخدمات ، وإذا لم يكن لدينا المواهب والقدرات المتميزة التي تصنع السلع والخدمات بصورة متميزة قادة علي التنافس في السوق العالمية الواحدة ..
فإننا سوف نتعرض إلى حالة من الجمود والتخلف. وفي عملية الإنتاج الذي نتنافس به عالميا ، تظل عملية المعرفة والابتكار والإبداع والإتقان والدقة هي أهم مواصفات الإنتاج بل واهم عوامل الإنتاج أيضا . ومن ثم كان لابد لنا من أن نعقد هذا المؤتمر كضرورة قومية لكي تكون نتائجه هادية لاعداد الأجيال الناشئة التي ينعقد عليها مستقبل هذا الوطن في بقائه ونمائه. أطرح قضية الموهبة والإبداع في إطار ما اسمية برباعية المستقبل .. وهي عبارة الكوكبية والاعتماد المتبادل والإبداع . الكوكبية تعني رؤية الكون من خلال الكون وليس من خلال الأرض .. وهي رؤية علمية والكوكبية لازمة من الكونية باعتبار أننا الآن يمكننا أن ندرس الكوكب الأرضي من خلال الكون، وليس من خلال الأرض فتبدو لنا الأرض وحدة بلا تقسيمات ، أي إن الكل يعتمد الكل وهذا ما يسمي بالاعتماد، المتبادل حيث تصنف الفواصل والحواجز بين الأمم والشعوب وندخل في تناقضات جديدة .. وهي علي النحو الآتي..
التناقض الأول.. أن الإنسان وهو جزء من كل يدرك الكل وهو الكون. التناقض الثاني .. إن الكوكب الأرضي واحد علي الرغم من وجود تقسيمات. التناقض الثالث .. هو بين استقلال الأمم والشعوب وعدم استقلاليتها. هذه التناقضات تستلزم إبداعا فما هو الإبداع هو قدرة العقل علي تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الواقع. ومعني هذا أن التعريف ينطوي علي عنصرين .. عنصر هو تكوين علاقات جديدة وعنصر آخر هو التغيير. والتغيير هنا يعني الإبداع التكنولوجي إذ ثمة علاقة عضوية بين العلم والتكنولوجيا فإذا أردنا تأسيس تكنولوجيا فلابد أن يسبقها قاعدة علمية.. بشرط أن تكون هذه القاعدة العلمية إبداعية .. وحيث أن نشأة الحضارة الإنسانية سببها ابتداع التكنيك الزراعي.. فالإبداع إذاً هو نقطة البداية في الحضارة الإنسانية .. ولكن يحدث مع التطور أن تظهر المعوقات التي تعوق العملية الإبداعية وخصوصا في نظام التعليم. من أجل هذا تأسيس المؤتمر القومي للموهوبين لكي نزيح هذه المعوقات .. ونتيح الفرصة لكل طالب أن يتذوق العملية الإبداعية كحد أدني ويكون مبدعا كحد أقصي ..الأمر الذي يستلزم تغيير النسق التعليمي الراهن في المجالات الآتية وهي المقرر.. والمعلم.. والطالب والامتحان. التحدي إذاً الذي يواجه المؤسسة التعليمية هو كيف يمكن تأليف كتاب مدرسي إبداعي وكيف تكون طرق التدريس وسيلة للإبداع .. وكيف يمكن وضع أسئلة في الامتحان تسمح بتعدد الأجوبة وبالتركي علي مسار إجابة الطالب وليس علي نهاية إجابة الطالب. والسؤال كيف يتم كل ذلك في إطار الكوكبية؟
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي