قوّة دماغك ...
ما أعظم هذه الهديّة التي ولدنا ونحن نملكها! لقد تعلمت بأن عقولنا تستطيع أن تنجز كل ما نرغب فيه ، ولا يمكننا
في الواقع تقريباً إدراك قدرات الدماغ الحقيقية. بل إن معظمنا لا يعرف كيفية عمل الدماغ ، ولذا فلنركّز باختصار
على وعاء القوة الذي لا يوازيه أي شيء آخر ، وكيف يمكن لنا أن نكيّفه بحيث ينتج باستمرار النتائج التي نرغب
في تحقيقها في حياتنا.
عليك أن تدرك بأن دماغك ينتظر بشوق كل أمر توجهه له ، مبدياً استعداده لتلبية أي طلب تطلبه منه. وكل ما يطلبه
هو قليل من الوقود: الأكسجين الموجود في دمك والقليل من الجلوكوز. ونظراً لتركيبه المعقّد وقوته فإن العقل
يتفوّق على أحدث تكنولوجيا كمبيوتريّة قد تتواجد في العصور الحديثة. فهو قادر على معالجة ما يصل إلى 30
بليون معلومة في كل ثانية ، وهو يفاخر بأنه يحتوي على ما يعادل 6000 ميل من الأسلاك والكبلات . ويحوي
الجهاز العصبي للإنسان عادةً حوالي 28 بليون عصبون ( وهي الخلايا العصبية المصمّمة لإجراء الدفعات العصبية) .
وبدون هذه العصبونات لن تكون أجهزتنا العصبية قادرة على تفسير المعلومات التي نتلقاها عن طريق أعضاء
الحسّ ونقلها إلى الدماغ وحمل الإرشادات الموجهة من الدماغ والتي ترشدنا إلى ما يجب علينا أن نفعله. وتجدر
الإشارة إلى أن كلا من هذه العصبونات هي عبارة عن حاسب آلي ضئيل الحجم له استقلاله الذاتي وقادر على
معالجة حوالي مليون معلومة.
تعمل كل من هذه العصبونات باستقلالية غير أنها تتواصل فيما بينها عن طريق شبكة مدهشة من الألياف العصبية
التي يبلغ طولها 100000 ميل. وقدرة دماغك على معالجة المعلومات مذهلة، خصوصاً حين تأخذ بعين الاعتبار
أن الحاسب الآلي – مهما كانت سرعته – لا يستطيع أن يقوم بأكثر من اتصال واحد في كل مرّة. وبالمقارنة ،
فإن المنعكس في أي عصبون يمكنه أن ينتشر إلى مئات الألوف من العصبونات في أقل من 20 جزءاً من الثانية.
ولتقريب هذا المنظور لك فإن هذا يعادل أقل من عُشر ما يلزم العين لكي تطرف طرفة واحدة.
يأخذ العصبون فترة أطول بمليون مرّة في إرسال رسالة من مفتاح الكمبيوتر العادي ، غير أن بإمكان العقل أن
يتعرّف على وجه مألوف في أقل من ثانية ، وهو أمر يتجاوز أقوى حاسب آلي. ويستطيع الدماغ أن يحقّق هذه
السرعة لأن بلايين العصبونات الموجودة فيه يمكنها أن تهاجم مشكلة ما في نفس الوقت ، على العكس من
الحاسب الآلي الذي يسير على أساس خطوة خطوة.
ولذا مع وجود كل هذه القوّة الهائلة الموضوعة تحت تصرفنا ، لماذا لا نستطيع أن نحمّل أنفسنا على الشعور
بالسعادة باستمرار؟ لماذا لا نستطيع أن نغيّر عادة سيئة مثل التدخين أو الإفراط في الطعام أو التسويف؟ لماذا لا
نستطيع أن نتخلّص على الفور من الاكتئاب ونتجاوز الشعور بالإحباط ونشعر بالغبطة في كل يوم من أيام
حياتنا؟ يمكننا ذلك ! فلدى كل منا الحاسب الآلي الذي يملك قوّة لا تصدّق ولا يُضاهيها أي حاسب آخر على وجه
البسيطة. غير أن أحداً – مع الأسف – لم يعطنا كتيّب تشغيل يدلّنا على مدى دقّة هذا الحاسب الهائل. فمعظمنا
ليست لديه أدنى فكرة عن كيفية قيام أدمغتنا بعملها. ولذا فإننا نحاول أن نفكّر في الطرق التي تمكننا من
التغيير في حين أن سلوكنا مغروس في جهازنا العصبي على هيئة روابط بدنية أو روابط عصبيّة.
"
الطبيعة كلها رصاصيّة بالنسبة للعقل البليد ، أما بالنسبة للعقل اللامع فإن العالم كله يشتعل ويلتمع بالنور