freeman المـديـر العـــام
عدد المساهمات : 19309 تاريخ التسجيل : 05/01/2011 العمر : 64 الموقع : http://sixhats.jimdo.com/
| موضوع: برنامج كورت التفكير الخميس أبريل 28, 2011 8:30 am | |
| المقدمة:
إن الدأب على نقد التعليم وبرامجه ومحاولة تتبع عيوبه ونواحي النقص فيه, هو سمة من سمات المجتمعات المتقدمة وذلك للإيمان العميق بما للتعليم من أثر بالغ في نهضة المجتمعات وتقدمها.ولعل أبلغ ما نراه من دليل على ذلك هو ما نشاهده في الولايات المتحدة الأمريكية من حملات مستمرة ناقدة لبرامج التعليم وأساليبه ومناهجه,والقاء اللوم عليه في كل مرة يبدو فيها تخلف الولايات المتحدة عن غيرها من الأمم في مجال من المجالات.
وفي الآونة الأخيرة كثرت لدينا الصيحات الشاكية من نظام التعليم وبرامجه,وتعالت الانتقادات الموجهة الىالمدارس والمتهمة لها ليس فقط بالتقصير عن أن تعلم التلاميذ كيف يستخدمون عقولهم,بل فوق ذلك بأنها تكاد تكون هي السبب في اخماد فتيل الرغبة في التفكير أو استخدام العقل,وذلك بسبب تركيز المدارس المبالغ فيه على عملية الحفظ والاستظهار الأعمى في معظم المواد,مما يجعل التلاميذ أشبه ببغاوات يرددون مايسقى لهم من معلومات دون تأمل أو تبصر أو سعي وراء استكشاف الحقائق.وهذا القول لا يعني مطلقا أننا ننكر ما للحفظ من فائدة علمية,إذ هو مطلوب كأداة تعليمية لإجادة البيان وحسن اللفظ والطلاقة, وهو مطلوب أيضا لأداء العبادات كحفظ القرآن الكريم وبعض الأحاديث الشريفة,كما هو مطلوب كذلك لتدريب الذاكرة وتقويتها,اضافة إلى دوره المهم في اكتساب المهارة في معرفة القوانين الرياضية والقواعد العلمية وما شابه ذلك. فاذا لاعيب في الحفظ أو الحث عليه اذا كان في موضعه الصالح له,وانما العيب في الاقتصار عليه بل وتعميمه على كثير من العلوم مما يعطل قوى التفكير الأخرى في التلاميذ باستثناء قوة التذكر.
إن تلامذتنا-نتيجة للتركيز في المدارس على الاهتمام بعملية الحفظ واهمال استخدام القوى التفكيرية الأخرى-أصبحوا يتمتعون بقوى تذكرية رائعة إلا أن ذلك يأتي على حساب خمود قوى الابداع والابتكار وحل المشكلات والتقييم والنقد. وخمود قوى هامةكهذه يؤدي إلى خلق شخصيات سلبية غير منتجةمما يترك أثرا بارزا في المجتمع يجره إلى الوراء ويقيده بعجلة التخلف الجامدة عن الحركة.
وبلا شك فان التقدم التكنولوجي والعلمي هو رهين التقدم الفكري وليس المعرفي وحده.والتقدم الفكري ما هو إلاحصيلة توجيه واجتهاد وتدريب ليس إلا.فالذكاء ليس محصورا في أمة بعينها, وحسن التدبر والتفكر ليس مقصورا على شعب دون آخر.وما نراه في هذا العصر من تفاوت بين الأمم في التقدم والحضارة العلمية ما هو إلا نتيجة اختلاف بيّن في نمط تعامل كل أمة مع واقع الحياة وما هي في حاجة اليه من أساليب التنمية والتطوير المستمر في المجالات المختلفة والتي لعل أبرزها التعليم.
إننا حين نتأمل الواقع نجد أن التقدم العلمي الذي هو قائد الأمم القوية في هذا الزمن ليس رهنا بالتقدم المعرفي أو الاقتصادي قدر ما هو ثمرة من ثمرات التقدم الفكري والنشاط العقلي. ويكفي أن ننظر الى ما جاء به ديننا الحنيف من حث على التدبر والتفكر لنرى كم هو مطلب أساسي للإنسان أن يكون إعمال العقل هو قائده لشق طريقه في هذه الحياة.
إن هذا مايدعونا إلى القول بأن هناك حاجة عظيمة لإعادة النظر في برامجنا التعليمية والاجتهاد في تعديلها وامدادها بكل ما نرى أنه نافع ومفيد في عملية التطوير والتحسين.
موضوع الدراسة:
يكاد يتفق الكثيرون على أن هناك قصوراً في اسلوبنا التعليمي وبرامجنا التربوية,وغالبا مايتمحور هذا القصور حول مسالة هامة هي انعدام التفكير بين تلاميذنا وتلميذاتنا, الذين غالبا ما يتخرجون وهم أشبه بالإنسان الآلي الذي لايمكن أن يعطي شيئاً جديداً من ذاته فهو لايملك سوى ما أدخل إليه من أوامر وتعليمات وامكانيات.
وهذه المشكلة التعليمية لاتعتبر خاصة بمدارسنا وحدها فهي تكاد تكون مشكلة عالمية ملموسة في كثير من مدارس العالم وان تفاوتت في الحجم والعمق. ويصف بركينز Berckines معاناة التلاميذ في المدارس الأمريكية من نقص القدرة على التفكير بقوله:
" إن العجز عن التفكير عند التلاميذ يمكن ملاحظته بسهولة عند تقديم المسائل الرياضية لهم,إذ يلاحظ أنهم يقفون في حيرة في مواجهتها فهم لايستطيعون البت فيما هو مطلوب منهم,أيقسمون؟أم يطرحون؟أم يجمعون؟وكيف يبدأون؟وما هي الخطوات المفروض اتباعها؟الخ ذلك من التساؤلات الدالة على التردد والحيرة مع أن هؤلاء التلاميذ أنفسهم يكونون غالبا ماهرين في القيام بعمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة,إلا انهم يعانون الصعوبة في مواجهة حل المسائل وادراك ما هو المطلوب منهم لحلها ولايجدون طريقا غير اللجوء إلى أساليب معدة مسبقاً لهذا الغرض,فهم لايستطيعون أن يفكروا بحسب ما يعرفون ...وهذا الأمر لا يقتصرعلى الرياضيات فهو يظهر مرة أخرى في مواد القراءة فعندما يطلب من التلاميذ أن يقدموا تفسيراتهم أو استنتاجاتهم لما قرأوه يقفون حائرين فهم أعجز من أن يستخلصوا فكرة عامة أو يناقشوها أو يقدموا تقييما لها,وهم عاجزون عن تحليل فقرة قرأوها أو الدفاع عن فكرة أعجبتهم أو تبرير نقطة أحبوها.إن ما يلاحظ على التلاميذ هو السطحية والضعف الشديد في التفكير المبني على حل المشاكل أو المهارة النقدية"(1)
واذا كان هذا هو الوضع في المدارس الأمريكية التي تعد أفضل بكثير من غيرها في مسألة مخاطبة العقل وتنمية التفكير فما عسى غيرها أن يقول؟
إن واقع الحال يشهد بأن تلامذتنا ليسوا أفضل حالاً من تلامذة بركينز ومعاناتهم من انعدام استخدام القوى الفكرية تبدو واضحة للعيان لكثير من المعلمين والمعلمات وهي تتجلى في كثير من المواقف اليومية المختلفة التي تمر بهم.
إن الحاجة تبدو ملحة إلى تعليم التفكير واكساب التلاميذ مهاراته بطريقة عملية مباشرة, ولن يتم ذلك إلا بادخال برامج التعليم المباشر لمهارات التفكير ضمن المنهج المدرسي.
ولقد طبقت هذه الفكرة وانتشرت في كثير من الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا ونيوزلندا وفنزويلا وغيرها(2).وذلك ايمانا من هذه الدول بأن نمو التفكير وتطوره عند التلاميذ عظيم الأثر على مجتمعاتهم ذلك أن التميز في المستقبل يعتمد بشكل متزايد على درجة التقدم في القدرات الفكرية والعقلية وأن خوض غمار هذا العالم الصناعي المعقد التركيب والفوز في مضمار التنافس العلمي يتطلب الاجتهاد والحرص وبذل كل ما يمكن لتنمية وتطوير المهارات الفكرية لدى التلاميذ.
ورغم أن موضوع تطوير التعليم وتنمية التفكير لدى التلاميذ أصبح مثار اهتمام كثير من المصلحين التربويين في العالم العربي إلا أن الأمر لايزال في طور المهد والتجارب العربية تعتبر محدودة في ادخال وسائل تنمية التفكير إلى المدارس.
وكمحاولة اجتهادية تسعى هذه الدراسة إلى المساهمة في طرح بعض الحلول لهذه المشكلة التعليمية وذلك عن طريق تقديم أحد البرامج العالمية الحديثة المستخدمة لتطوير مهارات التفكير عند التلاميذ والمعروف باسم برنامج كورت للتفكير(CoRT Thinking) وذلك من خلال التركيز على النقاط الآتية:
- توضيح أهمية تعليم التفكير في المدارس
- التعريف ببرنامج كورت
- توضيح المباديء النظرية التي يقوم عليها
- مدى امكانية الاستفادة منه بتطبيقه في برامجنا التعليمية
هدف الدراسة وأهميتها:
تهدف هذه الدراسة إلى التعريف ببرنامج كورت للتفكيرCoRT Thinking بغرض اقتراح تقديمه في الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية أو في المرحلة المتوسطة وذلك كأحد الجهود الموجهة نحو تطوير التعليم بهدف تحسين مستوى الادراك والتفكير لدى التلاميذ.
وتتركز أهمية هذه الدراسة في كونها تلقي الضوء على أحد البرامج الجديدة في العالم المتقدم لتطوير التعليم والذي لاقى نجاحا ملحوظا في الدول التي طبقته,مما عساه أن يكون معيناً للمسئولين عن التجديد والتطوير في أنظمتنا التربوية على اعادة النظر في اساليبنا ومناهجنا التعليمية.
كذلك فان هذه الدراسة-حسب علمي-قد تكون من أول الدراسات العربية التي تطرح فكرة تعليم التفكير بطريقة مباشرة في المدارس,ولعلها تكون فاتحة لدراسات أخرى تابعة تواصل البحث في برامج مماثلة وتختبر جودتها وملاءمتها لبيئتنا وبرامجنا التربوية.
الدراسات السابقة:
يلاحظ أن هناك قلقاً عاما يسود الولايات المتحدة الأمريكية حول نوعية التعليم المقدم في مدارسها,ويظهر ذلك القلق واضحا في كثرة الدراسات والأبحاث والمقالات التي ظهرت لتهاجم الوضع التعليمي السائد وتدعو إلى تغيير أفضل. ولعل العامل الرئيسي الذي دفع بالمصلحين التربويين إلى هذا القلق هو ما أشارت اليه نتائج الاختبارات المقننة التي تعطى للتلاميذ ما بين حين وآخر مثل اختبارScholastic Aptitude Test واختبارNational Assessment of Educational Progress, لقد أشارت نتائج هذه الاختبارات إلى أن الطلاب الأمريكين متخلفون عن أقرانهم من طلبة الدول الصناعية المتقدمة الأخرى وذلك في مواد مثل الرياضيات والعلوم ودرجات الفهم والاستيعاب بشكل عام,أي في المواد التي تحتاج إلى مهارة في استخدام قدرات التفكير(3). ويعلق على ذلكMcGrane بقوله:
"تشير مئات اللجان والباحثين إلى أن أطفال أمتنا لايزالون غير قادرين على التفكير جيداً وأن مدارسنا لاتزال لاتعلم طلبتنا كيف يفكرون"(4)
وفي عام1984 ظهر كتاب (أمة في خطر)A Nation At Risk الذي أكد على أن النظام التعليمي الأمريكي فاشل وأن فشله سيؤدي بالأمة الأمريكية إلى الانحطاط(5). ثم تلاه ظهور عدد كبيرمن الأبحاث التي تؤيد هذا الرأي وتشتكي من فشل نظام التعليم الأمريكي(6).
ولقد أدى تصاعد هذه الآراء النقدية للتعليم إلى ظهور الحركة الداعية إلى أن يكون هناك اهتمام أكثر بتنمية العقل وتطوير القدرات الفكرية,وأصبحت مسألة تعزيز اكتساب مهارات التفكير العالي التنظيمHigher Order Thinking أمراً يتردد كثيرا عند الحديث عن تطوير التعليم.
ومع تزايد النمو في الاهتمام بتطوير وتنمية القدرات التفكيرية ظهرت مئات الدراسات والأبحاث التي تتناول الحث على تعليم التفكير في المدارس وتؤكد على ضرورة ذلك وأهميته. ولعل كثرة هذه الأبحاث وسعة الكتابة فيها يشكل صعوبة أمام الباحث حول تقرير أي المواد يمكن أن يتابع وأيها أكثر أهمية.
في عام1960 أصدر برونرJerome Bruner كتابه المعروف (عملية التعليم)The Process of Education)) فأثر تأثيرا كبيرا على الأفكار التربوية الأمريكية(7)وتزامن معه صدور عدد آخر من الأبحاث الدائرة جول الادراك وعلاقته بعملية التعليم مثل دراسات روبرت انيسRobert Ennis التي أكد فيها على أهمية تعليم التفكير النقدي وشدد على فائدة تنمية مواقف التساؤل والتشكك كأسس للأحكام العقلية مما أدى إلى أن تظهر خلال هذه الفترة برامج منهجية جديدة في العلوم والتاريخ والرياضيات(. ثم تتالت الأبحاث حول الذكاء وماهيته وعلاقته بالعقل والتفكير مما ساعد على فهم أكبر لطبيعة وقدرات العقل البشري وذلك مثل دراسة(دي بونو1969 De Bono) (9),و(فورستين1980 Feuerstein)(10),اللتين أكدتا أن هناك ارتباطا ما بين وظائف الدماغ وعملية التعلم وأنه لايكفي لبلورة مهارات التفكير الاعتماد على التعليم الأكاديمي وحده بل لابد من تدريس تلك المهارات في المدارس كجزء من المنهج التعليمي.
كذلك أخذ يظهر اجماع متزايد على أن الذكاء متحرك وأنه قابل للتعديل ولذا فانه بالامكان تحسين مستوى التحصيل العلمي عند الطلبة ذوي التحصيل المنخفض- وغالبا عند أولئك الذين يعانون من صعوبات خاصة- عندما يتوفر لهم بيئة تعليمية مليئة بالتفاؤل optimalوعندما تتاح لهم فرص ثرة للانغماس في التفكير وحل المشاكل.(11)
وتشير نتائج البحث الذي قام به ) ملفا أندرباك وآخرون 1993 Melva Underbakke et al,) إلى أن القدرة على التفكير لدى التلاميذ يمكن تحسينها حتى في الأعمار الصغيرة عندما يقدم المعلمون لهم داخل الفصل الدراسي تجارب ذات صلة وثيقة بتنمية التفكير(12).
وأشارت دراسة (كولمان1981 Coleman) التي ركز فيها على العوامل المتغيرة في نطاق المدرسة,إلى أن المدارس والاستراتيجيات المتبعة فيها للاستفادة من المصادر التعليمية هي بالفعل ذات أثر عظيم في الاختلافات بين مستويات التحصيل العلمي عند التلاميذ(13). ويستدل مؤلفوا (أمة من القراء1985 Becoming a nation of readers) على أهمية تعليم التفكير من خلال ملاحظتهم أن استظهار التلاميذ للمعلومات معزولة عن النطاق الذي توجد فيه يجزيء التعليم وبالتالي فان التلاميذ قد ينجحون في الاختبارات المصممة لقياس هذه الأغراض إلا أنهم سريعا ماينسون ما تعلموه وحفظوه(14). ويؤيد هذا الرأي الدراسة التي قام بها (براون وآخرون 1989 Brown et al.) حيث يرى الباحثون أن اكتساب مهارات التعليم منفصلة عن مهام وأغراض العالم الواقعي قد تتيح للتلاميذ أن يتمكنوا من اجادة المعلومات والمعارف المدرسية لكنها لاتمكنهم من تطبيق هذه المعرفة في الأوضاع الجديدة التي تقابلهم خارج المدرسة(15).
ونجد أن الدعوة إلى تعليم التفكير في المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تتخلل كل نقاش يدور حول اصلاح التعليم وذلك مثل ما دعت اليه (هيئة المجلس العلمي القومي للرياضيات والعلوم والتكنولوجيا لمرحلة ماقبل الجامعة 1983 ) وما دعت اليه(الجمعية التربوية القومية1983 ) وما دعا اليه (الاتحاد الأمريكي للمعلمين1985 )وغيرها من المؤسسات أو الأفراد الذين أيد معظمهم تعليم التفكير كجزء هام وضروري من مقومات اصلاح التعليم(16).
وكنتيجة لهذه الحركة القوية ظهرت برامج كثيرة متنوعة وتكنيكات مختلفة مصممة خصيصا لتعزز عملية التفكير عند التلاميذ.وقد وصف بعض هذه البرامج في دراسات تشانس 1986 Chance(17),وكوستا 1991 Costa (18), ويلاحظ أن هذه البرامج تفاوتت فيما بينها, فبعضها يركز على تطوير المنهج الدراسي كوسيلة لتحسين عملية التفكير وذلك مثل دراسات بايرBeyer وجلاسرGlaser (19),وبعضها الآخر أخذ يركز على الأسلوب التعليمي,فاهتم بعض الباحثين بالطريقة البنائية في التعليم الفصلي وأخذوا يحثون عليها مؤكدين بذلك الفكرة القائلة أن المعرفة هي شيء يتعلمه الأفراد وينبغي أن يتم بناؤه بمجهودهم الخاص(20), ومنها برنامج كورتCoRT الذي يعزز استخدام طرق ذهنية مختلفة من خلال مواد البرنامج التي تحفز التلاميذ على التفاعل وتركز التفكير على عدد مختلف من المسائل التي تساعد على توسعة ادراك المتعلم(21). كما تعتبر الدعوة إلى التعليم التعاوني التي شاعت مؤخراً مظهرا آخر من مظاهر البحث عن تعليم أفضل للتفكير(22).
هل هناك حاجة إلى تعليم التفكير؟
للوهلة الأولى ربما يتبادر إلى الذهن أنه لاحاجة لتعليم التفكير لأن التفكير غريزة فطرية في الانسان,فنحن جميعا لاتكاد أذهاننا تخلو لحظة من التفكير,ومن المؤكد أن كل امرئ يفكر وأن ذهن الانسان لايمكن أن يكون خاليا من شئ يشغله.وكما يقول نيكرسون 1987 Nickerson كل منا يقوم بعمليات تفكيرية مثل المقارنة والتصنيف والتنظيم والتقدير والاستكشاف وغيرها من العمليات الذهنية,إلا أن ذلك لايعني مطلقا أن هذه العمليات تتم بشكل جيد,وغالبا ما يقوم بها المرء دون تدريب سابق أو تعلم معين(23).
فاذاً هناك فرق بين التفكير بشكله المعتاد والتفكير "الجيد",ونحن عندما نسعى إلى تعليم التلاميذ كيف يفكرون فانما نسعى إلى أن نعلمهم كيف يفكرون بشكل جيد.واذا كان التفكير بشكله المعتاد فطرة طبيعية خلقها الله سبحانه في الانسان,فان التفكير الجيد شئ آخر مختلف وهو لايتشكل عند المرء تلقائيا بل لابد من تعلمه واكتساب المهارة فيه.ومن الملاحظ أن كثيرا من الناس لايحسنون التفكير ليس لأنهم يفتقرون إلى الذكاء أو تنقصهم القدرة العقلية وانما لأنهم لم يتعلموا التكنيكات الخاصة بطرق التفكير الجيد,ولم ينالوا التوجيه الصحيح ولاالتدريب اللازم له.
إن امتلاك التفكير الجيد لابد فيه من التعليم المدروس والقيادة الموجهة والتدريب المستمر حتى يتمكن المرء من تطوير قدراته في هذا المجال إلى أقصى حد ممكن.وحول هذه النقطة يرى بركينز Perkins أن التفكير الذي نمارسه في كل يوم هو مثل المشي العادي,هو انجاز يمكن أن يقوم به كل فرد بينما التفكير الجيد,هو مثل الجري لمسافة 100 ياردة أو مثل تسلق الصخور,أي أنه انجاز تكنيكي ملئ بالبراعة. وفي طرق عديدة نجد أن التفكير الجيد هو ضد الطبيعة الفطرية في الانسان, فمن طبع الناس أن يميلوا إلى تجاهل الجانب الآخر للقضية التي تواجههم ومن طبعهم أيضا أن يغفلوا عن النظر إلى ما وراء ما يبدو لهم كحل مقبول يطرح نفسه عليهم,كما أنهم نادرا ما يتأملون المشكلة قبل الاندفاع وراء ترشيح حل ما لها(24).
فاذاً هناك حاجة حقيقية إلى تعلم التفكير الجيد,التفكير بعمق,وبشكل مبدع ومتحرر.ولأنه لايوجد ما يشير إلى أن التلاميذ في المدارس يكتسبون شيئا من مهارات التفكير الجيد,أي أنهم لاينالون تدريبا على البحث المنطقي أو الاستدلال العقلي أو التعليل أو الاستنتاج أوغير ذلك من مظاهر التفكير,فانه تضحي هناك حاجة لامداد التلاميذ بدروس خاصة تزودهم بالمهارات اللازمة للتمكن من التفكير الجيد واكتساب عاداته وأساليبه.ويصبح لزاما علينا إن كنا نرغب في أن يكتسب التلاميذ مهارات التفكير الجيد في الفصول المدرسية أن نوجه اهتماما خاصا لذلك الغرض,لأنه لايبدو من الممكن تحقيق هذا الهدف بطريقة عفوية أو كنتيجة عرضية من خلال محاولات انجاز أغراض أخرى(25). وبلا شك أننا نرغب, ونرغب كثيرا في أن يكتسب تلاميذنا وتلميذاتنا مهارات التفكير الجيد,وهناك من الأسباب الشئ الكثير الذي يدفعنا إلى الاهتمام بهذا الأمر,ويكفي أن نتذكر أن التفكير هو الذي يميز الانسان عن غيره من باقي المخلوقات وأن الله سبحانه أمر عباده بالتأمل والتدبر والتفكر مما يوحي بأن المهارة في التفكير هي من الأسس الفكرية التي جاء بها الدين الاسلامي,فضلا عن أنه من المسلم به أن التنمية الاقتصادية والقوة والتقدم في جميع مجالاته في حاجة إلى تنمية التفكير قبل أي شئ لأن التفكير هو الأساس الأول في الانتاج, والاعتماد عليه يأتي أولا قبل الاعتماد على المعرفة.
ويشير نيكرسون Nickerson إلى بعض الأسباب الهامة التي تدفع إلى تعليم التفكير وتستحق النظر إليها بجدية(26).من هذه الأسباب:
أولا- المنفعة الذاتية للمتعلم نفسه,فنحن عندما نحرص على تعليم التلاميذ مهارات التفكير الجيد فانما نفعل ذلك حتى يكونوا مزودين بما يساعدهم على خوض مجالات التنافس بشكل فعال في هذا العصر الذي ارتبط فيه النجاح والتفوق بمدى القدرة على التفكير الجيد والمهارة فيه.
ثانيا- المنفعة الاجتماعية العامة, فاكتساب أفراد المجتمع لمهارات التفكير الجيد يخلق منهم مواطنين صالحين يستطيعون النظر بعمق وحكمة إلى المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها مجتمعهم كما يجعلهم قادرين على اصدار أحكام صائبة على كثير من المواضيع العامة وقادرين على حل ما يعتريهم من مشاكل اجتماعية بشكل جيد.وهو ايضا يساعد على التقارب فيما بين أفراد المجتمع فعندما يتعلم الأفراد النظر إلى المواضيع الجدلية من وجهات النظر الأخرى وليس من وجهة النظر الشخصية فحسب, وعندما يتعلمون المهارة في الاصغاء للآخرين بشكل أفضل فان ذلك يساعد على تحسين التفاعل الاجتماعي بينهم.
ثالثا- الصحة النفسية,إذ أن القدرة على التفكير الجيد تساعد المرء على الراحة النفسية فالمفكرون الجيدون يكون عادة لديهم قدرة على التكيف مع الأحداث والمتغيرات من حولهم أكثر من الأشخاص الذين لايحسنون التفكير.
رابعا-أخيرا فان اتقان المرء للتفكير الجيد واكتسابه القدرة على التحليل والتقييم والنقد يجعله أقل عرضة للوقوع فريسة لعمليات (غسيل الدماغ),أي أنه يكون مسلحا بما يقيه من التأثر السريع غير المتعقل بأفكار الآخرين وآرائهم.
عرض الدراسة:
أولاً-التعريف ببرنامج كورتCoRT
يمثل مصطلحCoRT -كما يقول مصمم البرنامج ادوارد دي بونو E.De Bono- الحروف الأولى لمؤسسة البحث المعرفيCognitive Research Trust,وقد أضيف الحرف "o" لتيسير قراءة المصطلح ككلمة (27 ). ومؤسسة البحث المعرفي هي مؤسسة تابعة لجامعة كمبريدج قام دي بونو بانشائها في عام 1969 وتولى ادارتها بنفسه.وهى كما يبدو من اسمها مؤسسة تهتم بالبحوث المتعلقة بالادراك والفهم والقضايا المتصلة بالعقل والتفكير, وقد أنشئ فيها مركزا خاص يهتم بتعليم التفكير وتولى دي بونو ادارته والاشراف عليه(28),وعنه ظهر برنامج CoRT الذي يعد من أشهر البرامج التي ظهرت عن هذه المؤسسة,وقد روعي في تصميم واعداد البرنامج أن يكون قابلا للتعليم في المدارس,وهو يعتبر من أضخم برامج تعليم التفكير في العالم وقد لاقى نجاحا كبيراوترجم إلى عدة لغات وطبق في مدارس كثيرة(29).
ودي بونو-كما يقول مترجموا كتابه- تعليم التفكيرTeaching Thinking:"تخرج طبيبا في مالطة حيث أكمل دراسته ليحصل على درجات في علم النفس والفزيولوجيا بالاضافة الى درجتي دكتور في الطب ودكتوراه في الفلسفة من جامعة كمبريدج...وقد عمل في جامعات كمبيردج واكسفورد ولندن وهارفارد"(30). وهو أحد المهتمين بموضوع التفكير وعمل العقل وقد ألف في ذلك كتبا كثيرة تبحث في هذه الناحية سعيا وراء استقصاء الحقيقة في فهم دور العقل وأساليب التفكير وامكانية تنميتها وتطويرها,وقد نالت كتاباته اهتماما كبيرا وترجمت إلى كثير من اللغات, وإلى جانب ذلك فان له كثيرا من المحاضرات والبرامج حول تعليم التفكير وتطويره وتنميته,وقد دعي إلى كثير من الدول ليلقي فيها محاضراته ويشرح برامجه التعليمية التي قوبلت بالاعجاب والترحيب(31).
ويمكن التعريف ببرنامجCoRT من زاويتين:
أ- الاطار النظري الذي يقوم عليه البرنامج
ب- البنية والمضمون اللذان يشكلان البرنامج
أ- الاطار النظري:
يرتكز برنامج CoRT في اطاره النظري على مفهوم خاص للتفكير والادراك والعلاقة بينهما. ففي رأي دي بونو أن التعريفات المتداولة للتفكير لاتمثل التفكير في كل أوجهه وانما هي تعرفه من وجه واحد فقط لذلك هو يرفض بعض التعريفات المتعارف عليها للتفكير كالقول بانه (نشاط عقلي) أو القول بانه (المنطق أو تحكيم العقل),لأنه يعتقد أن أمثال هذه التعريفات وإن كانت صحيحة في ناحية إلا أنها قاصرة لاتشمل جميع مظاهر التفكير وانما هي تشير إلى جزء منه فقط.ونجده يختار لتعريف التفكير القول بأنه:"التقصي المدروس للخبرة من أجل غرض ما,وقد يكون ذلك الغرض هو الفهم أو اتخاذ القرار أو التخطيط أو حل المشكلات أو الحكم على الأشياء أو القيام بعمل ما وهلم جرا (32)
ولأن دي بونو عالم نفسي وطبيب له اهتمام بالبحث في كيفية عمل الأنظمة البيولوجية,فانه تطرق إلى مناقشة التفكير برؤية عميقة وشاملة مما دعاه إلى أن يلفت الأنظار إلى وجود ما أسماه بالتفكير الشامل أو المحيطLateral Thinking وهو ذلك النوع من التفكير الذي يدفع بالانسان إلى أن يخرج عن النطاق التقليدي المحدود ليبحث عن نقاط أكثر بعدا وعمقا في نواح مختلفة تتعلق بالموقف المستدعي للتفكير ليستولد جميع المعلومات المطلوبة سعيا وراء ايجاد طرق بديلة لتحديد أوتفسير أو فهم ذلك الموقف(33).
ويفرق دي بونو في (التفكير الجديدNew Thinking 1967) بين التفكير التقليدي أو العمودي vertical thinking)) والتفكيرالشامل أو المحيط,lateral thinking فهو يرى أن التفكير التقليدي أو العمودي, وهو التفكير الذي يتمثل في الاهتمام بعمليات التأمل والفهم والتحليل,هو تفكير ينبثق بشكل منتظم systematically من مفهوم أو تعريف منفرد,أي أنه ينبني نتيجة تراكم المعلومات واحدة فوق الأخرى كما يحدث في عملية تشييد المباني,فهو تحليلي في مضمونه وهو وظيفة الجانب الأيسر من الدماغ حيث تصل اليه الاستنتاجات بعد الدلائل. أما التفكير الشامل فهو تفكير عملي توليدي يسعى إلى خلق الأشياء وايجاد حلول للمواقف المختلفة وهو تحريضي في مضمونه يسعى إلى خلق البدائل والابتعاد عن النمطية المعتادة,ويقوم بتوسيع القدرات من خلال الخيال والبديهة,وهو بهذا يشكل أحد أنواع الابتكار في النظر الى بعض الأمورمثل تغير المفاهيم والأنماط,وهو وظيفة الجانب الأيمن من الدماغ.وعلى الاجمال فان التفكير الشامل-كما يراه دي بونو-يمثل مزيجا من المواقف والتكنيكات التي هي في حقيقتها مجرد أدوات بامكان كل فرد أن يتعلمها(34).
والمهارة في التفكير عند دي بونو لاتختلف عن أي مهارة أخرى تكتسب في أي ناحية من النواحي,كمهارة الجري مثلا أوركوب الدراجة أو السباحة فهي تكتسب وتصقل عن طريق التعلم والمران والممارسة والتعامل مع العالم من حولنا. والمهارة في التفكير تتضمن معرفة ماذا ستفعل ومتى تفعله وكيف وما الأدوات اللازمة وما هي النتائج وما الذي ينبغي أخذه بالاهتمام,إنها أكثر بكثير من معرفة قواعد علم المنطق أو تعلم كيف تتحاشى الأخطاء المنطقية,فالمهارة في التفكير تولي اهتماما كبيرا بالادراك وبالقدرة على الفهم وبتوجيه الانتباه,انها مسألة استكشاف للخبرة وتطبيق للمعرفة, وهي معرفة كيفية التعامل مع المواقف المختلفة والخواطر الذاتية وأفكار الآخرين كما أنها تشتمل على التخطيط واتخاذ القرار والبحث عن الدليل والتخمين والابتكار, علاوة على العديد من جوانب التفكير الأخرى(35).
إن مسألة تعليم التفكير في برنامج CoRT لا يقصد منها تعليم المنطق وانما تعليم الادراك,والادراك هو معالجة المعلومات للافادة منها,وفي رأي دي بونو أن التفكير ما هو إلا الادراك بعينه,لأن التفكير هو أيضا معالجة المعلومات للافادة منها وبذلك يكون التفكير والادراك شيئا واحدا وبالتالي فاننا عندما نعلم التلاميذ التفكير فاننا نعلمهم الادراك.وادراك الأشياء من حولنا يتم عندما نوجه انتباهنا اليها وهو يزيد وينقص حسب قدرتنا وتمكنا من توجيه الانتباه الاتجاه المرغوب فيه.ولأن معظم التفكير العادي يحدث في مرحلة الادراك فان مسألة تعليم التفكير تضحي مرتبطة بمسالة توجيه الانتباه.وتصبح مسألة تعليم التلاميذ كيف يوجهون انتباههم إلى نواح معينة أمرا هاما لادراك كثير من الحقائق. والتوجيه المدروس للادراك هو جزء أساسي من مهارة التفكير,إذ أن هناك مواقف معينة يتعين فيها ادراك أنماط معينة,كادراك الطرق المختلفة لمواقع الصواب والخطأ,أو ادراك الأدلة المختلفة. كما أنه قد يتعين أحيانا في مواقف أخرى بناء أحكام أو اتخاذ قرارات تتعلق بالقيم أوالاعتقاد أو غير ذلك مما يتطلب القيام بعمليات خاصة كالتنظيم ومجابهة المفاهيم وطرح الأسئلة وذلك كله يجري في نطاق الادراك(36), وهي جميعها وسائل وأطر لتوجيه الانتباه إلا أن المشكلة في مسألة توجيه الانتباه تتمثل في أن الانتباه لايتجه دوما نحو الاتجاه الذي نفضله ولا يتريث حيث نرغب في تريثه وأن ما يتحكم في الانسياب الطبيعي للانتباه هو الخبرة والمران(37),ويعتقد دي بونو أن الطريقة الوحيدة لتوجيه الانتباه الاتجاه المرغوب تتمثل في تأسيس طريقة خارجية لتوجيه الانتباه أي طريقة يمكن تطبيقها من الخارج على أي موقف بدلا من جعلها تنبع من داخل الموقف نفسه,وهو لذلك يعرض طريقته الخاصة التي أسماها طريقة الأداةTool Method) ) ويقصد منها تعليم التلاميذ استعمال أداة معينة تساعدهم على التفكير,وهذه الطريقة هي القاعدة الأساسية التي بني عليها برنامجCoRT . وطريقة الأداة تعني تصميم أداة واضحة للتفكير ليقوم التلميذ باستخدامها بنفسه في مواقف مختلفة. ومن المهم لنجاح هذه الطريقة أن يتم تعريض التلميذ لمواقف مختلفة كثيرة يمارس فيها تدريبه على استخدام الأداة,رغبة في أن تنبني لديه المهارة في الاستفادة منها ويتم تعوده عليها لأن الهدف هوترسيخ استخدام الأداة في ذهن التلميذ ليصبح جزءاً من ممارساته اليومية في المواقف المختلفة التي تمر به خارج المدرسة(38).
ب-بنية ومضمون البرنامج
لقد صمم البرنامج ليغطي مظاهر التفكير المختلفة مثل التفكير الابداعي والنقدي والبنائي,وهو في مجمله مكون من ستة أجزاء كل جزء منها مؤلف من عشرة دروس,أي أن البرنامج بشكله الكامل مكون من ستين درسا.ويتم تدريس كل جزء خلال فصل دراسي واحد, وخصص لكل درس ما يقارب 45 دقيقة في الاسبوع,أي أن الجزء الواحد من البرنامج يستغرق تدريسه ما يقارب ثمانية ساعات دراسية في كل فصل.
ولقد صمم كل جزء من الأجزاء الستة ليغطي جانبا واحدا من جوانب التفكير,تلك هي:
CoRT 1 -تركز على توسعة أفق التفكير.
- CoRT 11 تركز على عملية تنظيم التفكير.
-CoRT 111تركز على عمليات التفاعل وتنمية التفكير النقدي.
CoRT1V- تركز على تنمية التفكير الابداعي.
CoRTV -تركز على تنمية المعلومات والمشاعر.
CoRTV1- تركز على الأداء (اطار عمل نحو التفكير خطوة بخطوة).
ويوجد لكل جزء من الأجزاء الستة كتاب خاص بالمعلم يوضح ويشرح خطوة خطوة كل درس فيه, وحسب ما يذكره مصمم البرنامج دي بونو فان كثيرا من المعلمين استطاعوا تقديم هذه الدروس دون تدريب سابق عليها لأن الشروح والتعليمات الموجودة في كتاب المعلم بسيطة ومفهومة.
ويرى دي بونو أنه من المهم أن يبتدأ بتدريس الجزء الأول من البرنامج CoRT 1 وهو الجزء الذي يتعلق بتوسعة أفق التفكير,وبعد ذلك من الممكن تقديم الأجزاء الأخرى في أي ترتيب مرغوب,كتقديم CoRT1 و CoRT1V و CoRT V . أو تقديم CoRT1 وCoRT111 , أو تقديم CoRT1 وCoRT1V و CoRT V1 أو تقديم البرنامج كاملا. أي أن CoRT1 يعتبر هو الجزء الأساسي الذي يمثل قلب البرنامج لأنه يتعلق بالقاعدة العريضة لمسألة التفكير وهي توسعة مدى التفكير(39).
ويهدف كل درس من دروس CoRT إلى تنمية ناحية تفكيرية معينة, فمثلا درس العملية process يتمي القدرة على توجيه الانتباه نحو أشياء معينة كالناس أو النتائج وما شابه ذلك,ودرس التركيزFocus ينمي عند التلاميذ التعود على التأني للتأمل أثناء عملية التفكير لتحديد ما يجري تداوله في تلك اللحظة,ودرس احتمال الوقوع في الخطأ Being Wrong يوضح للتلاميذ المصادر الرئيسية للوقوع عادة في الخطأ أثناء التفكير وهي المبالغة والتعميمات الخاطئة والتمسك بوجهة نظر من جانب واحد للموقف, وفي درس المدخلات العشوائية random - input يطبق استخدام العشوائية لاذكاء أفكار جديدة لتنمية التفكير الابداعي, أما درس القيم Values فانه يوجه الى تصنيف القيم إلى عليا ودنيا حتى يمكن تسهيل عملية فحص القيم المتضمنة في موقف ما بدقة أكثر, في حين أن درس العمليات operations يركز على الشروع المنظم لخطوات العمل نحو التفكير(40).
أدوات كورت: CoRT Thinking tools
بما أن برنامج كورت يركز على التعليم العملي التطبيقي للتفكير فانه قائم بأكمله على تدريب التلاميذ على استخدام أدوات خاصة تساعدهم على تنمية القدرات التفكيرية لديهم. وقد انبثقت هذه الفكرة من الاعتقاد بأن التفكير ما هو الا استراتيجيات معينة متى ما تعلمها المرء واعتاد ممارستها ساعده ذلك على اتقان التفكير. ولأن كل درس من دروس كورت يختص بمجال واحد للاهتمام كالتخمين أو اتخاذ القرار أو تعريف المشكلة وما شابه ذلك فهو يدرب التلاميذ على استخدام أدوات ووسائل خاصة لكل مجال تساعدهم على ممارسة التفكير, وقد جرى تصميم هذه الأدوات على أنها أدوات عملية تستخدم للتطبيق العملي وليست مجرد نظرات فلسفية لاتتجاوز حدودها الذاكرة. ومن هذه الأدوات:
- الأداة PMI وهي الحروف الأولى من Plus, Minus,& Interesting Points ويقصد منها تدريب التلاميذ على النظر إلى الفوائد والمضار أو الأمور المثيرة للانتباه في موقف أو فكرة ما وذلك قبل اتخاذ حكم أولي متسرع تجاه ذلك الأمر. ويعلق دي بونو على ذلك بقوله أن الجميع يعرفون أن النظر في حسنات أو سيئات أي فكرة هو أمر جيد إلا أن القليلين هم الذين يفعلون ذلك,لذا لايكفي أن ينصح المعلم تلاميذه بان لايكونوا أحادي النظرة عند مجابهة موقف ما, وانما يلزم تدريبهم على ممارسة ذلك عمليا وجعل الأمر يصبح بمثابة العادة لديهم(41).
- الأداة CAF وهي تشير إلى Consider All Factors , وهي أداة هدفهاتدريب التلاميذ على الالتفات دائما إلى جميع العوامل المحيطة بالموقف وأخذها بعين الاعتبار قبل اصدار أي حكم عليه.
- الأداة OPV التي ترمز إلى Other People's Viewpoint وهي تسعى إلى التركيز على النظر باهتمام لوجهة النظر الأخرى وعدم تجاهلها واهمالها.
-الأداة C&S التي ترمز إلى Consequnces & Sequel , فالغرض منها أن تعود التلاميذ على التبصر في عواقب الموقف والتأمل في نتائجه قبل التسرع في البت فيه.
-الأداة APC الممثلة لعبارةAlternatives,Possibilities,Choices والتي تهدف إلى تشجيع التلاميذ على النظر في البدائل أولا قبل اتخاذ قرار أو اعطاء تفسير.
وغير ذلك من الأدوات المماثلة(42).
كيفية تطبيق الدروس:
لقد دونت دروس كورت في كتيبات صغيرة بحيث يحوي كل كتيب درسا كاملا,ويتم التدريس من خلال هذه الكتيبات فيقوم المعلم أولا بوصف مهارة التفكير المراد التدريب عليها ويشرحها مع استخدام مثال عليها, بعد ذلك يقوم التلاميذ بتطبيق المهارة في تدريبين أو ثلاثة. ويعمل التلاميذ عادة في شكل جماعي مكون من أربعة إلى خمسة أفراد في كل جماعة, وفي نهاية الدرس يخصص وقت للمناقشة ومدى الاستيعاب وفحص التغذية الراجعة feedback,ثم يعطى التلاميذ واجب بيتي لمزيد من التدرب على تلك المهارة. وكمثال يذكر دي بونو وصفا لأحد الدروس حيث يبدأ الدرس بأن يقوم المعلم بسؤال تلامذته أن يرسموا تصميما جديدا للرأس ولنفترض أن أحدهم رسم رأسا بعين واحدة في خلف الرأس,عندها يقوم المعلم بأخذ التصميم الجديد للرأس ويسأل الطلبة عن حسنات وسيئات هذا الوضع الجديد للرأس, وأخيرا عن ما هو مثير في أن يكون للانسان عين من الخلف؟ من خلال هذا المثال يكون بامكان المعلم أن يطرح الأداة PMI ويشرح لتلاميذه كيفية استعمال هذه الطريقة الصورية في النظر إلى النواحي الحسنة والسيئة والمثيرة للاهتمام في جميع الأشياء والمواقف,ثم يقدم لهم التدريب الأول, ويترك المعلم التلاميذ يفكرون في التدريب المعطى لهم مدة دقيقتين أوثلاث ثم يبدأ في استخراج وجمع ما توصلت اليه كل مجموعة من آراء. ولنفترض أن التدريب المعطى كان حول التفكير فيما اذاكان ينبغي ان تدهن جميع السيارات باللون الأصفر؟ فان المعلم يوزع العمل بين التلاميذ بحيث يجعل مجموعات منهم تقوم بمهمة التفكير في حسنات ذلك القرار ومجموعات أخرى تكون مهمتها التفكير في سيئاته ومجموعات ثالثة عليها التفكير في ما هو مثير للاهتمام في هذه الفكرة.ثم يقوم المعلم بجمع التغذية الراجعة feedback من التلاميذ عند نهاية الوقت المخصص لذلك.ومن المهم جدا التقيد بالمدة الزمنية المخصصصة لكل تدريب لتعويد التلاميذ على عملية ضبط التفكير.وهناك طرق مختلفة لجمع التغذية الراجعة feedback إما بأن يأخذ المعلم نقطة واحدة في كل مرة من كل مجموعة أو أن يترك مجموعة واحدة تعطي جميع ما لديها ثم تضيف المجموعات الأخرى ما لم يذكر,وهكذا. ثم يتلو ذلك تدريب آخر كأن يطلب المعلم من التلاميذ أن يفكروا في الرأي الذي يقترح على الناس ارتداء اشارات خاصة تبين "نوع مزاجهم في تلك اللحظة",وفي هذه المرة تقوم كل مجموعة بتطبيق الأداة PMI كاملة ويحدد المعلم مدة دقيقتين للتفكير في كل جزء من الأجزاء الثلاثة في هذه الأداة (الحسنات والسيئات والنواحي المثيرة).
وفي الدرس الواحد يمكن تغطية ما يتراوح ما بين أربع إلى خمس مسائل تفكيرية,وفي نهاية الدرس يناقش المعلم مع تلاميذه بايجاز ما ذا تعني عملية PMI وما هي فائدتها ومتى تكون هناك حاجة لاستعمالها,ثم يلخص المعلم طبيعة وفائدة هذه الأداة(43).
ويتميز برنامج CoRT بالمرونة الشديدة مما يجعله قابلا لأن يدرس منفصلا أو ضمن المواد الدراسية الأخرى,وقد تفاوتت المدارس التي طبقته في جدولة دروسه,فبعضها جعل تلك الدروس موضوعا أساسيا يدرس لجميع الفصول بشكل مستقل,في حين فضل البعض الآخر دمج الدروس ضمن المواد الدراسية الأخرى بحيث تعطى ضمن دروس اللغة والاجتماعيات والعلوم الخ(44).أما بالنسبة للسن التي يقدم فيها البرنامج فان برنامج CoRT لم يصمم ليلائم فئة عمرية معينة أو تدرجا خاصا في المعرفة حيث أن هدفه تحسين عملية التفكير لدى الفرد وليس تقديم قدر معين من المعارف,لذا فانه يلائم الصغار والكبار بعد اجراء تعديلات طفيفة ليتلاءم مع كل سن. إلا أنه يفضل-كما يقول مصممه-تقديم البرنامج خلال المراحل العمرية الممتدة من العاشرة وحتى الثالثة عشرة بحيث يصبح تعليم التفكير موضوعا تأسيسيا لهذه الفئة العمرية كما يصبح جسرا يربط ما بين المرحلة الابتدائية وما بعدها(45).
نتائج تطبيق البرنامج:
في سلسلة من الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية لمعرفة تأثيرات البرامج التعليمية التي تهدف إلى تنمية مهارات التفكير على التلاميذ,أختير برنامج CoRT 1 لاجراء دراسة تقيمية عليه (ادواردز و بالدوف 1983 Edwards and Baldauf) وقامت الدراسة بدمج البرنامج مع درس العلوم للسنة الأولى الثانوية للمرحلة العمرية المقاربة خمسة عشر عاما. وفي نهاية الفترة المحددة تم اختبار التلاميذ وتذكر نتائج الدراسة أن التلاميذ عندما طلب منهم الكتابة في أحد المواضيع المألوفة أظهروا زيادة كبيرة في تدفق الأفكار وفي نوعية وبنية الاجابات .كما أظهروا زيادة كبيرة في كثرة الأفكار المولدة والمبتكرة عندما طلب منهم الكتابة في أحد المواضيع غير المألوفة.كذلك أظهرت نتائج الدراسة أن اكتساب التلاميذ للمهارات الموجودة في CoRT 1 ساعدهم على تحسن نتائج الاختبارات النهائية في مادة العلوم(46).
وفي دراسة ثانيةEdwards and Baldauf 1987 ) ) أجريت التجربة على 67 طالبا من السنة الأولى المتوسطة ممن تقارب أعمارهم الثانية عشرة وقد جرى اختبار هؤلاء التلاميذ بمقاييس عديدة قبل بدء أخذهم لبرنامج CoRT 1 ثم أعيد اختبارهم بعد 11 أسبوعا من أخذهم للبرنامج. وقد أظهرت النتائج دلالة إحصائية هامة في سعة المعلومات حسب مقياس Otis-Lennon 1982 لاختبار المقدرة المدرسية(OLSAT
), وفي مفهوم الذات كمتعلم حسب مقياس Waetjen 1967 (SCAL), وفي مرونة وأصالة التفكير كما قيس بمقياس Torrance 1984 لاختبار قدرات التفكير الابداعي(47).
وفي دراسة ثالثة (جون ادواردزJohn Edwards 1991 ) أجريت على تلاميذ في السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية في استراليا, أظهرت النتائج تطابقا مع الدراسات السابقة في نواحي الزيادة الملحوظة في سعة المعلومات ومرونة وأصالة التفكير وتحسن نتائج الاختبارات(48).
وفي دراسات أخرى حول تأثير برنامج CoRT على نمو مهارات التفكير عند التلاميذ أفاد كثير من المعلمين الذين طبقوا هذا البرنامج في مدارسهم أنهم لاحظوا على تلاميذهم بعض التغيرات الايجابية في حالات النقاش التي تدور بين مجموعة من الأفراد وذلك مثل زيادة الرغبة في الاصغاء للآخرين,ونقص التمركز حول الذات,ونقص الاستخفاف أو التحقير لآراء الآخرين,وزيادة القبول أو التسامح أزاء وجهات النظر الأخرى,وتناقص الابتعاد عن صلب الموضوع,وزيادة الرغبة في التفكير في الموضوعات الجديدة بدلا من رفضها على اعتبار أنها سخيفة,واستخدام التفكير للاستكشاف بدلا من استخدامه لتدعيم وجهة نظر معينة أو للدفاع عنها,واستخدام أشكال من التفكير غير تلك التي تتسم بالنقد المحض,ومعرفة ما ينبغي عمله بدلا من انتظار فكرة من الأفكار(49).
امكانية الاستفادة من برنامج CoRT للتفكير في برامجنا التعليمية:
يكاد يتفق علماء التربية المعاصرون على أن دور التعليم ينبغي أن يكون تزويد الطالب بالمعرفة القابلة للاستعمال والتطبيق في الحياة العملية التي يعايشها في كل يوم. والمعرفة الصالحة للتطبيق في الحياة اليومية لابد فيها من ممارسة التفكير طبقا للاحتياجات المتولدة لمواجهة المواقف المختلفة التي تعترض الانسان في حياته اليومية,بحيث يمكن الاستفادة من المعرفة في الاستنتاجات وابتداع الأفكار والتخطيط ومواجهة المواقف العسرة وما شابه ذلك. وما يتم الآن في المدارس مقتصر على امداد التلاميذ بالمعرفة المجردة من القوة التفكيرية المدعمة لها.أي أن التعليم مقتصر في شكله الحالي على تزويد التلاميذ بالمعلومات فقط دون التفات إلى تطوير القدرات التفكيرية أو تنمية المهارات العقلية,ومن المعروف أن امداد التلاميذ بالمعلومات وحدها -مع أهميتها- هو أمر ناقص ,لأن المعلومات تعد ناقصة الفائدة مالم يساندهاما يصقل العقل ويعينه على أن يستخرج منها أفضل ما فيها.
إن الكثيرين يكادون يتفقون على أن التعليم بشكله الحالي غير كاف لتطوير النواحي التفكيرية وتنميتها عند التلاميذ وأنه لابد من تدريس مهارات التفكير في المدارس كجزء من المنهج التعليمي.فالعالم المعاصر الآن آخذ في زيادة الاعتماد على العقول البشرية مقابل التناقص في الاعتماد على الأيدي العاملة مما يشير إلى أهمية وضرورة زيادة التركيز على تنمية القدرات العقلية والفكرية لدى التلاميذ.
إن قضية ادخال تعليم التفكير إلى المدارس إلى جانب أهميتها العلمية والتربوية هي قضية تتعلق بمسألة النمو والتقدم ومواجهة تحديات المستقبل في عالم أصبح قائده الفكر, ومن ثم فان حاجتنا إلى تعليم التفكير لتلامذتنا وتلميذاتنا هي حاجة عظيمة.إن هناك عدة مبررات تدفع بنا إلى أن ننظر بجدية إلى مسألة ادخال تعليم مهارات التفكير بطريقة مباشرة إلى مدارسنا. من هذه المبررات(50)
- أن الشخص الذكي ليس بالضرورة هو مفكر جيد, إذ هناك فرق بين الذكاء واجادة التفكير.
- أن اكتساب المعرفة العلمية وحدها دون اكتساب المهارة في التفكير يعد أمرا ناقصا,فالمعرفة لاتغني عن التفكير ولايمكن الاستفادة منها دون تفكير يدعمها.
- أن المهارات التفكيرية التي تكتسب حاليا من المواد التعليمية المقدمة هي مهارات محدودة مقتصرة على تصنيف المعلومات وتحليلها أو حفظها وهي تفتقر كثيرا إلى المهارات التي يحتاجها المرء في حياته اليومية مثل اتخاذ القرارات وتحديد الأولويات,وتقديم البدائل,وتقدير وجهات النظر الأخرى وغير ذلك من المهارات اللازمة في الحياة الاجتماعية.
- أننا في مواجهة مستقبل متزايد التعقيد يحتاج إلى كثير من المهارة في اتخاذ الاختيارات وحل المشاكل والقيام بالمبادرات المختلفة.
-كذلك فاننا كمجتمع نام نحن في حاجة إلى زيادة المهارة في عمليات الانتاج والأداء بشكل عام وهي عمليات لاتقوم على المعرفة وحدها وانما هي في حاجة أيضا إلى المهارة في التفكير.
- أخيرا بلا شك أن مجتمعنا النامي هو في أشد الحاجة إلى المنظمين والقادة الاجتماعيين المزودين بمهارات تفكيرية تساعدهم على مواجهة مسئولياتهم بقدر كبير من التبصر والحكمة وليس المعرفة فقط.
إن برنامج CoRT للتفكير هو واحد من برامج كثيرة ابتكرت لتعليم التفكير,وما قامت به هذه الدراسة هو تقديم عرض موجز لهذا البرنامج,واذا أردنا تبنيه في برامجنا التعليمية فاننا في حاجة إلى مجموعة من الاعتبارات الاجرائية التي تشمل أولا الاقتناع بالفكرة ثم التخطيط المتقن والتنفيذ السليم حتى لايواجه المشروع بالفشل كما حدث في بعض محاولات سابقة لاحداث بعض التطوير في البرامج التعليمية,ومن بين هذه الاعتبارات الاجرائية اللازمة ما يلي:
- القيام بدراسة شاملة وعميقة للبرنامج بواسطة فريق من الباحثين التربويين الذين يتولون القيام بدراسة مسحية للبرنامج وتحليله وتقويمه وتقرير مدى مناسبة تطبيقه وفائدته في ضوء ظروفنا الاجتماعية وامكانياتنا البيئية.
-ترجمة البرنامج بأكمله بما في ذلك الكتيبات المخصصة للتلاميذ وكتاب المعلم.
-تصميم دورات قصيرة لتدريب المعلمين على كيفية تطبيق البرنامج وتوضيح طبيعته والهدف منه.
- يستحسن في البدء تطبيق البرنامج بشكل تجريبي في عدد قليل من المدارس بنين وبنات على أن يتم قياس درجة التقدم الفكري عند التلاميذ والتلميذات عند اكمالهم لكل جزء من أجزاء البرنامج.وهذا يتطلب ترجمة أواعداد بعض المقاييس المعروفة لقياس التطور في مستوى التفكير عند التلاميذ في جميع أشكاله.
- ويستحسن أن تبدأ التجربة في الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية ابتداء من السنة الرابعة حيث يمكن غرس مهارات التفكير لدى التلاميذ وتشريبهم اياها في مرحلة مبكرة بحيث يصبح تعليم التفكير موضوعا تاسيسيا لهم.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________ لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي
عدل سابقا من قبل freeman في الأحد مايو 08, 2011 10:23 pm عدل 1 مرات | |
|