د. محمد حالي:
تتوخى التربية على المواطنة تنمية الوعي بالحقوق والمسؤوليات الفردية والجماعية، والتدرب على ممارستها، وتستمد وظيفتها المجتمعية من مساهمتها في تكوين الإنسان/المواطن القادر على
السير بالمجهود التحديثي والتنموي لبلاده إلى الأمام، في وقت تزايدت فيه انتظارات المواطنين، ومستلزمات العالم الذي نعيش فيه. وقبل المضي في تحليل غايات التربية على المواطنة وعلاقتها بالتربية على حقوق الإنسان لا بد من الجواب عن السؤال المركزي المتعلق بمفهوم التربية على المواطنة
- مفهوم التربية على المواطنة
يتفق المختصون على اعتبار التربية على المواطنة هدفا أسمى لكل نظام تربوي، ويختلفون حول تعريف التربية على المواطنة فبينما عرفها(1960, Sherley Engle) على أنها "عملية صنع القرار"، أشار (James P. Shaver ,1967) إلى أنها " إعداد المواطن للاشتراك الفعال في المجتمع الديموقراطي" في حين ذهب (Richard C. Remeg ,1979) إلى أنها تتمثل في الحقوق والمسؤوليات والواجبات المصاحبة لحكم مجموعات بشرية مختلفة ينتمي إليها الفرد نفسه(1). أما (2005, Philippe Meirieu) فيرى أن الدولة يجب أن تضمن من خلال التربية على المواطنة لكل من يغادر المدرسة القدرة على فهم العالم والمجتمع اللذين سيكون مطالبا بأداء أدواره فيهما سواء أكان ذلك على المستوى الفردي أم المهني أو السياسي(2).
وفي تعريف لمنظمة اليونسكو: المواطنة "هي مجموع عمليّة الحياة الاجتماعيّة التي عن طريقها يتعلّم الأفراد والجماعات، داخل مجتمعاتهم الوطنيّة والدولية، أن ينمّوا بوعي كافّة قدراتهم الشّخصيّة واتّجاهاتهم واستعداداتهم ومعارفهم…" (3).
أما (ذ. عمارة بن رمضان 2007) مدير المعهد العربيّ لحقوق الإنسان فيرى أن المدلول الحديث للمواطنة يحيلنا على ثلاثة مفاهيم وهي : المفهوم السّياسيّ ويقترن بحقوق المواطن في المشاركة في الحياة العامّة؛ المفهوم القانونيّ ويهم الحقوق المدنية والاقتصادية للمواطن كالحقّ في الحياة والحرّيّة والأمن والمساواة والملكيّة دون إغفال واجبات المواطن كحماية الوطن وأداء الضّرائب واحترام القوانين. أما المفهوم الإداري للمواطنة فيفيد أمرين أساسيّين هما: المشاركة في اتّخاذ القرارات الإدارية وحماية المعطيات الشّخصيّة للمواطن كالأصل العرقيّ والاجتماعيّ والانتماء السّياسيّ والمعتقدات الدّينية، واحترامها (4).
قام ذ.الصدوقي محمد (2007) بمقاربة المفهوم من خلال ثلاثة أبعاد أساسية وهي:
البعد الفلسفي والقيَّمي: للمواطنة مرجعية فلسفية وقيمية تستمد دلالاتها من مفاهيم الحرية، والعدل، والحق، والخير، والهوية، والمصير والوجود المشترك، وذلك لأنها إنتاج ثقافي؛
البعد السياسي والقانوني: تحدد المواطنة كمجموعة من القواعد والمعايير التنظيمية والسلوكية والعلائقية داخل المجتمع ويتضمن هذا البعد التمتع بحقوق المواطنة الكاملة كحق المشاركة في التدبير واتخاد القرارات وتحمل المسؤوليات ثم القيام بواجبات المواطنة؛
البعد الاجتماعي والثقافي: وهو كون المواطنة محدد لمنظومة التمثلات والسلوكات والعلاقات والقيم الاجتماعية، أي كمرجعية معيارية وقيمة اجتماعية، وكثقافة وناظم مجتمعي. ويخلص الباحث إلى اعتبار المواطنة مجموعة من القيم والنواظم لتدبير الفضاء العمومي المشترك، تتحدد أهم تجلياتها في الانتماء للوطن، والتمتع بحقوق المواطنة والالتزام بواجباتها، والمشاركة في تدبير الفضاء العام. ثم يحصر التربية على المواطنة في التنشئة الاجتماعية التي تحاول تربية الفرد/المواطن على تمثل وتبني كل تلك القيم والنواظم السياسية والقانونية والمعرفية لمفهوم المواطنة، لتنعكس في مؤسساته وسلوكاته وعلاقاته المجتمعية داخل الفضاء العام المشترك (الوطن
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي