*بسم الله الرحمن الرحيم* *والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته* *التفكير: * *يرتبط بالذات بصورة يصعب معها التعامل بحيادية أو فض الاشتباك بينهما. * *والخطأ: * *يرتبط بالتفكير ، وباتخاذ القرار ، والذي يترتب عليه حسن أو سوء التصرف.* *ومعظم الناس:* *إلا من رحم ربي ، لا يتصور نفسه مخطئاً ، ولا يستسيغ فكرة الاعتراف بالخطأ ، ناهيك عن إصلاحه .....!* *مع أن رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم قال:* *" كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ".* *فهل من متأمل ؟* *مثلا:* *إذا أراد أحدهم أن يقنعك بأن تفكيرك محدود أو غير صحيح أو متسرع أو خلافه ، فإنه سيصطدم لا محالة بصورتك عن نفسك ، والتي تراها أنت كما تحب أن تراها لا كما هي في الحقيقة ، أو هكذا يحدث غالباً. * *ومازلنا في حاجة لتعلم فنون تأكيد الذات والتي من بينها الاعتراف بالخطأ ، كما الدفاع عن الحق.* *ولقد رصد " د. إدوارد دي بونو " أحد الناشطين في مجال أبحاث التفكير والإدراك ، رئيس مؤسسة البحث المعرفي ببريطانيا ( The cognitive Research Trust ) العديد من أخطاء التفكير المنطقية ، والتي يتسبب فيها قصور إدراك المرء عن استيعاب كل ما يحيط بالمشكلة أو الموضوع الذي يفكر فيه ، وعلى الرغم من تأكيد " د. دي بونو " أن التفكير الفعال ليس هو فقط التفكير المتحرر من الأخطاء المنطقية ، إلا أنه يؤكد أيضاً على صعوبة تعريف التفكير الماهر بطريقة واضحة ومحددة. * *ولذلك فمن الأيسر: * *تحري الأخطاء المنطقية وتجنب الوقوع فيها ، ومن ثم التدريب على اكتساب مهارات تفكير مساعدة.* *وتذكر: * *إن السيارة التي تقاد ببراعة لا يعني أنها تسير في الاتجاه الصحيح ، إذ قد يكون فاتها منعطف مهم.* *ومن أهم ما ذكره " د. دي بونو " في كتابه " تعليم التفكير " ، تسعة أخطاء غالباً ما ندمن الوقوع بأحدها أو أكثر ، وسواء أخطأنا بوعي أو بغير وعي ، فإنه نادراً ما يستطيع أحدنا التراجع أو الاعتراف بأنه كان مخطئاً.* *وهي كما يلي:* *أولا: التحيز والنظرة الجزئية.* *إن النظرة الجزئية أو الضيقة تعد إلى حد بعيد ، الخطأ الرئيس في التفكير ، وهو خطأ في الفهم وقصور في الإدراك. * *وفي هذه الحالة: * *ينظر من يفكر إلى جزء من الموقف فحسب ، ويقيم حجته على أساس ذلك ، وفي الحقيقة فإنه من السهل أن يصر المرء على وجهة نظر معينة ، متعمداً كان أو غير متعمد ، طالما أنه يستطيع أن يشيد حجة متسقة منطقياً يعتمد عليها في إقناع الآخرين ، ويصعب إن لم يكن يستحيل غالباً اكتشاف الخطأ ما لم يكن هناك إلمام بجميع جوانب الموضوع.* *ثانيا: السلم الزمني.* *ويعتبر هذا الخطأ حالة خاصة للنظرة الجزئية. * *حيث يركز المرء على: * *شريحة زمنية ضيقة ، غالباً ما تكون قريبة ،ويبدو هذا الخطأ واضحاً حين نحاول توقع نتائج الأحداث ، فكثيراً ما تتغير نتائج الحدث الواحد بعد مرور فترة من الزمن ، فما يبدو إيجابياً ومرضياً في نتائجه القريبة قد لا يكون كذلك على المدى البعيد ، والعكس صحيح.* *ثالثا: التمركز حول الذات.* *وهو أن: * *تتركز المساحة الجزئية للإدراك على الذات. * *وإذا كان هناك مبرر للتمركز حول الذات ، من منطلق أن الغرض من التفكير الشخصي يكمن في إفادة المرء نفسه لمواجهة الحياة بفاعلية.* *فإن الخطأ: * *لا يقع إلى حدٍ بعيد في عناية المرء بمصالحه. * *بل: * *في عجزه عن رؤية بقية الموقف. * *وإذا كان بوسع المرء أن يرى الموقف بطريقة أشمل ، ثم يعود للتمركز حول ذاته فإنه في هذه الحالة سيكون صائباً في تفكيره غير أنه أنانياً في أخلاقه.* *رابعا: العجرفة والغرور.* *يبرز خطأ الغرور حينما: * *يبدو تفسير منطقي واضحاً لأمرٍ ما ، ويؤخذ هذا التفسير حينئذ على إنه صحيح. * *ويكمن الخطأ في أن: * *الرضا عن التفسير المبدئي يعوق البحث عن أية تفسيرات أخرى. * *برغم إمكانية: * *وجود تفسيرات أخرى قد تتجاوز التفسير الأول وربما تفضله. * *ويوجد سببان لهذا النوع من الخطأ بالغ الأهمية:* *أولهما: * *أنه لا يبدو خطأً على الإطلاق إذ غالباً ما يكون كافياً ومُرضياً.* *والثاني: * *هو وجود طريقة منطقية لتبريره مما يعوق البحث عن طرق أخرى.* *ويمكننا القول إن تقدم العلم يعود فقط إلى العلماء الذين هيئوا أنفسهم لعدم الرضا عن التفسير الأقرب ، وكرسوا جهودهم للبحث عن تفسيرات أخرى.* *خامسا: الحكم الأولي.* *وينتج حين: * *يستخدم التفكير لا للوصول إلى الحكم ، وإنما لمناصرة حكم تم إصداره سلفاً ، على أساس من التحيز أو العاطفة أو الاعتقاد أو التكتل الاجتماعي. * *ومما يؤسف له أن: * *المدارس تشجع هذه العادة ، إذ يُدرب التلميذ على إبراز وجهة نظره في أول المقالة كي يستخدم بقية المقالة في الدفاع عن وجهة النظر هذه.* *وليس الخطأ في: * *إصدار حكم ابتدائي. * *ولكن الخطأ في: * *توجه العقل نحو خلق حجج متسقة منطقياً لدعم هذا الحكم. * *ومن سمات العقل أنه: * *إذا لم يجد ما يشغله فإنه يندفع إلى صياغة الأحكام متأثراً بالبعد العاطفي ، بينما يحتاج المرء إلى مزيد من السعة في الإدراك لتمحيص الموقف ، والتعامل مع الحكم الابتدائي كنقطة عبور للحكم النهائي. * *سادسا: الحكم المناوئ.* *وهو: * *التأكيد على صدق الحجة بإبراز خطأ منطقي في الحجة المعارضة. * *لنصل إلى القول: * *أنت على خطأ ، ومن ثم فإني على صواب.* *فالخطأ المنطقي في حجة أي امرئ: * *لا يزيد عن كونه خطأً منطقياً لتلك الحجة ، ولا يعني بأية حال ضرورة صحة الحجة المعارضة. * *والواقع يشهد أن: * *أغلب الخلافات التي تحدث وتتسع بين الأفراد ، تنتج وتستمر بسبب سوء توجه الحوار بين الأطراف المختلفة ، فكل منهم ينبري لإبراز أخطاء الآخرين معتبراً أن ذلك كافياً لتأكيد صحة موقفه ، على الرغم من احتمال أن يكون الجميع على خطأ ، أو الجميع على صواب ولكن من وجهات نظر مختلفة ، وهو مسلكاً يصب في إطار الكِبر الذي نهى عنه ديننا الحنيف.* *سابعا: تضمين الذات.* *إن الحاجة إلى أن تكون على صواب طوال الوقت هي: * *الهدف الأكثر قوة في تحديد اتجاه التفكير ، من بين معظم الأهداف الأخرى. * *إذ يستخدم المرء تفكيره كي: * *يحافظ على صواب موقفه ، ثم يعتقد به. * *ويجد أحدنا صعوبة بالغة في الاعتراف بأن تفكيره خطأ حتى بينه وبين نفسه ، وذلك على الرغم من كثرة ترديدنا للحكمة القائلة بأن الاعتراف بالحق فضيلة ، كما يجد الصعوبة نفسها في الاعتراف بأن تفكير غيره على صواب. * *فالتفكير يستخدم: * *لدعم الأنا ، لا لاستكشاف آفاق الموضوع.* *ولذلك يغلب على التفكير: * *الافتقار التام للموضوعية ، برغم أن بناء الأفكار قد يكون منطقياً ومتسلسلاً لدى المفكرين الماهرين ، إلا أن الإدراك منحاز بشكلٍ كبير.* *ثامنا: خطأ المقدار ( الخطأ الكمي ).* *وهو واحد من الأخطاء الرئيسية في الإدراك. * *فعلى سبيل المثال: * *دعاوى الإعلانات عن " المعقمات تقتل الجراثيم " ، فالجراثيم تؤثر في بقايا الطعام وتسبب رائحة الفم ، فإذا استخدمت معقماً في غسيل الفم فسيكون نفسك ألطف.* *ويبدو هذا كله: * *منطقياً تماماً. * *إلا أنه: * *خاطئ تماما من وجهة نظر كمية. * *فالمعقم: * *ينحل سريعاً في الفم بحيث لا يمكنه قتل الجراثيم إلا لدقيقة واحدة على الأكثر. * *أما الجراثيم: * *فتتضاعف بسرعة لتعويض نفسها. * *وبالتالي فلا يمكن للمرء الكشف عن الخطأ إلا إذا: * *توفر لديه مجال واسع للإدراك يتيح له الحكم على الحجة المطروحة.* *تاسعا: التطرف.* *إن عادة التطرف تنتج إلى حد ما من: * *اعتيادنا التعامل مع مفاهيم وتعريفات مطلقة. * *فما أن يدخل شيء ما في إطار التعريف حتى يجري التعامل معه بطريقة مماثلة لكل ما هو في ذلك الإطار.* *وربما لاحظ بعضنا: * *كيف تسيطر تلك الأحكام العامة والمفاهيم المطلقة على الكثير من حواراتنا وتشكل وجهة نظرنا ، فكل الألمان متكبرون ، وكل اليابانيين مخترعون مبدعون ، وكل من لم يدرس بالجامعة غير مثقف ، وفي الحقيقة كل ما بدأ بـ " كل أو جميع " يحمل جانباً من الخطأ في التفكير ، ونادراً ما يثبت صوابه.* *وينبغي حين نتحدث عن أخطاء التفكير: * *أن نحذر الخلط بين قصور الإدراك ، وافتقار المعرفة. * *فالإدراك: * *ليس مثيلاً للمعرفة ، وإنما هو طريق النظر في المعرفة المتوافرة ، وهو أيضاً طريق توجيه الانتباه ، لما هو أكثر من المعرفة المتوافرة.* *فعيوب التفكير: * *لا تقع غالباً في قصور المعرفة ، بل في قصور الطريقة التي ننظر بها إلى الأمور. * *فإذا نظرنا إلى الموقف: * *بأسلوب يتمركز حول الذات ، فقد اخترنا أن نفعل ذلك. * *وإذا افترضنا واثقين: * *أن تفسيراً معقولاً يستبعد أي تفسير آخر ، فإننا اخترنا الحكم بذلك.* *فالخيار متروك لك .....!* *والله الموفق المستعان.* ****************************** *المصدر:* *دي بونو ، إدوارد ( 1989م ) . تعليم التفكير ، ترجمة: عادل عبد الكريم ياسين وآخرون. * *الكويت: مؤسسة الكويت للتقدم العلمي - هالة شعبان.*
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي